عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشاعر الشيخ يوسف النبهاني

ومن الغرائب اللغوية والموضوعية في مدائحه النبوية ما اصطلح على تسميته " نعل محمد "، في الجزء الثالث من كتابه " جواهر البحار، حيث يورد قصيدة في " نعل محمد "، استهلها بقوله :

على رأس هذا الكون نعل محمد
علت فجميع الخلق تحت ظلاله

لدى الطور موسى نودي اخلع وأحمد
على العرش لم يؤذن بخلع نعاله

وحول جماليات المكان، وأثرها في نفس الشاعر وفكره، نقرا له قوله في مدينة رسول الله مبينا مدى حبه وشوقه وحنينه لها، وهيامه بها:

هواي طيبة لا بيضاء عطبول
ومنيتي عينها الزرقاء لا النيل

عذراء جلت عن التشبيب إذ جليت
هامت بها الخلق جيلا بعده جيل

ما كنت أسأل لولاها الركائب عن
سلع ولا كان لي بالجزع مسؤول

متى أراها بطرف ظل يكحله
من تربة البيد ميل بعده ميل

والقصيدة مطولة تبلغ نحو مائة وخمسين بيتا
ومكة ملمح من ملامح الهيام بالمكان، فخير الأوقات عند الشاعر هي التي يتمتع فيها بالجلوس في أحضان المدينة المقدسة:

وخير أوقات الفتى في مكة
تجلسه في حجرها أم القرى

بالتالي يظهر حضور الأنسان ممثلا في شخصية الرسول وصحبه الكرام، وحضور المكان ممثلا في مكة المكرمة ومدينة رسول الله في شعر النبهاني حضورا مميزا عن أي حضور آخر، متصفا يصدق العاطفة ، ومبينا جلال الإنسان وقدسية المكان وهيبتهما في شعره، يحف به موكب العاطفة الدينية الصادقة والمتأصلة في فكر الشاعر ووجدانه، فقد انبرى في " الرائية الكبرى "للدفاع عن دين الإسلام، ووحدانية الله، واستعلائه على الخلائق جمبعها وتقديسه وتنزيهه، وتوحده، فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم بلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، يستغني عن الخلائق جميعها ولا تستغني عنه، وهو السميع البصير القوي . وهنا نرى مدى تاثره الشديد بالقرآن الكريم، وحبه لدين الإسلام، وتفضيله على سائر الأديان والملل والنحل.
لقد كان برى نفسه " حسان بن ثابت " في الدفاع عن الإسلام والرد على خصومه، وبيان محاسن الديانة الإسلامية وعرض مساوئ غيرها، مع كمال الفصاحة والبلاغة والسهولة، في قصيدة طويلة، عدة أبياتها سبعمائة وخمسة وعشرون بيتا، منها أربعمائة بيت لم تتكرر فيها القوافي، وينصح المسلمين أن يعلموها أولادهم ويحفظوهم إياها؛ لما اشتملت عليه من أحكام العقيدة الإسلامية والسيرة النبوية، وتزييف ديانة المخالفين الذين يجتهدون في تضليل أولاد المسلمين، والتي نقتطف منها قوله:

بربك ذكرهم عسى تنفع الذكرى
فكم نعم أجدى وكم منن أجرى

وأعظمها دين النبي محمد
هو النعمة العظمى هو المنة الكبرى

فاشهد أن الله لا رب غيره
توحد في الدنيا، توحد في الأخرى

وقد كان من قبل الحوادث واحدا
بلا حاجة للخلق أوجدهم طرا

حيث رأى استحالة الجهة على الله، وتنزيهه عن أن تحويه جهة من الجهات، وتقديسه عن كل الجهات، وهو موجود على الدوام في كل زمان ومكان:

تقدس عن كل الجهات وأنه
مع الخلق لكن الحقيقة لا تدري

فلا جهة تحويه، لاجهة له
تنزه ربي عنهما وعلى قدرا

له البصر السمع الإرادة قدرة
حياة كلام العلم عن ضدها يعرى

وبعد أن يتناول في قصيدته الفضائل المحمدية والسيرة النبوية ، والثناء على الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة السابقين للإسلام، وذكر الهجرة ومشروعية الجهاد، وذكر الوفود وحجة الوداع، ووفاته والكلام مع أهل الكتاب في إثبات نبوته، والكلام مع اليهود والنصارى في شأنه، يختمها بقوله :

فهاك أيا خير الحسان قصيدة
تجدد من حسان في عصرنا ذكرى

تنافح عن خير الأنام ودينه
وتكشف عن أديان أعدائه السترا

حقائق حق لا خيالات شاعر
ولكنها سحارة تسحر السحرا

تكاد لحسن السبك لو فاه منشد
بشطر أتم السامعون الشطرا

تحلى بها جيد الزمان لأنني
نظمت بها بالدر أوصافك الغرا

حيث شبه نفسه بحسان بن ثابت شاعر رسول الله , الذي جعل شعره في خدمة رسول الله، ونافح به عنه وعن رسالته السمحاء، وعن الإسلام والمسلمين، وهجا بشعره أعداء الدين وأعداء رسول الله , ورد عليهم .
ونظفر له في وطنياته قوله ـ عندما زار دار الخلافة في الآستانة ـ هذه الأبيات منتقدا الأمة العربية التي تخلت عن كرامتها، ورضيت بحياة الذل والهوان، يتحكم في مصيرها الترك:

ويممت دار الملك أحسب أنها
إلى اليوم لم تبرح إلى المجد سلما

فألفيتها قد أقفرت من أهلها
ولم يبق فيها الفضل إلا توهما

وألفيت فيها أمة عربية
يرى القوم منها أمة الزنج أكرما

وما نقموا منا بني العرب خلة
سوى أن خير الخلق لم يكن أعجما

وبذلك أصبح يدرك أن الأمة العربية أصبحت تتحكم في مصيرها التاريخي أمة تركية، وأنه لاينبغي لها أن ترضى بحياة الذل والهوان والاستكانة، وهذه ظاهرة جديدة في الشعر لم تكن معهودة من قبل، وملمح من ملامح النهضة الفكرية، وملمح من ملامح النقد السياسي والاجتماعي البناء، الذي يدعو بشكل ما إلى النهوض ورفض الواقع والسعي نحو التغيير ونحو الحياة الحرة الكريمة، ذلك أن هذه الومضة كانت بداية مرحلة جديدة أو اتجاه جديد في حباة الشعر سوف يقوى ويشتد عوده ، ويكون له صوت ورأي في الحباة السياسية المستقبلية.
إن الأمانة الأدبية والعدالة والموضوعية تقتضي منا الحكم على الشاعر من خلال مقاييس عصره وظروفه، وليس من خلال مقاييس عصرنا، وبالتالي علينا أن نرتد إلى ظروف القرن التاسع عشر ونرصدها قبل الحكم على الشاعر، فنحن نتحدث عن شاعر برز في منتصف القرن التاسع عشر، وهو بداية التأريخ للشعر الفلسطيني، ولا شك أنها كانت مرحلة تجمع فيها الكثير من عناصر الجمود والجهل والتخلف الثقافي والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي في ظل الحكم العثماني، وأن تلك المرحلة كانت امتدادا لمرحلة الانحطاط الذى ران على الفكر العربي زمنا طويلا، وانعكس كل ذلك بدوره على الأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص ، فكان الشعر بعامة يتميز بالجمود والتخلف ، والمضامين الفارغة، والموضوعات التقليدية التي لا تبعث على التجديد أو التغيير أواستنهاض الهمم، والصور التقليدية الباهتة، والمعاني المكررة، والأغراض المتهالكة، والاهتمام بالألفاظ والجمل والعبارات القديمة ، والتركيز على الزخرفة اللفظية والمحسنات البديعية ، والترصيع والتزويق والتصنع، والاضطراب والتعثر، والتأريخ والحساب بالجمل والالفاظ ، والتلاعب باكلمات والألفاظ ، والتباري والفخر بالقدرة على ذلك التلاعب ، وما إلى ذلك من ظواهر، هي في واقعها امتداد لمرحلة الجمود والتخلف التي اتصف بها الشعر العربي في تلك المرحلة .
في ظل هذه الظروف المتهالكة برز الشيخ يوسف النبهاتي كشخصية دينية وأدبية متميزة، فقد "ظفر النبهاني بشهرة واسعة تجاوزت حدود الشام لكثرة مؤلفاته وتنوع مادتها، حيث ألف في الحديث ودلائل النبوة وعلم الكلام، والرد على النصارى، وترجيح دين الإسلام، وسيرة الرسول وشمائله، والمدائح النبوبة، وفضل الصحابة، وإقناع الشيعة، وكان أشهر بطل من فرسانه في الحقبة التي عاش فيها في بلاد الشام " .
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس