عرض مشاركة واحدة
قديم 03-21-2009
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: تسويد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأذان والإقامة والتشهد

ومن غير أصحاب المذاهب الفقهية:
يقول العلامة محمد بن علي الشوكاني [ت1250هـ] في "نيل الأوطار": "وقد رُوِيَ عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب، وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب مِن الامتثال، ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال: "ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدَي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، وكذلك امتناع علي عن محو اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك، وقال: "لا أمحو اسمَك أبدًا"، وكلا الحديثين في الصحيح؛ فتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهما على الامتناع مِن امتثال الأمر تأدُّبًا مُشعِرٌ بأَولَوِيَّتِه"(68 )اهـ.
بينما يرى بعض العلماء أولوية الاقتصار في الألفاظ المتعبَّد بها على ما ورد؛ اتباعًا للّفظ الوارد وفِرارًا مِن الزيادة فيه، واحتجوا بعدم ورود ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين، وأن ذلك لو كان راجحًا لورد عنهم. ومن هؤلاء العلماء ابن تيمية [ت728هـ]، وابن مفلح [ت763هـ] الحنبليان، والمجد الفيروزآبادي [ت817هـ] صاحب "القاموس"، والإمام الأذرعي وقال: إنه الأشبه(69 )، ورجحه الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني [ت852هـ](70 )، وادَّعى بعض المتأخرين بِدعِيَّتَها وحرمتها كالسهسواني الهندي [ت1326هـ](71 )، والشيخ جمال الدين القاسمي [ت1332هـ](72 ).
ومن الفقهاء المتأخرين مَن مال إلى أفضلية ذِكْرها في التشهد وتَرْكها في الأذان من غير تحريم كما هو رأي الشريف أحمد بن المأمون البُلغيثي [ت1348هـ] (73 )، والحافظ محمد بن جعفر الكتاني من المالكية رحمهما الله تعالى (74 ).
قال الحافظ ابن حجر في فتوى له جوابًا لسؤالٍ عن حكم زيادة السيادة عند ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة وخارجها: "لو كان ذلك راجحًا لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك، مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك... نعم ورد في حديث ابن مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ اجْعَلَ فَضَائِلَ صَلَواتِكَ ورَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ علَّى سَيِّدِ المرْسَلِينَ... الحديث أخرجه ابن ماجه، ولكن إسناده ضعيف" اهـ نقلاً عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للألباني (75 ).
والخلاف إنما هو في الأفضلية لا في الجواز؛ فإن الجميع متفقون على جواز كلا الأمرين، وأما مَن ادَّعى من المتأخرين تحريم زيادة السيادة فهو غير مسبوق في دعواه هذه ومحجوجٌ بأن العلماء إنما اختلفوا في الأفضلية مع قطعهم بغلط من ادَّعى بطلان الصلاة بذكرها؛ وهذا المعنى واضح في عبارة الإمام الأذرعي حيث يقول في كتابه "التوسط": "الأشبه الاتباع" (76 )، وفي عبارة الحافظ ابن حجر حيث يقول في أول فتواه جوابًا لسؤالٍ عن حكم زيادة السيادة في الصلاة وخارجها: "نعم؛ اتباع الألفاظ المأثورة أرجح" اهـ، ومن المقرر في اللغة أن "أفعل" التفضيل يفيد الاشتراك بمادته والتفاضل بصيغته، أي: أنه يقتضي اشتراك المفضَّل والمفضَّل عليه في أصل الحدَث وزيادةَ المفضَّل على المفضَّل عليه فيه.

وأجاب الجمهور عمَّا احتجَّ به مَنْ رَجَّح ترك السيادة بأجوبة منها:
1- أن الأدلة الشرعية الدالَّة على وجوب تعظـيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتوقيره، وتسـويده، والنهي عن مخاطبته، أو ذكره كما يخاطب أو يذكر بعضـنا بعضًا جاءت عـامة لا مخصِّصَ لها، فيُشرَع امتثالُها في كل موضعٍ جرى فيه ذكرُه صلى الله عليه وآله وسلم؛ حملا للمطلَق على المقيَّد، ولم يرد في الشرع ما يُخرِج الأذانَ أو الإقامةَ أو الصلاةَ من ذلك، غاية ما في الأمر أنَّ تَرْك ذِكْرِها في ألفاظ الأذان والإقامة والتشهد في السنة النبوية الشريفة قولا وتقريرًا يدل على عدم وجوبها لا على عدم مشروعيتها؛ جمعًا بين الأدلة الشرعية؛ لأنه لا يُلجَأ إلى الترجيح إلا عند تعذُّر الجمع.
2- أن كثيرًا من العبادات الشرعية تؤخَذ أحكامها من الأدلة الشرعية المتعددة، منها ما يدل عليها بخصوصه، ومنها ما يدل بعمومه، ومنها ما يدل بمنطوقه، ومنها ما يدل بمفهومه، ولا توجد أحكامها مجموعةً في دليل واحد، فوجوب القراءة في الصلاة مثلا جاء من دليل، وتعيُّن قراءة الفاتحة فيها جاء من دليل آخر، ووجوب أداء الصلاة جاء في القرآن، وأعدادها وأوقاتها وأركانها وركعاتها إنما أُخِذَت من السنة، ولفظ الأذان جاء في حديث، والترجيع فيه أُخذ من حديثٍ آخر... وكذلك في هذه المسألة؛ ألفاظ التشهد والأذان جاءت في موضع، والأمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتسويده اعتقادًا ونطقًا جاء في موضع آخر، وليس في كلا الأمرين ما ينافي الآخر أو يناقضه؛ لأن صاحب الشرع الذي علَّم الناس ألفاظ الأذان والتشهد هو الذي ندب إلى أن يُسوَّد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويُعظَّم في كل موضع، وهذه الألفاظ قيلت على سبيل التعليم، واستحباب التسويد خرج مخرج التعميم، فيُحمَل المطلَق على المقيَّد، والجمع بين الدليلين ليس زيادةً في الشرع بل هو مقدَّم على العمل بأحدهما وحدَه، فتعيَّن العمل بالأمرين معًا.
3- أنه لا يصح الاحتجاج بمجرَّد الترك على التحريم أو الكراهة، لا سيما فيما له أصل صحيح متقررٌ في الشرع لا مخصِّصَ له كتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سواء كان ذلك الترك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو من صحابته الكرام، بل غايته أن يُستَدل به على عدم الوجوب؛ فليس كل ما ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فِعْله يكون حرامًا أو مكروهًا، ومن باب أوْلَى ليس كل ما تَرَكَه السلف حرامًا أو مكروهًا، بل قد يكون تَرْكهم لهم أمْرًا اتفاقيًّا لا مواطأة فيه، وقد يكون لأنه حرام، أو لأن غيره أفضل منه، أو لغير ذلك من الاحتمالات، وما تطرق إليه الاحتمال بَطَلَ به الاستدلال.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: "كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف؛ لأن تَرْكهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت، أو لِمَا هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعَهم عِلْمٌ به" (77 ).
وقال الإمام أبو سعيد بن لُبٍّ المالكي في الرد على مَن كَرِه الدعاء عقب الصلاة: "غاية ما يستند إليه منكر الدعاء أدبار الصلوات أن التزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف، وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجِبٍ لحكمٍ في ذلك المتروك إلا جواز الترك وانتفاء الحرج فيه، وأمَّا تحريمٌ أو لصوقُ كراهيةٍ بالمتروك فلا، ولا سيما فيما له أصلٌ جُمْلي متقرر من الشرع كالدعاء" اهـ نقلاً عن رسالة السيد الحافظ عبد الله بن الصِّدِّيق الغماري "حسن التفهم والدرك لمسألة الترك" (78 ).
4- أن ذِكْر السيادة عند اسم الشخص المشرَّف والموقَّر من تمامه وكماله عادةً وعرفًا، سواءٌ في ذلك مخاطبتُه في حضورِه وذكرُه في غيبته، كما أن ترك ألقاب التوقير مما يُلام عليه بحيث قد يتهم فاعل ذلك بمخالفة الأدب، وخاصة في هذه العصور المتأخرة التي صار ذكر السيادة في عُرْف أهلها من لوازم التقدير والاحترام، وقد جاء الشرع الشريف باعتبار العرْف فيما لا يخالف الشرع، فقال سبحانه وتعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]، ومع كثرة ألقاب التفخيم في عصرنا هذا فليس من اللائق أن لا نذكر السيادة مع المصطفى سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ هو الحقيقُ بها في كل موطنٍ يُذكَر فيه صلى الله عليه وآله وسلم.
5- أن دعوى عدم الورود ليست صحيحة؛ فقد وردت السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الصحابيين الجليلين عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "إذا صلَّيتُم علَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَأحْسِنُوا الصَّلاَةَ علَيه؛ فإنَّكم لا تدرُونَ لعلَّ ذلك يُعْرَضُ عليه"، فَقَالُوا لَهُ: فَعَلِّمْنَا، قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاَتَكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ" رواه ابن ماجه في "السنن" وابن جرير الطبري في "تهذيب السنن والآثار" وأبو يعلى في "مسنده" والطبراني في "المعجم الكبير" والدارقطني في "العِلَل" وأبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "الدعوات" و"الشعب"، كلهم من طريق المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة المخزومي، عن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، وحسّنه الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" والحافظ الهيثمي في "إتحاف الخِيَرَة"، وصححه الحافظ مغلطاي (79 ).

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 05-24-2012 الساعة 06:54 AM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس