عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2009
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: إمام دار الهجرة، سيدّنا مالك بن أنس

وأرسل والي المدينة إلى الإمام مالك أن يكف عن الكلام في هذا الحديث، وأن يكتمه عن الناس، لانه يحرضهم على الثورة ونقض البيعة.

ولكن الإمام مالك أبى أن يكتم هذا العلم، فكاتم العلم ملعون. وظل يفسر الحديث غير آبه بتهديد والي المدينة، وأطلق الحكم الذي جاء به الحديث على كل صور الإكراه في المعاملات والحياة.

فأمر والي المدينة رجاله فضربوا مالكا أسواطا، ثم جذبوه جذبا غليظا من يده، وجروه منها فانخلع كتفه.. ثم أعادوه الى داره وألزموه الإقامة بها. لا يخرج منها حتى للصلاة ولا يلقى فيها أحدا.

وفزع الناس في المدينة الى الله يشكون الظالم، وثار سخطهم على الوالي والخليفة نفسه وغضب الفقهاء والعلماء من كل الأمصار والأقطار. فهاهو ذا عالم يلتزم الحياد، ينأى بنفسه عن السياسة ودوران دولاتها، ويعكف على العلم ويشرح للناس حديثا نبويا صحيحا، ويبصرهم بأحكام هذا الحديث فإذا بالدولة بكل قوتها تبطش به، وهو عالم لا يملك إلا قوة العلم وما يستطيع بعد كتمان هذا العلم؟..

وأخذ الناس يلعنون والي المدينة والخليفة المنصور الذي ولاه.. ويتهمون الخليفة نفسه. وقمع المنصور ثورة النفس الزكية، وقتله هو وآله بيته وصحبه وأتباعه شر قتلة ومثل بأجسادهم.. واستقر له الأمر.

فاستقدم الخليفة المنصور مالكا ليسترضيه ولكن مالكا لم يقم ولم يبرح محبسه في منزله.

فأمر المنصور والي المدينة فأطلق سراح مالك.. ثم جاء المنصور بنفسه من العراق إلى الحجاز في موسم الحج، واستقبل الإمام مالك بن أنس. وقال الخليفة معتذرا: «أنا أمرت بالذي كان ولا عملته. إنه لا يزال أهل الحرمين بخير ما كنت بين أظهرهم، وإني أخالك أمانا لهم من عذاب، ولقد رفع الله بك عنهم سطوة عظيمة فإنهم أسرع الناس الى الفتن».

ثم أضاف الخليفة أنه استحضر والي المدينة مهانا وحبسه في ضيق، وأمر الإيغال في إهانته، وأن ينزل به من العقوبة أضعاف ما نال منها الإمام مالك بن أنس.

فقال الإمام مالك: «عافى الله أمير المؤمنين وأكرم مثواه فقد عفوت عنه لقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ومنك.» قال الخليفة المنصور: «فعفا الله عنك ووصلك.. ووهبه المنصور مالا كثيرا وهدايا ثمينة ثم أضاف:

إن رابك ريب من عامل (الولي) المدينة أو مكة أو عمال (اي ولاة) الحجاز في ذاتك أو ذات غيرك، أو سواء أو شر بالرعية فاكتب إلي أنزل بهم ما يستحقونه.

على أن الإمام مالك بن أنس لم يكتب الى الخليفة، على الرغم مما سمع وعاين من شر بالرعية في جميع أنحاء الحجاز، بل اكتفى بتوجيه النصح والموعظة الحسنة إلى هؤلاء الولاة.

على أن الخليفة المنصور لم يترك الحجاز حتى طلب من الإمام مالك أن يضع كتابا يتضمن أحاديث الرسول وأقضية الصحابة وآثارهم، ليكون قانونا تطبقه الدولة في كل أقطارها بدلا من ترك الأمر لخلافات المجتهدين والقضاة والفقهاء.. وكان ابن المقفع الكاتب قد أشار على الخليفة من قبل بإصلاح القضاء وتوحيد القانون في كل أرجاء الدولة..

قال المنصور للإمام مالك: «ضع للناس كتابا أحملهم عليه» فحاول مالك أن يعتذر عن المهمة ولكن المنصور ألح: «ضعه فما أحد اليوم أعلم منك» فقال مالك: «إن الناس تفرقوا في البلاد فأفتى كل مصر «أي قطر» بما رأى فلأهل المدينة قول، ولأهل العراق قول تعدوا فيه طورهم». فقال الخليفة المنصور: «أما أهل العراق فلا أقبل منهم، فالعلم علم أهل المدينة» فقال مالك: «إن أهل العراق لا يرضون علمنا» فقال المنصور: «يضرب عليه عامتهم بالسيف وتقطع عليه ظهورهم بالسياط.
واقتنع مالك برأي الخليفة، بأن يجمع الأحاديث النبوية في كتاب يضم مع الأحاديث آثار الصحابة، ليجتمع المجتهدون والفقهاء والقضاة على رأي واحد وانقطع الإمام عاكفا على إعداد الكتاب وأخذ يكتب وينقح ويحذف أضعاف ما يثبت، وينقح ما يثبت وأسمى كتابه الموطأ. والموطأ لغة هو المنقح.

ولبث ينقح في الكتاب سنين عددا، وخلال تلك السنين أخرج منافسوه من علماء المدينة كتبا كثيرة في الأحاديث وآثار الصحابة أسموها الموطآت، وسبقوه بها.. فقيل لمالك: شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شرك فيه الناس وعملوا أمثاله، وأخرجوا ما عملوا فقال: «ائتوني بما عملوا.. فأتوا بها فلما فرغ من النظر فيها قال: «لا يرتفع إلا ما أريد به وجده الله» أما تلك الكتب فكأنما القيت في الآبار وما يسمع بشيء منها يذكر بعد ذلك..

وفي الحق أن شيئا من تلك الكتب لم يذكر بعد، وكأنما ألقيت في الآبار.

أما كتاب الموطأ فقد أنجزه مالك بعد أن قضى المنصور وجاء بعده خليفة وخليفة ثم جاء هارون الرشيد فأراد أن يعلق كتاب الموطأ في الكعبة ولكن الإمام مالك بن أنس أبى.

والإمام مالك بن أنس من أفقه الناس بالحديث وآثار الصحابة.. والرأي عنده سنة فقد وعى عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قوله: أنا أقضي بينكم بالرأي فيما لم ينزل فيه وحي.. ونقل الإمام مالك عن الرسول عليه السلام أنه كان يشاور أصحابه ويأخذ برأيهم.. ونقل من آرائه أن قبلة الصائم لا تفطر، فقد سألت زوجه أم المؤمنين أم سلمة عن قبلة الصائم فقال لها هل أخبرت أني أقبل وأنا صائم؟.. وحفظ الإمام مالك من آراء الرسول صلى الله عليه وسلم : أنه ذهب إليه رجل ينكر ولده لأن امرأته جاءت به أسود والأب أبيض والأم بيضاء، فقال له الرسول عليه السلام: هل لك إبل؟ قال: نعم. قال فما ألوانها؟ قال: «حمر» فسأله عما إن كان فيها «رمادي» فقال الرجل: نعم. فسأله الرسول صلى الله عليه سلم: من أين؟: فقال الرجل: لعله نزعة عرق. فقال الرسول عليه السلام وهذا لعله نزعة عرق.

وعى مالك هذا الإجتهاد من الرسول، ووعى صورا عربية أخرى من أخذه بمشورة الصحابة فيما لم ينزل فيه وحي، فاجتهد هو الآخر معتمدا على حسن الفقه بالقرآن الكريم، وعمق العلم بالناسخ والمنسوخ، ودلالات النصوص ظاهرها وخفيها، وأسرار الأحكام في القرآن، وحسن معرفة الأحاديث وآثار الصحابة.

وقد عرف كل آثار الصحابة إلا فقه الإمام علي بن أبي طالب، إذ صادره الأمويون وحجبوه، وطارده العباسيون.. غير أن ذلك الفقه كان في حدود آل البيت وشيعتهم، وفي تكب يتداولونها خفية.

ولقد أتيح للإمام مالك أن يعرف جعفر الصادق معرفة صداقة وتدارس معا.. وعمل كل واحد منهما تقديرا عظيما لصاحبه.

وفي الحق أن الإمام مالك قد أفاد من صحبة الإمام جعفر الصادق ـ وأخذ عنه الاعتماد على العقل فيما لم يرد فيه نص ـ غير أنه أسماه بالاستحسان أو المصلحة المرسلة ـ فقضى بما يحقق مقاصد الشريعة من توفير المصلحة وجلب النفع ودفع الضرر.. واعتبر المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة، ووازن بين المصالح وما أولاها بالرعية لتكون هي مناط الحكم.

وكما أعطى أعمال العقل لفقه الإمام الصادق ثراء وتجددا، فقد أثرى الفقه المالكي باعتماد المصلحة أساسا للحكم حيث لا نص..

ويقول الإمام مالك من علاقته بالإمام جعفر الصادق: كنت آتي جعفر ابن محمد، وكان كثير المزاح والتبسم فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه وسلم) أخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليا وإما صائما وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه. وكان من العلماء الزهاد العباد الذين يخشون الله. وما رأيته قط إلا يخرج الوسادة من تحته ويجعلها تحتي.

أفاد الإمام مالك من صحبة الإمام جعفر وأخذ عنه كثيرا من طرق استنباط الحكم ووجوه الرأي وأخذ عنه بعض الأحكام في المعاملات، وأخذ الإعتماد على شاهد دون شاهدين، إذا حلف المدعي اليمين وكما أخذ من الإمام الصادق جعفر بن محمد أخذ من أبيه الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن ابي طالب.

لزم مالك مجلس الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر وتعلم منهما على الرغم من أن رأيه في الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لا يرضي آل البيت وشيعتهم.. فقد فضل عليه أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان رضي الله عنهم وجعل الإمام عليا كرم الله وجهه ورضي الله انه كسائر الصحابة.

غير أن الإمام مالك بن أنس لم ينافق الخلفاء، وإذا كان لم يجهر بالإحتجاج على مظالمهم، فقد اختار أن يوجه إليهم الموعظة الحسنة كلما اقتضى ـ كلما لقيهم في موسم الحج أو في زيارة الحرم النبوي.. وأنكر عليه أحد تلاميذه أنه يتصل بالأمراء وبالخلفاء لأنهم ظالمون وما ينبغي أن يتصل بهم رجل صالح كالإمام مالك بن أنس.. فرد مالك: «حق على كل مسلم أو رجل جعل الله في صدره شيئا من العلم والفقه أن يدخل على ذي سلطان يأمره بالخير وينهاه عن الشر» وربما يستشير السلطان من لا ينبغي فخير أن يدخل عليه العلماء الصالحون.

وعندما ألح عليه تلاميذه في إنكار علاقاته بالخلفاء والأمراء قال: لولا أني آتيتهم ما رأيت للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المدنية سنة معمولا بها.

وفي الحق أنه كان يعظهم أحسن موعظة، الموعظة الحسنة لأولي الأمر خير من الثورة عليهم واشتعال الفتنة التي لا تصيب الذين ظلموا خاصة فقد تلتهم الظالمين والضحايا والأبرياء جميعا.

كان مالك.. يسر النصيحة إلى ولي الأمر بحيث لا يحرجه أمام الرعية ويصوغها بحيث تقع موقعا حسنا.

رأى أحدهم يذهب الى الحج في موكب فخيم وسوف الترف باد عليه فقال له: «كان عمر بن الخطاب على فضله ينفخ النار تحت القدر حتى يخرج الدخان من لحيته وقد رضي الناس منك بدون هذا».

وقال لآخر: «افتقد أمور الرعية، فإنك مسؤول عنهم، فإن عمر ابن الخطاب قال والذي نفسي بيده لو هلك جمل بشاطئ الفرات ضياعا لظننت أن الله يسألني عنه يوم القيامة».

وكتب لخليفة آخر: إحذر يوما لا ينجيك فيه إلا عملك وليكن لك أسوة بمن قد مضى من سلفك، وعليك بتقوى الله.

وكان أحد الولاة يزور الإمام مالك بن أنس في بيته، ويسأله النصيحة.. فأثنى على الوالي بعض الحاضرين، فغضب مالك، وكان بعيد الغضب، وصاح في الوالي ـ وقلما كان يصيح ـ: «إياك أن يغرك هؤلاء بثنائهم عليك، فإن من أثنى وقال فيك من الخير ما ليس فيك، أوشك أن يقول فيك من الشر ما ليس فيك.. إنك أنت أعرف بنفسك منهم.. ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أحثوا التراب في وجوه المداحين.

عندما بلغ مالك من الكبر عتيا كانت شهرته طبقت الآفاق حقا، وكان يلزم بيته في السنوات الأخيرة لا يخرج إلا نادرا واضطر الى أن يتخذ له حاجبا ينظم دخول الناس كما يصنع الخلفاء، وقد اتخذ له بيتا آخر واسعا غير دار ابن مسعود فيه عدد من الجاري الحسان والخدم.

وكان يحرجه أن يرفض استقبال أحد، وله أصدقاء كثر. واستخلص العبرة من كل حياته الماضية وأفضى بنصيحة الى أحد تلاميذه ليبثها في الناس من بعده: «إياكم ورق الأحرار».

سأله تلميذه: «وما رق الأحرار؟» قال الإمام مالك «كثرة الإخوان.. فإن كنت قاضيا ظلمت أو اتهمت بالظلم، وإن كنت عالما ضاع وقتك».

وكان مالك يشكو كثرة الأصدقاء، إذ لا حيلة له معهم، فلا هو يستطيع أن يردهم عنه، ولا هم يتركونه يعمل أو يعتكف في داره للعلم كما ينبغي له..

ومهما يكن من أمر فقد أغنى مالك الفقه الإسلامي برأيه في المصلحة وجعلها مناط الأحكام وأساسه فيما لم يرد فيه نص ملزم بالإباحة أو المنع، وفي أخذه بالذرائع فما يؤدي إلى الحلال حلال، وما يؤدي إلى الحرام حرام.. فأنت حر في ملكك لكنك في حريتك يجب ألا تضر غيرك فإذا حفرت بئرا خلف بابك يؤدي الى سقوط الداخل إليك وهلاكه فهذا حرام.. لأن حفر البئر ذريعة لاهلاك الغير فهو ممتنع. والبيع بأقساط ترفع الثمن الأصلي الذي تدفعه معجلا ذريعة الى الربا فهو حرام ويجب على ولي الأمر منعه. فالأقساط يجب أن تكون ذريعة للتيسير على المشتري لا ذريعة لقهر على اقتراف الربا، وحمله على دفع ثمن أكبر.

وبهذا النظر حرم الإحتكار لأنه يحقق مصلحة لفرد أو لأفراد ويجلب الضرر على الآخرين..

فالمحتكر يغالي في السعر كيفما شاء، وعامة الناس مضطرون الى قبول ما يفرضه وفي هذا ضرر بهم كبير والمحتكر ملعون، بنص الحديث الشريف.

ومن أخذ الإمام مالك في فتاواه وآرائه بالقرآن والسنة والإجماع وعمل أهل السنة ورعاية المصالح أفتى بأمور كثيرة خالفه فيها بعض العلماء والفقهاء والمجتهدين.

فقد أفتى مالك بحق الزوجة في الطلاق إذا لم ينفق عليها زوجها، أو إذا ظهر لها عي بفيه لم تكن تعرفه وقت العقد.. عيب أي عيب جسديا كان أم حقيقيا..

وأفتى أن ديون الله ـ كالزكاة ونحوها وما يمكن أن نسميه بالضرائب في أيامنا هذه ـ لا تؤخذ من التركة إذا اعترف المورث بها قبل وفاته.. وحتى إذا ثبتت هذه الديون بأي طريق آخر من طريق الإثبات، فديون العباد مقدمة عليها.. لأن العباد «والأفراد» يضارون بعدم دفع ديونهم أكثر من الدولة.. أما عن ديون الله كالزكاة فالله غفور رحيم.

وأفتى بأن الحمل قد يستمر في بطن أمه ثلاث سنوات. ولقد سخر منه بعض خصومه وزعموا أنه يشجع على الفساد نساء غير صالحات من المطلقات أو ممن يغيب أو يموت عنهن الأزواج.

وأفتى بأن من يبني جدارا في ملكه ليمنع الشمس والهواء عن جاره، معتد آثم يجب هدم جداره، وإن زعم أنه يقصد حماية أهل بيته من أعين الجيران.


وأفتى مالك بوجوب وضع ضوابط لحق الرجل في الطلاق وفي الزواج بأكثر من واحدة بحيث لا تضار الزوجة أو الأولاد، وبحيث تكون مصلحة الأسرة هي العلة والأساس والأجدر بالرعية.

وأفتى مالك بأن الأعراف والعادات يجب أحترامها في استنباط الأحكام ما لم تتعارض مع نص صريح قطعي الدلالة.

وأفتى بأن المحظور يجوز أن يقترف لأن فيه دفعا لمضرة أكبر..

إنه ليرى الشريعة مبنية على جلب المنافع والبعد عما يكون طريق الى المفاسد.. فكل وسيلة من وسائل العمل يجب أن ينظر الى نتائجها فإن كانت النتيجة مصلحة فالعمل مباح وإن كانت فسادا وجب منع هذا العمل.

ولقد ذاع فقه مالك في كل الأمصار والأقطار، وكان في هذا الفقه ما حمل له عناصر التجديد كالأخذ بمراعاة تحقيق المصلحة إن لم يوجد نص يبيح أو يمنع، وهو نظر أخذه من فقه الإمام جعفر الصادق بإعماله العقل في استنباط الحكم حيث لا يكون نص، وحكم العقل، يقضي بالبحث عما يجلب المنفعة ويبعد الضرر تحقيقا لمقاصد الشريعة.

وقد نما فقه مالك واتبعه وأغناه كثير من المفكرين والمجتهدين والفقهاء من بعده منهم فيلسوف الأندلس ابن رشد..

غير أن بعض معاصري مالك عارضوه معارضة عنيفة وخالفه ونقده بعض أصحابه منهم الليث بن سعد فقيه مصر، وتلميذه الشافعي..

ولقد أرسل إليه صاحبه الليث بن سعد رسالة طويلة ذكره فيها بأن عمل المدينة لم يعد سنة بعد ولا يمكن أتباعه بعد عصر الرسول والخلفاء الراشدين فالصحابة خرجوا من المدينة بعد مقتل عمر، وتفرقوا في الأمصار، وبثاو فيها فقههم..

لقد كان أوائل أهل المدينة في زمن الرسول عليه السلام هو خير الأوائل أما أواخرهم في زمن مالك، فلم يعودوا كذلك بعد.. ولم ينس الإمام الليث ابن سعد فقيه مصر أن يسأل صاحبه الإمام مالك بن أنس إن كان في حاجة الى مال!

ومهما يكن من أمر الخلاف بين مالك وتلاميذه، فقد عاش مذهب الإمام مالك وتجدد حتى لقد أخذت قوانين الأحوال الشخصية في مصر منذ مطلع هذا القرن الميلادي حتى القوانين الأخيرة 1979 ميلادية من هذا المذهب.

على أن الذين خالفوا الإمام مالك بن أنس من صحبه وتلاميذه كانوا يحملون له كل الإجلال والتقدير والإحترام. قال عنه تلميذه الشافعي: إذا ذكر الحديث فمالك هو النجم الثاقب.أما صاحبه الليث بن سعد الذي صاحبه عمرا طويلا، وراسله، ووصله بالمال والهدايا، واختلف معه آخر الأمر، فقد قال عنه أثناء الخلاف وعلى الرغم من الخلاف: مالك وعاء العلم.


المصدر: عبد الرحمن الشرقاوي ـ أئمة الفقه التسعة ـ العصر الحديث للنشر والتوزيع 1985
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس