عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشاعر الشيخ يوسف النبهاني

لذلك لاغرابة أن نجد شيوخ وشعراء عصره أن يمدحوه، ومنهم الشيخ الشاعر أبو الإقبال "سليم اليعقوبي" بقوله:

ليوسف الفضل لا للقائمين على
هدم الشريعة من قاص ومن دان

فصفه بالعلم لا تخش العداة وقل
إن ابن هاني والنبهان سيان

إن ساءني أدبي أو حط بي حس
أو حاربتني صروف العالم الفاني

هززت فيه يراعا قام يشكره
شكر الرياض نداها الحاسد الشاني
.
لقد كان المدح والثناء والتقريظ والرسائل المتبادلة بين الكتاب والشعراء من المقومات البارزة في مضامين شعر هذه المرحلة، لذلك لا غرابة إذ نجد الشيخ النبهاني يكتب للشدياق مادحا ومثنيا على أدبة وفكره ومدافعا عنه أمام اعدائه، داعما رأيه بالحجة والمنطق والبرهان:

يا فكر مالك حاجة في وصفها
عد للمديح فإن ذلك أحمد

الفاضل اللسن الذي ببيانه
وبنانه عقد القريض منضد

أم القوافي حول كعبة فضله
في الطرس إما ركع أو سجد

تلك الكواكب لا أذم شروفها
لكن لدى أشعاره لا تحمد

كلا ولست ألومها لماغدت
لكلامه المحسود ممن يحسد

نظم ونثر صادران عن امرئ
هو للفضائل والفواضل مورد

يا أيها المولى الذي من فكره
سهم على كبد البغيض مسدد

ومن الدفاتر والمحاضر لم تزل
بثبوت دعواه المعالي تشهد

الله قلدك المعارف والورى
قد قلدوك بها فأنت مقلد

ويعلق د. عبد الرحمن ياغي على هذه القصيدة في هذه المرحلة فائلا " نحن إزا صورة جديدة من صور التقريظ تمضي فيه شوطا أبعد من الرسائل التي عهدناها، وتتعرض للجانب المعارض فتقذفه بسهامها، وتكاد أن تضع يدها على صور متماسكة من صور النقد فتحاول أن تدعم رأيها بالحجة، فتعرض لاتجاه الشدياق وفكرته، ولكنها ما كادت تبلغ هذا المبلغ حتى ارتدت بحكم قيود العصر، ومفاهيم الجيل فترجع بالفكر عن وصف الفكرة والمزايا إلى المديح والثناء، ولكنها على كل حال نفس جديد، ورصانة تشعرنا برصانة المتنبي، وتماسك في الصور، ومتانة في التعبير تكاد تبعد بنا عن مطلع النهضة إلى العصر العباسي، دون أن نحس تقليدا واضحا، وطول نفس لا نسمع فيه لهاثا " .
إذن نحن إزاء مرحلة لها تقاليدها الأدبية ومناخها الثقافي ومقوماتها النقدية ، وبالتالي كان النبهاني يمثل ظاهرة من ظواهر التجديد ، وملمحا من ملامح النهضة الفكرية والادبية ، ورائدا من روادها، ضمن تقاليد المرحلة وأعرافها النقدية والأدبية.
وكانت المعارضات الشعرية سمة بارزة من سمات شعر تلك المرحلة ، وكان للنبهاني نصيبه في تلك المعارضات الشعرية ، فقد عارض البوصيري في همزيته بهعمزية بلغت ألف بيت من الشعر، كما عارض "كعب بن زهي" في قصيدته "بانت سعاد" بقصيدة "سعادة المعاد في موازنة بانت سعاد" وعدد أبياتها مائة وخمسون بيتا، وقد أوردنا بعض الشواهد من القصيدتين، "وفي الكلام على كتب ابن تيمية يذكر النبهاني أنه مثل ابن حزم لم يسلم من قلمه أحد، وحين اعترض عليه الإمام السبكي ببعض بدعه تصدى للتشنيع على السبكي شخصان على عقيدة ابن تيمية نظم كل منهما في ذلك قصيدة طويلة في أكثر من مائة بيت.. والقصيدتان مطبوعتان في أخر كتاب (منهاج السنة)، فرأى الشيخ يوسف النبهاني أن ينتصف منهما ويقابلهما بعملهما، فنظم قصيدة يعارض بها قصيدتيهما.. وقد أثبت فيها استحالة الجهة على الله تعالى بدلائل ظاهرة، وتعرض لجواز الستغاثة وشد الرحال لزيارة الرسول بمالا يأباه عقل ولا يمنعه نقل بقصيدة مطلعها:

الحمد لله حمدا أستعد به
لنصرة الحق كي أحظى بمطلبه

والقصيدة طويلة تزيد على مائة وخمسين بيتا ، وهي صورة جدلية تجنح إلى علم الكلام في هذه المرحلة " ، وكان النبهاني قد حمل على بعض الأعلام والشخصيات الإسلامية وشنع عليهم.
ويقول الزركلي: "للنبهاني كتب كثيرة خلط فيها الصالح بالطالح، وحمل على أعلام الإسلام كابن تيمية وابن القيم حملات شعواء، وتناول مثل الإمام الالوسي المفسر، والشيخ محمد عبده ، والسيد جمال الدين الافغاني، وآخرين" ، وكان ذلك من الأخطاء الفاحشة التي أوقع النبهاني فيها نفسه، وجعله عرضة للنقد، فما كان ينبغي لرجل مثل النبهاني الذي عاش حياة دينية تعلم فيها القرآن على يدي والده، وأكمل تعلبمه في الأزهر الشريف ، ونهل من علمه الغزير، واكتسب كل تلك المعارف والعلوم الدينية، التي أوصلته إلى إلى أعلى المناصب في حياته، أن يقع في مثل تلك الأخطاء التي أوقع نفسه فيها، وأن يتعرض للفقهاء والمفسرين وعلماء الإسلام الأجلاء بالنقد والتشنيع، وهو الذي هام في حب رسول الله وهام في حب صحابته الأخيار وهام في حب دينه هياما شديدا، ووقف معظم مؤلفاته على المدائح النبوية والتأريخ لسيرة رسول الله والخلفاء الراشدين والصحابة الكرام، وجعل من نفسه حسان بن ثابت في دفاعه عن الإسلام والمسلمين والرد على المخالفين للدين واعدائه.


ــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: تجمع الادباء والكتاب الفلسطينين
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس