الموضوع: المكتوبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-03-2011
  #33
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: المكتوبات

المكتوب الثامن والعشرون

هذا المكتوب عبارة عن ثماني مسائل

المسألة الاولى

وهي الرسالة الاولى

بِسْم الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ

} إنْ كنتم للرُؤيا تَعبرون{ (يوسف:43)

ثانياً: انكم تطلبون ياأخي تعبير رؤياكم القديمة التي رأيتموها قبل ثلاث سنوات، وقد ظهر تعبيرها وتأويلها بعد ثلاثة ايام من لقائك اياي. أوَ ليس لي الحق اذن أن أقول ازاء تلك الرؤيا اللطيفة المباركة المبشرة والتي مرّ عليها الزمن واظهر معناها:

نه شبم هة شـــــب برســــتم من غلام شمسم از شمس مى كويم خبر(1)

آن خيالاتى كه دام اولياســـــت عكــس مهرويان بوســـتان خداســت(2)

نعم! ياأخي! لقد اعتدنا ان نتذاكر معاً درس الحقيقة المحضة، لذا فان بحث الرؤى التي بابها مفتوح للخيالات بحثاً علمياً لايلائم مسلك التحقيق العلمي ملائمة تامة، ولكن لمناسبة تلك الحادثة الجزئية في النوم، نبين ست نكات تخص النوم الذي هو صنو الموت. نبينها بياناً علمياً مبنياً على القواعد والدساتير مستنبطة من الحقيقة بالوجه الذي تشير اليه الآيات القرآنية، ونورد في النكتة السابعة تعبيراً مختصراً لرؤياك.

النكتة الاولى: ان آيات كثيرة في القرآن الكريم مثل: } وجعلنا نومكم سباتا{ (سورة النبأ:9).. وكذلك الرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام ـ التي هي أساس مهم لسورة يوسف ـ تبين أن حقائق جليلة تستتر وراء حجبٍ في النوم والرؤيا.

النكتة الثانية: ان اهل الحقيقة لايحبذون استخراج الفأل من القرآن الكريم. ولايميلون الى الاعتماد على الرؤيا: لأن القرآن الكريم يزجر الكفار بكثرة زجراً شديداً، وقد يقابل المتفئل بالقرآن تلك الآيات الزاجرة فتورثه اليأس ويضطرب قلبه ويقلق.

وكذا الرؤيا قد تظهر بما يخالف الواقع والحقيقة فيتصورها الانسان شراً رغم انها خير، فتدفعه الى سوء الظن والسقوط في اليأس، ونقض عرى قواه المعنوية. فهناك كثير من الرؤى ظاهرها مخيف، مضر، قبيح، إلاّ أن تعبيرها حسن جداً، ومعناها جميل. وحيث ان كل انسان لايستطيع ان يجد العلاقة بين صورة الرؤيا وحقيقة معناها، فيقلق ويحزن ويضطرب دون داعٍ.

ولاجل هذه الأمور قلتُ في صدر البحث كالامام الرباني وكما يقول أهل التحقيق العلمي: نه شبم نه شب برستم

النكتة الثالثة: لقد ثبت في الحديث الصحيح ان الرؤيا الصادقة جزء من أربعين جزءاً من النبوة(1).

بمعنى ان الرؤيا الصادقة حق، ولها علاقة بمهمات النبوة.

وهذه المسألة الثالثة مهمة للغاية وطويلة وعميقة، ولها علاقة بوظائف النبوة، لذا نؤجلها الى وقت آخر بمشيئة الله ونسد هذا الباب.

النكتة الرابعة: الرؤيا على انواع ثلاثة: اثنان منها داخلان ضمن ((أضغاث احلام)) كما عبّر عنها القرآن الكريم، وهما لايستحقان التعبير ولاأهمية لهما، وان كان لهما معنى. إذ إما ان الرؤيا ناشئة من تصوير تصنعه قوة خيال الانسان المصاب بانحراف في مزاجه، وتركبّه حسب نوع ذلك الانحراف.

او انها ناشئة من تخطر الخيال لحوادث مثيرة، قد رآها الانسان نهاراً او قبل يوم او حتى قبل سنة او سنتين. فيعدّلها الخيال ويصوّرها ويلبسها شكلاً.

فهذان القسمان من قبيل ((أضغاث احلام)) لايستحقان التعبير.

اما القسم الثالث، فهو الرؤيا الصادقة، ان اللطيفة الربانية الموجودة في ماهية الانسان تجد علاقة لها مع عالم الغيب، وتفتح منفذاً اليه بعد انقطاع الحواس والمشاعر المربوطة بعالم الشهادة والمتجولة فيه، وبعد توقفها عن العمل. فتنظر اللطيفة الربانية بذلك المنفذ الى حوادث تتهيأ للوقوع، وقد تلاقي أحد جلوات اللوح المحفوظ او أنموذجاً من نماذج كتابات القَدر، فترى بعض الوقائع الحقيقية، ولكن الخيال يتصرف أحياناً في تلك الوقائع ويلبسها ملابس الصور. ولهذا القسم أنواع كثيرة وطبقات كثيرة. فأحياناً تقع الحادثة كما رآها الشخص واحياناً تظهر الحادثة وراء ستار خفيف واحياناً تتستر بستاركثيف سميك.

وقد ورد في الحديث الصحيح؛ ان الرؤيا التي كان يراها الرسول الكريم e في بدء الوحي كانت واضحة صادقة ظاهرة كفلق الصبح(1).

النكتة الخامسة: ان الرؤيا الصادقة عبارة عن زيادة في قوة ((الحس قبل الوقوع)) وهذا الاحساس موجود في كل انسان جزئياً او كلياً، بل موجود حتى في الحيوانات.

ولقد وجدت ـ في وقت ما ـ ان هناك حاستين في الانسان والحيوان من غير الحواس الظاهرة والباطنة ـ وهما حاستان من قبيل الحس قبل الوقوع ـ وهما حاسة ((السائقة)) وحاسة ((الشائقة)) كحاستي ((الباصرة)) و ((السامعة)) من الحواس المشهورة. اي؛ حاسة تدفع واخرى تشوّق.

ويطلق اهل الضلال والفلسفة على تلك الحواس غير المشهورة لحماقتهم خطأً اسم ((الدافع الطبيعي)).. كلا .. انها ليست دافعاً طبيعياً، بل نوع من إلهام فطري، يسوق به القدر الآلهي الانسان والحيوان.

فمثلاً: القط وماشابهه من الحيوانات، عندما يفقد بصره يفتش بذلك الدفع القدري عن نوع معين من النبات ويضعه على عينه ويشفى من المرض.

وكذلك النسر وما شابهه من الطيور الجارحة الآكلة للحوم ـ الموظفات الصحيات لتنظيف سطح الارض من جثث حيوانات البراري ـ هذه الطيور تعلم بوجود جثة حيوانٍ على مسافة يوم، وتجدها بذلك السَوق القَدري، وبإلهام الحس قبل الوقوع.

وكذلك صغير النحل الذي لم يمر عليه الاّ يوم واحد، يطير الى مسافة يوم كامل في الهواء ثم يعود الى خليته دون ان يضيّع أثره، وذلك بالسَوق القَدري، وبالهام ذلك السَوق والدفع.

حتى ان كل انسان قد مرّ بلاشك بكثير من الوقائع المتكررة، فهو عندما يذكر اسم شخص ما، اذا بالباب ينفتح ويدخل الشخص المذكور، من غير ان يتوقعوا قدومه. حتى قيل في الامثال الكردية:

ناف كربينه بالاندار لى ورينه

اي؛ حالما تذكر الذئب، هئ الهراوة، فالذئب قادم.

بمعنى ان اللطيفة الربانية ـ بحس قبل الوقوع ـ تشعر بمجئ ذلك الشخص إحساساً مجملاً، ولكن لعدم احاطة شعور العقل به، فان الشخص ينساق الى ذكر ذلك الشخص دون قصد واختيار.

ويفسّر أهلُ الفراسة ذلك بما يشبه الكرامة، حتى كانت عندي حالة من هذا النوع من الاحساس بصورة فائقة، فأردتُ أن أضع تلك الحالة ضمن قاعدة واضبطها في دستور، ولكن لم اُوفّق ولم استطع ذلك. ولكن لدى اهل التقوى والصلاح ولاسيما الاولياء الكرام يزداد هذا الإحساس قوة ويبين آثاراً ذات كرامة.

وهكذا، ففي الرؤيا الصادقة نيلٌ لنوع من الولاية لعوام الناس اذ يرون فيها بعض الأمور المستقبلية والغيبية كما يراها الأولياء.

وكما ان النوم من حيث الرؤيا الصادقة في حكم مرتبة من مراتب الولاية لدى العوام، كذلك فهي للناس عامة متنزه جميل، رائع لرؤية مشاهد حوادث ربانية ـ كمشاهد السينما ـ ولكن مَن كان ذا خلق حسن فانه يفكر تفكيراً حسناً فيرى ألواحاً جميلة ومناظر حسنة، بعكس السئ الخلق الذي لايتصور الاّ السيئات لذا لايرى الاّ المناظر السيئة والقبيحة.

وكذلك؛ فالنوم نافذة تطل على عالم الغيب من عالم الشهادة، وهو ميدان طليق للناس المقيدين الفانين.وينال نوعاً من البقاء حتى يكون الماضي والمستقبل في حكم الحاضر. وهو موضع راحة لذوي الأرواح الذين ينسحقون تحت المشاق وتكاليف الحياة المرهقة.

ولاجل هذه الاسرار وأمثالها يرشد القرآن الكريم الى حقيقة النوم في آيات عديدة، كقوله تعالى } وجعلنا نومكم سباتاً{ (النبأ: 9).

النكتة السادسة: وهي المهمة:

لقد بلغت عندي مبلغ اليقين القاطع، و ثبت بكثير من تجاربي الحياتية ان الرؤيا الصادقة حجة قاطعة على ان القدر الآلهي محيط بكل شئ.

ولقد بلغت عندي هذه الرؤى ـ ولاسيما في السنين القريبة الفائتة ـ درجة الثبوت والقطعية. اذ كنت أرى ليلاً أبسط المحاورات، وأتفه المعاملات، وأصغر الامور التي ستقع غداً. فكنت أقرأها ليلاً بعيني، لاأتكلم بها بلساني، حتى ايقنت ان الرؤيا مكتوبة ومعينة قبل مجيئها.

ولم تكن هذه التجارب التي مرّت عليّ تجارب قليلة ومنفردة ولم تكن مائة تجربة بل ألفاً من التجارب، حتى كنت أرى في المنام اشخاصاً لم أفكر فيهم قط ومسائل لم تخطر ببالي، واذا باولئك الاشخاص أراهم في النهار التالي لتلك الليلة، وتجري تلك المسائل، مع تعبير قليل. بمعنى؛ ان أصغر حادثة من الحوادث مقيدة ومسجلة في القدر الآلهي قبل مجيئها الى الحدوث، فلا مصادفة قطعاً، والحوادث ليست سائبة وليست عشوائية.

النكتة السابعة: ان تعبير رؤياك المباركة المبشرة بالخير، خير لنا وللعمل القرآني، ولقد عبّر الزمان وما زال يعبّر عنها، ولم يدع لنا حاجة الى التعبير، فضلاً عن ظهور قسم من تعبيرها في الواقع.

ولو دققت النظر، تدرك ذلك. الاّ أننا نشير الى بعضٍ من نقاطها فقط. اعني أننا نبين حقيقة من الحقائق، والحوادث التي هي من قبيل رؤياك هي تمثلات تلك الحقيقة. وذلك: ان ذلك الميدان الواسع هو العالم الاسلامي وما في نهايته من مسجد هو ولاية اسبارطة، والماء المتعفن المخلوط بالطين هو مستنقع الحال الحاضرة الملوثة بالسفه والبدع والتعطل.. وانت قد سلمت منه ولم تتلوث بفضل الله فوصلت المسجد بسرعة، وهذه اشارة الى انك ستظل سليماً معافى من اللوثات، ولايفسد قلبك، وتمتلك الانوار القرآنية قبل الناس الاخرين.

اما الجماعة الصغيرة في المسجد فهم حمَلَة ((الكلمات)) من امثال: ((حقي، خلوصي، صبري، سليمان، رشدي، بكر، مصطفى، علي، زهدي، لطفي، خسرو، رأفت))، والكرسي الصغير هو قرية صغيرة كـ((بارلا)) . اما الصوت العالي فهو اشارة الى قوة ((الكلمات)) وسرعة انتشارها.

اما المقام الذي خصص لك في الصف الاول، فهو الموقع الذي اُحيل اليك من "عبدالرحمن،. وتلك الجماعة الشبيهة باجهزة اللاسلكي، اشارة الى بث الدرس الايماني الى انحاء العالم كافة واسماعهم اياه، وسيظهر تعبيره في المستقبل تماماً باذن الله. اذ ان أفرادها في حكم النوى الصغيرة - في الوقت الحاضر - وسيكونون باذن الله في حكم شجرة باسقة، ومراكز بث.

وذلك الشاب المعمم هو رمز لشاب في صفوف الناشرين والطلاب، سيكون متكاتفاً مع خلوصي وربما يسبقه. وانا أظنه أحدهم ولكن لا أجزم به. وسيبرز ذلك الشاب في الميدان بقوة الولاية.

اما بقية النقاط فعبّر عنها انت بدلاً مني.

ان الحديث معكم ـ حديثاً طويلاً ـ لذيذ وممتع ومقبول، لذا أطنبت في الكلام في هذه المسألة القصيرة، وربما اسرفت فيه، ولكن لانني شرعت بالبحث بنية الاشارة الى تفسير آيات قرآنية تخص النوم، سيعفى عن ذلك الاسراف ان شاء الله، وربما لايعدّ اسرافاً.

المسألة الثانية

وهي الرسالة الثانية

كتبت هذه المسألة لأجل حل الإشكال ورفع المناقشة الدائرة حول حديث شريف يذكر فيه ان سيدنا موسى عليه السلام قد لطم عين سيدنا عزرائيل عليه السلام(1).

طرق سمعي ان مناقشة علمية جرت في ((اكريدير))(2) ان اجراء تلك المناقشة خطأ، ولاسيما في هذا الوقت بالذات.

وقد سئلت انا ايضاً - ولا علم لي بالمناقشة - وأروني حديثاً نبوياً شريفاً(3) في كتاب موثوق يعتمد عليه، قد أشير فيه الى الحديث برمز (ق) للدلالة على أنه ((متفق عليه)).. واستفسروا: أهذا حديث نبوي أم لا؟.

قلت لهم: نعم! انه حديث نبوي شريف، ينبغي لكم الاعتماد والوثوق بالذي حكم باتفاق الشيخين على الحديث المذكور، في مثل هذا الكتاب الموثوق.. ولكن كما ان في القرآن الكريم آيات متشابهات، ففي الحديث الشريف ايضاً متشابهات، لا يدرك معانيها الدقيقة الاّ خواص العلماء.

وقلت ايضاً: ربما يدخل ظاهر هذا الحديث الشريف ضمن قسم المتشابهات من مشكلات الحديث.

فلو كنت على علم بالمناقشة التي جرت حول الحديث المذكور، لما كنت اقتصر جوابي على ما قلت، بل كنت اجيب بما يأتي:

اولاًــ أن الشرط الأول في مناقشة هذه المسائل وامثالها هو:

أن تكون المذاكرة في جو من الانصاف.. وان تجري بنية الوصول الى الحق.. وبصورة لا تتسم بالعناد.. وبين من هم أهل للمناقشة.. دون أن تكون وسيلة لسوء الفهم وسوء التلقي.

فضمن هذه الشروط قد تكون مناقشة هذه المسألة وما شابهها جائزة.

أما الدليل على ان المناقشة هي في سبيل الوصول الى الحق فهو:

ان لا يحمل المناقش شيئاً في قلبه.. ولا يتألم ولا ينفعل اذا ما ظهر الحق على لسان الطرف المخالف له، بل عليه الرضى والاطمئنان، اذ قد تعلّم ما كان يجهله، فلو ظهر الحق على لسانه لما ازداد علماً وربما اصابه غرور.

ثانياً - ان كان موضوع المناقشة حديثاً شريفاً فينبغي معرفة: مراتب الحديث.. والاحاطة بدرجات الوحي الضمني.. واقسام الكلام النبوي.

ولا يجوز لأحد مناقشة مشكلات الحديث بين العوام من الناس.. ولا الدفاع عن رأيه اظهاراً للتفوق على الآخرين... ولا البحث عن ادلة ترجّح رأيه وتنمّي غروره على الحق والانصاف.

ولكن لما كانت المسألة قد طُرحت، واصبحت مدار نقاش، فستؤدى تأثيرها السئ في افهام العوام الذين يعجزون عن استيعاب امثال هذه الاحاديث المتشابهة.

اذ لو انكرها أحدهم فقد فتح لنفسه باباً للهلاك والخسران، حيث يسوقه هذا الانكار الى انكار احاديث صحيحة ثابتة. ولو قَبِل بما يفيد ظاهر الحديث من معنى، وتحدّث به ونشره بين الناس، فسيكون سبباً لفتح باب اعتراضات اهل الضلالة على الحديث الشريف، واطلاق ألسنتهم بالسوء عليه، وقولهم: انه خرافة!.

ولما كانت الانظار قد لفتت الى هذا الحديث الشريف المتشابه دون مبرر، بل بما فيه ضرر. وان هناك احاديث اخرى متشابهة له بكثرة؛ يلزم بيان ((حقيقة)) دفعاً للشبهات وازالة للاوهام.. اقول: ان ذكر هذه ((الحقيقة)) ضروري بغض النظر عن ثبوت الحديث.

سنشير الى تلك الحقيقة اشارة مجملة، مكتفين بما ذكرناه من تفاصيل في رسائل النور (منها الغصن الثالث من الكلمة الرابعة والعشرين والغصن الرابع منها، والاساس الخاص بأقسام الوحي في مقدمة المكتوب التاسع عشر).

والحقيقة هي:

ان الملائكة لا ينحصرون في صورة معينة واحدة كالانسان، وانما هم في حكم الكلي، رغم ان لهم تشخصاتهم.

فعزرائيل عليه السلام هو ناظر الملائكة الموكلين بقبض الارواح ورئيسهم.

سؤال: هل عزرائيل عليه السلام هو الذي يقبض الارواح بالذات، أم أن أعوانه هم الذين يقبضونها.

الجواب: هناك ثلاثة مسالك بهذا الخصوص:

المسلك الأول:

ان عزرائيل عليه السلام هو الذي يقبض روح كل فرد. فلا يمنع فعل هنا فعلاً هناك؛ لأنه نوراني، والشئ النوراني يمكنه ان يحضر ويتمثل بالذات في اماكن غير محدودة، بوساطة مرايا غير محدودة. فتمثلات النوراني تملك خواصه. وتعتبر عينه وليست غيره. فتمثلات الشمس في المرايا المختلفة مثلما تُظهر ضوء الشمس وحرارتها، فان تمثلات الروحانيين - كالملائكة - تُظهر ايضاً خواصها في المرايا المختلفة في عالم المثال، فهي عين اولئك الروحانيين وليست غيرهم. فالملائكة يتمثلون في المرايا حسب قابليات المرايا، فمثلاً:

عندما كان جبرائيل عليه السلام يتمثل امام الرسول e في مجلس الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في صورة الصحابي ((دحية الكلبي)) كان يتمثل في اللحظة نفسها في الوف الاماكن في صور مختلفة، كما يسجد تحت العرش الاعظم مطبقاً الآفاق باجنحته الواسعة المهيبة شرقاً وغرباً، فله اذاً تمثل في كل مكان حسب قابلية ذلك المكان، وله حضور في آن واحد في الوف الأماكن.

وهكذا، فحسب هذا المسلك: ليس محالاً قط، ولا هو بأمر فوق المعتاد، ولا هو أمر غير معقول، ان يتعرض مثال ملك الموت المتمثل للانسان عند قبض روحه - وهو مثال جزئي انساني - الى لطمة سيدنا موسى عليه السلام وهو الشخصية العظيمة المهيبة من اولي العزم من الرسل، ثم فقؤه لعين تلك الصورة المثالية لملك الموت، الذي لبس زي تلك الصورة.

المسلك الثاني هو:

ان الملائكة العظام من أمثال سيدنا جبرائيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام، كل منهم بمثابة ناظر عام ورئيس، لهم أعوان من نوعهم وممن يشبهونهم، ولكن بطراز اصغر، فهؤلاء المعاونون الصغار مختلفون حسب اختلاف المخلوقات الموكلين بهم. فالذين يقبضون ارواح الصالحين(1) يختلفون عن الذين يقبضون ارواح الطالحين، فهم طوائف مختلفة من الملائكة بمثل ما تشير اليه الآيات الكريمة:} والنازعات غرقا^ والناشطات نشطاً..{

فحسب هذا المسلك : فان سيدنا موسى عليه السلام، لم يلطم سيدنا عزرائيل عليه السلام، بل لطم الجسد المثالي لأحد أعوانه، وذلك بعنفوان النبوة الجليلة وبسطة جسمه وجلادة خلقه وحظوته عند ربه القدير. وهكذا يصبح الامر معقولاً جداً(2).

المسلك الثالث:

لقد بينّا في الاساس الرابع من الكلمة التاسعة والعشرين، وحسب دلالات احاديث نبوية شريفة: بان هناك من الملائكة من يملكون اربعين الف رأس، وفي كل رأس اربعون ألف لسان - اي لهم ثمانون الف عين ايضاً - وكل لسان يسبح باربعين ألف تسبيحة. فما دام الملائكة الموكلون موكلين حسب انواع عالم الشهادة، وهم يمثلون تسبيحات تلك الانواع في عالم الارواح، فلابد ان يكون لهم تلك الصورة والهيأة. لأن الارض - مثلاًـ وهي مخلوقة واحدة، تسبح لله. وهي تملك اربعين الف نوع من الانواع، بل مئات الالوف منها، والتي كل منها بحكم رؤوس مسبحة لها، ولكل نوع من الانواع الوف من الافراد التي هي بمثابة الألسنة.. وهكذا.

فالملك الموكل على الكرة الارضية ينبغي ان يكون له اربعون الف رأس، بل مئات الألوف من الرؤوس، ولابد ان يكون لكل رأس مئات الالوف من الألسنة.. وهكذا.

فبناء على هذا المسلك: فان عزرائيل عليه السلام له وجه متوجه الى كل فرد، وعين ناظرة الى كل فرد، لذا فلطمُ سيدنا موسى عليه السلام ليس هو لطمة على الماهية الشخصية لسيدنا عزرائيل - حاشاه - ولا على شكله الحقيقي، وليس فيه اهانة، ولا رد له، بل تصرفه هذا نابع من كونه راغباً في زيادة دوام مهمة الرسالة واستمرار بقائها، ولأجل هذا لطم - وله ان يلطم - تلك العين التي تراقب أجله، والتي تريد ان تنهي وظيفته على الارض. والله اعلم بالصواب ولا يعلم الغيب الاّ هو. قل انما العلم عند الله.

} هو الذي أنَزل عليك الكتاب مِنهُ آياتٌ محكمات هنّ أم الكتاب واُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكرُ إلا اولوا الالباب{ (آل عمران: 7).

الـمسألة الثالثة

وهي الرسالة الثالثة

هذه المسألة جواب خاص جداً، فيه شئ من السرية والخفاء عن سؤال عام يسأله الاخوة عامة سواء بلسان الحال او المقال.

والسؤال هو:

انك تقول لكل من يأتي لزيارتك:

((لا تنتظروا من شخصي همة ومدداً، ولا تعدوني شخصاً مباركاً، فأنا لست صاحب مقام. فكما يبلغ الجندي الاعتيادي أوامر مقام المشير، فانا كذلك ابلغ اوامر مشيرية معنوية رفيعة. وكما يقوم شخص مفلس لا يملك شيئاً بدور الدلال لدكان مجوهرات غالية جداً، فانا كذلك دلال امام دكان مقدس وهو القرآن الكريم)).

هكذا تقول لكل زائر قادم اليك، ولكن عقولنا تحتاج الى العلم كما ان قلوبنا تطلب الفيض وارواحنا تنشد النور.. وهكذا نطلب اشياء كثيرة بجهات شتى. ونأتي الى زيارتك علك تفي لنا بحاجاتنا، اذ نحن بحاجة الى صاحب ولاية وصاحب همة وكمالات اكثر من حاجتنا الى عالم. فان كان الأمر كما تقول، فقد أخطأنا اذن في زيارتك!.. هكذا يقول لسان حالهم.

الجواب: اسمعوا خمس نقاط، ثم تفكروا في زيارتكم هل هي مجدية أم انها لا طائل وراءها، ومن بعدها أحكموا ما شئتم!

النقطة الاولى:

خادم لسلطان عظيم أو جندي تحت امرته، يسلم الى القواد العظام والمشيرين الكبار هدايا السلطان وأوسمته الرفيعة ويجعلهم في امتنان ورضى. فان قال اولئك القواد والمشيرون: لِمَ نتنازل بتسلم النعم السلطانية واكرامه لنا من يد هذا الجندي البسيط؟! فلاشك ان ذلك يعد غروراً جنونياً.

وكذلك اذا اعجب ذلك الجندي بنفسه ولم يقم احتراماً للمشير خارج وظيفته وعدّ نفسه أعلى درجة منه، فليس ذلك الا بلاهة وجنوناً.

ولو تنازل أحد أولئك القواد الممتنين وذهب الى منزل ذلك الجندي البسيط، الذي لا يجد ضيُفه الكريم عنده سوى كسرة خبز، فسوف يرسل السلطان الذي يعلم حال خادمه الامين الى منزله طَبقاً من اطيب طعام والذه من مطبخه الخاص دفعاً للحرج عنه.

فكما ان الامر هكذا في خادم السلطان، كذلك خادم القرآن الصادق اذ مهما كان من عامة الناس، الا انه يبلغ اوامر القرآن الكريم باسم القرآن نفسه الى اعظم انسان من دون تردد ولا احجام ويبيع جواهر القرآن الثمينة جداً لأغنى انسان روحاً، بافتخار واعتزاز واستغناء من دون تذلل وتوسل.

فهؤلاء مهما كانوا عظاماً لا يمكنهم أن يتكبروا على ذلك الخادم البسيط اداءه لوظيفته. وذلك الخادم ايضاً لا يجد في نفسه ما يجعله يغتر امام مراجعة اولئك الافذاذ له، فلا يتجاوز حده.

واذا ما نظر بعض المعجبين بجواهر خزينة القرآن المقدسة الى ذلك الخادم نظر الولي الصالح واستعظموه، فخليق بالرحمة المقدسة للحقيقة القرآنية ان تمدهم وتفيض عليهم بهمتها من الخزينة الإلهية الخاصة من دون علم ذلك الخادم ومن دون تدخل منه لئلا يخجل خادمها ذاك امام ضيفه الكريم.

النقطة الثانية:

لقد قال الامام الرباني مجدد الالف الثاني احمد الفاروقي السرهندي: ((ان انكشاف حقيقة من حقائق الإيمان ووضوحها لهو أرجح عندي من الف من الاذواق والكرامات. ثم ان غاية جميع الطرق الصوفية ومنتهاها انما هي انكشاف الحقائق الإيمانية وانجلاؤها)).

فما دام رائداً عظيماً للطريقة يحكم بهذا الحكم، فلابد أن ((الكلمات)) التي تبين بوضوح تام الحقائق الايمانية والتي هي مترشحة من بحر الاسرار القرآنية تستطيع أن تعطي النتائج المطلوبة من الولاية.

النقطة الثالثة:

هوت صفعات عنيفة قبل ثلاثين سنة على رأس ((سعيد القديم)) الغافل، ففكــّر في قضية أن ((الموت حق)). ووجد نفسه غارقاً في الأوحال.. استنجد، وبحث عن طريق، وتحرى عن منقذ يأخذ بيده.. رأى السبل أمامه مختلفة.. حار في الأمر واخذ كتاب ((فتوح الغيب)) للشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وفتحه متفائلاً، ووجد امامه العبارة الآتية:

أنت في دار الحكمة فاطلب طبيباً يداوي قلبك..(1) يا للعجب!. لقد كنت يومئذ عضواً في ((دار الحكمة الاسلامية))(2) وكأنما جئت اليها لأداوي جروح الأمة الإسلامية، والحال انني كنت أشد مرضاً واحوج الى العلاج من أي شخص آخر.. فالأولى للمريض أن يداوي نفسه قبل أن يداوي الآخرين.

نعم، هكذا خاطبني الشيخ: انت مريض.. ابحث عن طبيب يداويك!..

قلت: كن انت طبيبي أيها الشيخ!

وبدأت أقرأ ذلك الكتاب كأنه يخاطبني أنا بالذات.. كان شديد اللهجة يحطم غروري، فأجرى عمليات جراحية عميقة في نفسي.. فلم اتحمل، ولم اطق على تحمله.. لأني كنت اعتبر كلامه موجهاً الي.

نعم، هكذا قرأته الى ما يقارب نصفه.. لم استطع اتمامه.. وضعت الكتاب في مكانه، ثم احسست بعد ذلك بفترة بأن آلام الجراح قد ولت وخلفت مكانها لذائذ روحية عجيبة.. عدت اليه، وأتممت قراءة كتاب ((استاذي الأول)). واستفدت منه فوائد جليلة، وامضيت معه ساعات طويلة اصغي الى اوراده الطيبة ومناجاته الرقيقة.

ثم وجدت كتاب ((مكتوبات)) للأمام الفاروقي السرهندي، مجدد الألف الثاني فتفاءلت بالخير تفاؤلاً خالصاً، وفتحته، فوجدت فيه عجباً.. حيث ورد في رسالتين منه لفظة ((ميرزا بديع الزمان)) فأحسست كأنه يخاطبني باسمي، اذ كان اسم ابي ((ميرزا)) وكلتا الرسالتين كانتا موجهتين الى ميرزا بديع الزمان. فقلت: يا سبحان الله.. ان هذا ليخاطبني انا بالذات، لأن لقب سعيد القديم كان بديع الزمان، ومع أنني ما كنت أعلم أحداً قد اشتهر بهذا اللقب غير ((الهمداني)) الذي عاش في القرن الرابع الهجري. فلابد ان يكون هناك احد غيره قد عاصر الامام الرباني السرهندي وخوطب بهذا اللقب، ولابد ان حالته شبيهة بحالتي حتى وجدت دوائي بتلك الرسالتين.. والامام الرباني يوصي مؤكداً في هاتين الرسالتين وفي رسائل اخرى أن:

((وحّد القبلة))(1) أي: اتبع اماماً ومرشداً واحداً ولا تنشغل بغيره!

لم توافق هذه الوصية - آنذاك - استعدادي واحوالي الروحية.. واخذت أفكر ملياً: ايهما اتبع!. أأسير وراء هذا، أم أسير وراء ذاك؟ احترت كثيراً وكانت حيرتي شديدة جداً، اذ في كل منهما خواص وجاذبية، لذا لم استطع ان اكتفي بواحد منهما.

وحينما كنت اتقلب في هذه الحيرة الشديدة.. اذا بخاطر رحماني من الله سبحانه وتعالى يخطر على قلبي ويهتف بي:

- ان بداية هذه الطرق جميعها.. ومنبع هذه الجداول كلها.. وشمس هذه الكواكب السيارة.. انما هو ))القرآن الكريم(( فتوحيد القبلة الحقيقي اذن لا يكون الا في القرآن الكريم.. فالقرآن هو أسمى مرشد.. وأقدس استاذ على الاطلاق.. ومنذ ذلك اليوم اقبلت على القرآن واعتصمت به واستمددت منه.. فاستعدادي الناقص قاصر من ان يرتشف حق الارتشاف فيض ذلك المرشد الحقيقي الذي هو كالنبع السلسبيل الباعث على الحياة، ولكن بفضل ذلك الفيض نفسه يمكننا ان نبين ذلك الفيض، وذلك السلسبيل لأهل القلوب واصحاب الأحوال، كلٌ حسب درجته. فـ))الكلمات(( والانوار المستقاة من القرآن الكريم (أي رسائل النور) اذن ليست مسائل علمية عقلية وحدها بل ايضاً مسائل قلبية، وروحية، وأحوال ايمانية.. فهي بمثابة علوم إلهية نفيسة ومعارف ربانية سامية.

النقطة الرابعة:

ان الصحابة الكرام والتابعين وتابعي التابعين - رضوان الله عليهم - ممن لهم ارفع المراتب، وحظوا بالولاية الكبرى، قد تلقت جميع لطائفهم حظها من القرآن مباشرة، فاصبح القرآن لهم مرشداً حقيقياً وكافياً، وهذا يعني ويدل على ان القرآن مثلما يعبر عن الحقائق في كل زمان فانه يفيض بفيوضات الولاية الكبرى الى من هو أهل لها في كل وقت.

نعم! ان العبور من الظاهر الى الحقيقة انما يكون بصورتين:

الاولى: بالدخول الى برزخ الطريقة وقطع المراتب فيها بالسير والسلوك حتى بلوغ الحقيقة.

الصورة الثانية: العبور الى الحقيقة مباشرة برحمة إلهية محضة، دون الدخول في برزخ الطريقة، هذا الطريق خاص ورفيع وسام وقصير جداً، وهو طريق الصحابة الكرام والتابعين رضوان الله عليهم.

فاذن الانوار المترشحة من حقائق القرآن و ((الكلمات)) التي تترجم تلك الأنوار يمكن أن تكون مالكة لتلك الخاصية، بل هي مالكة لها فعلاً.

النقطة الخامسة:

سنبين بخمسة أمثلة جزئية، أن ((الكلمات)) مثلما تعلم حقائق القرآن فهي تؤدي وظيفة الارشاد ايضاً.

المثال الاول: لقد اقتنعت انا بالذات قناعة تامة بعد الوف التجارب المتكررة لابعشراتها ومئاتها: أن ((الكلمات)) والانوار المفاضة من القرآن الكريم ترشد عقلي وتعلمه مثلما تلقن قلبي ايضاً باحوال ايمانية كما تطعم روحي اذواقاً ايمانية.. وهكذا حتى اصبحت في انجاز اعمالي الدنيوية كمثل ذلك المريد الذي ينتظر مدداً من شيخه ذي الكرامات، اذ اصبحتُ استمد من الاسرار القرآنية ذات الكرامة وانتظر منها حاجاتي تلك، فكانت تحصل بما لا اتوقعه وليس بالحسبان.

وساذكر هنا مثالين فحسب من تلك الجزئيات الحاصلة ببركة اسرار القرآن:

الأول: ما وضح مفصلاً في المكتوب السادس عشر وهو:

أنه قد أُشهد لضيفي ((سليمان)) رغيف كبير خارق وهو موضوع فوق شجرة القطران. أكلنا من تلك الهدية الغيبية يومين كاملين (في الوقت الذي ما كنت املك شيئاً اقدمه لضيفي).

الثاني: وهو مسألة في غاية الجزئية واللطافة قد حدثت في هذه الأيام وهي:

ورد لخاطري قبل الفجر ان كلاماً من جهتي قد قيل لشخص، بصيغة تُلقي في قلبه الريوب والشبه، فقلت: حبذا لو رأيته لأزيل ما بقلبه من اكدار. وفي الدقيقة نفسها تذكرت ما كان يلزمني من جزء من كتابي المرسل الى مدينة ((نيس))(1) فقلت: حبذا لو حصلت عليه. جلست بعد صلاة الفجر.. واذا بالشخص نفسه وفي يده جزء من كتابي الذي كنت اريده فدخل علي. فقلت له:

ما هذا الذي بيدك؟
- لا اعرف، فقد سلمني هذا الكتاب في الباب احدُهم كان قادماً من ((نيس))، وانا ايضاً اتيت به اليكم.

فقلت متعجباً: يا سبحان الله. ان خروج هذا الرجل من بيته ومجئ هذا الجزء من الكلمات من ((نيس)) لا يبدو عليه أثر المصادفة قطعاً، فليس هذا الا من همة القرآن الكريم التي سلمت جزء الكتاب في الوقت نفسه الى هذا الرجل وارسلته الي.. فحمدت الله كثيراً.

اذن فان الذي يعرف أدق رغبات قلبي بل اتفهها يسبغ علي رحمته ويحميني بحماه، فلا احمل اذاً اية منّة وتفضّل مهما كانت من أحدٍ من الدنيا كلها، ولا آخذها بشئ.

المثال الثاني: لقد تركني ابن اخي ((عبد الرحمن)) منذ ثماني سنوات، وعلى الرغم من تلوثه بغفلات الدنيا وشبهاتها واوهامها فانه كان يحمل تجاهي ظناً حسناً بما يفوق حدي بكثير. لذا طلب مني أن اسعفه وامده بما ليس عندي وليس في طوقي من همة. ولكن همة القرآن ومدده قد اغاثه، وذلك بأن أوصل اليه (الكلمة العاشرة) التي تخص (الحشر) قبل وفاته بثلاثة اشهر.

فأدت تلك الرسالة دورها في تطهيره من لوثات معنوية وكدورات الاوهام والشبهات والغفلة، حتى كأنه قد أرتفع الى ما يشبه مرتبة الولاية. حيث اظهر ثلاث كرامات ظاهرة في رسالته التي كتبها الي قبل وفاته، وقد ادرجت رسالته تلك ضمن فقرات المكتوب السابع والعشرين. فليراجَع.

المثال الثالث: كان لي اخ في الاخرة وطالب في الوقت نفسه وهو من اهل القلب والتقوى هو السيد حسن افندي من مدينة ((بوردور))(2). كان ينتظر من هذا المسكين مدداً وهمة كمن ينتظر من ولي عظيم، وذلك لفرط ظنه الحسن بي بما هو فوق طوقي وحدي. وفجأة ودون مناسبة، أعطيتُ لأحد ساكني قرى ((بوردور)) رسالة (الكلمة الثانية والثلاثين) ليطالعها. ثم تذكرت السيد حسن فقلت: إن سافرتَ الى ((بوردور)) فسلّم الرسالة الى السيد حسن ليطالعها في بضعة ايام. سافر الرجل ،وقد سلّم الرسالة مباشرة الى السيد حسن، قبل أن يوافيه الاجل بأربعين يوماً.

تسلم الرسالة بشوق ولازمها بلهفة ونهل منها كالمتعطش الى الماء السلسبيل، وكلما كرر مطالعتها استفاض منها فيوضات فاستمر في القراءة، حتى وجد فيها دواء لدائه ولا سيما في مبحث ((محبة الله)) في الموقف الثالث منها، بل وجد فيها فيوضات كان ينتظرها من القطب الاعظم. فذهب بنفسه سالماً صحيحاً الى الجامع وأدى صلاته ثم سلــّم روحه هناك. رحمه الله رحمة واسعة.

المثال الرابع: ان السيد خلوصي قد وجد همة ومدداً وفيضاً ونوراً في ((الكلمات)) التي هي ترجمان الاسرار القرآنية، اكثر مما وجده في الطريقة النقشبندية التي هي أهم طريقة واكثرها تأثيراً. وقد ذكرت شهادته هذه في المكتوب السابع والعشرين.

المثال الخامس: ان اخي عبد المجيد، قد شعر بانهيار واضطراب شديدين بسبب انتقال ابن اخي عبد الرحمن الى رحمة الله. ولأحوال أليمة واوضاع محزنة الـمّت به. كان يأمل مني ما لا أقدر عليه من همة ومدد معنوي. ومع اني ما كنت اتراسل معه، الا انني بعثت اليه فجأة بضع رسائل من ((الكلمات)). كتب الي بعد أن قرأها: لقد نجوتُ، والحمد لله، فقد كنت على وشك التجنن، ولكن بفضل الله اخذت كل كلمة من تلك الكلمات موقع مرشد لي. ولئن فارقت مرشداً واحداً فقد وجدت - دفعة واحدة - مرشدين كثيرين فنجوت والحمد لله. وانا بدوري تأملت في حاله، فعلمت انه حقاً قد دخل مسلكاً جميلاً وقد نجا بفضل الله من اوضاعه السابقة.

وهناك أمثلة اخرى كثيرة شبيهة بهذه الأمثلة الخمسة المذكورة وكلها تبين:

ان العلوم الايمانية ولا سيما اذا اُخذت العلاجات المعنوية نظراً للحاجة ودواءً للامراض من اسرار القرآن الكريم مباشرة وجُرّبت عملياً. فان تلك العلوم الإيمانية وتلك الادوية الروحانية كافية ووافية لمن يشعر باحتياجه اليها ومن يستعملها باخلاص جاد. ولا يؤثر في الامر وضع الصيدلاني الذي يبيع تلك الادوية والدلال الذي يدل عليها، أي سواء اكان شخصاً اعتيادياً مفلساً أم غنياً ذا مقام أو خادماً مسكيناً، اياً كان وضعه فلا فرق في ذلك.

نعم، انه لا حاجة الى الاستضاءة بنور الشموع ما دامت هناك شمس ساطعة.

فما دمت ابين الشمس نفسها، فلا حاجة ولا معنى لطلب ضوء شمعة من شخصي، ولا سيما إن لم يكن عندي ولا أملكه، بل الألزم ان يمدني اولئك مدداً معنوياً بدعواتهم بل بهمتهم، فمن حقي ان اطلب مددهم وعونهم، وينبغي لهم ان يرضوا ويكتفوا بما يستفيضون من أنوار الرسائل.



} سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم{

اللّهم صل على سيدنا محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقّه
اداء وعلى آله وصحبه وسلم



` ` `



رسالة صغيرة وخاصة

يمكن عدّها تتمة للمسألة الثالثة من المكتوب الثامن والعشرين

يا اخوة الآخرة ويا طالبيّ المجدّين السيد خسرو والسيد رأفت! كنا نشعر ثلاث كرامات قرآنية في مجموعة ((الكلمات)) التي هي من فيوضات انوار القرآن. بيد أنكم بهمتكم وسعيكم وشوقكم قد اضفتم عليها ايضاً كرامة اخرى رابعة. أما الثلاث المعروفة فهي:

اولاً: السهولة والسرعة فوق المعتاد في تأليفها، حتى أن المكتوب التاسع عشر المتكون من خمسة اقسام اُلف في حوالي ثلاثة ايام خلال ما يقرب من اربع ساعات يومياً اي بمجموع اثنتا عشر ساعة وفي شعب الجبال وخلال البساتين دون ان يكون هناك كتاب نرجع اليه. والكلمة الثلاثون ألفت في وقت المرض خلال خمس وست ساعات. والكلمة الثامنة والعشرون وهي مبحث الجنة الفت خلال ساعة او ساعتين. في بستان سليمان بالوادي. حتى تحيرنا انا وتوفيق وسليمان لهذه السرعة.. وهكذا كما في تأليفها هذه الكرامة القرآنية كذلك..

ثانياً: في كتابتها سهولة فوق المعتاد، وشوق عارم، مع عدم السأم والملل. علماً أن هناك اسباباً كثيرة تورث السأم للارواح والعقول في هذا الزمان. ولكن ما ان تؤلف احدى ((الكلمات)) اذ تستنسخ في اماكن كثيرة ويقدم على كثير من المشاغل المهمة.. وهكذا.

الكرامة القرآنية الثالثة: ان قراءتها ايضاً لا تورث السأم ولاسيما اذا ما استشعرت الحاجة اليها. بل كلما قُرئت زاد الذوق والشوق ولا يسأم منها.

وانتم كذلك يا اخويّ قد اثبتما كرامة قرآنية رابعة، فاخونا خسرو الذي يطلق على نفسه الكسلان، وتقاعس عن الكتابة مذ أن سمع بـ ((الكلمات)) قبل خمس سنوات فان كتابته خلال شهر واحد لأربعة عشر كتاباً كتابة جميلة متقنة كرامة للاسرار القرآنية لا شك فيها ولاسيما المكتوب الثالث والثلاثون وهي رسالة النوافذ التي قدّرت حق قدرها حيث كتبت اجمل واجود كتابة. نعم ان تلك الرسالة رسالة قوية وساطعة في معرفة الله والايمان به الا ان النوافذ الاولى التي في مستهل الرسالة مجملة جداً ومختصرة، علماً انها تتوضح تدريجياً وتسطع..حيثً ان مقدمات معظم الكلمات، تبدأ مجملة ثم تتوضح تدريجياً وتتنور بخلاف سائر المؤلفات.

الـمسألة الربعة

وهي الرسالة الرابعة



باسمه سبحانه

} وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ{

جواب عن سؤال يخص حادثة جزئية، يكون مبعث انتباه ويقظة لإخوانـــــي.

اخواني الاعزاء!

تسألون: لقد اُعتدي على مسجدكم المبارك ليلة الجمعة، بغير سبب، عند قدوم ضيف كريم، فما سرّ هذه الحادثة؟ ولِمَ يضايقونك؟.

الجواب : أبين أربع نقاط مضطراً وبلسان سعيد القديم، علّها تكون محور يقظة لاخواني، وانتم بدوركم تأخذون منها جوابكم.

C النقطة الاولى:

ان ماهية تلك الحادثة دسيسة شيطانية، وتعرّض نفاقي، في سبيل ارضاء الزندقة، خلافاً للقانون وبمحض الهوى، وذلك لالقاء القلق في قلوبنا ليلة الجمعة، وبث الفتور في روح الجماعة، وليحولوا دون لقائي الضيوف.

ومن غرائب الامور: انه قبل يوم من تلك الليلة - اي يوم الخميس - كنت ذاهباً الى جهة ما للتفسح، فرأيت اثناء عودتي حية سوداء طويلة ـ كأنها حَيّتان اقترنتا ببعضهما ـ أتت من اليسار، ومرّت بيني وبين صاحبي.

فاردت ان أعرف مدى فزعه منها فسألته :

- أرأيت؟

قال: ماذا؟

قلت: هذه الحية المخيفة!

قال: لا لم أرها، ولا أراها!

قلت متعجباً: ياسبحان الله، كيف لم تَر مثل هذه الحية الضخمة التي مرت من بيننا؟

لم يرد شئ في خاطري في تلك الحالة، ولكن بعد فترة ورد الى القلب: ان هذه اشارة اليك فاحذر، ففكرت في الامر، وعرفت انها كانت من الحيّات التي أراها في المنام، أعني انني كنت أرى الموظف المسؤول الذي يأتيني بنية الخيانة على صورة حية. حتى انني قد ذكرت ذلك ـ في احدى المرات ـ لمدير الناحية، فقلت له:

- عندما تأتيني بنية سيئة، أراك في صورة حية! فاحذر!

وفي الحقيقة كنت كثيراً ما أرى سلفه على تلك الصورة!

بمعنى ان هذه الحية التي رأيتها ظاهرةً، اشارةٌ الى ان خيانتهم في هذه المرة ستأخذ صورة اعتداء فعلي، لاتظل في صورة نية مبيتة.

وعلى الرغم من ان اعتداءهم هذه المرة كان اعتداءاً صغيراً، وهم يحاولون استصغاره، ولكن بتحريض من معلم فاقد للضمير وبمشاركته، أصدر المسؤول أمراً للدرك ))أجلبوا اولئك الضيوف))، ونحن في اذكار الصلاة في المسجد، والغاية من هذا التصرف هو اغضابي ولأقابلهم بالرفض والطرد ـ باحاسيس سعيد القديم ـ ازاء هذا التصرف الاعتباطي غير القانوني.

ولم يدر ذلك الشقي؛ ان سعيداً لايدافع بعصا مكسورة في يده، وفي لسانه سيف ألماسي من مصنع القرآن الحكيم. بل يستعمل ذلك السيف.

بيد ان افراد الدرك كانوا رزينين راشدين، فانتظروا الى اختتام الصلاة والاذكار ـ حيث لاتتدخل اية حكومة او دولة في الصلاة وفي المسجد مالم ينته اداء الصلوات والاذكار ـ فغضب المسؤول عن عملهم هذا وارسل عقبهم الحارس قائلاً: ان الدرك لايطيعونني!

ولكن الله سبحانه وتعالى لايُشغلني بمثل هذه الحيّات. واُوصي اخواني: ان لاتنشغلوا بهؤلاء مالم تكن هناك ضرورة قاطعة، بل ترفّعوا عن التكلم معهم، حيث (( جواب الاحمق السكوت)) .. ولكن انتبهوا الى هذه النقطة:

كما ان اظهار نفسك ضعيفاً تجاه حيوان مفترس يشجعه على الهجوم عليك، كذلك اظهار الضعف بالتزلف الى مَن يحمل طباع الحيوان المفترس يسوقه الى الاعتداء.

لذا ينبغي للاصدقاء ان يتصرفوا بحذر لئلا يَستغل الموالون للزندقة عدم مبالاتهم وغفلتهم.

C النقطة الثانية:

} ولاتَركَنُوا الى الذينَ ظَلمُوا فَتَمسّكُمُ النّارُ{ (هود: 113).

هذه الآية الكريمة تتضمن تهديداً شديداً. اي ان اولئك الذين يكونون اداة بيد الظالمين ويوالونهم وينحازون اليهم، بل حتى لو كانوا يحملون أدنى ميل وعطف نحوهم، يصيبهم التهديد المرعب.

لان الرضا بالكفر كفر، كما ان الرضا بالظلم ظلم.

ولقد عبّر أحدهم ـ من أهل الكمال ـ تعبيراً كاملاً عن جوهرة من جواهر هذه الآية الكريمة بالبيتين الآتيين :

ان الذي يُعين الظالم على ظلمه هو من أرباب الدناءة في الدنيا.

والذي يجد المتعة واللذة في خدمة الصياد الظالم هو كالكلب.

نعم! ان بعضهم يتصرف تصرف الحية، وبعضهم يعمل عمل الكلب.

ان الذي يتجسس علينا في مثل هذه الليلة المباركة، وعلى ضيف كريم، واثناء الدعاء والتضرع الى الله. ويخبر عنا وكأننا نرتكب جريمة، ومن بعد ذلك يتعدى هذا التعدي، لاشك انه معرّض للتأنيب الوارد في معنى البيتين السابقين.

C النقطة الثالثة:

سـؤال: مادمتَ تعتمد على قوة القرآن الكريم وتستند الى همته وتستلهم الفيوضات منه لإرشاد اعتى الملحدين واشدهم تمرداً في سبيل اصلاحهم، وانك فعلاً تقوم بهذا وما تزال كذلك، فلماذا لاتدعو القريبين منك من المتجاوزين المتعدين، وترشدهم الى سواء السبيل؟.

الجواب: انه من القواعد المهمة في اصول الشريعة : (الراضي بالضرر لايُنظر له) أي ((ان من كان راضياً بالضرر برغبته وعلمه، لاينظر له نظرة اشفاق وترحّم)). فانا ادعو مستنداً الى القرآن الكريم، وعلى استعداد لإلزام الملحد المتمادي في الالحاد في غضون بضع ساعات وان لم اقنعه تماماً، على شرط الاّ يكون سافلاً منحطاً، وممن يتلذذون في نشر سموم الضلالة، كتلذذ الحية في نشر سمها، الاّ ان مخاطبة الحيات المتمثلة في صورة انسان، والكلام مع صاحب وجدان تردى في اسفل سافلي الضلالة الموغلة في النفاق حتى انه يبيع دينه - على علمٍ منه ـ بدنياه، ويستبدل قطعاً زجاجية تافهة قذرة ـ على علم – بالالماس الثمين.

اقول: ان مخاطبة هؤلاء واظهارهم على الحقائق اجحافٌ بحق الحقيقة وحط من شأنها، لأنها شبيهة بـ((تعليق الدرر في اعناق البقر)) كما جاء في المثل.

لان الذين يقومون بمثل هذه الاعمال قد سمعوا تلك الحقائق من (رسائل النور) مرات ومرات. الاّ انهم يرومون الحط من قيمة الحقائق مع معرفتهم بها، ارضاءً للضلالة والزندقة. فهؤلاء كالحيات التي تتلذذ بالسم.

C النقطة الرابعة:

ان صور التعامل معي خلال هذه السنوات السبع ليسَ الاّ تصرفات اعتباطية مبنية على الهوى، وهي سلوك غير قانوني محض لأن قانون المنفيين والموقوفين والمسجونين، معروف لدى الجميع وظاهر لديهم. فهم ـ حسب القانون ـ يواجهون اقاربهم، ولايُمنعون عن الاختلاط مع الناس. وان العبادة وطاعة الله مصونة في كل دولة وامة. وان امثالي من المنفيين ظلوا بين اقاربهم واحبابهم في المدن، ولم يحظر عليهم الاختلاط والمراسلة ولاحتى السياحة والتفسح، واُستثنيت وحدي. فقد حُرمت من كل ذلك، بل قد اُعتدي على عبادتي ومسجدي، فحاولوا صرفي عن ذكر كلمة التوحيد عقب الصلاة ـ المسنونة عند الشافعية ـ وعندما اتى رجل أميّ يُدعى (شباب) مع حماته الى هنا (بارلا) للاستجمام واتاني بحكم معرفتي له لكونه من بلدتي، استدعاه من المسجد ثلاثة افراد من الدرك المسلحين. وحاول ذلك المسؤول ان يستر عمله غير القانوني قائلاً : استميحكم العذر لاتلوموننا انها من متطلبات الوظيفة! ثم سمح له بالذهاب.

فاذا قيست هذه الحادثة مع سائر المعاملات والامور، يُفهم أن معاملاتهم هي محض الهوى وان التصرفات إعتباطية بحتة، حيث يسلطون عليّ الحيات والكلاب، وانا أترفع عن الانشغال بهم، وافوض امر اولئك الخبثاء الى الله القدير لدفع شرورهم.

وفي الحقيقة، ان الذين اثاروا الحادثة التي كانت السبب في التهجير هم الآن في مدنهم، وان الرؤساء المتنفذين هم الآن على رؤوس العشائر إذ اُطلق سراح الجميع، الا انا واثنين من اخوان الآخرة، اُستثنينا من الجميع ولم يطلق سراحنا، علماً انني غير مرتبط بعلاقة بالدنيا ، وتعساً لها ولتكن وبالاً عليهم. وتلقيت هذا الامر ايضاً بالقبول وقلت : لابأس به.

ولكن أحد ذينك الاخوين قد عيّن مفتياً في احدى المدن، فهو يسافر ويسيح بحرية في كل جهة من الوطن الاّ مدينته، حتى انه يستطيع الذهاب الى العاصمة (انقرة). وتُرك الآخر في وضع يتمكن من الاجتماع بالوف من احبّائه في استانبول، وسمح له ان يقابل الاشخاص أياً كانوا. علماً ان هذين الشخصين ليسا وحيدين مثلي ـ لا أهل لي ولا عيال ـ بل لهم نفوذ كبير.. وكذا وكذا..

أما أنا فقد دفعوني الى قرية ووضعوني بين أناس لا وجدان لهم اطلاقاً. حتى انني لم اتمكن من الذهاب الى قرية قريبة تبعد عشرين دقيقة عن (بارلا) الاّ مرتين خلال ست سنوات. ولم يسمحوا لي بالذهاب الى تلك القرية لقضاء بضعة ايام للاستجمام.

وهكذا يحاولون سحقي تحت استبداد مضاعف، علماً ان اية حكومة مهما كانت لها قانون واحد، فليس هناك قانون، حسب الاشخاص وحسب القرى والاماكن! بمعنى ان القانون الذي يطبقونه عليّ ليس قانوناً قط، بل هو خروج على القانون، فالمسؤولون هنا يستغلون نفوذ الحكومة في سبيل تنفيذ أغراضهم الشخصية.

ولكن ولله الحمد مائة ألف مرة، اقول ما يأتي تحدثاً بالنعمة: ان جميع مضايقاتهم واستبداداتهم تصبح كالحطب لأشعال نار الهمة والغيرة، لتُزيد انوار القرآن سطوعاً.

فتلك الانوار القرآنية التي عوملت بالمضايقات انبسطت بحرارة الغيرة والهمة، حتى جعلت جميع الولاية بل أكثر المدن في حكم مدرسة، ولم تنحصر في ((بارلا)) وحدها.

وحسبوا انهم قد حبسوني في قرية، الاّ ان تلك القرية ((بارلا)) وانف الزندقة راغم قد أصبحت كرسي الدرس بفضل الله وبخلاف مأمولهم، بل اصبح كثير من الاماكن (كاسبارطة) في عداد المدارس.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس