عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: من عقلاء المجانين ( سعدون )

قال محمد بن الصباح خرجنا بالبصرة نستسقي فلما أصحرنا إذا بسعدون يفلي جبة صوف له، فلما رآنا قام وقال إلى أين ؟ قلنا نستسقي المطر، فقال بقلوب سماوية أم بقلوب خالية فقلنا بقلوب سماوية فقال اجلسوا ها هنا فجلسنا حتى ارتفع النهار والسماء لا تزداد إلا صحوا فقال يا بطالين لو كانت قلوبكم سماوية لسقيتم ثم توضأ وصلى ركعتين ولحظ السماء بطرفه وتكلم بكلام لم نسمعه فما استتم كلامه حتى أرعدت وأبرقت وأمطرت مطراً جواداً فسألناه عن الكلام الذي تكلم به فقال إليكم عني إنما هي قلوب حنت فرنت فعاينت فعلمت فعملت وعلى ربها توكلت، وأنشأ يقول:

أعرض عن الفخر والتمادي وارحل إلى سـيد جـواد
ما العيش إلا جـوار قـوم قد شربوا صافـي الـوداد


قال: ورأيت مكتوباً على جبته:

يا ذنوبي عليك طال بكـائي صرت لي مأتماً فقل عزائي
في كتابي عجائب مثبـتـات ليتني ما لقيتها في بـقـائي
نظر العين قادني للخـطـايا إذ أذنت اللحوظ لـلأهـواء
تالياً للقرآن يتلو المعـاصـي اسمه في السماء عبد مرائي


قال ذو النون المصري: خرجت بكرة إلى مقابر عبد الله بن مالك فإذا أنا بشخص مقنع كلما رأى قبراً منخسفاً وقف عليه فقصدته، فإذا هو سعدون، فقلت سعدون، فقال سعدون فقلت ما تصنع ها هنا ؟ فقال إنما يسال عما أصنع من أنكر ما أصنع وأما من عرف ما أصنع فما معنى سؤاله ؟ فقلت يا سعدون تعال نبكي على هذه الأبدان قبل أن تبلى، فتأوه ثم قال البكاء على القدوم على الله أولى بنا من البكاء على الأبدان، فإن يكن عندها شر أبلاها في القبور فسوف يبعثها ربها للعرض والنشور.

يا ذا النون إنك إن تدخل النار فلا ينفعك دخول غيرك الجنة وإن تدخل الجنة لا يضرك دخول غيرك النار، ثم قال يا ذا النون وإذا الصحف نشرت، ثم صاح واغوثاه ماذا يقابلني في الصحف قال: فغشي علي فلما أفقت إذا هو يمسح وجهي بكمه ويقول يا ذا النون من أشرف منك إن مت مكانك هذا: قال محمد بن الصباح قرأت على قميص سعدون:

عيني أبكي علي قبل انـطـلاقـي بدموع منها تـسـيل الـمـآقـي
واندبي مصرعي فقد مضني الشوق ونوحي علـي قـبـل الـفـراق


قال مالك بن دينار دخلت جبانة البصرة فإذا أنا بسعدون فقلت له كيف حالك وكيف أنت فقال يا مالك كيف يكون حال من أمسى وأصبح يريد سفراً بعيداً بلا أهبة ولا زاد ويقدم على رب عدل، ثم بكى بكاء شديداً، قلت ما يبكيك، قال والله ما أبكي حرصاً على الدنيا ولا جزعاً من الموت لكني بكيت ليوم مضى من عمري لم يحسن فيه عملي، أبكاني والله قلة الزاد وبعد المفازة والعقبة الكؤود ولا أدري بعد ذلك أصير إلى الجنة أو إلى النار، فسمعت منه كلام حكيم، فقلت له إن الناس يزعمون أنك مجنون. فقال وأنت قد اغتررت بما اغتر به بنو الدنيا زعم الناس أنني مجنون وما بي جنة ولكن حب مولاي قد خالط قلبي وأحشائي وجرى بين لحمي ودمي وعظمي فأنا والله من حبه هائم مشغوف، قلت فلم لا تجالس الناس وتخالطهم ؟ فأنشد الأبيات المشهورة:

خذ عن الناس جانباً كي يظنوك راهبا

وأنشد أيضاً:

ولو لم يكن شيئاً سوى الموت والبلى وتفريق أعضاء ولـحـم مـبـدد
لكنت حقيقاً يا ابن آدم بـالـبـكـا على نائبات الدهر مع كل مسعـد


قال عبد الله بن خالد الطوسي: لما خرج هارون الرشيد إلى مكة فرش له من جون العراق إلى مكة لبد مرعزي وكان حلف على أن يحج راجلاً فاستند يوماً إلى ميل وقد تعب، فإذا سعدون قد عارضه وهو يقول:

هب الدنيا تواتيكـا = أليس الموت ياتيكا
فما تصنع بالدنـيا = وظل الميل يكفيكا
ألا يا طالب الدنـيا = دع الدنيا لشانيكـا
فما أضحكك الدهر = كذاك الدهر يبكيكا


فشهق الرشيد شهقة فخر مغشياً عليه ثم أفاق بعد أن فاته ثلاث صلوات.

قال ذو النون بينا أنا في أزفة مصر إذا أنا بسعدون المجنون وعليه جبة صوف جديدة مكتوب عليها خطوط قد أدخل رأسه فيها، فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: قف يا أبا سعيد حتى أنظر ما على جبتك، فوقف، فقرأت على كمه الأيمن سطرين:

عصيت مولاك يا سعيد = ما هكذا تفعل العبيد

وعلى كمه الأيسر سطرين:

تباً لمن قوته رغـيف = يأتي به السيد اللطيف
يعصي إلهاً له جـلال = وهو به راحم رؤوف


ومن خلفه سطران:

كل يوم يمر يأخـذ بـعـضـي = يذهب الأطيبان منه ويمضـي
نفس كفي عن المعاصي وتوبي = ما المعاصي على العباد بفرض


ومن بين يديه سطران:

أيها الشامخ الـذي لا يرام = نحن من طيبة عليك السلام
إنما هذه الـحـياة مـتـاع = ومع الموت يستوي الاقدام


وعلى عكازه مكتوب:

اعمل وأنت من الدنيا على وجـل = واعلم بأنك بعد الموت مبـعـوث
واعلم بأنك ما قدمت من عـمـل = محصى عليك وما خلفت موروث


قال: فقلت له أنت حكيم ولست بمجنون، قال أنا مجنون الجوارح ولست بمجنون القلب ثم ولى هارباً.

قال ذو النون: بينا أنا أطوف ذات ليلة حول البيت وقد هدأت العيون إذ أنا بشخص قد حاذاني وهو يقول: رب عبدك المسكين الطريد الشريد من بين خلقك، أسألك من الأمور أقربها إليك وأسألك بأصفيائك الكرام من الأنبياء إلا سقيتني كأس محبتك وكشفت عن قلبي أغطية الجهل حتى أرقى بأجنحة الشوق إليك فأناجيك في أركان الحق بين رياض بهائك، ثم بكى، ثم ضحك وانصرف، فتبعته حتى خرج من المسجد فأخذ خرابات مكة فالتفت إلي وقال: مالك ارجع أمالك شغل ؟ قلت ما اسمك رحمك الله، قال عبد الله، قلت ابن من أنت ؟ قال ابن عبد الله، قلت قد علمت أن الخلق كلهم عبيد الله وبنو عبيد الله فما اسمك ؟ قال أسماني أبي سعدون، قلت المعروف بالمجنون ؟ قال نعم، قلت فمن القوم الذين سألت الله بهم ؟ قال أولئك قوم ساروا إلى الله سير من قد نصب المحبة بين عينيه وتخوف تخوف من أخذت الزبانية بقلبه ثم التفت إلي فقال ذا النون ! قلت نعم، قال يا ذا النون بلغني أنك تقول فقل لي شيئاً اسمع في أسباب المعرفة، فقلت أنت الذي يقتبس من علمك، فقال حق السائل الجواب ثم أنشأ يقول:

قلوب العارفين تحن حتـى = تحل بقربه في كـل راح
صفت في ود مولاها فما أن = لها من وده أبـداً بـراح ؟


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس