عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #7
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

مشروع تعظيم النبي وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام في الدنيا:

لقد مر بنا أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعني لغة تعظيمه في الدنيا وفي الآخرة وفي الملأ الأعلى.

أما تعظيم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الآخرة وفي الملأ الأعلى فلا يد للمسلم فيه إطلاقا إلا إذا تولى الله سبحانه النيابة عنا في ذلك فيصلي لنا على نبيه ومصطفاه.

والله سبحانه لا ينتظر منا دعاءا من أجل تكريم وتشريف نبيه في الملأ الأعلى، لأنه جل جلاله قد اختار سيدنا ومولانا محمدا ليكون حبيبه ومصطفاه من خلقه جميعا، وقضى أن يصلي عليه صلاة كاملة دائمة.

ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (وللآخرة خير لك من الأولى)، قال ابن إسحاق رحمه الله: أي مآلك في مرجعك عند الله تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا. وقال سهل رحمه الله: أي ما ذخرت لك من الشفاعة والمقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا.

وأما تعظيم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الدنيا فهي من مسؤوليتنا جميعا نحن المسلمين، بل هي من دعائم الدين وشعب الإيمان الأساسية كما مر بنا في قول للإمام الحليمي رحمه الله.

أما الصحابة رضوان الله عليهم فيكفي في الشهادة لهم بمدى تعظيمهم لجناب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله عروة بن مسعود لقريش:

يا قوم، والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، والله ما يحدون النظر إليه تعظيما له، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فيدلك بها وجهه وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه هـ.

والطائفة التي خصت بمزية تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام بعد الصحابة رضوان الله عليهم هي طائفة المحدثين المتبعين لأثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحياته وسيرته وخصائصه وشمائله.

قال حماد بن زيد: كنا في مجلس أيوب، فسمع لغطا فقال: ما هذا اللغط؟ أما بلغهم أن رفع الصوت عند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرفع الصوت في حياته؟!

ومعلوم أن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممقوت عند الله تعالى وسوء أدب مع رسوله الكريم.

وقيل لمالك بن أنس: لم لم تكتب عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته والناس يكتبون عنه قياما، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكتبه وأنا قائم.

وسأل عبد الرحمن بن مهدي مالك بن أنس عن حديث وهو يمشي معه في الطريق، فقال: هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكره أن أحدثك ونحن نستطرق الطريق. فإن شئت أن أجلس وأحدثك به فعلت، وإن شئت أت تصحبني إلى منزلي وأحدثك به فعلت. قال: فصحبته إلى منزله فجلس وتمكن ثم حدثني به.

وسأل رجل سعيد بن المسيب عن حديث وهو مريض ومضطجع، فجلس فحدثه، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن ـ يعني لم تحمل نفسك عناء الجلوس، وأنت مريض ـ فقال: كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مضطجع.

هذا من جهة تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القلب والوجدان وبين الأهل والطلبة والناس.

وسنخصص هذا الفصل بإذن الله تعالى للحديث عن هذا التعظيم المطلوب شرعا كمشروع ينبغي التخطيط له وبرمجة محطاته ووسائله.

فلكل منا مشاريع في حياته، فمنها ما يأخذ كل أوقاتنا وجهدنا وطاقتنا، ومنها ما نعتبره ثانويا ليكتسح ما يتبقى من أوقات راحتنا ومتعتنا. لكن هل منا من يحمل في قرارة نفسه همة تحقيق مشروع كل مسلم ومسلمة في هذا الوجود؟!

إنه مشروع تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء مقامه في الدنيا وتحبيبه للخلق مع التنافس في محبته والتقرب إليه.

ولتحقيق ذلك محطات ينبغي للمسلم أن يجعل محور كل برامجه الحياتية وديدنه الأول على الإطلاق في كل محطة منها هو استحضار عظمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قلبه ثم محاولة بث ذلك في قلوب الناس جميعا، لأنها ـ أي هذه العظمة المحمدية ـ هي الجالبة لحبه صلى الله عليه وآله وسلم والميل إليه، فيتزايد الشوق إليه ويستولي على قلبك وقلب من كنت سببا في تقريب صورة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إليه.

وأولى هذه المحطات نفسك التي بين جنبيك، فإن كنت محبا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا شيء أقر لعين المحب من رؤية ومشاهدة محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإخطار محاسنه في قرارة نفسه. فإذا قوي ذلك واشتد، جرى اللسان بمدح الحبيب المصطفى والثناء عليه وذكر محاسنه وفضائله، وإعلاء هديه وسنته على هواه ومزاجه.

قال الإمام زروق رحمه الله: المحبة أخذ جمال المحبوب بمحبة القلب حتى لا يجد مساغا للالتفات لسواه، ولا يمكنه الانفكاك عنه، ولا مخالفة مراده، ولا وجود الاختيار عليه لوجود سلطان الجمال القاهر للحقيقة بتخلية المستفيض عليه دون اختيار منه ولا مهلة ولا رؤية، فإن مغازلة الجمال لا يشعر بها، وأخذته لا يقدر عليها، وحقيقة ما يتولد عنه لا يعبر عنها، تنفي الأعراض والأغراض، وتنفي الحقائق والأعراض، فلا يبقى مع غير المحبوب قرار، ولا مع سواه اختيار هـ.

وقد يستعين المرء بشيخ من شيوخ التربية ليساعده بهمته العالية للدفع به نحو حضرة المحبة والقرب والاغتراف من معين المتابعة النبوية. فالصحبة هنا أساسية فيمن كانت نفسه عصية على الترويض والتهذيب.

المحطة الثانية أسرتك وذويك، فتسعى إلى إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كل مجلس عائلي، وفي كل بيت من بيوت عشيرتك، وبالتي هي أحسن ووفق الرفق والعطف النبويين.

وقد يرزق العبد المرأة الصالحة وهي هنا الزوجة المحبة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والمريدة لتعظيمه وتبجيله. فيتلاحم معها على هذا الأساس جاعلين من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم متبوعهما المقدم في كل شيء.

المحطة الثالثة مدينتك التي تقيم بها وبلادك الذي تعيش فيه، فتسعى بكل جهد وبكل وسيلة ممكنة أن ترفع من شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل المساجد والمحافل والأسواق ودور الإدارة والإمارة.

فيسعى الإنسان من خلال برامج مسبقة أن يمرر في كافة علاقاته ولقاءاته واجتماعاته المهنية والتعليمية والحياتية ضرورة التعلق بحبل النبوة وتقديم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند أي تشريع أو تنظير أو تفكير وإعلاء ذكره على ذكر أي مقدس من مقدسات البشر.

المحطة الرابعة في سائر أقطار الأرض، فيكون لك يد في إعلاء ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في العالم بأسره.

وهي محطة يحتاج رائدها إلى وسائل مكلفة كدعم دور النشر لكتابك حول الشمائل النبوية مثلا أو كاحتضان بعض وسائل الإعلام لدعوتك إلى منهاج النبوة لتتمكن من إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحت أنظار الملايين من المشاهدين.

إلا أن مثل هذا المشروع بمختلف محطاته وإن بدا في الوجود على يد متنورين ومتنورات من أمة الإسلام فإنه سيعاني حتما بالقصور والتقصير لأننا مهما خططنا وبرمجنا من أجل تعظيم وإعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أنفسنا وبين ذوينا وقومنا والناس أجمعين فإن النتائج كما تبدو على سطح الأحداث والعلاقات لا تعرف النجاح المطلوب والمنشود.

ومن ثم كان لجوء المسلم إلى رب العالمين بتوجيه من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وقفة ضرورية ليتولى الله سبحانه جبر ما نقص في جهدنا وفتر في بذلنا لوسعنا فيصلي سبحانه على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنيابة عنا صلاة إعلاء وتعظيم تليق بنبينا عليه الصلاة والسلام وتناسب قدره ومقداره.

فصلاة الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نيابة عنا كفيلة بتسديد مثل هذه البرامج التنويرية وإنجاح مشروع الأمة جمعاء في إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولو في بعض أصقاع هذا المعمور.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس