عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الثالث عشر

اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ان ثباتكم وصلابتكم تبطل جميع خطط الماسونيين والمنافقين وتجعلها بائرة عقيمة.
نعم يا اخوتي، لاداعي للاخفاء، ان اولئك الزنادقة قد قاسوا رسائل النور وطلابها بالطرق الصوفية ولا سيما بالطريقة النقشبندية. فقد شنوا هجومهم علينا بالخطط نفسها التي غلبوا بها اهل الطرق الصوفية أملاً بأن يفرّقونا ويهوّنوا من شأننا. فقد استعملوا:
_____________________
1 قرية ساو: قرية قريبة من منفى الاستاذ النورسى «بارلا». واهالى هذه القرية شيباً وشباباً رجالاً ونساءاً خدموا الايمان عن طريق نشر رسائل النور واستنساخها. المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 358
اولاً: وسائل التنفير والتخويف وابراز اعمال اسيئ استعمالها في المسلك.
ثانياً: اشهار واعلان نقائص وتقصيرات اركان ذلك المسلك ومنتسبيه.
ثالثاً: ان الوسائل التي استعملوها تجاه الطريقة النقشبندية والطرق الاخرى، وهي اشاعة الفساد بالفلسفة المادية، ونشر سفاهة حضارتها الفتانة، وتذليل متعها المخدرة المسمومة لتحطيم عرى التساند، وأواصر الاخوة فيما بينهم مع الحط من شأن استاذهم ومرشدهم بالاهانات، وتهوين شأن مسلكهم لديهم بايراد دساتير العلم والفلسفة.. هذه الوسائل والاسلحة هي التي يستعملونها لدى هجومهم علينا ايضاً.. الاّ انهم انخدعوا، لان مسلك (رسائل النور) قد اسس على الاخلاص التام، وترك الانانية، واستشعار الرحمة الإلهية في زحمة الاعمال ومشقاتها، وتحرى اللذائذ الباقية وتذوقها في ثنايا الالام العابرة، واظهار الآلام المبرحة في لذائذ السفه نفسها، وبيان ان مدار اللذة الخالصة غير المتناهية في الدنيا ايضاً هو في الايمان. فضلاً عن قيامها بتعليم الحقائق، وتفهيم المسائل التي تعجز الفلسفة أياً كانت ان تبلغها.
لذا ستخيب آمالهم، وتبوء خططهم بالاخفاق باذن الله،وسيجابهون بــ : ان مسلك رسائل النور لايقاس مع الطرق الصوفية. ويبهتون.
* * *
لطيفة:
ناداني احدهم صباحاً من قاعة الجندرمة المجاورة لي. فصعدت الشباك.
فقال: ان باب قاعتنا قد انسد من تلقاء نفسه، ولا نقدر على فتحه مهما حاولنا..
قلت: هذه اشارة لكم بأن الذين تراقبونهم وتسدون عليهم الباب، فيهم ابرياء امثالكم. فلقد اهانوني بحجة لقاء لدقيقة واحدة مع احد اخوتي في الدين لم اره منذ عشر سنوات وسدّوا حتى الباب الخارجي الآخر بحجة اخرى، فانسد بابكم عقاباً لذاك.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 359
اخوتي الاعزاء!
كنت اصرف منذ سنة من كيلو من الشعرية والرز، ولم تبق لى شبهة ان فيها بركة عظيمة. الاّ انكم الآن لاتدعوني لأطبخ بنفسي، لذا اقدمها لكم هدية مباركة.
ولقد شاهدت مرة بركة خارقة من تلك الشعرية فقد كنت اجفف حباتها بعد الطبخ. وشاهدت - انا وآخرون - ان كلاً من حباتها كانت تطول الى عشرة امثالها.
* * *

اخوتي الاعزاء!
كان الحراس وغيرهم يسمعونني عندما كنت منشغلاً هذه الليلة بقراءة الاوراد، فخطر للقلب: ألا ينقص هذا الاظهار من الثواب؟ فقلقت واضطربت ولكن خطر بالبال قول حجة الاسلام الامام الغزالي الذى يقول: رب إظهار خير من إخفاء.
اي ان قراءة الاوراد علناً، فيها: استفادة الاخرين أو تقليدهم أو تنبيههم من الغفلة أو اظهار العزة الدينية بما يشبه من اعلان للشعائر الاسلامية امام الضال السادر في السفاهة، وغيرها من الفوائد.. ولاسيما في هذا الزمان. فلا يدخل الرياء في اعمال الذين تعلّموا دروس الاخلاص تعليماً تاماً، بل هو افضل من الاخفاء بكثير، بشرط عدم تدخل التصنع. وهكذا وجدت السلوان من هذا الكلام.
وعندما استدعاني حاكم التحقيق قبل يومين كنت افكر في كيفية الدفاع عن اخواني، وفتحت كتاب "الحزب المصون" للامام الغزالي واذا بالآيات الكريمة الآتية تلفت نظري:
(إنّ الله يُدافِعُ عَن الَّذينَ آمَنُوا.....) (الحج: 38)
(يَسْعى نُورُهم بَينَ أيْديهِم وَبايْمانِهم .....) (الحديد: 12)
(الله حَفِيظٌ عَليهِم.....) (الشورى: 6)
الشعاع الثالث عشر - ص: 360
(طُوبى لَهُم.....) (الرعد: 29)
(رَبَّنا اتْمِم لَنا نُورَنا وَاغْفِر لَنا .....) (التحريم: 8)
* * *
اخوتي الاعزاء الصدّيقين !
ان الذين اجتازوا الامتحان الشديد في هاتين المدرستين اليوسفيتين - القديمة والجديدة 1 - ولم يتزعزعوا، ولم يدعوا درسهم الايماني، ولم يتخلوا عن صفة الطالب مهما كانت الظروف، ولم تنل من معنوياتهم هذه الكثرة الهائلة من الهجمات.. ان هؤلاء يرحب بهم الملائكة والروحانيون، كما سيرحب بهم أهل الحقيقة والجيل المقبل. فأنا مقتنع بهذا، ولكن الضيق المادي شديد لوجود المرضى والفقراء المساكين فيما بينكم. فتجاه هذا الأمر، ليكن كلٌ منكم مسلياً لكلٍ من اولئك، وقدوة حسنة له في الصبر والاخلاق، وأخاً شفيقاً عليه في التساند واللطف، ومخاطباً ذكياً ومجيباً عن اسئلته اثناء الدرس الايماني، ومرآة صافية لانعكاس السجايا الفاضلة.. وعندئذٍ تجدون المضايقات قد ولّت واضمحل السأم وتلاشى الضجر. نعم! هكذا أتصور الأمر وأتسلى به يا اخوتي يا من أحبهم أكثر من روحي.
سأرسل لكم يوماً جبة مولانا خالد (قدس سره) 2 والتي عمرها مائة وعشرون سنة. فكما انه قد البسنيها فانا بدوري سارسلها اليكم متى شئتم، ليلبسها كلًٌ منكم باسمه.
لقد اجرى الطبيب عليّ لقاح الجدري في بداية مجيئنا هنا. فتورمت الذراع، وتسرب الورم الى الاسفل حتى لا يدعنى ان انام، ويزعجنى اثناء الوضوء. ترى هل ان جسمي لا يتحمل التطعيم بالجدرى ام هناك معنى آخر في الامر؟ وقد اخذت

_____________________
1 المقصود: سجن "اسكى شهر " و "دنيزلى ". المترجم.
2 هو ابو البهاء ضياء الدين المشهور بمولانا خالد الشهرزوري (1190 - 1242هـ) مجدد عصره، من ائمة الطريقة النقشبندية، فاق علماء عصره فى العلم والتقوى، ربّى كثيراً من الاولياء. تلقى الدرس من عبدالله الدهلوى. توفى فى الشام. وجبته هذه ورثتها السيدة "آسيا " واحتفظت بها حتى اهدتها الى احد طلاب النور فى "اسبارطة " ليسلّمها هدية الى الاستاذ النورسى الذى احتفظ بها حتى وفاته.- المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 361
التطعيم بالجدري قبل عشرين عاماً في "آنقرة" ويلتهب موضع التطعيم الى الآن بين حين وآخر، ويزعجني. فأخشى ان يكون هذا كذلك مثله، فكيف الأمر عندكم؟.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ان حكمة واحدة لسوق عدالة القدر الإلهي ايانا الى المدرسة اليوسفية لـ"دنيزلي" هو حاجة المسجونين فيها واهاليها وربما موظفيها ومأموري دائرة العدل، الى رسائل النور والى طلابها اكثر من اي مكان آخر. وبناءً على هذا فقد دخلنا امتحانا عسيرا بوظيفة ايمانية واخروية، اذ ما كان الاّ واحداً او اثنين من كل عشرين او ثلاثين مسجوناً يؤدون صلاتهم ويوفون حقها من تعديل الاركان، ولكن ما ان دخل اربعون اوخمسون طالباً من طلاب النور وكلهم يؤدون صلاتهم اداءً تاماً دون استثناء إلاّ كان لهم درساً بليغاً وارشاداً فعلياً بلسان الحال، بحيث يزيل هذا الضيق والضجر والرهق بل قد يحببه. فمثلما يرشد طلاب النور الى هذا الامر بافعالهم واحوالهم، نأمل من رحمته تعالى ان يجعلهم بما يحملون من ايمان تحقيقى في قلوبهم، قلعة حصينة، ينقذون بها اهل الايمان من سهام شبهات اهل الضلال.
انه لاضير مما يفعله اهل الدنيا من منعنا عن مخاطبة الآخرين ولقائهم؛ اذ لسان الحال أبيَن من لسان المقال واكثر تأثيراً منه.
فما دام دخول السجن هو لأجل التربية، فإن كانوا يحبون الامة حقاً فليسمحوا بلقاء المسجونين مع طلاب النور كي يحصلوا في شهر واحد بل في يوم واحد على التربية المرجوة حصولها في اكثر من سنة. وليصبح اولئك المسجونون افراداً نافعين للبلاد والعباد وينقذوا مستقبلهم وآخرتهم.
لو كان عندنا رسالة "مرشد الشباب" لكانت تنفع كثيراً. نسأل الله ان ييسر دخولها هنا.
سعيد النورسي
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 362
اخواني الاعزاء الصديقين!
تذكرت اليوم ما جرى من الحوار المعروف لديكم حول "الشيخ ضياء الدين" 1 بيني وبين أخي الكبير المرحوم "الملا عبد الله" 2. ثم فكرت فيكم. وقلت في قلبي:
ان الذي يظهر ثباتاً الى هذه الدرجة في هذا الزمان الذي قلما يثبت فيه أحد، هؤلاء الاتقياء المخلصون والمسلمون الجادون الذين لا يتزعزعون في دوامة هذه الاحوال المحرقة المؤلمة، أقول: لو رفع الحجاب - حجاب الغيب - وبدا لي كل منهم في درجة الأولياء الصالحين بل حتى لو ظهر في مرتبة القطبية فلا يزيد شئ في نظري عنهم ولا اغير ما اوليهم من اهتمام وعلاقة ما اوليه في الوقت الحاضر الاّ قليلاً، وكذلك لو بدوا لي اشخاصاً اعتياديين من العوام، فلا أنقص أبداً مما امنحهم في الوقت الحاضر من قيمة كريمة ومنزلة رفيعة.
هكذا قررت، ذلك لأن خدمة انقاذ الايمان في مثل هذه الأحوال الصعبة والشروط القاسية هي فوق كل شئ.
فالمقامات الشخصية والمزايا التي يضفيها حسن الظن على الاشخاص تتزلزل وتتصدع في مثل هذه الاحوال المضطربة المزعزعة فيقل حسن الظن وبدوره المحبة، زد على ذلك ان صاحب الفضيلة والمزية يشعر بضرورة التصنع واالتكلف والوقار المصطنع كي يحافظ على مكانته في نظرهم.
فشكراً لله بما لا يتناهى من الشكر، اننا لا نحتاج الى مثل هذه التكلفات المصطنعة الباردة.
سعيد النورسي
* * *
_____________________
1 من الاولياء الصالحين المشهورين في شرقى تركيا، وهو والد الشيخ "معصوم". والمحاورة المذكورة ستورد مفصلة في "الملاحق" باذن الله.- المترجم.
2 الملا عبدالله: هو الاخ الكبير للاستاذ النورسى ودرّسه ايام صباه ثم تتلمذ عليه بعد ان شاهد نبوغه. المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 363
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ابارك لكم الليالي العشر بكل روحي وقلبي وعقلي. ونسأله تعالى ونأمل من رحمته الواسعة ان تكسبنا مكاسب عظيمة جداً وفق ما بيننا من اشتراك معنوي.
لقد رأيت الليلة فيما يرى النائم انني قد أتيتكم، وما ان بدأت أصلي بكم اماماً حتى استيقظت. وفي الوقت الذي اتوقع تحقق رؤياي - حسب تجاربي - اذا بأخوين اثنين من اخواننا الميامين في قرية "ساو" و"حوما" 1 قد أتيا، تعبيراً عن الرؤيا باسمكم جميعاً. فسررت كثيراً وكأنني قد التقيتكم جميعاً.
اخوتي!
على الرغم من ان هذا الوضع - السجن - قد سبب نوعاً من التوجس والخيفة ازاء رسائل النور لدى الموالين - للحكومة - ولدى قسم من الموظفين، الاّ انه سبّب في المعارضين جميعاً ولدى اهل الدين والموظفين ذوي العلاقة اهتماماً واشتياقاً نحوها.
لا تقلقوا يا اخوتي ستسطع تلك الانوار. 2
* * *

اخوتي الاعزاء !
انني اخال ان الرسالة الصغيرة التى اثمرها سجن " دنيزلى" ستكون دفاعنا الحقيقي والاخير، لأن الخطط المنصوبة للقضاء علينا سابقاً والناشئة من اوهام وشكوك اثيرت ضدنا منذ سنة، قد صممت على نطاق واسع، وهي: العمل لطريقة صوفية.. انهم منظمة سرية.. واداة لتيارات خارجية.. إثارة المشاعر الدينية واستغلالها في سبيل السياسة، والسعي لهدم الجمهورية والتعرض للدولة واخلال أمن البلاد.. واشباهها من الحجج التي لا اساس لها من الصحة. لذا شنوا هجومهم علينا.
_____________________
1 حوما: قرية قريبة من بارلا - المترجم.
2 انتبه يااخي! بينما كانت جميع اسباب العالم فى سجن «دنيزلى» تستهدف الاستاذ ظاهراً فيساق الى المحاكم ويقرر بحقه احكام الاعدام، يقول الاستاذ: لا تقلقوا يا اخوتى ستسطع تلك الانوار. فانظر كيف تحقق هذا الكلام.- (طلاب النور).

الشعاع الثالث عشر - ص: 364
فـلله الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد والشكر، اصبحت خططهم بائرة وباءت بالاخفاق، اذ لم يجدوا في هذا الميدان الواسع وبين مئات من الطلاب ومئات من الرسائل والكتب طوال ثماني عشرة سنة سوى ابحاث في حقيقة الايمان والقرآن وتحقق الآخرة والسعي للسعادة الابدية، لذا بدأوا يتحرون عن حجج تافهة جداً ليستروا بها خططهم.
ولكن ازاء احتمال الهجوم علينا باستغفال بعض اركان الحكومة والتغرير بهم واثارتهم علينا من قبل منظمة ملحدة رهيبة متسترة تعمل حالياً عملاً مباشراً في سبيل الكفر المطلق، فان رسالة "الثمرة" الواضحة كالشمس والمزيلة للشبهات والاوهام، والراسخة رسوخ الشم العوالي، تكون أقوى دفاع لنا تجاههم، وسوف تسكتهم باذن الله.
واحسب انها كتّبت لنا لأجل هذا.
سعيد النورسي
* * *
اخوتي!
على الرغم من ضيق مكانكم ضيقاً شديداً، فان قلوبكم أوسع من ذلك الضيق، فضلاً عن ان لكم حرية اكثر مما عندنا.
اعلموا يا اخوتي! ان أهم اساس لقوتنا ونقطة استنادنا هي: التساند. واياكم النظر الى تقصيرات بعضكم البعض، مما يولده الانفعال في الاعصاب من جراء هذه المصائب. فالشكاوى هي بمثابة الاعتراض على القدر الإلهي، فلا يقولن أحدكم: لو لم يكن كذا لما حدث هكذا. ولايغضب بعضكم على البعض الآخر. فلقد علمت انه لانجاة ولاحيلة لنا من هجوم هؤلاء. فكانوا يهجمون علينا مهما كنا نعمل. وماعلينا الاّ ان نقابلهم بالصبر والشكر والرضى بالقضاء الإلهي والتسليم بقدره، لتمدنا العناية الإلهية.
فينبغي لنا ان نسعى لكسب الثواب العظيم والحسنات الكثيرة في زمن قليل وبعمل قليل. دعواتنا الخالصة بسلامة اخواننا هناك.
* * *
الشعاع الثالث عشر - ص: 365
اخواني الاوفياء الصادقين !
ان لقاء الاصدقاء ومجالسة الاخوان منبعٌ ثرٌ للسلوان، لما يعاني منه الانسان من سرعة تبدل هذه الحياة الدنيا، ومن زوالها وفسادها، ومن فنائها وفناء متعها التي لا تجدي شيئاً، ومن صفعات الفراق والافتراق التي تنزلها بالانسان ..
نعم! قد يقطع انسان مسافة عشرين يوماً ويصرف مائة ليرة لاجل لقاء اخيه لساعات معدودة.
ففي هذا الزمان العجيب الذي قلما يوجد فيه صديق صدوق، لاتعد هذه المشقات والمصاعب التي نزلت بنا مع ضياع الاموال ذات اهمية تذكر ازاء رؤية اربعين او خمسين من الاصدقاء الصادقين والاخوة المخلصين دفعة واحدة طوال شهرين من الزمان، ومجالستهم ومحاورتهم في سبيل الله، والتسلي بهم وتسليتهم تسلية حقيقية.
فانا شخصياً كنت ارضى بهذه المصاعب والمشقات رجاء رؤية واحد من اخوتي هنا فحسب بعد فراقي عنهم عشر سنوات.
اعلموا ان الشكوى اعتراض على القدر والشكر تسليم له.
ثقوا يا اخواني؛ انه لو حضر الأجل الآن، وتوفيت، لاستقبلته براحة قلب وانشراح صدر، لانني على قناعة تامة من ان فيكم (سعيدين) كثيرين شبان أقوياء ثابتين سيتولون القيام بمهمة (رسائل النور) والدفاع عنها وحمايتها ووراثتها، أفضل بكثير من هذا (السعيد) الضعيف العجوز العاجز المريض.
* * *

اخواني الأوفياء الصادقين الاعزاء!
لما كنتم قد ارتبطتم بـرسائل النور نيلاً لثواب الآخرة، واداءً لنوع من العبادة، فلا شك ان كل ساعة من ساعاتكم - تحت هذه الشروط والأحوال الصعبة - تصبح في حكم عبادة عشرين ساعة، والعشرين ساعة من العمل في خدمة القرآن والايمان - لما
الشعاع الثالث عشر - ص: 366
فيها من جهاد معنوي - تكسب أهمية مائة ساعة، والمائة ساعة التي تمضي في لقاء مجاهدين حقيقيين من اخوة طيبين - كل منهم يعادل في الأهمية مائة شخص - وعقد أواصر الأخوة معهم، وامدادهم - بالقوة المعنوية - والاستمداد منهم، وتسليتهم والتسلي بهم، والاستمرار معهم في خدمة الايمان السامية بترابط حقيقي وثبات تام، والانتفاع بسجاياهم الكريمة، وكسب أهلية الطالب في مدرسة الزهراء بالدخول في مجلس الامتحان هذا، في هذه المدرسة اليوسفية، وأخذ كل طالب قسمته المقسومة له قَدَراً، وتناوله رزقه المقدّر له فيها، نيلاً للثواب.. تستوجب الشكر على مجيئكم الى هنا، والتجمل بالصبر وتحمل جميع المشقات والمضايقات مع التفكر في الفوائد المذكورة.
سعيد النورسي
* * *

اخوتي !
انني ارغب قلباً في ان يظهر هنا من "قسطموني" وما جاورها، كما ظهر من "اسبارطة" وحواليها ابطال ميامين ثابتون ثبات الحديد والفولاذ (امثال خسرو 1 والحافظ علي). فـلله الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد الشكر فقد حققت ولاية "قسطموني" امنيتي تحقيقاً تاماً، فأمدتنا بعديدٍ من الابطال.
تحياتي الى الاخوة جميعاً الذين يدورون دوماً في خيالى فرداً فرداً ممن لم اكتب اسماءهم، وادعو لهم بالسلامة والامان.
* * *
_____________________
1 خسرو: كان فى مقدمة الذين استنسخوا المئات من الرسائل ونشروها فى احلك الظروف، وقضى معظم حياته مع استاذه فى سجون اسكى شهر ودنيزلى وآفيون وهو الذى كتب مصحفاً بتوجيه من الاستاذ النورسى لاظهار الاعجاز في التوافقات اللطيفة لاسم الجلالة في الصفحة الواحدة. ولد في اسبارطة سنة 1899 وتوفي في استانبول سنة 1977م رحمه الله رحمة واسعة.- المترجم.

الشعاع الثالث عشر - ص: 367
اخوتي الاعزاء الصادقين الاوفياء الثابتين!
ابيّن حالة من احوالي لكم لا لأجعلكم تتألمون عليّ ولا لتحاولوا اخذ التدابير المادية اللازمة، بل لأستفيد من اكثار دعواتكم حسب قاعدة توحيد المساعى المعنوية، وللاستزادة من ضبط النفس وأخذ الحذر والتحلي بالصبر والتحمل والحفاظ على ترابطكم الوثيق.
ان ما اقاسيه هنا من عذاب وعنت في يوم واحد، ما كنت اقاسيه في شهر في سجن "اسكى شهر". لقد سلط الماسونيون الرهيبون عليّ ماسونياً ظالماً، كي يجدوا مبرراً من قولي: "كفى الى هذا الحد" النابع من حدّتي وشدة غضبي إزاء تعذيبهم اياي، فيستغلوا هذا القول ويجعلوه سبباً لتعدياتهم الجائرة ويستروا تحته اكاذيبهم.
انني أصبر شاكراً، واعدّه أثراً خارقاً من آثار إحسان إلهي، وقررت الاستمرار على الصبر والشكر. فما دمنا مستسلمين للقدر الإلهي، وهذه المضايقات التي نشعر بها تعدّ وسيلة لكسب ثواب اكثر ونيل أجر أكبر، وذلك بمضمون القاعدة: "خير الأمور أحمزها" 1 لذا نعتبرها من هذه الناحية نعمة معنوية.
ثم ان المصائب الدنيوية الزائلة تنتهي بالافراح والخيرات على الأكثر. ونحن مقتنعون قناعة تامة بحق اليقين اننا قد نذرنا حياتنا على حقيقة جليلة اسطع من الشمس، وجميلة كجمال الجنة، وحلوة لذيذة كلذة السعادة الأبدية. لأجل ذلك ما ينبغي ان يصدر منا الشكوى قط بل تدفعنا هذه الأحوال الصعبة الى ان نقول: نحن في جهاد معنوي نعتز به ونشكر ربنا الكريم الذي تفضل به علينا.
* * *
اخوتي الاعزاء!
ان اول ما نوصيه وآخره: الحفاظ على الرابطة فيما بينكم، والحذر من الانانية والغرور والمزاحمة، مع أخذ الحذر وضبط النفس.
سعيد النورسي
* * *
_____________________
1 اي اقواها واشدها (انظر كشف الخفاء 1/155) - المترجم.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس