عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2009
  #10
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

شروط استجابة الدعاء:

يتوقف أمر نيابة الله عنا في الصلاة الكاملة التامة على نبيه الكريم على الوجه الذي يليق بمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، على استجابة الله لهذا الدعاء الذي شرعه لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فالبشر يشتركون مع الملائكة في أداء واجب الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن الدعاء في حق الملائكة دعاء مستجاب وفي حق البشر دعاء يرجى له القبول إلا إذا كان نطق أحدنا بهذا الدعاء نطقا بالله عز وجل فإنه يكون دعاءا مستجابا قطعا.

وقد ذهب بعض العلماء إلى قطعية استجابة الله لدعائنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا دون تقييد، وهو رأي يحتاج لدليل يخرج صيغة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هي دعاء من مطلق الدعاء الواجب توفره على شروط من أجل إجابته من الله تعالى.

فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتاج إلى دعائنا بالصلاة عليه حتى يصلي عليه رب العزة جلت قدرته، لأن الله قد قضى بأن يصلي عليه بنفسه وأمر ملائكته بذلك وهم لا يعصونه في أمره أو نهيه ويفعلون ما يؤمرون به، ودعاؤهم قطعا مستجاب.

وإلى ذلك أشار سيدي عبد العزيز الدباغ رحمه الله في الإبريز حيث قال في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يشرعها الله سبحانه بقصد نفع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وإنما شرعها الله لنا بقصد نفعنا خاصة، كمن له عبيد فنظر إلى أرض كريمة لا تبلغها أرض في الزراعة فرحم عبيده فأعطاهم تلك الأرض على أن يكون الزرع كله لهم يستبدون به، ولم يعطهم ذلك على وجه الشركة، فهكذا حال صلاتنا عليه صلى الله عليه وآله وسلم فأجرها كله لنا.
وإذا شعل نور أجرها في بعض الأحيان واتصل بنوره صلى الله عليه وآله وسلم، تراه بمنزلة شيء راجع إلى أصله لا غير، لأن الأجور الثابتة للمؤمنين قاطبة إنما هي لأجل الإيمان الذي فيهم إنما هو من نوره صلى الله عليه وآله وسلم، فصارت الأجور الثابتة لنا إنما هي منه صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا مثال له في المحسوسات إلا البحر المحيط مع الأمطار إذا جاءت بالسيول إلى البحر، فإن ماء الأمطار من البحر فإذا رجع إلى البحر فلا يقال إنه زاد في البحر هـ.

أما أمره سبحانه لنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم فتكليف يحتاج منا توفير إرادة مستدامة لتعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء مقامه ومكانته كما أرادها الله لرسوله، فإن عجزنا عن ذلك كما هو الواقع فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أرشدنا إلى سبيل الدعاء لنتوجه إلى الله سبحانه ونطلب منه أن ينوب عنا في الصلاة الكاملة التامة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ينبغي ذلك لسيد الأولين والآخرين.

ودون تحقيق ذلك، نكون بدعائنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجازا وليس على الحقيقة.

فصلاتنا على رسول الله مجازية وليست حقيقية !!

قال العارف بالله سيدي عبد العزيز الدباغ رحمه الله في الإبريز محذرا من مغبة اعتبار صلاتنا على رسول الله نفع منا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم:
وترى الرجل يقرأ دلائل الخيرات فإذا أراد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوره في فكره وصور الأمور المطلوبة له كالوسيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود وغير ذلك مما هو مذكور في كل صلاة وصور نفسه طالبا لها من الله تعالى، وقدر في فكره أن الله يجيبه ويعطيه ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم على يد هذا الطالب، فيقع في ظن الطالب أنه حصل منه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفع عظيم فيفرح ويستبشر ويزيد في القراءة ويبالغ في الصلاة ويرفع بها صوته ويحس بها خارجة من عروق قلبه، ويعتريه خشوع وتنزل به رقة عظيمة، ويظن أنه في حالة ما فوقها حالة وهو في هذا الظن على خطأ عظيم، فلا يصل بصلاته هذه على شيء من الله تعالى لأنها متعلقة بما ظنه وصوره في فكره، وظنه باطل والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه، وإنما يتصل بالحق سبحانه ما هو حق في نفس الأمر بحيث أن الشخص لو فتح بصره لرآه في نفس الأمر، فكل ما كان كذلك فهو متعلق بالحق سبحانه، وكل ما لو فتح الإنسان بصره لو يره باطل، والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه.
فليحذر المصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآفة العظيمة، فإن أكثر الناس لا يتفطنون ويظنون أن تلك الرقة والحلاوة الحاصلة لهم من الله سبحانه، وإنما هي من الشيطان ليدفعهم بها عن الحق سبحانه ويزيدهم بها بعدا على بعد.
وإنما ينبغي أن يكون الحامل محبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه لا غير وحينئذ يشتعل نورها..، وأما إن كان الحامل عليها نفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن صلاته حينئذ لا تتعلق بالحق سبحانه ولا تبلغ إليه هـ.

وقبل تفصيل شروط استجابة الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابد من التنبيه إلى أن الصلاة على رسول الله بما هي دعاء كما أنها تحتاج إلى شروط هي بدورها تعد من أركان الدعاء وأجنحته. فالدعاء عموما يحتاج ضمن ما يحتاجه من شروط إلى تصديره واختتامه بدعاء خاص وهو الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله:
للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات، فإن وافق أسبابه أنجح. فأركانه: حضور القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه من الأسباب، وأجنحته: الصدق، ومواقيته: الأسحار، وأسبابه: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هـ.

وقال الإمام عبد الرحمن الفاسي رحمه الله في سر سؤال الحاجة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وسر ذلك ـ والله أعلم ـ ملاحظة واسطته وكونه الباب والوسيلة، هذا مع المحافظة على ذكره صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكر الله عز وجل تخلقا بقوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)، وأن لا يغفل عن ذكره مع ذكر ربه عز وجل هـ.

وقال ابن شافع رحمه الله: إذا طلبت من الله شيئا فصل على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أول دعائك وآخره، فيكون مثالك كمن دخل بتجارته على الباب بين أميرين يحرسانه، فهل يتعرض له أحد ؟! بل ينبسط جاههما عليه هـ.

ولاستجابة الدعاء عموما من قبل الله عز وجل شروط ينبغي الوفاء بها وتحقيقها.

أولى هذه الشروط وهو الأصل في استجابة الدعاء كما فصل ذلك الإمام الغزالي في إحيائه: تحقيق التوبة مع رد المظالم إن كانت عالقة على عاتق التائب، والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة وبإنابة وتبتل، فذلك هو السبب القريب في الإجابة وكل الشروط التي ستأتي إنما هي فروع منبثقة عنه.

فكيف ينوب الله عز وجل عن أحدنا في الصلاة الكاملة التامة الزكية على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو نمام لا يبرح عن الخوض في أعراض المؤمنين والسعي في هدم العلاقات الاجتماعية عوض محاولة الإصلاح بين الناس؟!

وهو مثال بسيط لما عليه العديد من المنتسبين إلى طرق التصوف والإحسان لا يتورعون عن مثل هذه السفاسف والآثام في مجالس يظنون أنهم بكثرة ترتيلهم لدعاء الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ناجون، بل ومقربون إلى الله راقون.

وللإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه رأي نفيس في سياق هذا المعنى حيث قال: الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان أمرها عظيما وخطبها جسيما ومحلها من الدين عليما، لكن المصلي عليه حقيقة هو من اتبع السنة وهجر البدعة، فمن اتبع سنته فهو مصل عليه ولو لم يتلفظ بها، ومن حاد عن الطريق فليس بمصل على التحقيق وإن لم يفتر عنها طرفة عين في السعة والضيق إلا أن بركة ذلك ترجى له هـ.

قلت: نعم، ترجى بركة الصلاة على سيد الأولين والآخرين لمن داوم عليها ولو كان منتهكا لحرمات الله، بل وقد يغفر الله له ما يرتكبه من ذنب لاعتياده مثلا قراءة دلائل الخيرات الخاص في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وقت من أوقات يومه وليلته، إلا أننا هنا نؤكد على ضرورة استحضارنا لافتقار الناس جميعا وبدون استثناء إلى نيابة الله عنهم في الصلاة الكاملة التامة الزكية على من إذا رقى على مرأى منا ومشهد لم تكن لنا فرصة تحديد مقامه الذي ارتقى إليه حتى يكون قد ارتقى إلى مقام أعلى وأعظم وأحمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثاني هذه الشروط التضرع حتى البكاء، والخشوع حتى الاستغراق في محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والرغبة في نيل أعظم صلاة كاملة باسمك على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والرهبة والخوف من عدم الظفر بهذا الفضل الكبير والمزية العظمى.

فكم من مجلس يدعو فيه أصحابه بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإذا به مجلس تراتيل فقط لأنواع وصيغ مختلفة من الصلاة على النبي الكريم، قد يكسب المرتل فيهم أجر الذكر العام وينال بذلك حسنات ويتخلص من سيئات إلا أن غياب تركيزه وفقدان افتقاره لمعنى النيابة الإلهية في الصلاة على الحبيب الشفيع بتركه الخشوع لله سبحانه أثناء دعائه يفوت عليه فرصة الاستجابة الإلهية له في الواجب من الصلاة اللائقة بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام:
صلاة أهل العلم ـ العارفين بسنته وهديه المتبعين له ـ عليه صلى الله عليه وآله وسلم، خلاف صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم، أما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به، فصلاتهم عليه نوع آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله تعالى هـ.

قلت: يقصد هنا بالعوام من كان طائعا لله تعالى في الجملة، ولولا بعده عن العلم وأسرار الشريعة لكان واعيا بما يقوله ويردده.

وعليه يكون أساس الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أن ير المسلم ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه في جميع الأحوال وير نفسه في ملكه عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإيمان قد يستوي فيه العامي الذي ليست له فرصة التعرف على مقتضيات دينه وكذا المتعلم المتنور بأنوار السنة والهدي النبوي. وهو ـ أي هذا الإيمان ـ لا يتم إلا بإيثاره صلى الله عليه وآله وسلم على النفس لأن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، فمن لزم ذلك في كل حال وخاصة عند الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو كامل المحبة، ومن خالف في بعض الأمور وخصوصا عند ورد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها.

وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت أحب إلي يا رسول الله من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال له عليه الصلاة والسلام:
لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب إليك من نفسك.

فقال عمر رضي الله عنه: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الآن يا عمر تم إيمانك.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه عند التعليق على هذا الحديث:
فعمر رضي الله عنه كان مؤمنا قبل ذلك ـ يقصد قبل قوله: إلا نفسي ـ محكوما له به، ومن إيمانه وصدقه قال ما قال، كأنه رأى نفسه مقصرا في محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام ببعض ما يجب من حقه، وذلك لما استشعر من عظم قدره وفخامة أمره وكبر حقه، ووجد محلا لطلب الزيادة وإشارة من الحق لذلك وتعطشا في نفسه وارتفاعا في همته، فقال ما قال، والله أعلم هـ.

ومن الآثار التي يستفاد منها استحضار معنى الدعاء والتضرع في ورد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روي عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك؟ قال:
إن شئت.
قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال:
إن شئت.
قال: ألا أجعل دعائي لك كله؟ قال:
إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة.

فالصلاة على رسول الله كما في هذا الحديث الشريف أعظم دعاء له عليه الصلاة والسلام.

ولنا أن نسأل سؤال مراجعة ذاتية عن أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع مقابلة ذلك بما اعتدنا على ترتيبه، أفرادا أو جماعات أو بأمر من السلطان، من حلقات ومجالس للدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

كيف أن الله لم يكفينا هم الدنيا بشتى مطالبها ومشاغلها رغم ما رتبناه من أوراد كثيرة للدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

بل أين دعاؤنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ساعات التلاوة والترتيل مثلا لكتاب دلائل الخيرات الخاص في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!

الشرط الثالث وله علاقة مباشرة بالشرط الثاني أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ونيابة الله عنه ويصدق رجاؤه في ذلك فيكرر ويلح في الطلب ما أمكنه ذلك.

وهي اليقظة التامة والاستنفار الشامل لكل الحواس وسائر مناحي الجسم للوقوف بين يدي الله سبحانه المجيب لمن دعاه والموفي بوعده إذا وعد.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي.
وفي رواية: فيتحسر عند ذلك فيدع الدعاء.

وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.

وهذه الشروط الثلاثة واجبة وضرورية مجتمعة ولا يمكن فصل شرط منها عن بعضها. أما الشروط المقبلة فهي كمالية وليست أساسية.

الشرط الرابع أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.

على أن شرف الأوقات كما قال الإمام الغزالي في إحيائه: يعود إلى شرف الحالات أيضاً كما سيأتي في الشرط الخامس، إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات. ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل، فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها هـ.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه: وخص يوم الجمعة بالحض على الإكثار فيه من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لما فيه من الفضل، فهو يوم تشهده الملائكة، وتعرض عليه صلى الله عليه وآله وسلم فيه صلاة من صلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه ساعة الإجابة، إلى غير ذلك مما ذكر من فضائله.

وقال ابن القيم: إن الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهو أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عيد لهم في الدنيا، وأعظم كرامة تحصل لهم في الآخرة فإنها تحصل لهم في يوم الجمعة.

وقال غيره: إن فضل ليلة الجمعة ويومها بما أن فيها حل النور الباهر الشريف في بطن المكرمة آمنة، فيكون لليلة الجمعة ويومها نسبة من مولده الشريف من اتخاذه عيدا وإكثار الصلاة عليه فيه شكرا لله وفرحا به وتعظيما له هـ.
الشرط الخامس أن يغتنم الأحوال الشريفة، كزحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة، وخلف الصلوات وآخرها، وبين الأذان والإقامة، وعند المرور بالمساجد ودخولها، وفي حال الصوم، وحال السجود، وفي حال استقبال القبلة مع خفض الصوت، وفي حال القنوت.

ومن هذا المعنى يستشف أن الصلاة ما كانت بخشوعها وركوعها وسجودها وسائر حركاتها إلا لتهيء المرء ليدعو الله عز وجل قبل الخروج منها بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الوجه المطلوب، كما هي السنة المحمدية في الصلاة المكتوبة، فيتمكن العبد بإذن الله تعالى من استجابة ربه لدعائه ونيابته سبحانه عنه في الصلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

ورحم الله شيخنا سيدي محمد بن علوي المالكي الحسني المكي إذ تنبه إلى هذا الأمر فاعتبر ورود الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة المكتوبة من خصائص أمة الإسلام في كتابه: خصائص الأمة المحمدية.

فالصلاة بركوعها وسجودها وسائر حركاتها تمرن القلب وتهيئ صاحبه ليقول اللهم..

الشرط السادس أن يعمد إلى أحد الصالحين المشهورين باستجابة الله لدعائهم ويطلب منه أن يدعو الله عز وجل له لينوب عنه في الصلاة الكاملة التامة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالصالحون إن نطقوا فإنما يكون نطقهم بالله عز وجل.

فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس:
اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
قال: فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.

فاستسقاؤنا بالصالحين لمكانهم من الله عز وجل أو مكانهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخص غيث الأمطار فقط بل كل أنواع الإغاثة الإلهية بما فيها استمطار الرحمة والحكمة النبويين.

ومن هذا الباب صحبة الصالحين واغتنام حضورك معهم لتدعو الله عز وجل وتسأله بجاههم وجاه من يعظمونه ويوقرونه أن ينوب الله عنك في الصلاة الكاملة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس