عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #25
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

عظمة الرسالة
رسول كالرسل ما هو بدع منهم، لكنه خاتمهم وإمامهم. أمِرْنَا أن لا نفرق بين أحد من رسل الله. أيْ أن نومن بهم جميعا، وأن نعتقد أن الإسلام دين الله دينهم جميعا. وجاءنا في الحديث النهي عن تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على يونس بن متى. كما جاءت أحاديث يذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إخوانه الأنبياء بحب وتقدير وتواضع.
لكن الرسالة الخاتمة العظيمة نزلت على إمام المرسلين. فيجب أن نعرف مقامه. ولا يمنعنا ذلك العلمُ من إعطاء كل ذي حق حقه، فلا نفرق في الإيمان، ولا نفضل حيث يكون التفضيل تفاخرا.
وقد وردت أحاديث كثيرة في مناقب سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم. قراءتها ترفع بعض الحجب عن المتردد. يُرْجَى ذلك إن شاء الله.
نزلت على الرسول الكامل صلى الله عليه وسلم الرسالة الكاملة، قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾ [1]. قال علماء اليهود وأحبارهم في هذه الآية لعمر: "إنكم تقرأون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدا!" رواه البخاري وغيره. عرف الأحبارُ الحق، وأدركوا أنها الرسالة الخالدة التي وعد به الله البشرية على لسان رسله. قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [2] الشُّفُوفُ والنصر والإشعاع الذي تخبو معه كل الأجرام.
رسول خاتم ورسالة خاتمة. لا تحتاج لتكميل ولا تطوير. نُزُلاً من حكيم حميد. لا يعني هذا أن العقل المومن، وهو أيضا خَلْقُ حكيم حميد، قد عطل، وأن تحديات العصور للمسلمين بمشاكلها المستجدة يمكن أن تواجه ببلادة حامل الأوقار الذي لا يعرف ما يحمل، ولا روح ما يحمل، ولا أهمية ما يحمل، ولا سرّ ما يحمل. نحن حاملو رسالة، لكن هل نقدر معنى أن معنا آخر كلمة خاطب بها الخالق خلقه، وأكمل رسالة أنزلها رب السماوات والأرض لعباده؟
ورثة رسالة لا رشد لهم إن لم يتبعوا منهاج النبوة، ويتفانوا في حب الله ورسوله، ويتعلموا من الله ورسوله، ويهتدوا بنور الله المودَع في قلوب أولياء الله، ورثة رسالة الله، حملة رسالة لا أكتاف تنهض بعبئها، ولا قوة شوكة تدفع عنها اللصوص، ولا قوة بلاغ تخرق بها حواجز الجاهلية إلا إن استعدنا على منهاج النبوة تماسك حملة الرسالة، وشوكة حملة الرسالة، وصلاحية الائتمان على الرسالة. يقول الإمام البنا رحمه الله في وصف حملة الرسالة الأولين: "وبهذه المشاعر الثلاثة: 1) الإيمان بعظمة الرسالة 2) والاعتزاز باعتناقها 3) والأمل في تأييد الله إياها، أحياها الراعي الأول صلى الله عليه وسلم في قلوب المومنين من صحابته، بإذن الله. وحدد لهم أهدافهم في هذه الحياة، فاندفعوا يحملون رسالتهم محفوظة في صدورهم أو مصاحفهم، بادية في أخلاقهم وأعمالهم، معتدين بتكريم الله إياهم، واثقين بنصره وتأييده. فدانت لهم الأرض، وفرضوا على الدنيا مدنية المبادئ الفاضلة، وحضارة الأخلاق الرحيمة العادلة، وبدلوا فيها سيآت المادية الجامدة إلى حسنات الربانية الخالدة"[3].
بهذه الدفعة انتشر الإسلام، وعلى يد أهل الثقة بالله، والاعتزاز برسالة الله، والإيمان بوعد الله خفقت بنوده في الآفاق. ثقة، اعتزاز، إيمان. كلها معان قلبية نابعة من روح الروح، بعد أن فجر فيها نور الوحي وأحيت فيها بركة النبوة معاني حب الله ورسوله.
لا يمكن أن نفسر الانتصار العظيم الخاطف لجند الله بضعف الإمبراطورية الرومية، ولا بانحلال المملكة الفارسية، ولا بتفكك الدولة الفيزكوطية بإسبانيا. كانت هناك قوة معنوية، هي قوة الإيمان من وراء القوة العسكرية التي كان التفوق فيها للعدو أضعافا. قوة خارقة مكنت الصحابة رضي الله عنهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من تطويع بلاد العرب وتنظيمها في أقل من عشر سنين، ومكنتهم في أقل من اثنتي عشرة سنة بعد وفاته من فتح فلسطين والعراق ومصر. لم تقف خيلهم المظفرة إلاَّ عند الحواجز الطبيعية مثل جبال الطورس وإيران وصحاري النوبة وليبيا.
بهر العالم عدلُ المومنين وعفتُهم ورحمتهم بالخلق بعد وحشية المستكبرين وجشعهم وظلمهم. يكتب ميكائيل السوري، نصراني من ذلك العصر، ما يلي: "إن الرب المنتقم(...) لما رأى شر الروم الذين كانوا يبتزون كنائسنا وأديرتنا ويسوموننا العذاب بلا رحمة، جاء بأولاد إسماعيل من الجنوب ليحررنا منهم.(...) ليس من الفضل الهيّن أن نتحرر من وحشية الروم وشرهم وغضبهم وجشعهم العنيف وأنْ نرتاح من كل ذلك"[4].
وحرر حملة الرسالة أمما أخرى من الرِّق الاجتماعي والاضطهاد الديني. كان حملة الرسالة قلةً عدداً، لكن عظمة رسالتهم فتحت لهم نفوس الشعوب فسهل عليهم دَحْرَ العدو بحد السيف، سيف قرين القرآن وخادمه. ينقل كارودي عن إكناسيو ألاكي قوله: "كيف أمكن لحفنة من عرب الجزيرة أن يفرضوا لغتهم ودينهم على خمسة عشر مليونا من سكان بَلَدٍ امتداده ستمائة ألف كلمتر مربع؟"[5]. يقصد شبه الجزيرة الإيبيرية التي فتحها طارق بن زياد.
خرجت الرسالة العظيمة من صحراء العرب القاحلة بعد أن أخصبت قلوب البدو الجُفاة، فإذا هم بنعمة الله إخوان. ثم انطلقوا بها يُخَصِّبُون المجتمعات البشرية، يخرجون الناس من عبودية العباد لعبادة الله، يعلمون الإنسانية نَمطاً جديدا عاليا من الأخلاق والرحمة والعدل والسياسة. قال ربعي بن عامر رضي الله عنه على بساط رستم قولته الخالدة: "الله ابتعثنا ليخرج بنا من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. ومن ضيق الدنيا إلى سَعَتِها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإسلام"[6]. والمستضعفون في الأرض تحت ظلم الجاهلية المعاصرة وضيقها واستعبادها ينتظرون حملة الرسالة جندَ الله ليحرروهم ويؤاخوهم.
[1] المائدة: 3
[2] الفتح: 28
[3] دعوتنا في طور جديد
[4] كتاب "بشائر الإسلام" لكارودي ص37. (طبعة لوسوي الفرنسية)
[5] نفس المصدر
[6] تاريخ الطبري رحمه الله
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس