عرض مشاركة واحدة
قديم 09-06-2008
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الآثار في طيِّها الأنوار



"قال الله تعالى: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض } (1) .


خلق الله الوجود مثل صدفة في طيِّها درَّة، ومن نظر إلى ظاهرها واكتفى، فاته ما فيها من الصفاء. والفكر هو مفتاح الكنـز المكنون، فمن وقف عند حدود الأكوان فقد شاركه في ذلك الحيوان.


خلق الله الكائنات وفي طيِّها آيات، وفوقها تجليات، وفوقها أنوار مجلى الذات...، جعل الله في الإنسان حواسّاً تدرك ظاهر الكون.


ثم جعل في الإنسان قلباً يقرأ آيات الله في الكون، ثم منحه روحاً تسعد بشهود تجليات الأسماء والصفات... ثم منحه الله نفحة قدسية تتنعَّم بأنوار مجلى الذات (2) . وكل إنسان لم يستعد بتلك الحقائق فقد فاته الخير كله.


على نفسه فليبك من ضاع عمره *** وليس له منها نصيبٌ ولا سهم


وقد أشار إلى ذلك العارف بالله تعالى ابن الفارض حيث يقول (3) :


فاجعل حسَّك يتمتع بالكون باعتبار أنه نعمةٌ فيَّاضة من الحق، واجعل قلبك يبحث عن آيات الكون حتى يذعن للقادر الحكيم، لأن معنى الآية قبس من نور البديع، وبارقة من سر البصير السميع، ينبه القلب إلى الحق فيتجول في المملكة الإلهية، فيفر من كون إلى آخر.


=============================================

(1) : سورة يونس – الآية 101.


(2) : المراتب الكلية هي ست مراتب: مرتبة الذات الأحدية، ومرتبة الحضرة الإلهية، وهي الحضرة الواحدية، ومرتبة الأرواح المجرَّدة، ومرتبة النفوس العاملة وهي عالم المثال وعالم الملكوت، ومرتبة عالم الملك، وهو عالم الشهادة، ومرتبة الكون الجامع، وهو الإنسان الكامل الذي هو مجلى الجميع، وصورة جمعيته. وإنما قلنا إن المجالي خمسة والمراتب ست، لأن المجلى هو المظهر الذي تظهر فيه هذه المراتب، والذات الأحدية ليست مجلى لشيء، إذ لا اعتبار للتعدد فيها أصلاً، ...ولا مجلى لأحدية الذات إلا الإنسان الكامل.
انظر: جامع أصول الأولياء وأنواعهم وكلمات الصوفية لسيدي أحمد النقشبندي الكمشخانوي – ص 97.


(3) : انظر: ديوان عمر بن الفارض - ص 330 - تحقيق د. عبد الخالق محمود.والبيت من القصيدة الخمرية المشهورة لسيدي ابن الفارض والتي بدأها بقوله رضي الله عنه:
شربنا على كأس الحبيب مدامة *** سكرنا بها، من قبل أن يخلق الكرم " اهـ




" حتى يشتد به داعي الشهود إلى الله فيقوم على قدم المجاهدة، طالباً عين المشاهدة (1) .


الآية: هي الأمر الدال على الخلاَّق ، والسر المحرِّك للأشواق.


الآية: هي البرهان القامع للنفوس، والسلّم الموصل إلى القدُّوس.


مثال ذلك: اللبن ؛ فإنه يخرج من بين فرث ودم (2) ، لونه جميل، طعمه لذيذ، ريحه طيب.


ومن ذلك العسل؛ يخرج من طائر ضعيف لونه مشوق، وطعمه يشرح الصدر فيه شفاء للناس (3) .


الماء ينبع من الأرض، وينـزل من السحاب (4) .


والنبات يخرج من الأرض، لونه أخضر، فيه حبوب وثمار مختلفة الأمزجة، يسقى بماء واحد... (5) .


فمتى تنبَّه القلب للآيات صار كالملك العادل في رعيته، فيوقف الوارح عند الحدود، فيتوجه إلى ربه، وتواجهه الروح، وعند ذلك تشرق على العبد أنوار تجليات الأسماء والصفات (6) ، فلا يرى أثراً إلا ويرى قبله تجلِّي المؤثِّر سبحانه...


===============================================

(1) يقول سيدي الإمام الجنيد رضي الله عنه وأرضاه، وعنَّا به:" المشاهدة على ثلاثة : مشاهدة من الرب، ومشاهدة للرب، ومشاهدة الرب. فالمشاهدة على ثلاث: مشاهدة الحق بالحق، وهي نظر الوجدان بوجوه الاستدلال على وحدانية الذات. ومشاهدة للحق: وهي نظر الحق في قيام المصنوعات، وتمام المبدعات وصيانتها عن الآفات. ومشاهدة الحق قبل الأشياء، ورؤيته قبل الأشياء، وهي رؤية خالية عارية عن الوصف عالية عن الكشف.

انظر: رحلة إلى الحق للسيدة فاطمة اليشرطية الشاذلية - رضي الله عنها ونفعنا بها وبالصالحين والصالحات – صفحة 211.


(2) قال تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِين } سورة النحل – الآية 66.


(3) : قال تعالى: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . سورة النحل – الآيتان 68-69.


(4) : قال الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } سورة فاطر - الآية 9.


(5) قال الله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. سورة الرعد - الآيتان 3-4.


(6) : تجليات الصفات: عبارة عن قبول ذات العبد الاتصاف بصفات الرب قبولاً أصلياً حكمياً، قطعياً، كما يقبل الموصوف الاتصاف بالصفة، وذلك لما سبق أن اللطيفة الإلهية التي قامت عن العبد بهيكله العبدي، وكانت عوضاً عنه، وهي في اتصافها بالأوصاف الإلهية اتصاف أصلي حكمي قطعي، فما اتصف إلا الحق بما له فليس للعبد هنا شيء، والناس في تجليات الصفات على قدر قوابلهم وبحسب وفور العلم وقوة العزم.

انظر: الإنسان الكامل – لسيدي عبد الكريم الجيلي رضي الله عنه - 1/38. ." اهـ


(يتبع إن شاء الله تعالى... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس