عرض مشاركة واحدة
قديم 09-29-2008
  #88
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

العَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ



"هو الذي يعلم تفاصيل الأمور، ودقائق الشئون، وخفايا الضمائر والنفوس، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يستوي عنده العلم بالأشياء قبل وجودها، وبعد وجودها، وتنـزه سبحانه أن يستفيد علماً جديداً من الحوادث، لأنه غني عن العالمين.


والعلم صفة أزلية تكشف الحقائق على ما هي عليه، بلا زيادة ولا نقصان، وهي تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل....


فالحق تعالى يعلم أنه الواحد الأحد، ويعلم أن الشريك مستحيل، ويعلم غيب السموات والأرض، وليس هذا الوصف إلا لله تعالى، والكل جاهلون، إن شاء الله علَّمهم، قال تعالى: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } (1) .


وقال سبحانه: { الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآن } (2) .


وقال جلَّ شأنه: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } (3) .


وقال عزَّ سلطانه: { وَاللّه أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } (4) .


وقد اختلف الناس في تعليم الله بعض الغيب لأوليائه:


فقال بعضهم: إنه مستحيل. وقال الآخرون: إنه جائز.


والحقُّ الذي أبيّنه لك هو أن الغيوب كثيرة، فأولها الذات الأحدية، وهي في غيب الغيوب، لا يعلمها إلا هو تعالى، ثم غيب تجلِّي أنوار أسمائه وصفاته تعالى، وهذه يكرم الله بها أنبياءه، وورثتهم. ثم ... غيب القَدَر وحكمته العالية، وقد علَّمها الله لسيِّدنا الخضر عليه السلام، ثم عجائب وغرائب أسرار السماوات والأرض، وهذه يكاشف الله بها السالك الصَّادق ليطمئن.


وهناك غيب آخر: وهو الاطلاع على ضمائر الخلق، وكشف أعمالهم التي يعملونها في خلوتهم، وهي فتنة على صاحبها.


فقد روي أن بعض العارفين انكشف له هذا السِّرُّ؛ فاستغاث بالله وقال: يا ستَّار، أنت تحب أهل الستر، فاستر عني هذا المشهد لأكون ممن تحبهم.


وقد قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: إن للعلم طغياناً أعظم من طغيان المال. العلم يحفظك وأنت تحفظ المال، والمال ينقص بالانفاق منه، والعلم يزداد بالإنفاق.


فإياك أن تفتخر بالعلم، وتتكبَّرَ به، أو ترى نفسك نلته بحولك وقوتك، فتقع في البلية، وتصبح في مسئولية، ومن تعلم العلم طالبَ نفسَه أولاً بالعمل، ثم نصح إخوانه، ثم استعاذ بالله من علمٍ لا ينفع، ومن دعاءٍ لا يسمع (5).


واعلم أن العلوم تتفاوت بحسب المعلوم، فأشرف العلوم ما يتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وأيامه، وحكمة أحكامه، وبيان حدوده. وكل علم لا يدلُّ على الله أو على سبيله أو على ما يرضيه فليس له شرف، ولا قيمة، ولذلك تبحث الرجال عن أهل الله العارفين به سبحانه، فيتلقون عنهم غوامض العلوم، ودقائق الفتوحات، فيكتسبون الخشية من الله (6) .


قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (7) .


يعني: أن العلماء هم أهل الخشية، فمن لا خشية عنده لا يُعَدُّ عالماً، ولو علم علوم الأولين والآخرين.
واعلم بأنك إذا علمت علوم الأكوان ولم تعلم تاريخ نفسك من أين أتيت؟ وإلى أين ترجع؟ ولماذا خلقت؟ فلا يفيدك العلم.


فأنت تطورت في مظاهر كثيرة: كنت في بطن أمك، ثم في هذه الحياة الدنيا لتعرف ربك، وتعبده، ثم إلى الدار الآخرة، لتتلقى جزاءك ( 8 ).


وإذا أردت أن تنال نصيباً وافراً من العلم الإلهي؛ فعليك بالتقوى، وهي: الخوف من الله تعالى، والعمل بأوامره، والبحث عن أهل التقوى حتى تتعلَّم منهم كيف تحسن التقوى ( 9 ) ، فالجاهل بوسائل التقوى لا ينال العلم المطلوب.


قال تعالى: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } (10) .


فاجتهد في الذكر، وخلو القلب من الغشِّ والحسد، وحب الدنيا، وخلوِّ المعدة من الحرام، حتى يشرق عليك نور اسمه "العليم"، فتصبح من الراسخين في العلم، وينطق لسانك بعجائب العلوم التي هي من وراء الفهوم، فتصبح ملجأً للقاصدين.


وإذا أردت أن تذوق شيئاً من حقائق العلوم، فتأكد أنك كنت عدماً ولكن كنت على ما أنت عليه الآن، ثابتاً في علم الله القديم، فاترك كل نسبة إليك في الوجود، وتنعَّم بأسرار العلوم، واشرب من حوضها المورود.



الدُّعـــــــاءُ


" إلهي ... أنت العليم بالأكوان قبل بروزها في الشهود، الخبير بدقائق الأشياء قبل اتصافها بالوجود، الخلائق جُهَّالٌ إلا من علَّمته، والعباد حيارى إلا من هديته. أشرق على قلوبنا أنوار اسمك: العليم حتى تنكشف لنا حقيقتنا في العلم القديم، وننجو من الغرور بمحض الكرم، وكاشفنا بأنوار أسمائك حتى نتخلَّق بها، وبيِّن لنا حكمة أقدارك حتى نرضى عنك يا عليم إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ






اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : سورة البقرة - آية 255.

(2) : أول سورة الرحمن.

(3) : سورة الكهف - الآية 65.

(4) : سورة النحل - الآية 78.

(5) : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللّهُمّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاهَا. أَنْتَ وَلِيّهَا وَمَوْلاَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا".

وفي الحكم العطائية المباركة: " خير العلم ما كانت الخشية معه ". قال سيدي ابن عجيبة: يعني أن العلم النافع هو ما كان صاحبه ملازماً للخشية ، وهي خوف مع إجلال ينشا عنه العمل . وقد أثنى الله تعالى على العلماء بذلك فقال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وأما العالم الذي لا خشية معه فليس عالماً على الحقيقة خصوصاً إذا كان همه الجمع والادخار والمباهاة والاستكبار . فإن علم هذا حجه عليه، وسبب في جر وبال العقوبة إليه؛ لأنه لا يكون من ورثة الأنبياء إلا إذا كان بصفة المورث عنه من الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وتمكن التقوى منه . وما ألطف قول بعضهم :

لو كان للعلم من دون التقى شرف *** لكان أفضل خلق الله إبليس

ولقد أحسن من قال :

قالوا فلان عالم فاضل *** فأكرموه مثل ما يرتضى
فقلت لما لم يكن ذا تقى *** تعارض المانع والمقتضى

وناهيك قوله سبحانه في كتابه المكنون: { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }. فالزم الطاعة أن أردت أن تكون من العلماء العاملين، واستعذ بالله من علم لا ينفع كما استعاذ منه سيد الأولين والآخرين .فـ" العلم أن قارنته الخشية فلك، وإلا فعليك" . يعني أن العلم النافع الذي يكون لك ثوابه، هو ما قارنته الخشية من الله تعالى، فتداوم العمل. وإلا بأن قصدت به المباهاة والتعاظم فعليك وزره، وخاب منك الأمل . فإنه لا يكون العلم نافعاً إلا إذا كانت نية صاحبه طلب مرضاة مولاه، واستعماله فيما يحبه ويرضاه؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالعلم هو مقصود الأكابر من القوم. وناهيك قوله صلى الله عليه وسلم: " كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى ربي فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم " وقد قالوا: مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم ولا يعمل، كمثل من قعد هذه المدة يتطهر ويجدد الطهارة ولم يصل ركعة واحدة. إذ المقصود من العلم العمل، كما أن المقصود بالطهارة وجود الصلاة. وقد فشا في زمننا الكبر بين طلبة العلم وأشباههم ، الذين لم يتربوا على مائدة شيوخ التربية من العارفين العاملين المخلصين، فترى أحدهم تتلمذ على بعض خطباء الفتنة، من الذين أضلهم الله ونفخ في أنوفهم فملأها كبراً وجرأة على علماء الأمة من السلف والخلف، فظن نفسه إذا ما أحسن قراءة كتاب أنه صار شافعي زمانه، أومالك عصره وأوانه، أما ابن حنبل فحدِّث عن المتشبهين به ولا حرج، وهو رضي الله عنه بريء منهم ومن أمثالهم، فما عرفوا من الحديث إلا "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" فأخذوا المقولة دون فهم ولا وعي، ولا تدبر، ولا خشية، ثم أجروها على كل من قال لا إله إلا الله، ووزعوا شهادات التكفير والبدع والضلال والتشريك يميناً وشمالاً، دون خوف ولا وجل، وكأن الله وصاهم بهذا، فهذا هو أوضح مثال للكبر بالعلم، بل الكبر بالجهل، نسأل الله السلامة والعافية ، فاحذر يا أخي هذه المزلات، والمضلات، وإياك إياك أن تلقي سمعك لخطباء الفتنة في كل وقت وزمان ،وتمسك بما كان عليه سلفك الصالح حقيقة لا ادِّعاء، تولانا الله وإياك .

(6) : لأن من علم أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووسواس الخواطر حري به أن يستحي من الله، ويكف عن معاصيه، ولا يغتر بجميل ستره، ويخشى بغتات قهره، ومفاجآت مكره. ومن علم أنه سبحانه كذلك فلا يتعرض لمخلوق فيما يحتاج إليه من مطالبه اكتفاء بعلم الله سبحانه .فإن من سكن قلبه إلى مخلوق عوقب في الحال، إن كان له عند الله قدر.

حكي عن بعضهم أنه قال: كنت جائعاً ،فقلت لبعض معارفي: إني جائع!. فلم يطعمني شيئاً !، فمضيت؛ فوجدت درهماً ملقى في الطريق، فرفعته، فإذا مكتوب عليه :"أما كان الله جلَّ جلاله عالماً بجوعك حتى طلبت من غيره؟" .

وحكي عن أبي سعيد الخراز أنه قال: خرجت من البادية، وكنت جائعاً، فدخلت الكوفة، وكان لي بها صديق يقال له الجراري، وكان يضيفني إذا دخلت الكوفة، فأتيت حانوته، فوجدته غائباً، فدخلت مسجداً بقرب حانوته، أنتظر رجوعه، وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وسلام علينا وعلى عباد الله المتوكلين . وقعدت أنتظره، فدخل داخل وقال : الحمد لله رب العالمين، سبحان من أخلى الأرض من المتوكلين، وسلام علينا وعلى جميع الكذابين، ...يا أباسعيد مدعياً التوكل !!، التوكل في الصحاري والبراري، وليس في الجلوس على البواري، وانتظار الجراري! . قال: فالتفت ...فلم أر أحداً ! .

وهكذا سنة الله جل جلاله مع خواص عباده، لا يساهلهم في خطرة، ولا يتجاوز عنهم في لحظة، بل يطالبهم بالكبير والصغير، ويحاسبهم في النقير والقطمير ، وأما الذين رتبتهم خسيسة، وقيمتهم قليلة، فيذرهم بإمهاله يغترون، وفي غفلاتهم ينهمكون، حتى يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون، نعوذ بالله من مكر الله.

(7) : قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} سورة فاطر - الآية 28.

( 8 ) : قال سبحانه وتعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } سورة الروم- الآية 54.

(9) :وقد ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "جالسوا الكبراء" وفي رواية: " جالس " بالإفراد فيه والكبراء: هم الشيوخ الذين لهم التجارب وقد سكنت حدتهم وذهبت خفتهم لتتأدبوا بآدابهم وتتخلقوا بأخلاقهم أو أراد من له رتبة في الدين وإن صغر سنه وكبير الحال من جمع علم الوراثة إلى علم الدراسة وعلم الأحكام إلى علم الإلهام.

قال بعضهم: مجالسة الصالحين هي الإكسير للقلوب بيقين لكن لا يشترط ظهور الأثر حالاً وسيظهر بصحبتهم بعد حين وحسبك بصحبتهم إضافة التشريف والاختصاص. وفي قواعد زروق: الولي إذا أراد أغنى ومنه قول الناس خاطري أن أكون على بالك لعل اللّه ينظر إلي فيما أنا فيه قال: وأكثرهم في البداية يسرع أثر مقاصدهم في الوجود لاشتغالهم بما يعرض بخلافه في النهاية لاشتغال قلوبهم باللّه تعالى.

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس