عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2009
  #1
هاجر
زهرة المنتدى
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 357
معدل تقييم المستوى: 16
هاجر is on a distinguished road
افتراضي الشيخ محمد الغزالي

من أعلام التنوير.. الشيخ محمد الغزالي



كان الشيخ محمد الغزالي واحداً من كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو مؤمن صادق الإيمان، مجاهد في ميدان الدعوة، ملك الإسلام حياته؛ فعاش له،

ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها؛ فاستعان بالكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز في تبليغ ما يريد.‏

ولد الشيخ محمد الغزالي عام 1917 بمصر في قرية نكلا العنب التابعة لمحافظة البحيرة ونشأ في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بكلية أصول الدين.‏

انتقل إلى العمل في جامعة «أم القرى» بالمملكة العربية السعودية، وظل هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.‏

ثم انتقل الشيخ الغزالي إلى الجزائر ليعمل رئيساً للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسطنطينة، ولم يقتصر أثر جهده على تطوير الجامعة، وزيادة عدد كلياتها، ووضع المناهج العلمية والتقاليد الجامعية، بل امتد ليشمل الجزائر كلها؛ حيث كان له حديث أسبوعي مساء كل يوم اثنين يبثه التلفاز، ويترقبه الجزائريون لما يجدون فيه من معانٍ جديدة وأفكار تعين في فهم الإسلام والحياة. ولا شك أن جهاده هناك أكمل الجهود التي بدأها زعيما الإصلاح في الجزائر: عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومدرستهما الفكرية.‏

ووهبه الله فصاحة وبياناً، يجذب من يجلس إليه، ويأخذ بمجامع القلوب فتهوي إليه، مشدودة بصدق اللهجة، وروعة الإيمان، ووضوح الأفكار، وجلال ما يعرض من قضايا الإسلام؛ فكانت خطبه ودروسه ملتقى للفكر ومدرسة للدعوة في أي مكان حل به. والغزالي يملك مشاعر مستمعه حين يكون خطيباً، ويوجه عقله حين يكون كاتباً؛ فهو يخطب كما يكتب عذوبة ورشاقة، وخطبه قطع من روائع الأدب.‏

شارك الغزالي دعاة الإصلاح الديني في كتبه فكتب: التجديد في الفقه السياسي ومحاربة الأدواء والعلل، والرد على خصوم الإسلام، والعقيدة والدعوة والأخلاق، والتاريخ والتفسير والحديث، والتصوف وفن الذكر. وقد أحدثت بعض مؤلفاته دويًّا هائلا بين مؤيديه وخصومه في أخريات حياته مثل كتابيه: «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» و«قضايا المرأة المسلمة».‏

وفي كتابيه توجه الغزالي بالنقد الشديد للاتجاه الظاهري في فهم الشريعة، وأنكر على هؤلاء إهمال مقاصد الإسلام والوقف عند بعض الدلالات الحرفية للنصوص، وقد صرح برفض عدد من الأحاديث المشهورة في البخاري ومسلم لأنه راى فيها تعارضاً مع مقاصد الإسلام وهداية العقل، ومن ذلك الأحاديث التي تشير إلى أن النبي الكريم أغار على بني المصطلق وهم نائمون في مزارعهم، ورفض قبول الرواية مع أنها صحيحة الإسناد لأنها تتعارض مع قيم الإسلام في احترام العهد والسلم وفي رفض الغدر، وطالب بإعادة دراسة البخاري ومسلم في ضوء مقاصد الإسلام الكبرى وليس في ضوء تراجم الرجال التي ثبت أنها لم تكن محايدة وموضوعية في سائر الأحوال.‏

وفي كتابه حصاد الغرور تحدث الغزالي بعمق ناقداً ثقافياً لأفكار تعودناها ولم نعد نشعر بخطورتها، ومنها ثقافة الشعب المختار التي نتهم فيها اليهود ولكننا نمارسها، وعن ثقافة انتظار المعجزات التي يرى أن الإسلام جاء أصلاً من أجل مقاومتها وأنه جاء دعوة للعمل بالسنن وليس بالمعجزات والخوارق.‏

تعرض الشيخ الغزالي لهجوم عنيف من قبل المتشددين وصدرت عدة كتب في تكفيره واعتبره المتشددون امتداداً للتيار المعتزلي والعلماني في الإسلام، ولكن الشيخ الغزالي أظهر صلابة كبيرة في الدفاع عن مواقفه وعزز ذلك بإصدار سلسلة من الكتب على منهج الشيخ المجدد محمد عبده، وعرف في آخر حياته بالهجوم الشديد على الفقه البدوي الذي رأى أنه تحنيط للإسلام عن أداء دوره الحضاري وحصر له في حاجات المجتمع البدوي الذي يريده اليوم المتشددون.‏

ولم ينقطع الشيخ الغزالي عن أداء رسالته في التجديد الديني ومواجهة التشدد والتنطع، وكتب الله له الأجل وهو في أحد المؤتمرات في السعودية حيث توفي في قاعة المؤتمر بعد مواجهة قاسية مع المتشددين، في 19 آذار 1996 وقد دفن في البقيع بالمدينة المنورة.‏


الثوره
هاجر غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس