الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #49
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صيقل الإسلام


صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 520
الحادثات والوقائع المتسلسلة أمثال القطار والمنطاد والسيارات الالهية فكأنها سفائن برية وفلك بحرية وطائرات هوائية خلقتها يد القدرة الالهية بنظام وحكمة.
فكما ان للقدرة الالهية في عالم الشهادة وفي عالمنا المادي امثال هذه، فان لها في عالم الارواح والمعنويات نظائر متسلسلة أعجب، يصدّق بها كلُ مَن يملك عقلاً، بل يرى اغلبَها كلُّ مَن يملك بصيرة.
فهذه الامور المتسلسلة المترابطة في الكون سواءٌ منها المادية أو المعنوية تهاجم أهل الضلال الذين حُرموا من الايمان وتهددهم وترهبهم وتحطّم قواهم المعنوية، بينما لاتخيف اهل الايمان ولا تهددهم بشئ بل تبعث فيهم السرور والسعادة والانس والأمل والقوة، وذلك لأنهم يرون الوجود بنور الايمان، وتلك الحوادث المتسلسلة، وتلك القاطرات المادية والمعنوية والعوالم السيارة، انما تساق الى وظيفة معينة محددة من قبل صانع حكيم لتؤديها ضمن نظام وحكمة من دون اختلاط ولا تجاوز قط.
فيُري الايمان المؤمنَ: أن كل شئ ينال قبساً من تجليات جمال الله واتقان صنعته سبحانه، ويمنحه قوة معنوية عظيمة بما يفتح له من نماذج للسعادة الابدية.
وهكذا فان ما يعانيه اهل الضلال من الآلام الرهيبة الناشئة من فقدان الايمان، وما يلازمهم من خوف ورعب شديدين، تقف ازاءه جميع انواع الرقي البشري عاجزة لاتمنح له سلواناً ولا عزاءً، بل لا يمكنها ان تضمن له قوة معنوية، فتتحطم الجرأة والإقدام.. إلاّ ما تخدعه الغفلة من إسدال ستار النسيان عليها.
أما أهل الايمان فلا ترهبهم تلك الحادثات ولا تأخذ من معنوياتهم؛ وذلك بفضل الايمان - بمثل ذلك الصبي - بل تزيد معنوياتهم صلابة، اذ ينظرون اليها- أي الى الحوادث - من خلال حقيقة ايمانهم فيشاهدون ارادة الصانع الحكيم وادارته وتدبيره اياها ضمن حكمته الواسعة. فيتحررون من المخاوف والاوهام، اذ يعلمون أنه: لولا امرُ الصانع الحكيم وإذنه لما استطاعت هذه العوالم السيارة الحركة قط. فينالون بهذا اطمئناناً يسعدهم في الدنيا كذلك، كل حسب درجته.
ومن لم يكن في قلبه ووجدانه بذرة هذه الحقيقة النابعة من الايمان والدين الحق، ولم يستند الى ركيزة، فمثله كمثل ذينك البطلين المشهورين، اذ تنهار قواه المعنوية بمثل تحطم جسارتهما وبطولتهما. ويكون أسير حادثات الكائنات فيتفسّخ وجدانـه ويصبح كالمتسول الذليـل بإزاء كل حادثة.



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 521
نكتفي بهذا القدر لبيان هذه الحقيقة الواسعة حيث بينّت "رسائل النور" بحججها الدامغة ان هذا السر كامنٌ في الايمان بينما الضلالة تحمل شقاءً وتعاسة في الدنيا ايضاً.
ان الانسان الذي أحسّ في هذا العصر بحاجته الماسة الى قوة معنوية وصلابة وثبات والى عزاء وسلوان، قد ترك حقائق الايمان التي هي اعظم ركيزة استناد له والتي تضمن له القوة المعنوية والسلوان والسعادة، واستهواه التغرب فاستند الى الضلالة والسفه، فبدلاً من أن يستفيد من الملية الاسلامية اخذ يحطم القوة المعنوية تحطيماً كاملاً، فازال عنه السلوان واوهن صلابته بانسياقه وراء الضلال والسفه والسياسة الكاذبة. ألا ترى أن هذا بعدٌ شاسع عن مصالح الانسان ومنافعه؟ ألا ان الانسانية ستدرك يوماً - إن بقي لها من العمر بقية - حقيقة القرآن، وستعتصم به، وفي مقدمتها المسلمون.
* * *

لقد سأل قسم من النواب المتدينين سعيداً القديم اوائل عهد الحرية:
- انك تجعل السياسة تابعة للدين في كل شئ، بل تجعلها وسيلة منقادة للشريعة، ولا تقبل الحرية الاّ على اساس الوجه المشروع، بمعنى انك لا تعترف بالحرية والمشروطية بدون الشريعة، ولأجل هذا جعلوك في صفوف المطالبين بتطبيق الشريعة في حادثة (31) مارت.
فأجابهم سعيد القديم بالآتي:
أجل! انه لا سعادة لأمة الاسلام إلاّ بتحقيق حقائق الاسلام، وإلاّ فلا، ولا يمكن ان تذوق الامة السعادة في الدنيا او تعيش حياة اجتماعية فاضلة إلاّ بتطبيق الشريعة الاسلامية، وإلاّ فلا عدالة قطعاً، ولا أمان مطلقاً. اذ تتغلب عندئذٍ الاخلاق الفاسدة والصفات الذميمة، ويبقى الأمر معلقاً بيد الكذابين والمرائين.
سأعرض لكم ما يثبت هذه الحقيقة في حكاية اوردها نموذجاً مصغراً من بين آلاف الحجج.



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 522
سافر شخص الى قوم من البدو في صحراء. فنزل ضيفاً عند رجل فاضل.. لاحظ انهم لا يهتمون بحرز اموالهم. وقد ألقى صاحب المنزل نقوده في زوايا البيت مكشوفة دون تحفّظ. قال الضيف لصاحب المنزل:
- الا تخافون من السرقة؟ تلقون اموالكم هكذا في الزوايا دون تحرز؟
اجابه:
- لا تقع السرقة فينا!
- اننا نضع نقودنا في صناديق حديد مقفلة، ومع ذلك كثيراً ما تقع فينا السرقة.
- اننا نقطع يد السارق كما أمر به الله تعالى وعلى وفق ما تتطلبه عدالة الشريعة.
- فاذاً كثيرون منكم قد حرموا من احدى ايديهم!
- ما رأيت الاّ قطع يد واحدة، وقد بلغت ُالخمسين من العمر.
- ان في بلادنا يسجن يومياً مايقارب الخمسين من الناس بسبب السرقة، ومع ذلك لا يردعهم ذلك إلاّ بواحد من ألف مما تردعه عدالتكم!
- لقد اهملتم حقيقة عظيمة وغفلتم عن سرّ عجيب عريق، لذا تحرمون من حقيقة العدالة؛ اذ بدلاً من المصلحة الانسانية تتدخل فيكم الاغراض الشخصية والمحسوبيات والتحيز وما الى ذلك من الامور التي تغيّر طبيعة الاحكام وتحرّفها.
وحكمة تلك الحقيقة هي:
ان السارق فينا في اللحظة التي يمد يده للسرقة يتذكر اجراء الحدّ الشرعي عليه، ويخطر بباله انه أمر الهي نازل من العرش الاعظم، فكأنه يسمع بخاصية الايمان بأذن قلبه ويشعر حقيقةً بالكلام الازلي الذي يقول:
(والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما) (المائدة: 38) فيهيج عنده ما يحمله من ايمان وعقيدة، وتثار مشاعره النبيلة، فتحصل له حالة روحية اشبه ما يكون بهجوم يُشن من اطراف الوجدان واعماقه على ميل السرقة، فيتشتت ذلك الميل الناشئ من النفس الأمارة بالسوء والهوى، وينسحب وينكمش، وهكذا بتوالي التذكير هذا يزول ذلك الميل الى السرقة، اذ الذي يهاجم ذلك الميل ليس الوهم والفكر وحدهما وانما قوى معنوية من عقل وقلب ووجدان، كلها تهاجم دفعة واحدة ذلك الميل والهوى فبتذكر الحد الشرعي يقف تجاه ذلك الميل زجرٌ سماوي ورادع وجداني فيسكتانه.



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 523
اجل! ان الايمان يقيم دائماً في القلب والعقل حارساً معنوياً اميناً، لذا كلما صدرت ميول فاسدة عن تطلعات النفس والنوازع والاحاسيس المادية قال لها ذلك الحارس الرادع: محظور.. ممنوع.. فيطردها ويهزمها.
ان افعال الانسان انما تصدر عن تمايلات القلب والمشاعر وهي تنبعث من شدة تحسس الروح وحاجتها، والروح انما تهتز بنور الايمان، فان كان خيراً يفعله الانسان، وإلاّ يحاول الانسحاب ، وعندئذٍ لا تغلبه النوازع والاحاسيس المادية التي لا ترى العقبى!

الحاصل:
ان "الحد" أو "العقاب" عندما يقام امتثالاً للأمر الالهي والعدل الرباني فان الروح والعقل والوجدان واللطائف المندرجة في ماهية الانسان تتأثر به وترتبط به، فلأجل هذا المعنى افادتنا اقامة حد واحد طوال خمسين سنة اكثر من سجنكم في كل يوم! ذلك لأن عقوباتكم التي تجرونها باسم العدالة لايبلغ تأثيرها إلاّ في وهمكم وخيالكم، اذ عندما يقوم احدكم بالسرقة يَرِد الى خياله العقاب الذي ما وضع إلاّ لأجل مصلحة الامة والبلاد ويقول ان الناس لو عرفوا باني سارق فسينظرون اليّ نظرة ازدراء وعتاب، واذا تبين الأمر ضدّي ربما تزجّني الحكومة في السجن.. وعند ذلك لاتتأثرُ الاّ قوته الواهمة تأثراً جزئياً، بينما يتغلب عليه الميل الشديد الى السرقة والنابع من النفس الامارة والاحاسيس المادية - لاسيما ان كان محتاجاً - فلا ينفعه عقابكم لإنقاذه من ذلك العمل السئ. ثم لأنه ليس امتثالاً للأمر الالهي فليس هو بعدالة، بل باطل وفاسد بطلان الصّلاة بلا وضوء وبلا توجّه الى القبلة، أي أن العدالة الحقة والعقاب الرادع انما يكون اذا اُجريت امتثالاً للأمر الالهي وإلاّ فان تأثير العقاب يكون ضيئلاً جداً.
فاذا قست على هذه المسألة الجزئية في السرقة سائر الاحكام الالهية تدرك أن: السـعادة البشرية في الدنيـا مرتهـنـة باجراء العدالة، ولا تنفذ العـدالـة الاّ كما بيّنها القرآن الكريم.
(انتهت خلاصة الحكاية).



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 524
ولقد اُخطر على القلب أنه:
اذا لم يفق الانسان من غفلته بسرعة، ولم يسترشد بعقله، ويفتح ابواب المحاكم لتنفيذ عدالة الله ضمن حقائق الاسلام، فستنفلق على رأسه قيامات مادية ومعنوية ويسلّم السلاح الى الفوضويين والارهابيين ومَن هم امثال يأجوج ومأجوج!
وهكذا فلقد حكى "سعيد القديم" هذه الحكاية لقسم من النواب المتدينين، وأدرجت قبل خمسة واربعين عاماً في ذيل الخطبة الشامية العربية التي طبعت طبعتين في أسبوع واحد.
والآن فهذه الحكاية والتمثيل الاول، انما هما درسان يستفيد منهما النواب المتدينون الافاضل في الوقت الحاضر أكثر من سابقيهم، فنبيّنهما لهم درساً من دروس العبرة 1.
سعيد النورسي
_____________________
1 لقد رجونا من استاذنا ان يدرّسنا في غضون يومين الخطبة الشامية المطبوعة بالعربية، لعدم اتقاننا العربية، فتفضل علينا بشرحها، ونحن بدورنا دوّنا ما قرره علينا، وكان الاستاذ يكرر بعض الجمل ويعيدها كي يرسخها في اذهاننا، ولما كنا قد وجدنا المثال والحكاية الأخيرة واضحة، فقد ابرزناها مقدماً الى الطلاب الجامعيين والنواب المتدينين، ذلك لأن الاستاذ عندما استهل الدرس قال:
»انني اضعكم امامي بدلاً من المعلمين في ذلك القطار، واضع النواب المتدينين حقاً بدلاً من النواب المتدينين الذين سألوني عن الشريعة قبل خمسة واربعين عاماً، هكذا أتصور الأمر واتكلم في ضوئه.
فنحن نبين ما في هذه الرسالة من معانٍ اولاً لأهل المعرفة والتربية والنواب المتدينين، واذا شاؤوا نبين لهم الدروس التي اخذناها من الاستاذ لدى شرحه الخطبة لنا. واذا ارتأوا نطبعها وننشرها.
كنا نودّ ان نأخذ درساً حول السياسة الاسلامية الدائرة في العالم الاسلامي، ولكن لأن الاستاذ قد ترك السياسة منذ خمس وثلاثين سنة، فان هذه الخطبة - التي تمس السياسة - انما هي درس من دروس »سعيد القديم«.

طلاب النور
طاهرى، زبير، بايرام، جيلان،
صونغور، عبدالله، ضياء، صادق،
صالح، حسني، حمزة.



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 525
ذيل الذيل
لتحيا الشريعة الغراء
26شباط 1324 رومي
الجريدة الدينية/ 73
7 مارت 1909م
أيها النواب!
سأقول جملة واحدة موجزة مع أنها طويلة. فارجو ان تلاحظوها باهتمام بالغ، اذ في اطنابها ايجاز وهي:
ان المشروطية والقانون الأساس هما العدالة والشورى وحصر القوة في القانون، مع هذا العنوان أقول:
ان الاسلام وشريعته الغراء هو:
المالك الحقيقي وصاحب العنوان المعظم.. والمؤثر الحق والمتضمن للعدالة المحضة.. ويحقق نقطة استنادنا.. ويرسي المشروطية على اساس متين.. وينقذ ذوي الاوهام والشكوك من ورطة الحيرة.. ويتكفل بمستقبلنا وآخرتنا.. وينقذكم من التصرف في حقوق الله بدون اذن منه، تلك الحقوق التي تضمن مصالح الناس كافة.. ويحافظ على حياة امتنا.. ويظهر ثباتنا وكمالنا ويحقق وجودنا امام الاجانب.. وسحر العقول والاذهان.. وينقذكم من تبعات الدنيا والآخرة.. ويؤسس الاتحاد العام الشامل نهاية المطاف.. ويولد الافكار العامة (الرأي العام) التي هي روح ذلك الاتحاد.. ويحول دون دخول مفاسد المدنية الى حدود حريتنا ومدنيتنا.. وينجينا من ذل التسول من أوروبا.. ويطوي لنا المسافة الشاسعة التي تخلفنا فيها عن الرقي في زمان قصير بناءً على سرّ الاعجاز.. ويرفع من شأننا في زمن قصير بتوحيد العرب والطوران وايران والساميين.. ويظهر الشخصية المعنوية للدولة بمظهر الاسلام..



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 526
ويخلصكم من حنث الأيمان بالمحافظة على المادة الحادية عشرة من القانون الاساس.. ويبطل الظنون الفاسدة التي تحملها اوروبا سابقاً.. ويحملهم على التصديق بان النبي محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء، وان الشريعة خالدة.. ويقيم سداً أمام الالحاد الذي يدمّر المدنية.. ويزيل بصفحته النورانية ظلمة تباين الافكار وتشتت الآراء .. ويجعل جميع العلماء والوعاظ متحدين في سبيل سعادة الامة وتنقية اجراءات الدولة وخداماً للمشروطية المشروعة.. ويؤلف قلوب غير المسلمين ويربطهم به أكثر، فعدالته المحضة رحيمة.. ويجعل اجبن شخص واكثرهم ضعة اشجع وارفع انسان ويعاملهم هكذا.. وينفخ فيهم الشعور بالرقي والتضحية ويحسسهم بحب الوطن.. ويخلصنا من السفاهة التي تهدم المدنية ومن الحاجيات غير الضرورية.. ويبعث فينا النشاط في العمل للدنيا مع تذكر الآخرة والمحافظة عليها.. ويعلمنا الاخلاق المحمودة التي هي حياة المدنية ويفهمنا قواعد المشاعر النبيلة.. ويبرئ ساحتكم ايها المبعوثون من مطالبة حقوق خمسين ألف شخص.. ويظهركم مثالاً مصغراً مشروعاً لاجماع الامة.. ويجعل اعمالكم كأنها عبادة حسب نياتكم الخالصة.. وينجيكم من الجناية التي ترتكب بحق الحياة المعنوية لثلاثمائة مليون من المسلمين..
فاذا ما اظهرتم الاسلام وشريعته الغراء واتخذتموها اساساً لأحكامكم، وطبقتم دساتيرها، فمع اغتنام فوائد الى هذا الحد هل تفقدون من شئ؟ والسلام.
فلتحيا الشريعة الغراء.
سعيد النورسي



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 527
حـقيـقـة

26 شباط 1324م
الجريدة الدينية/70
7 مارت 1909م
نحن منذ الازل داخلون في الجمعية المحمدية، فالتوحيد هو جهة الوحدة والاتحاد فيما بيننا، وقَسَمنا وعهدنا هو الايمان.
فما دمنا موحدين متحدين، فكل مؤمن مكلف باعلاء كلمة الله واعظم وسيلة لاعلاء كلمة الله في زماننا هذا هو الرقي المادي.
اذ الاجانب يسحقوننا تحت تحكمهم المعنوي بسلاح العلوم والصنائع ونحن سنجاهد بسلاح العلم والتقنية الجهلَ والفقرَ والخلاف الذي هو ألد أعداء اعلاء كلمة الله.
اما الجهاد الخارجي فنحيله الى السيوف الالماسية للبراهين القاطعة للشريعة الغراء. لأن الغلبة على المدنيين انما هي بالاقناع وليس بالاكراه كما هو شأن الجهلاء الذين لا يفقهون شيئاً.
نحن فدائيو المحبة لامكان بيننا للخصومة.
فالجمهورية 1 عبارة عن العدالة والشورى وحصر القوة في القانون، أليس من الجناية على الاسلام أن تستجدى الاحكام من اوروبا ولنا شريعة غراء تأسست قبل ثلاثة عشر قرناً؟ ان هذا الاستجداء شبيه بالتوجه الى غير القبلة في الصلاة.
ان القوة لابد ان تكون في القانون وإلاّ فسيتفشى الاستبداد في الكثيرين.
ولابد أن يكون المهيمن والآمر الوجداني قوله تعالى:
(ان الله لقوي عزيز) (الحج: 74). وهذا يكون بالمعرفة التامة والمدنية الكاملة أو بتعبير آخر بالاسلام. وإلاّ سيكون الاستبداد هو المستولي دائماً.
_____________________
1 وضعت هذه الكلمة حديثاً بدلاً من المشروطية الموجودة سابقاً... المؤلف.



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 528
ان الاتفاق في الهدى وليس في الهوى والهوس.
نعم ان الله خلق الناس أحراراً وهم عبيد لله فقد تحرر كل شئ فنحن بامتثالنا الشريعة احرار وبتمسكنا بالمشروطية أحرار ايضاً ولن نتنازل عن المسائل الشرعية ولن نعطيها أتاوة. ان قصور فردٍ عن شئ لا يكون عذراً لقصور آخر.
اعلموا ان اليأس مانع كل كمال.
ان هدية الاستبداد وتذكاره هو: "ما لي أنا..فليفكّر غيري".
احيل الربط بين هذه الجمل الى فكر المطالع الكريم لعدم اتقاني اللغة التركية!!

سعيد النورسي



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 529
صدى الحقيقة

27 مارت 1909م
ان السبيل المحمدي مستغن ٍ عن كل ما يومئ الى الحيلة والشك لأنه منزّه عن الخداع والشبهة.
ثم ان حقيقة واسعة عظيمة محيطة الى هذا الحد - ولا سيما تجاه اهل هذا الزمان - لا يمكن ان تخفى مطلقاً.
وهل يخفى البحر العظيم في كأس؟!
اقول مكرراً أن التوحيد الالهي هو جهة الوحدة في الاتحاد المحمدي الذي هو حقيقةُ اتحاد الاسلام (الوحدة الاسلامية).
اما يمينه وبيعته فهو الايمان.
ومقرّاته واماكن تجمعاته: المساجد والمدارس الدينية والزوايا.
ومنتسبوه: جميع المؤمنين.
ونظامه الداخلي: السنن الاحمدية. والقوانين الشرعية بأوامرها ونواهيها. فهذا الاتحاد ليس نابعاً من العادة وانما هو عبادة.
فالإخفاء والخوف من الرياء. والفرائض لارياء فيها. وأوجب الفرائض في هذا الوقت هو اتحاد الاسلام (الوحدة الاسلامية).
وهدف الاتحاد وقصده تحريك الرابطة النورانية التي تربط المعابد الاسلامية التي هي منتشرة ومتشعبة. وايقاظ المرتبطين بها بهذا التحريك، ودفعهم الى طريق الرقي بأمر وجداني.
مشرب هذا الاتحاد هو: المحبة. وعدوه: الجهل والضرورة والنفاق.
وليطمئن غير المسلمين بأن اتحادنا هو الهجوم على هذه الصفات الثلاث ليس إلاّ. وبالنسبة اليهم فسبيلنا الاقناع. لأننا نعتقدهم مدنيين. واننا مكلفون بأن نظهر



صيقل الإسلام/الخطبة الشامية - ص: 530
الاسلام بمظهر الجمال والحسن المحبوب. لاننا نظن فيهم الانصاف. الا فليعلم المهملون غير المكترثين أنهم لا يحببون انفسهم بالانسلاخ من الدين لأي اجنبي كان. وانما يظهرون انهم على غير هدى ليس الاّ. ومن كان على غير هدى في طريق الفوضوية لا يُحَبّ قطعاً، والذين انضموا الى هذا الاتحاد بعد التدقيق العلمي والبحث والتحري لا يتركونه تقليداً لاولئك حتماً.
نحن نعرض افكار اتحاد الاسلام الذي هو الاتحاد المحمدي ومسلكه وحقيقته للناس اجمعين. ونحن مستعدون لسماع أي اعتراض كان.
جمله شيران جهان بستهء اين سلسله اند
روبه أزحيله جه سان بكُسلد اين سلسله را
أي:
هل يقطع الثعلب المحتال سلسلةً
قيدتْ بها أسد الدنيا بأسرهم
سعيد النورسي
* * *

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس