عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #4
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وجب التمييز أثناء الحديث عن حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل هي واجبة أو مستحبة، بين مستويات ما نعنيه من هذه الصلاة.

فإن كان مرادنا حكم الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه متى ما ذكر، فإننا لن نقول إلا بوجوبه نظرا للأحاديث الواردة في ذم من يترك هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه.

بل قد أمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على دعاء سيدنا جبريل بالإبعاد لمن ترك الدعاء بالصلاة عليه عند ذكره، تعظيما لقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتفخيما لأمره.

فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: احضروا المنبر، فحضرنا فلما ارتقى الدرجة قال: آمين، ثم ارتقى الثانية فقال: آمين، ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال: آمين، فلما فرغ نزل عن المنبر، فقلنا: يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه، فقال:
إن جبريل عليه السلام عرض لي، فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، فلما رقيت الثانية، قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين.

فتارك الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر قد نظم في سلك عقوق الأبوين، وفي سلك المستحل لانتهاك حرمة شهر رمضان الذي صومه وتعظيمه فرض عين.

كما أن هذا الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من واجبات الصلاة المكتوبة التي بها تتم الصلاة وتختتم، بعد التشهد وقبل دعاء الاستعاذة من المحذورات الأربع وسلام التحليل. وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله. وهو مذهب الإمام أحمد في أحد قوليه في المسألة وبعض أصحاب مالك.

ويقول الإمام ابن حجر رحمه الله في الفتح عن القول بوجوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة بعد التشهد:
ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود هـ.

وقال أيضا:
فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال : قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد. وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك، وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال : إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه، فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا هـ.

وممن انتصر للإمام الشافعي ابن القيم رحمه الله في كتابه "جلاء الأفهام" حيث قال:
أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر، لأن عملهم بوفاقه، إلا إن كان يريد بالعمل الاعتقاد، فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، قال: وأنى يوجد ذلك؟ قال: وأما قول عياض: إن الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له، فأي شناعة في ذلك؟ لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة، بل القول بذلك من محاسن مذهبه، ولله در القائل:
إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبا، فقل لي كيف أعتذر
وقال:
وأما دعواه أن الشافعي اختار تشهد ابن مسعود: فيدل على عدم معرفته باختيارات الشافعي، فإنه اختار تشهد ابن عباس. ثم إن ما احتج به جماعة من الشافعية من الأحاديث المرفوعة المصرحة في ذلك هي ضعيفة، كحديث سهل بن سعد وعائشة وأبي مسعود وبريدة وغيرهم هـ .

ومن أجمع ما رأيت في موضوع حكم الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما أنشده الشهاب ابن أبي حجلة رحمه الله من قصيده له:
صـــلوا عليه كـلما صليتم لتروا به يـوم النجاة نجاحا
صلوا علـــيه كل ليلة جمعة صلوا عـليه عشية وصباحا
صلوا عليه كـلما ذكـر اسمه في كـل حين غدوة ورواحا
فعلى الصحيح صلاتكم فرض إذا ذكر اسمه وسمعتموه صراحا
صلى عليه الله مــا شب الدجى وبدا مشيب الصبح فيه ولاحا

أما إن كان مرادنا من هذا التعبير حكم تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا، فإنه مما لا شك فيه أن الإيمان الحقيقي لا يتم لنا إلا إذا كانت محبتنا للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أكبر من محبتنا لأبنائنا وآبائنا بل وحتى لذواتنا.

وهذه المحبة كما يعلم الجميع لا تتحقق إلا بالتعظيم والتوقير لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. مما يعني أن صلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحمله كلمة الصلاة من معاني التعظيم والإجلال واجبة علينا في كل وقت وحين.

وهي مسؤوليتنا جميعا أن نسعى جاهدين لإعلاء ذكر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار سنته ومنهاجه وشريعته وتقديم قوله على قول أي إنسان وبيان فضله على سائر البشر.

قال الإمام الحليمي في "شعب الإيمان" : إن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شعب الإيمان، وهي منزلة فوق المحبة، فحق علينا أن نحبه ونجله ونعظمه أكثر وأوفر من إجلال كل عبد سيده، وكل ولد والده.. وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى هـ.

قلت: وحق علينا أن نحبه صلى الله عليه وآله وسلم أكثر وأوفر من إجلال كل إنسان لرئيسه وزعيمه لأن الإنسان لا يخلو من محبة غير نفسه وولده ووالديه من القرابة والمعارف وأصحاب الجاه والرياسة، وقد يبالغ في حب أحد هؤلاء حتى يؤثره على ذويه إما بأمر ديني أو دنيوي لإحسان أو نحوه أو هوائي لاعتقاد جمال أو كمال.

ومن قصص العلماء الذين يحرصون على زرع هذا المعنى ما يروى عن جعفر ابن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز : أما بعد فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة وإن الناس من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك هـ.


***

الصلاة على رسول الله وعلى آله محور سورة الأحزاب:

عود على بدء. فعند التأمل في مقصود سورة الأحزاب التي تعد آية الصلاة على رسول الله قلبها النابض، نستشف أنه بإمكاننا تسمية السورة بسورة تعظيم وإجلال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتنزيه وتشريف آله الكرام رضي الله عنهم.

وإذا عمدنا إلى منهج شيخنا أبي الفتوح حفظه الله في تفسيره القيم: الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة، لنتلمس ما حدده من خصائص كل سورة على حدة من سور القرآن الكريم، كنوع فريد من أنواع علوم القرآن، فإننا نجد ما اختصت به سورة الأحزاب من آيات محددة، تدور كلها حول محور تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممهدة لأمر الله تعالى للمؤمنين بالصلاة على نبيهم عليه الصلاة والسلام.

وسنحاول أن نتبين خصائص سورة الأحزاب مع الاستعانة بعلم تناسب الآيات كما أفادنا بذلك الإمام البقاعي رحمه الله في تفسيره نظر الدرر في تناسب الآيات والسور.
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس