الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2011
  #27
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

فقرة

كتبت في سجن ((اسكي شهر))

اخوتي!

لقد دافعتُ دفاعات عديدة عن طلاب النور بـما يليق بهم من دفاع، وسأقولـها باذن الله في الـمحكمة وبأعلى صوتي، وسأسمع صوت رسائل النور ومنزلة طلابها الى الدنيا بأسرها. الاّ أنني انبهكم الى ما يأتي:

ان شرط الـحفاظ على ما في دفاعي من قيمة، هو عدم هجر رسائل النور بـمضايقات هذه الـحادثة وامثالـها، وعدم استياء الأخ من استاذه، وعدم النفور من اخوانه مـما يسببه الضيق والضجر، وعدم تتبع عورات الآخرين وتقصيراتهم.

انكم تذكرون ما اثبتناه في رسالة القدر: ان في الظلم النازل بالانسان جهتين وحكمين.

الـجهة الأولى: للانسان. والاخرى: للقدر الإلـهي

ففي التحادثة الواحدة يظلم الانسان فيما يعدل القدر وهو العادل.

فعلينا ان نفكر – في قضيتنا هذه – في عدالة القدر الإلـهي والـحكمة الإلـهية اكثر مـما نفكر في ظلم الانسان.

نعم! ان القدر قد دعا طلاب النور الى هذا الـمجلس. وان حكمة ظهور الـجهاد الـمعنوي قد ساقتهم الى هذه الـمدرسة اليوسفية التي هي حقاً ضجرة وخانقة، فصار ظلم الانسان وسيلة لذلك.

ولـهذا، اياكم ان يقول بعضكم لبعض: ((لو لـم افعل كذا لـما اعتقلت)).

سعيد النورسي

* * *







((شرف الرسائل الرفيع))

اخواني!

لقد اُخطر الى قلبي: كما ان الـمثنوي الرومي قد اصبح مرآة لـحقيقة واحدة من الـحقائق السبع الـمفاضة من نور شـمس القرآن الكريم، فاكتسب منزلة سامية وشرفاً رفيعاً حتى اصبح مرشداً خالداً لكثير من اهل القلب فضلاً عن الـمولويين. كذلك رسائل النور ستنال باذن الله شرفاً رفيعاً سامياً بسبع جهات، وستكون لدى اهل الـحقيقة بـمثل مرشدة خالدة رائدة باقية بسبع اضعاف الـمثنوي الرومي. لأنها تـمثل الانوار السبعة لنور شـمس القرآن الكريم والالوان السبعة الـمتنوعة في ضيائها، تـمثلها دفعة واحدة في مرآتها.

سعيد النورسي

* * *

((لطمة رحـمة))

اخوتي!

لقد ادركت ان التي نزلت بنا – مع الاسف – هي لطمة رحـمة. ادركتها منذ حوالي ثلاثة ايام وبقناعة تامة. حتى انني فهمت اشارة من الاشارات الكثيرة للآية الكريـمة الواردة بـحق العاصين لله، فهمتها كأنها متوجهة الينا وتلك الآية الكريـمة هي: } فَلَمـّاَ نَسُواْ مَا ذُكـِّرُواْ بِهِ ... أَخَذنَاهُم { (1) أي: لـما نسي الذين ذُكـّروا بالنصائح، ولـم يعملوا بـمقتضاها.. اخذناهم بالـمصيبة والبلاء.

نعم، لقد كُتـّبنا مؤخراً رسالة تـخص سر الاخلاص، وكانت حقاً رسالة رفيعة سامية، ودستوراً اخوياً نورانياً، بـحيث ان الـحوادث والـمصائب التي لايـمكن الصمود تـجاهها الاّ بعشرة الآف شـخص، يـمكن مقاومتها – بسر ذلك الاخلاص – بعشرة اشخاص فقط. ولكن أقولـها آسفاً: اننا لـم نستطع وفي الـمقدمة أنا، ان نعمل بـموجب ذلك التنبيه الـمعنوى، فأخذتنا هذه الآية الكريـمة – بـمعناها الاشارى – فابتلي قسم منا بلطمة تأديب ورحـمة، بينما لـم تكن لطمة تأديب لقسم آخر بل مدار سلوان لـهم، وليكسْبوا بها لأنفسهم الثواب.

نعم، انني لكونى مـمنوعاً عن الاختلاط منذ ثلاثة شهور لـم استطع ان اطلع على احوال اخوانى الاّ منذ ثلاثة أيام، فلقد صدر – مالا يـخطر ببالي قط – مـمن كنت احسبهم من اخلص اخواني اعمالاً منافية لسر الاخلاص. ففهمت من ذلك ان معنىً اشارياً للآية الكريـمة } فَلَمـّاَ نَسُواْ مَا ذُكـِّرُواْ بِهِ … أَخَذنَاهُم{ يتوجه الينا من بعيد.

ان هذه الآية الكريـمة التي نزلت بـحق اهل الضلال مبعث عذاب لـهم، هي لطمة رحـمة وتأديب لنا؛ لتربية النفوس وتكفير الذنوب وتزييد الدرجات. والدليل على أننا لـم نقدر قيمة ما نـملك من نعمة إلـهية حق قدرها هو: اننا لـم نقنع بـخدمتنا القدسية برسائل النور الـمتضمنة لأقدس جهاد معنوي، ونالت الولاية الكبرى بفيض الوراثة النبوية وهي مدار سر الـمشرب الذي تـحلى به الصحابة الكرام. وان الشغف بالطرق الصوفية التي نفعها قليل لنا في الوقت الـحاضر، واحتمال إلـحاقها الضرر بوضعنا الـحالي مـمكن، قد سُدّ امامه بتنبيهي الشديد عليه.. والاّ لأفسد ذلك الـهوى وحدتنا، وادّى الى تشتت الافكار الذي ينزل قيمة الترابط والتساند من ألف ومائة وأحد عشر الناشئة من اتـحاد أربعة آحاد، ينزلـها الى قيمة أربعة فـحسب، وادّى الى تنافر القلوب الذي يبدّد قوتنا إزاء هذه الـحادثة الثقيلة ويتجعلها أثراً بعد عين.

اورد الشيخ سعدي الشيرازي(1) صاحب كتاب ((كلستان)) ما مضمونه:

لقد رأيت احد الـمتقين من أهل القلب في زاوية ((التكية)) يزاول السير والسلوك، ولكن بعد مضي بضعة ايام شاهدته في الـمدرسة بين طلاب العلوم الشرعية، فسألته: لِمَ تركت الزاوية التي تفيض الانوار واتيت الى هذه الـمدرسة؟ قال: هؤلاء النجباء ذوو الـهمم العالية يسعون لإنقاذ الآخرين مع انقاذهم لأنفسهم بينما اولئك يسعون لإنقاذ أنفسهم وحدها إن وفقوا اليها. فالنجابة وعلو الـهمة لدى هؤلاء والفضيلة والـهمة عندهم، ولأجل هذا جئت الى هنا. هكذا سجل الشيخ سعدي خلاصة هذه الـحادثة في كتابه ((كلستان)).

فلئن رُجـّحت الـمسائل البسيطة للنحو والصرف التي يقرأها الطلاب مثل: نصر نصراً ونصروا.. على الاوراد التي تُذكر في الزوايا، فكيف برسائل النور الـحاوية على الـحقائق الإيـمانية الـمقدسة في ((آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر)). ففي الوقت الذي ترشد رسائل النور الى تلك الـحقائق باوضح صورة واكثرها قطعية وثبوتاً حتى لأعتى الـمعاندين الـمكابرين من الزنادقة وأشد الفلاسفة تـمرداً، وتلزمهم الـحجة، كم يكون على خطأ من يترك هذه السبيل او يعطلها او لا يقنع بها ويدخل الزوايا الـمغلقة دون استئذان من رسائل تبعا لـهواه! ويبين في الوقت نفسه مدى كوننا مستحقين لـهذه الصفعة، صفعة الرحـمة والتأديب.

سعيد النورسي

* * *

تنبيه

حكايتان صغيرتان

الـحكاية الأولى: عندما كنت اسيراً في شـمالي روسيا قبل خـمسة عاماً(1) في قاعة مصنع كبير، مع تسعين من ضباطنا، كانت الـمناقشات تـحتد والاصوات تتعالى نتيجة الضجر وضيق الـمكان. وكنت اهدئـّهم حيث كانوا جـميعاً يـحترمونني. ثم عينت خـمساً من الضباط لإقرار الـهدوء وقلت لـهم: اذا سـمعتم الضوضاء في أية ناحية اسرعوا اليها، وعاونوا الـجهة غير الـمحقة. وحقاً لقد انتهى الضوضاء نتيجة هذا العمل. فسألوني: لِمَ قلت: عاونوا غير الـمحق؟وقد أجبتهم حينها: ان غير الـمحق، هو غير منصف، لا يدع درهماً من راحته لأربعين درهماً من راحة الـجميع. اما الـمحق فيكون ذا انصاف يضحي براحته التي تعدل درهما، لراحة صديقه التي تعدل اربعين درهماً. وبتخليه عن راحته هذا، يسكن الضوضاء والصخب وينتهي ويعم الـهدوء. فيرتاح الضباط التسعون الساكنون في هذه القاعة. ولكن اذا مدّ الـمحقّ بقوة يزداد الصخب اكثر. ففي مثل هذه الـحياة الاجتماعية تؤخذ الـمصلحة العامة بنظر الاعتبار.

فيا اخوتي!! لا يستاء بعضكم من بعض قائلاً: ان اخي هذا لـم ينصفني او اجحف بـحقي.. فهذا خطأ جسيم في هذه الـحياة وفي اجتماعنا هذا. فلئن اضرك صاحبك بدرهم من الضرر، فانك بإستيائك منه وهجرك اياه تلـحق اربعين درهماً من الاضرار. بل يـحتمل إلـحاق اربعين ليرة من الاضرار برسائل النور. ولكن ولله الـحمد فان دفاعاتنا الـحقة القوية والصائبة جداً قد حالت دون أخذ اصدقائنا الى الاستجواب واخذ افاداتهم الـمكرر، فانقطع دابر الفاسد. والاّ لكان الاستياء الذي وقع بين الاخوة يلـحق بنا اضراراً جسيمة. كسقوط قشة في العين او سقوط شرارة في البارود.

الـحكاية الثانية: كانت لعجوز ثـمانية ابناء. اعطت لكل منهم رغيفاً دون ان تستبقي لـها شيئاً. ثم ارجع كل منهم نصف رغيفه اليها. فاصبحت لديها اربعة ارغفة، بينما لدى كل منهم نصف رغيف.

اخوتي انني اشعر في نفسي نصف ما يتألـم به كل منكم من آلام معنوية وانتم تبلغون الاربعين، انني لا ابالي بالآمي الشخصية. ولكن اضطررت يوماً فقلت: ((أهذا عقاب لـخطأي واُعاقب به)) فتحريت عن الـحالات السابقة. فشاهدت انه ليس لدي شىء من تهييج هذه الـمصيبة واثارتها، بل كنت اتـخذ منتهى الـحذر لأتـجنبها.

بـمعنى ان هذه الـمصيبة قضاء إلـهي نازل بنا.. فلقد دبـّرت ضدنا منذ سنة من قبل الـمفسدين فما كان بطوقنا تـجنبها، فلقد حمـّلونا تبعاتها فلا مناص لنا مهما كنا نفعل.

فللـّه الـحمد والـمنة أن هوّن من شدة الـمصيبة من الـمائة الى الواحد.

بناء على هذه الـحقيقة: فلا تـمنـّوا عليّ بقولكم: اننا نعاقب بهذه الـمصيبة من جرائك. بل سامـحوني وادعوا لي.

ولا ينتقدن بعضكم بعضاً. ولا تقولوا: لو لـم تفعل كذا لـما حدث كذا.. فـمثلاً ان اعتراف احد اخواننا عن عدد من اصحاب التواقيع (على الرسائل) انقذ الكثيرين. فهوّن من شأن الـخطة الـمرسومة في اذهان الـمفسدين الذين يستعظمون القضية. فليس في هذا ضرر، بل فيه نفع عام عظيم. لانها اصبحت وسيلة لانقاذ الكثيرين من الابرياء.

سعيد النورسي





((نكتتان))

الفقرات التالية عبارة عن نكتتين:

الأولى: تـخص الاخلاق، كتبت لـمناسبة ظهور حالات غير مريـحة في سجن اسكي شهر من جراء انقباض النفوس.

الثانية: نكتة لطيفة لآية كريـمة لطيفة مشهورة الاّ انها ظلت مستورة.

النكتة الأولى:

ان من كمال الله سبحانه وسعة رحـمته وطلاقة عدالته ان ادرج ثواباً ضمن اعمال البر، واخفى عقاباً معجلاً في اعمال الفساد والسيئات. فقد ادرج طي الـحسنات لذائذ وجدانية معنوية ما يذكـّر بنعم الآخرة، وادرج في ثنايا السيئات اعذبة معنوية ما يـحسس بعذاب الآخرة الاليم.

فمثلاً: ان افشاء الـمحبة والسلام في صفوف الـمؤمنين، انـما هو حسنة كريـمة للمؤمن، فله ضمن هذه الـحسنة لذة معنوية وذوقاً وجدانياً وانشراحاً قلبياً ما يذكـّر بثواب الآخرة الـمادي. ومن يتفقد قلبه يشعر بـهذا الذوق.

ومثلاً: ان بث الـحصومة والعداء بين الـمؤمنين انـما هو سيئة قبيحة، فـهذه السيئة تنطوي على عذاب وجداني واي عذاب، بـحيث يأخذ بـخناق القلب والروح معاً، فكل من يـملك روحاً حساسة وهـمة عالية يشعر بـهذا العذاب.

ولقد مررت بنفسي – طوال حياتي – بأكثر من مائة تـجربة على هذا النوع من السيئات. فكنت كلما حـملت عداء على اخ مؤمن تـجرعت عذاب تلك العداوة، حتى لـم يبق لي ريب من ان هذا العذاب انـما هو عقاب معجل لسيئتي التي ارتكبتها. فاعاقب عليها واعذب بها.

ومثلاً: ان توقير الـجديرين بالاحترام والتوقير وابداء العطف والرحـم لـمن يستحقه عمل صالـح وحسنة للمؤمن. ففي هذه الـحسنة تكمن لذة عظيمة ومتعة وجدانية الى حدٍ قد تسوق صاحبها الى التضحية حتى بـحياته. فان شئت فانظر الى اللذة التي تكسبها الوالدت من بذل شفقتهن لاولادهن، حتى أنها تـمضي في سبيل تلك الرأفة والشفقة الى الـجود بنفسها. بل ترى هذه الـحقيقة واضحة حتى في عالـم الـحيوان، فالدجاجة تهاجم الاسد دفاعاً عن فراخها.

اذن ففي الاحترام والرأفة اجره معجلة. يشعر بهذه اللذة اولئك الذين يـملكون ارواحاً عالية ونفوساً ابية شهمة.

ومثلاً: ان في الـحرص والاسراف عقوبة معنوية معجلة وجزاء قلبياً، اذ يـجعل صاحبه ثملاً من كثرة الشكوى والقلق، فترى العقوبة نفسها بل اشد منها في الـحسد والتنافس والغيرة، حتى ان الـحسد يـحرق صاحبه قبل غيره. وتنقلب الآية في التوكل والقناعة اذ فيهما ثواب واي ثواب بـحيث انه يزيل آثار الـمصائب واوضار الفاقة والـحاجة.

ومثلاً: ان الغرور والتكبر حـمل ثقيل مقيت على كاهل الانسان، حيث انه يتعذب من رؤيته استثقال الآخرين له في الوقت الذي ينتظر منهم احترامه.

نعم! ان الاحترام والطاعة توهب ولا تطلب.

ومثلاً: ان في التواضع وترك الغرور والكبر لذة عاجلة ومكافأة آنية يـخلص الـمتواضع من عبء ثقيل وهو التصنع والرياء.

ومثلاً: ان في سوء الظن وسوء التأويل جزاء معجلاً في هذه الدنيا. حتى غدت ((مَن دقّ دُقّ)) قاعدة مطردة. فالذي يسىء الظن بالناس يتعرض حتماً لسوء ظنهم. والذي يؤول تصرفات اخوانه الـمؤمنين تأويلاً سيئاً، لا مـحالة سيتعرض للـجزاء نفسه في وقت قريب.

وهكذا فقس على هذا الـمنوال جـميع الـخصال الـحسنة والذميمة.

نسأل الله الرحـيم ان يرزق الذين يتذوقون طعوم الاعجاز القرآني الـمعنوي الـمنبعث من رسائل النور في زماننا هذا ذوق تلك اللذائذ الـمعنوية الـمذكورة، فلا تقرب اليهم بأذن الله الاخلاق الذميمة.



النكتة الثانية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحمْن الرَّحيْم

} وَمَا خَلَقْتُ الـجنَّ والإنْسَ اِلاّ لِيَعْبُدون ` ما اُريد منهم

مِن رزقٍ وما اُريد أن يُطْعِمون ` إنّ الله هُو الرزّاقُ

ذُو القُوّةِ الـمتينِ{ (الذاريات:56-58)



ان ظاهر معنى هذه الآية الكريـمة لا يبين الاسلوب الرفيع الـمنسجم مع بلاغة القرآن الـمعجزة، مثلما جاء في اغلب التفاسير. لذا كان يشغل فكري في كثير من الاحيان. فنبين ثلاثة اوجه اجـمالاً، من بين الـمعاني الـجميلة الرفيعة التي وردت من فيض القرآن الكريم.

الوجه الاول:

ان الله سبحانه يسند احياناً الى نفسه ما يـمكن ان يعود الى رسوله الكريـم عليه الصلاة والسلام من حالات، وذلك تكريـماً له وتشريفاً.

فها هنا كذلك، اذ الـمعنى الـمراد من الآية الكريـمة الـمتصدرة، لابد ان يكون الاطعام والارزاق الذي يعود الى الرسول e ، أي:

ان رسولي في ادائه مهمة الرسالة وتبليغه العبودية لله، لايريد منكم اجراً ولا اجرة ولاجزاءً ولا إطعاماً.. وإلاّ إن لـم يكن الـمراد هذا الـمعنى لكان اعلاماً لـمعلوم في منتهى البداهة، مـما لا ينسجم وبلاغة القرآن الـمعجزة.

الوجه الثاني:

الانسان مغرم بالرزق كثيراً، ويتوهم ان السعي الى الرزق يـمنعه عن العبودية، فلاجل دفع هذا التوهم، ولكي لا يُتخَذ ذريعة لترك العبادة تقول الآية الكريـمة } وَمَا خَلَقْتُ الـجنَّ والإنْسَ اِلاّ لِيَعْبُدون { وتـحصر الغاية من الـخلق في العبودية لله، وان السعي الى الرزق – من حيث الامر الإلـهي – عبودية لله ايضاً.

أما احضار الرزق لـمخلوقاتي ولأنفسكم واهليكم وحتى رزق حيواناتكم فأنا الكفيل به. فأنتم لـم تـخلقوا له، فكل ما يـخص الرزق والاطعام يـخصني أنا وأنا الرزاق ذو القوة الـمتين.. فلا تـحتجوا بـهذا فتتركوا العبادة، فانا الذي ارسل رزق مَن يتعلق بكم من عبادي.

ولو لـم يكن هذا الـمعنى هو الـمراد، لكان من قبيل اعلام الـمعلوم. لأن رزق الله سبحانه وتعالى واطعامه مـحال بديهي ومعلوم واضح. وهناك قاعدة مقررة في علم البلاغة تفيد.

ان كان معنى الكلام معلوماً وبديهياً، فلا يكون هذا الـمعنى مراداً، بل الـمراد لازمهُ او تابع من توابعه.

فمثلاً: ان قلتَ لاحدهم وهو حافظ للقرآن الكريم: انت حافظ. فهذا الكلام اعلامٌ بـما هو معلوم لديه، فاذاً الـمراد منه هو: انني اعلم انك حافظ للقرآن، أي: اُعلِمهُ بـما لايعلمه، وهو علمي أنه حافظ للقرآن.

فبناء على هذه القاعدة يكون معنى الآية التي هي كناية عن نفي رزق الله واطعامه هو:

انكم لـم تـخلقوا لإيصال الرزق الى مـخلوقاتي التي تعهـّدت انا برزقهم. فالرزق أنا به زعيم. فواجبكم الاساس هو العبودية، والسعي على وفق اوامري للحصول على الرزق، بذاته نوع من العبادة.

الوجه الثالث:

ان الـمعنى الظاهري للآية الكريـمة } لَم يَلِد وَلَم يُولَد { في سورة الاخلاص، معلوم وبديهي. فيكون الـمقصود لازماً من لوازم ذلك الـمعنى. أي: ان الذين لـهم والدة وولد لا يكونون الـهاً قطعاً.

فيقضي سبحانه وتعالى بقوله } لَم يَلِد وَلَم يُولَد { الذي هو بديهي ومعلوم ويعني انه ازلي وابدي، لاجل نفي الالوهية عن سيدنا عيسى عليه السلام وعزير عليه السلام والـملائكة والنجوم والـمعبودات الباطلة.

فكما أن هذه الآية هكذا فهنا ايضاً يكون معنى الآية الكريـمة } ما اُريد منهم

مِن رزقٍ وما اُريد أن يُطْعِمون { ان كل ما يُرزق ويُطعم وله استعداد للرزق والاطعام لا يـمكن ان يكون الـهاً. فلا تليق الالوهية بـما هو مـحتاج الى الرزق والاطعام.



سعيد النورسي













بِسْمِ اللهِ الرَّحـمن الرَّحيمِ

} أَو هُم قَآئِلُون{ (الاعراف:4)

لقد اهتم ((رأفت)) بـمعنى كلمة ((قائلون)) الواردة في الآية الكريـمة:

} أَو هُم قَآئِلُون{

فكُتب هذا البحث لــمناسبة استفساره عنها، ولئلا يعطل قلمه الالـماسي، بـما يصيبه من انـحلال في الـجسم بسبب نومه بعد صلاة الفجر كالآخرين معه في السجن.

النوم على انواع ثلاثة:

الاول: الغيلولة:

وهي النوم بعد الفجر حتى انتهاء وقت الكراهة. هذا النوم مـخالف للسنة الـمطهرة؛ اذ يورث نقصان الرزق، وزوال بركته، كما هو وارد في الـحديث الشريف. حيث ان افضل وقت لتهيئة مقدمات السعي لكسب الرزق هو في الـجو اللطيف، عقب الفجر، ولكن بعد مضيه يطرأ على الانسان خـمول وانـحلال، مـما يضرّ بسعيه في ذلك اليوم، وبدوره يضر بالرزق، كما يسبب زوال بركته، وقد ثبت هذا بتجارب كثيرة.

الثاني: الفيلولة:

وهي النوم بعد صلاة العصر حتى الـمغرب، هذا النوم يسبب نقصان العمر، أي: يتناقص عمر الانسان مادياً في اليوم الذي يشوّب بالنوم الـمورث للغفلة؛ اذ يبدو ذلك اليوم قصيراً ناقصاً مثلما يكون قضاء وقت العصر بالنوم في حكم عدم رؤية نتائج معنوية لذلك اليوم، تلك النتائج التي تتظاهر على الاغلب في ذلك الوقت. فيكون الانسان كأنه لـم يعش ذلك اليوم.

الثالث: القيلولة:

وهي سنة نبوية شريفة، ويبدأ وقتها من الضحى الى ما بعد الظهر بقليل، ومع كون هذا النوم من السنة الـمطهرة(1) فانه يعين على قيام الليل، وقد رسـّخ هذه السنة النبوية ما اعتاد عليه اهل الـجزيرة العربية من تعطيل نسبي للاعمال عند اشتداد الـحر من الظهر حسب مـحيطهم. وهذا النوم يطيل العمر ويزيد الرزق؛ لان نصف ساعة من القيلولة يعادل ساعتين من نوم الليل، أي انه يزيد عمر يومه ساعة ونصف الساعة. وينقذ ساعة ونصف الساعة ايضاً من النوم الذي هو صنو الـموت، ويـحييها بتزييد وقت عمله كسباً للرزق، فيطيل زمن السعي والعمل.

سعيد النورسي

* * *







وهذه خاطرة جـميلة

حينما كنت اقرأ جـملة ((ألف ألف صلاة وألف ألف سلام عليك يارسول الله)) عقب الصلاة، تراءت لي من بعيد خاطرة لطيفة انكشفت من تلك الصلوات، الا انني لـم أتـمكن من اقتناصها كاملة، ولكن ساشير الى بعض جـملها:

رأيت ان عالـم الليل شبيه بـمنزل جديد يفتح لدار الدنيا.. دخلت ذلك العالـم في صلاة العشاء، ومن انبساط فوق العادة للخيال وبـحكم ارتباط ماهية الانسان مع الدنيا قاطبة رأيت ان هذه الدنيا العظيمة قد اصبحت في ذلك الليل منزلا صغيراً جداً حتى لا يكاد يرى ما فيه من بشر وذوي حياة. ورأيت خيالاً أن ليس هناك من ينور ذلك الـمنزل الا الشخصية الـمعنوية للرسول e حتى امتلأت ارجاؤه بهجة وانساً وسروراً.

وكما يبدأ الشخص بالسلام عند دخوله الـمنزل، كذلك وجدت في نفسي شوقاً هائلاً ورغبة جياشة الى القول: ألف ألف سلام عليك يارسول الله(1)..

ومن هنا وجدت نفسي كأنني اسلم عليه بعدد الانس والـجن واعبر بسلامي هذا عن تـجديد البيعة له والرضى برسالته وقبولـها منه واطاعة القوانين التي أتى بها، والتسليم لاوامره وسلامته من بلايانا. أي كأنني اقدم هذا السلام – ناطقاً تلك الـمعاني – باسم كل فرد من افراد عالـمي وهم ذوو الشعور من جن وانس، وجـميع الـمخلوقات.

وكذا فان ما جاء به من النور العظيم والـهدية الغالية ينور عالـمي الـخاص هذا كما ينور العالـم الـخاص لكل احد في هذه الدنيا، فيحوّل عالـمنا الى عالـم زاخر بالنعم. فقلت تـجاه هذه النعمة الـهائلة: ((اللهم أنزل ألف صلاة عليه)) علـّها تكون شكراناً وعرفانا للجميل على ذلك النور الـحبيب والـهدية الغالية، اذ اننا لانستطيع أن نرد جـميله واحسانه الينا أبداً، فأظهرنا تضرعنا الى الله جل وعلا بالدعاء والتوسل كي ينزل من خزائن رحـمته رحـمة عليه بعدد اهل السموات جـميعاً.. هكذا احسست خيالاً.

فهو e يطلب صلاة بـمعنى ((الرحـمة)) من حيث هو ((عبد)) ومتوجه من الـخلق الى الـحق سبحانه. ويستحق ((السلام)) من حيث أنه ((رسول)) من الـحق سبحانه الى الـخلق.

وكما اننا نرفع اليه سلاماً بعدد الانس والـجن، ونـجدد له البيعة العامة بعددها ايضاً، فانه علية الصلا ة والسلام يستحق ايضاً صلاة من خزائن الرحـمة الإلـهية بعدد اهل السموات، وبأسم كل واحد منهم؛ ذلك لأن النور الذي جاء به هو الذي يظهر كمال كل شىء في الوجود، ويُبرز قيمة كل موجود، وتُشاهد به الوظيفة الربانية لكل مـخلوق، وتتجلى به الـمقاصد الإلـهية من كل مصنوع. لذلك لو كان لكل شىء لسان لكان يردد قولاً كما يردد حالاً: الصلاة والسلام عليك يارسول الله.. فنحن بدورنا نقول بدلا عن الـمخلوقات كافة:

- ألف ألف صلاة وألفُ ألف سلام عليك يارسول الله بعدد الانس والـجن وبعدد الـملك والنـجوم.

فيكفيك ان الله صلى بنفسه واملاكه صلت عليه وسلمت



سعيد النورسي

* * *





اخي العزيز:

تطلبون شيئاً من الايضاح حول ((وحدة الوجود)) ففي احدى لـمعات ((الـمكتوب الـحادي والثلاثين)) جواب شاف وقوي واضح إزاء رأي مـحي الدين بن عربي في هذه الـمسألة.

اما هنا فنكتفي بهذا القدر ونقول:

ان تلقين مسألة ((وحدة الوجود)) في الوقت الـحاضر للناس يضرهم ضرراً بالغاً، اذ كما ان التشبيهات والتمثيلات(1)، اذا خرجت من ايدي الـخواص ودخلت ايدي العوام وسرت من يد العلم الى يد الـجهل تُتلقى حقائق كذلك وحدة الوجود وامثالـها من الـحقائق العالية، اذا ما دخلت بين العوام الغافلين السارحين في تأثير الاسباب، يتلقونها ((طبيعة)) وتولد ثلاث مضار مهمة.

الضرر الاول:

ان مشرب وحدة الوجود، مع انه في حكم انكار وجود الكائنات ازاء وجود الله سبحانه، الا انه كلما دخل بين العوام يـمضي بهم الى أن يصل في فكر الغافلين منهم ولاسيما الـملوثين بالـماديات الى انكار الالوهية ازاء الكون والـماديات.

الضرر الثاني:

ان مشرب وحدة الوجود، يردّ رداً شديداً ربوبية ما سوى الله تعالى، حتى انه ينكر ما سواه تعالى ويرفع الثنائية، فلا يرى وجوداً مستقلاً للنفس الامارة ولا لأي شىء كان، ولكن في هذا الزمان، الذي استولت فيه مفاهيم الطبيعة وتفرعنت نفوس أمارة وبـخاصة من له استعداد ليتخذ نفسه معبوده من دون الله، ونفخ الغرور والانانية في اوداجه، فضلا عن نسيان الـخالق والآخرة الى حد ما. فتلقين هؤلاء بوحدة الوجود يطغي نفوس حتى لايسعها شىء، والعياذ بالله.

الضرر الثالث:

انه يورث افكارا وتصورات لاتليق بوجوب وجود الذات الـجليلة، الـمنزهة الـمبرأة الـمتعالية الـمقدسة عن التغير والتبدل والتجرؤ والتحيز، ولاتلائم تنزهه وتقدسه سبحانه بـحال، فيكون بذلك سبباً لتلقينات باطلة.

نعم! ان من يتكلم عن وحدة الوجود عليه ان يعرج فكراً من الثرى الى الثريا تاركاً الكائنات وراءه ظهريا، مـحدقاً بنظره الى العرش الاعلى، عاداً الكائنات معدومة في حالة الاستغراق، فيمكنه ان يرى بقوة الإيـمان ان كل شىء من الواحد الاحد سبحانه مباشرة. والا فان من يقف وراء الكائنات وينظر اليها ويرى الاسباب أمامه وينظر من الارض، فانه يـحتمل ان يغرق في تأثير الاسباب ويقع في مستنقع الطبيعة، بينما الذي يعرج فكراً الى العرض كجلال الدين الرومي(1) يستطيع ان يقول: ((افتح سـمعك فانك تستطيع أن تسمع من كل أحد – كأنه حاك فطري – ما تسمعه من الـحق تعالى)). والا فمن لا يستطيع العروج مثله الى هذه الـمرتبة الرفيعة ولا يرى الـموجودات من الفرش الى العرش على صورة مرايا (لـتجلياته) ان قلت له:

((اصغ الى كل أحد تسمع منه كلام الله)) فانه يبتلى بتصورات باطلة مـخالفة للحقيقة كمن يهوي معنىً من العرش الى الفرش.

} قل الله ثُمَ ذَرهُم في خَوضِهم يَلعَبون { (الانعام:91).

ما للتراب ولرب الارباب.

سبحان من تقدس عن الاشباه ذاته وتنزهت عن مشابهة الامثال صفاته وشهد على ربوبيته آياته جل جلاله ولا اله الا هو.

سعيد النورسي



* * *



جواب عن سؤال

لا يسعني الوقت الكافي لعقد موازنة بين افكار كل من مصطفى صبري(1) وموسى باكوف(2) الا انني اكتفي بالقول الآتي:

ان احدهما قد افرط والآخر يفرط. فمع ان مصطفى صبري مـحق في دفاعاته بالنسبة الى موسى باكوف الا انه ليس له حق تزييف شخص مـحي الدين بن عربي الذي هو خارقة من خوارق العلوم الإسلامية.

نعم، ان مـحي الدين بن عربي مهتد ومقبول ولكنه ليس بـمرشد ولاهاد وقدوة في جـميع كتاباته، اذ يـمضي غالباً دون ميزان في الـحقائق، فيخالف القواعد الثابتة لأهل السنة, ويفيد بعض أقواله – ظاهراً – الضلالة غير انه برىء من الضلالة، اذ الكلام قد يبدو كفرا بظاهره، الا أن قائله لا يكون كافراً.

فمصطفى صبري لـم يراع هذه النقاط بنظر الاعتبار ففرط في بعض النقاط لتعصبه لقواعد اهل السنة. أما موسى باكوف فهو يـخطىء كثيراً بافكاره التي تـماشي التمدن والـمنحازة شديداً للتجدد. اذ يـحرف بعض الـحقائق الإسلامية بتأويلات خاطئة ويتخذ شخصاً مردوداً كابي العلاء الـمعري في مستوى اعلى من علماء الإسلام الـمحققين وقد غالى كثيراً لانـحيازه الشديد الى تلك الـمسائل التي خالف فيها مـحي الدين اهل السنة والتي تنسجم مع افكاره.

ولقد قال مـحي الدين: ((تـُحرم مطالعة كتبنا على من ليس منا)) أي على من لايعرف مقامنا. نعم ان قراءة كتب مـحي الدين ولاسيما مسائله التي تبحث في وحدة الوجود مضرة في هذا الزمان.

سعيد النورسي





بِسمِ اللهِ الرَّحـمنِ الرَّحيمِ

عندما كنت انظر من نافذة السجن، الى ضحكات البشرية الـمبكية، في مهرجان الليل البهيج، انظر اليها من خلال عدسة التفكر في الـمستقبل والقلق عليه، انكشف امام نظر خيالي هذا الوضع، الذي ابينه:

مثلما تشاهد في السينما اوضاع الـحياة لـمن هم الأن راقدون في القبر، فكأنني شاهدت امامي الـجنائز الـمتحركة لـمن سيكونون في الـمستقبل القريب من اصحاب القبور.. بكيت على اولئك الضاحكين الآن، فانتابني شعور بالوحشة والالـم. راجعت عقلي، وسألت عن الـحقيقة قائلاً: ما هذا الـخيال؟ قالت الـحقيقة:

ان خـمسة من كل خـمسين من هؤلاء البائسين الضاحكين الآن والذين يـمرحون في نشوة وبهجة سيكونون كهولاً بعد خـمسين عاماً، وقد انـحنت منهم الظهور وناهز العمر السبعين. والخـمسة والاربعين الباقية يُرمـّون في القبور.

فتلك الوجوه الـملاح، وتلك الضحكات البهيجة، تنقلب الى أضدادها. وحسب قاعدة ((كل آت قريب))(1) فان مشاهدة ما سيأتي كأنه آتٍ الآن تنطوي على حقيقة، فما شاهدته اذاً ليس خيالاً.

فما دامت ضحكات الدنيا الـمتسمة بالغفلة مؤقتة ومعرضة الى الزوال، وهي تستر مثل هذه الاحوال الـمؤلـمة الـمبكية، فلابد أن ما يسرّ قلب الانسان البائس العاشق للـخلود، ويفرح روحه الولـهان بعشق البقاء، هو ذلك اللهو البرىء والـمتعة النزيهة وافراح ومسرات تـخلد بثوابه، ضمن نطاق الشرع، مع اداء الشكر باطمئنان القلب وحضوره بعيداً عن الغفلة. ولئلا تقوى الغفلة في النفوس في الاعياد، وتدفع الانسان الى الـخروج عن دائرة الشرع، ورد في الاحاديث الشريفة ترغيب قوي وكثير في الشكر وذكر الله في تلك الايام. وذلك لتنقلب نعم الفرح والسرور الى شكر يديـم تلك النعمة ويزيدها، اذ الشكر يزيد النعم ويزيل الغفلة.

سعيد النورسي



















بِسمِ اللهِ الرَّحـمنِ الرَّحيْمِ

نكتة من نكات الآية الكريـمة:

} انَّ النفسَ لأمـّارة بالسوء { (يوسف:53)

والـحديث الشريف: ((أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك))(1).

نعم! ان الذي يـحب نفسه الامارة بالسوء – غير الـمزكاة – ويعجب بها، هو في الـحقيقة لا يـحب أحداً غيرها، وحتى لو ابدى للغير حباً فلا يـحبه من صميم قلبه، بل ربـما يـحبه لـمنافعه، ولـما يتوقع منه من متاع. فهو في محاولة دائمة لتحبيب نفسه للآخرين وفي سعي متواصل لأثارة اعجابهم به، يصرف كل قصورٍ عن نفسه فلا يحـملـّها أي نقص كان، بل يدافع دفاع الـمحامي الـمخلص لإبراء ساحتها، ويـمدحها بـمبالغات بل بأكاذيب لينزّهها عن كل عيب او قصور، حتى يقربها الى التقديس، بل يبلغ به الامر ان يكون مصداق الآية الكريـمة } من أتـخذ ألـهه هواه { (الفرقان:43) عندها تتوالى عليه صفعات هذه الآية الكريـمة – حسب درجته – فينقلب مدحُه الى إعراض الناس عنه، ويتحول تـحبيب نفسه اليهم الى استثقالـهم له، فيجد عكس ما كان يروم، فضلاً عن أنه يضيـّع الاخلاص، لـما يـخلط من رياء وتصنع في اعماله الأخروية، فيكون مغلوباً على أمره امام شهواته وهواه ومشاعره، تلك التي لاتبصر العقبى ولاتفكر في النتائج والـمغرمة بالتلذذ الآني. بل قد تبرر له اهواؤه الضالة اموراً يرتكبها لاجل متعة لاتدوم ساعة يفضي به ان يلقى في السجن لسنة كاملة. وقد يقاسي عشر سنوات من الـجزاء العادل لاجل تسكين روح الثأر لديه وشهوة الغرور التي لا تستغرق دقيقة واحدة. فيكون مثله كمثل ذلك الطفل الابله الذي لايقدر قيمة جزء الـمصحف الشريف الذي يتلوه ويدرسه فيبيعه بقطعة حلوى رخيصة، اذ يصرف حسناته التي هي اغلى من الالـماس ويبدلـها بـما يشبه في تفاهتها قطع الزجاج، تلك هي حسياته وهواه وغروره، فيخسر خسارة جسيمة فيما كان ينبغي له ان يربح ربـحاً عظيماً.

اللهم احفظنا من شر النفس والشيطان ومن شر الـجن والانس.



سؤال:

كيف يكون البقاء في سجن جهنم بقاءاً خالداً جزاءً عادلاً لكفر في زمن قصير؟

الـجواب: ان القتل الذي يـحصل في دقيقة واحدة يعاقب عليه بسبع ملايين وثـمانـمائة واربع وثـمانين الفاً من الدقائق – على اعتبار السنة ثلاثـمائة وخـمس وستين يوماً. فان كان هذا قانوناً عدلاً، فالذي يقضي عشرين سنة من عمره في احضان الكفر ويـموت عليه يستحق جزاءً بـمقتضى هذا القانون العادل للبشر سبجناً يدوم سبعاً وخـمسين ترليوناً وواحد مائتي مليار مليون من السنين، باعتبار دقيقة من الكفر تعادل ألف قتل ويـمكن ان يُفهم من هذا وجه الانسجام مع عدالة قوله تعالى: } خالدين فيها ابداً { (البينة:8).

ان سر العلاقة بين العددين الـمتباعدين جداً بعضها عن بعض، هو ان الكفر والقتل تـخريب وتعدّ على الآخرين، ولـهما تأثير في الآخرين، فالقتل الذي يـحصل في دقيقة واحدة يسلب خـمس عشرة سنة في الاقل من حياة الـمقتول، حسب ظاهر الـحال، لذا يسجن القاتل بدلاً منه، فدقيقة واحدة في الكفر الذي هو انكار لألف اسم واسم من الاسـماء الـحسنى وتزييف لنقوشها البديعة.. واعتداء على حقوق الكائنات.. وانكار لكمالاتها.. وتكذيب لدلائل الوحدانية التي لا يـحد وردّ لشهاداتها .. تلقي بالكافر في اسفل سافلين لاكثر من الف سنة، فتسجتنه في قوله تعالى } خالدين فيها ابداً { (البينة:8).

سعيد النورسي

* * *





توافق لطيف ذو مغزى:

ان الـمادة (163) من القانون التي يُتهم بـموجبها طلاب النور، ويُطالب بها انزال العقوبة عليهم. هذا الرقم يتوافق مع عدد النواب الذين وافقوا على لائـحة البرلـمان الـخاصة بـمنح مائة وخـمسين الف ليرة لبناء مدرسة مؤلف رسائل النور، وقد كانوا (163) نائباً من بين ((200) نائباً في مـجلس الأمة التركي.

هذا التوافق يقول معنىً: ان تواقيع (163) نائباً من نواب حكومة الـجمهورية على وجه التقدير والاعجاب بـخدمته يُبطل حكم الـمادة (163) بـحقه.

وكذا من بين التوافقات اللطيفة ذات الـمغزى:

لقد كان القبض على مؤلف رسائل النور وطلابه واعتقالـهم في 27/نيسان/1935 بينما كان قرار الـمحكمة بـحقهم في 19/آب/1935 أي بعد (115) يوماً. هذا الرقم يتوافق مع عدد كتب رسائل النور وهو (115) كتاباً يضم (128) رسالة.

كما انه يوافق عدد الـمتهمين الـمائة وخـمسة عشر من طلاب النور الذين استجوبوا واتهموا.

فهذا التوافق يدل على ان الـمصيبة التي ابتلى بـها مؤلف رسائل النور وطلابها انـما تُنظـّم بيدٍ من العناية (الإلـهية)(1).

* * *



النكتة الثامنة والعشرون

من اللمعة الثامنة والعشرون

بِسْمِ اللهِ الرَّحـمْنِ الرَّحيْمِ

} لا يَسـَّمَعُونَ إِلَى الـمَلإِ الأَعلَى وَيُقذَفُونَ مِن كـُّلِ جَانِبٍ ` دُحُوراً وَلَـهُم عَذَابٌ وَاصِبٌ ` إِلاَّ مَن خَطِفَ الـخَطفَةَ فَأَتبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ{ (الصافات:8-10)

} وَلَقَد زَيـَّنـَّا السـّمَآءَ الدُّنيَا بِمصَابِيحَ وَجَعَلناهَا رُجُوماً لِلشـَّيَاطِينِ{ (الـملك:5)

سنبين نكتة مهمة من نكات هذه الآيات الكريـمة وامثالـها من الآيات لـمناسبة اعتراض يرد من اهل الضلالة على وجه النقد.

تفيد هذه الآيات الكريـمة ان جواسيس الـجن والشياطين يسترقون السمع الى اخبار السـموات ويـجلبون منها الاخبار الغيبية الى الكهان والـماديين، والذين يعلمون في تـحضير الارواح. فـحيل بين هذه الاخبار وبين التجسس الدائمي لأولئك الـجواسيس ورجـموا بالشهاب أزيد ماكان في تلك الفترة من بداية الوحي، وذلك لئلا يلتبس شىء على الوحي.

نبين جواباً في غاية الاختصار عن سؤال في غاية الاهمية وهو ذو ثلاث شعب.

سؤال:

يفهم من امثال هذه الآيات الكريـمة الـمتصدرة انه لاجل استراق السمع وتلقي الـخبر الغيبي حتى في الـحوادث الـجزئية بل احياناً حوادث شخصية تقتحم جواسيس الشياطين مـملكة السموات التي هي في غاية البعد، لكأن تلك الـحادثة الـجزئية هي موضع بـحث في كل جزء من اجزاء تلك الـمملكة الواسعة، ويـمكن لاي شيطان كان، ومن أي مكان دخل الى السموات، التنصت ولو بصورة مرقعة الى ذلك الـخبر وجلبه هكذا الى الارض. هذا الـمعنى الذي يُفهم من الآيات الكريـمة لا يقبل به العقل والـحكمة. ثم ان قسماً من الانبياء وهم اهل الرسالة، والاولياء وهم اهل الكرامة يتسلمون ثـمار الـجنة التي هي فوق السموات العلى – بنص الآية – وكأنهم يأخذونها من مكان قريب، واحياناً يشاهدون الـجنة من قريب. هذه الـمسألة تعني: نهاية البعد في نهاية القرب بـحيث لايسعها عقل هذا العصر.

ثم أن حالة من احوال جزئية لشخص جزئي يكون موضع ذكر وكلام لدى الـملأ الاعلى في السموات العلى الواسعة جداً، هذه الـمسألة لاتوافق ادارة الكون التي تسير في منتهى الـحكمة.

علماً أن هذه الـمسائل الثلاث تعد من الـحقائق الإسلامية.

الـجواب:

اولاً: أن الآية الكريـمة: } وَلَقَد زَيـَّنـَّا السـّمَآءَ الدُّنيَا بِمصَابِيحَ وَجَعَلناهَا رُجُوماً لِلشـَّيَاطِينِ{ هذه الآية تفيد أن جواسيس الشياطين التي تـحاول الصعود الى السموات للتجسس تطرد بنجوم السموات.

فقد بـحثت هذه الـمسألة بـحثاً جيداً في الكلمة الـخامسة عشرة، واُثبتت اثباتاً يقنع حتى أعتى الـماديين، بل يلجؤهم الى السكوت والقبول، وذلك بسبع مقدمات قاطعة هي بـمثابة سبع مراتب للصعود الى فهم الآية الكريـمة:

ثانياً: نشير الى هذه الـحقائق الإسلامية الثلاث التي تُظن انها بعيدة (عن العقل) بتمثيل وذلك لنقربها الى الاذهان القاصرة الضيقة.

هب ان الدائرة العسكرية لـحكومة تقع في شرقي البلاد، ودائرتها العدلية في الغرب ودائرة الـمعارف في الشـمال ودائرة الشؤون الدينية (الـمشيخة) في الـجنوب، ودائرة الـموظفين الاداريين في الوسط وهكذا.

فعلى الرغم من البعد بين دوائر هذه الـحكومة، فان كل دائرة لو استخبرت الاوضاع فيما بينها بالتلفون او التلغراف ارتباطاً تاماً: عندها تكون البلاد كلها كأنها دائرة واحدة عي دائرة العدل، او الدائرة العسكرية او الدينية، او الادارية وهكذا.

مثال آخر: يـحدث احياناً أن دولاً متعددة ذات عواصم مـختلفة. تشترك معاً في مـملكة واحدة، بسلطات متباينة، من حيث مصالـحها الاستعمارية فيها، او لوجود امتيازات خاصة بها، او من حيث الـمعاملات التجارية وغيرها. فكل حكومة عندئذ ترتبط بعلاقة مع تلك الرعية من حيث امتيازاتها، فعلى الرغم من انها رعية واحدة وأمة واحدة، فان معاملات تلك الـحكومات الـمتباينة – التي هي في غاية البعد – تتماس وتتقارب كلٌ منها مع الاخرى في البيت الواحد بل تشترك في كل انسان. حتى تُشاهد مسائلها الـجزئية في الدوائر الـجزئية وهي نقاط التماس والتقارب، ولاتؤخذ كل مسألة جزئية من الدائرة الكلية. ولكن عندما تبحث تلك الـمسائل الـجزئية، تبحث كأنها اُخذت من الدائرة الكلية وذلك لارتباطها بالقوانين الكلية لتلك الدائرة. وتعطى لـها صورة كأنها مسألة اصبحت موضع بـحث في تلك الدائرة الكلية.

وهكذا ففي ضوء هذين الـمثالين:

ان مـملكة السموات التي هي في غاية البعد، من حيث العاصمة والـمركز، فان لـها هواتف معنوية تـمتد منها الى قلوب الناس في مـملكة الارض. فضلاً عن أن عالـم السموات لا يشرف على العالـم الـجسماني وحده بل يتضمن عالـم الارواح وعالـم الـملكوت؛ لذا فعالـم السموات يـحيط بـجهة بعالـم الشهادة تـحت ستار.

وكذلك الـجنة التي هي من العوالـم الباقية، وهي دار البقاء، فمع انها في غاية البعد، الاّ ان دائرة تصرفاتها تـمتد امتداداً نورانياً وتنتشر الى كل جهة تـحت ستار عالـم الشهادة.

فكما ان حواس الانسان التي اودعها الصانع الـحكيم الـجليل بـحكمته وبقدرته في رأس الانسان، فعلى الرغم من ان مراكزها مـختلفة، فان كلامنها تسيطر على الـجسم كله، وتأخذه ضمن دائرة تصرفها.

كذلك الكون الذي هو انسان اكبر يضم الوف العوالـم الشبيهة بالدوائر الـمتداخلة. فالاحوال الـجارية في تلك العوالـم والـحوادث التي تقع فيها تكون موضع النظر من حيث جزئياتها وكلياتها، وخصوصياتها وعظمتها.

بـمعنى ان الـجزئيات تُشاهد في الاماكن الـجزئية والقريبة، بينما الكليات والامور العظيمة تُرى في الـمقامات الكلية والعظيمة.

ولكن قد تستولي حادثة جزئية خصوصية على عالـم عظيم فاينما يُلقى السمع تٌسمع تلك الـحادثة.

واحياناً تـحشد الـجنود الـهائلة اظهاراً للعظمة والهيئة وليس لقوة العدو. فمثلاً:

ان حادثة الرسالة الـمحمدية، ونزول الوحي القرآني، لكونها حادثة جليلة، فان عالـم السموات كله، بل حتى كل زاوية من زواياه متأهب، وقد صفت فيه الـحراس، في تلك البروج العظيمة، من تلك السموات العالية الرفيعة والبعيدة بعداً عظيماً. ويقذفون من النجوم الـمجانيق، طرداً لـجواسيس الشياطين ودفعاً بهم عن السموات.

فالآية الكريـمة عندما تبرز الـمسألة هكذا برجم الشياطين بكثرة هائلة والقذف بالشهب ولاسيما في بداية الوحي في ذلك الوقت. تبين اشارة ربانية الى الاعلان عن درجة عظمة الوحي القرآني وشعشعة سلطانه، والى درجة أحقيته وصوابه والذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وهكذا يترجـم القرآن الكريم ذلك الاعلان الكوني العظيم ويشير الى تلك الاشارات السماوية.

نعم! ان اظهار هذه الاشارات العظيمة السماوية، وابراز مبارزة الشياطين للملائكة، مع إمكان طرد جواسيس الشياطين بنفخ من مَلَك، انـما هو لاظهار عظمة الوحي القرآني وعلوه ورفعه.

ثم ان هذا البيان القرآني الـمهيب، واظهار الـحشود السماوية العظيمة، ليس تعبيراً عن أن للجن والشياطين قوة واقتداراً بـحيث تسوق اهل السموات الى الـمبارزة والـمدافعة معهم، بل هي اشارة الى أنه لادخل للشياطين والـجن في أي موضع من مواضع هذا الطريق الطويل الـممتد من قلب الرسول الاعظم e الى عالـم السموات الى العرش الاعظم.

وبهذا يعبـّر القرآن الكريم عن ان الوحي القرآني حقيقة جليلة حقيق ان يكون موضع ذكر وبـحث لدى الـملأ الاعلى والـملائكة كلهم في تلك السموات الـهائلة، بـحيث يضطر الشياطين الى الصعود الى السموات لينالوا شيئاً من اخبارها فيرجـمون ولاينالون شيئاً.

فيشير القرآن الكريم بهذا الرجـم الى ان الوحي القرآني النازل على قلب مـحمد صلى الله عليه وسلم، وجبرائيل عليه السلام الذي نزل الى مـجلسه والـحقائق الغيبية الـمشهودة لنظره، سليمة، صائبة، صحيحة، لاتدخل فيها شبهة قط وفي أية جهة منها قط.

وهكذا يعبـّر القرآن الكريم عن هذه الـمسألة باعجازه البليغ.

أما مشاهدة الـجنة في أقرب الاماكن وقطف الثـمار منها احياناً، مع كونها بعيدة كل البعد عنا وكونها من عالـم البقاء، فبدلالة التمثيلين السابقين يُفهم:

ان هذا العالـم الفاني، عالـم الشهادة، حـجاب لعالـم الغيب وعالـم البقاء. انه يـمكن رؤية الـجنة في كل جهة مع أن مركزها العظيم في مكان بعيد جداً، وذلك بوساطة مرآة عالـم الـمثال. ويـمكن بوساطة الإيـمان البالغ درجة حق اليقين ان تكون للجنة دوائر ومستعمرات (لامشاحة في الامثال) في هذا العالـم الفاني ويـمكن أن تكون هناك مـخابرات واتصالات معها بالارواح الرفيعة وبهاتف القلب ويـمكن أن ترد منها الثـمار.

أما انشغال دائرة كلية بـحادثة شخصية جزئية، أي: ما ورد في التفاسير من ان الشياطين يصعدون الى السموات ويسترقون السمع هناك ويأتون باخبار غيبية ملفقة للكهان، فينبغي أن تكون حقيقته هكذا:

انه لا صعود الى عاصمة عالـم السموات لتلقي ذلك الـخبر الـجزئي، بل هو صعود الى بعض الـمواقع الـجزئية في جو الـهواء – الذي يشمله معنى السموات – والذي فيه مواضع بـمثابة مـخافر (لامشاحة في الامثال) للسموات، وتقع علاقات في هذه الـمواقع الـجزئية مع مـملكة الارض. فالشياطين يسترقون السمع في تلك الـمواقع الـجزئية لتلقي الاحداث الـجزئية، حتى ان قلب الانسان هو احد تلك الـمقامات حيث يبارز فيه ملك الالـهام الشيطان الـخاص.

أما حقائق القرآن والإيـمان وحوادث الرسول e ، فمهما كانت جزئية فهي بـمثابة اعظم حادثة واجلـّها في دائرة السموات وفي العرش الاعظم. حتى كأنها تنشر في الصحف الـمعنوية للـمقدرات الإلـهية الكونية (لا مشاحة في الامثال) بـحيث يذكر عنها ويبحث مسائلها في كل زاوية من زوايا السموات، حيث أنه ابتداءً من قلب الرسول الكريم علية الصلاة والسلام وانتهاءً الى دائرة العرش الاعظم مصون من أي تدخل كل من الشياطين.

فان القرآن مع بيانه لـهذا انـما يعبـّر بتلك الآيات الـجليلة أنه: لاحيلة ولا وسيلة للشيطان لتلقي اخبار السموات الاّ استراق السمع.

فيبين القرآن بهذا بياناً معجزاً بليغاً: ما اعظم الوحي القرآني وما اعظم قدره! وما اصدق نبوة مـحمد e وما اصوبها! حتى لا يـمكن الدنو اليهما بأية شبهة كانت وباي شكل من الاشكال.

سعيد النورسي
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس