عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2012
  #90
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقرض كل من استقرضنا من المحتاجين، سواء كان مشهورا بحسن المعاملة أم لا امتثالا لقول الله تعالى: {أقرضوا الله قرضا حسنا}. ومن أقرض الله تعالى من الخلق لا يطلب جزاء.


واعلم يا أخي أن الله تعالى لم يأمر بالقرض إلا الأغنياء، فهم الذين فازوا بلذة خطاب الله تعالى بقوله لهم: {أقرضوا}. وأما الفقراء ففاتتهم تلك اللذة وذلك الأجر، ومن هنا سارع الأكابر من الأولياء إلى التكسب والتجارة والزراعة والحرفة ليفوزوا بلذة ذلك الخطاب لا لعلة أخرى من طلب ثواب أو غيره قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}. فوصفوا بالرجولية لأجل أكلهم من كسبهم وإقراضهم من فواضل كسبهم كل محتاج، ومفهومه أن من لا كسب له والناس ينفقون عليه فهو من جنس النساء وإن كان له لحية كبيرة وسجادة وعذبة ومرقعة وشفاعات عند الحكام وغير ذلك، وليس له في الرجولية نصيب قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء}.


واعلم أن طلب التلذذ بخطاب الله تعالى كما ذكرنا محمود بالنسبة لمن هو تحته في المقام، وإلا فلله تعالى رجال يتوبون من التلذذ بخطاب الله تعالى إلا على وجه الشكر لا غير فإن من كان الباعث له التلذذ بخطاب الله تعالى فهو عبد لذته لا يكون عبد الله تعالى. وقد أخبرني أخي أفضل الدين رحمه الله أنه كان يقوم الليل مدة كذا وكذا سنة وهو لا يشعر به أحد، قال: فكنت أظن بنفسي الإخلاص في ذلك، فسمعت هاتفا يقول: إنما تقوم الليل للذة التي تجدها حال مناجاتك، ولولا هي ما قمت للحق بواجب عبوديته، قال: فاستغفرت الله تعالى وتجردت من تلك اللذة وعلمت أن تلك اللذة تجرح في إخلاصي فالحمد لله رب العالمين.


فاعلم أنه لا يقدح في شيخ الزاوية أن يكون تاجرا ولا زراعا بل ذلك أكمل له. فإياك يا أخي أن تنكر على فقير الكسب والتجارة والزراعة أو معاملة الناس أواخر عمره وتقول فلان كان من الصالحين أول عمره وقد ختم عمره بمحبة الدنيا وشهواتها، بعد أن كان زاهدا فيها وفي أهلها، فربما يكون مشهد ذلك الفقير ما قلناه أو غير ذلك من النيات الصالحة، فإن زهد الكمل ليس هو بخلو اليدين من الدنيا، وإنما هو بخلو القلب، ولا يتحقق لهم كمال المقام إلا بزهدهم فيما بأيديهم وتحت تصريفهم من غير حائل يحول بينهم وبين كنزه. وأما زهدهم مع خلو اليد، فربما يكون لعلة الفقر. وقد قالوا: من شرط الداعي إلى الله تعالى أن لا يكون متجردا عن الدنيا بالكلية، بأن تخلو يده منها وذلك لأنه يحتاج ضرورة إلى سؤال الناس إما بالحال وإما بالمقال، وإذا احتاج إلى الناس هان عليهم وقل نفعهم به بخلاف ما إذا كان ذا مال يعطي منه المحتاجين من مريده وغيرهم، فإن فقد الحال الذي يميل به قلوب المريدين إليه كان معه المال يميلهم إليه به، ومن لا حال له ولا مال لا ينفعه المقال، وفي الحديث: عز المؤمن استغناؤه عن الناس، وشرفه في قيام الليل.


وممن جاهد نفسه بالتجرد عن الدنيا زمانا طويلا ثم مسك الدنيا من أشياخ العصر وتاجر فيها الشيخ عبدالرحيم البيروتي والشيخ علي الكازروني نفعنا الله ببركاتهما، فأساء الناس بهما الظن وأخرجوهما عن دائرة الفقراء، والحال أنهما الآن أكمل مما كانا عليه في بدايتهما على ما قررناه آنفا. فإياك يا أخي وسوء الظن بأهل الطريق أو بمن لبس الزيق، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}. ومن محك صدق من طلب الدنيا لله تعالى طلبا للفوز بلذة خطابه أن لا يشح بشيء منها على محتاج إليه لأن من أحب شيئا وتلذذ به أحب تكراره، ومتى تكدر من كثرة السائلين لما عنده فهو كاذب في دعواه أنه يحب الدنيا للالتذاذ بخطاب الله أو لنفع عباد الله فاعلم ذلك، واخرج بقولنا أن لا يشح ما لوشح ومنع لحكمة شرعية فإن ذلك لا يقدح في صدقه. {والله غفور رحيم}.


روى مسلم والطبراني مرفوعا: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه


وفي رواية للطبراني: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله تحت ظل عرشه فلينظر معسرا


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا، قالوا تذكر، قال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر، فقال الله تجاوزوا عنه، ومعنى تجوزوا عن الموسر: أي خذوا ما تيسر معه بقرينة الحديث الآتي. والله أعلم.


وفي رواية للشيخين: كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: أن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له؟ هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى قد تجاوزت عنك،


وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا: من أنظر معسرا قبل أن يحل الدين فله كل يوم مثله صدقة، فإذا حل فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين.


وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مرفوعا: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.


وروى الترمذي وقال حسن صحيح مرفوعا: <<من أنظر معسرا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله. ومعنى وضع له: أي ترك له شيئا مما له عليه.


وروى ابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا: <<من أنظر معسرا إلى ميسرته، أنظره الله بذنبه إلى توبته والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم." اهـ

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس