عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #17
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ولم يطلبا من أحد التوقيع معهما على الفتيا حفظا لسائر العلماء من أن يؤذيهم السلطان.. إذ كان قد أنذر مخالفيه بعذاب عظيم، ووعد مؤيديه بحسن الجائزة ووفرة المال وعلو الشأن.! على أن الخطباء والعلماء امتنعوا عن الدعاء للسلطان من على المنابر بعد خطبة الجمعة. وهكذا تجاهلوا وجوده..!

وأرسل بعض حاشية السلطان اليه وهو غائب عن دمشق بما كان من أمر الشيخ العز والشيخ ابن الحاجب، فأمر بسجنهما وأمر حاشيته من أراذل الحنابلة بإسقاط شأنهما في عيون الرعية.

وسجن الشيخان، وأصدر بعض هؤلاء الأراذل فتيا ضد الشيخين واتهموا كليهما بإثارة الفتنة، وطالبوا الرعية بإطاعة السلطان لأن معصيته خروج على الشرع، وهو أدرى فيما يأخذ وما يدع بمصالح المسلمين.! واتهموا الشيخين بالغرض والحسد وسوء النية والحقد على السلطان: فأما الشيخ عز الدين فلأن السلطان عزله عن منصب قاضي القضاة،وأما الشيخ ابن الحاجب فلأنه طمع في المنصب ولم ينله.!!!! فكلاهما موتور لأنه حرم من المنصب الكبير والراتب الوفير.!

ولم يكن أي الشيخين يملك الدفاع عن نفسه في السجن، ولكن الناس لم يصدقوا، واشتعل غضبهم على السلطان وحاشيته، ومضوا يسألون في الأمر شيوخهم، ايد الشيوخ بمن فيهم الحنابلة، رأي الشيخين، لم يشذ عنهم أحد، إلا البلداء منتحلوا الفقه الحنبلي من أراذل حاشية السلطان!

وعاد السلطان الى دمشق بجيش كبير، فوجد عددا ضخما من الناس يحيطون بالسجن ويحاولون تحرير العز وابن الحاجب من وراء الأسوار، فأمر بإطلاقهم، وملأ طرقات دمشق بالعسكر، وبث الجواسيس في كل مكان حتى المساجد!

وهدأت الثورة عن السلطان، فأمر بإقالة العز من كل مناصبه، من التدريس والخطابة، وأمره «بملازمة داره، وألا يفتي، ولايجتمع بأحد البتة».

وتقدم أحد العلماء من أصدقاء السلطان والعز معا فاستأذن للعز «في صلاة الجمعة ـ وكان العز لا يترك صلاة الجمعة ـ وفي أن يعبر إليه طبيب أو مزين إذا احتاج إليهما، وأن يعبر الى الحمام، فأذن له السلطان».

وكان العز في معتقله بداره يقرأ القرآن ويكرر تلاوة قوله تعالى: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها).

فأرسل الى السلطان صديقهما المشترك، وهو ذات الصديق الذي حاول أن يصلح بينه وبين السلطان الأشرف خلال فتنة الحنابلة. ارسل العز هذا الصديق الى السلطان ليأذن له بمغادرة دمشق ومملكته جميعا.

وأطربت السلطان فكرة الخلاص من الشيخ ولكنه لم يستجب لطلبه بسهولة، وذهب الوسيط وعاد مرات في ذات اليوم، والسلطان يتشدد ويلين ويشترط ويتنازل، حتى أذن آخر الليل للشيخ بالهجرة، على أن ينهض من فوره فيكون خارج دمشق قبل الفجر!!

ورشق السلطان جنوده وبث عيونه في كل الطرقات المؤدية الى دار الشيخ والى خارج دمشق تحرزا من معرفة الناس بهجرته والاحتشاد لوداعه.

وأحضر الصديق للشيخ بعض الدواب، فحمل عليها أهله وكتبه، وركب في الطريق الى القاهرة.

ولقي الشيخ في سفره هذا نصبا وكثيرا من الخطوب. فقد مر ببلاد يحكمها حلفاء للسلطان من أمراء بني أيوب، وبلاد أخرى يحكمها أنصار لملك مصر نجم الدين أيوب.

كابد الشيخ في رحلته صنوفا من الإنكار والتهديد، وألوانا من الحفاوة والترحيب. وهو لا يفتأ كلما اجتمع بأحد م الخصوم والأنصار قائما يدعو الى الجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الفرنج وحلفائهم من الأمراء المسلمين، منكرا موقف صاحب دمشق ومن والاه من الأمراء، ودور منتحلي الفقه، مزريا بصمت الصامتين عن هذا كله، متهما إياهم بالبلادة والخور والنذالة!

ويصف ابنه الشيخ عبد اللطيف ما كان من أمر أبيه: «انتزع منها (دمشق) الى بيت المقدس، فوافاه الملك الناصر داود في الفور فقطع عليه الطريق،وأخذه وأقام عنده بنابلس مدة، وجرت له معه خطوب، ثم انتقل الى بيت المقدس حيث أقام مدة. ثم جاء الملك الصالح اسماعيل والملك المنصور صاحب حمص ـ حليف اسماعيل ضد نجم الدين أيوب ـ، وملوك الفرنجة بعساكرهم وجيوشهم الى بيت المقدس، يقصدون الديار المصرية، فسير الصالح إسماعيل بعض خواصه الى الشيخ بمنديله وقال له: تدفع منديلي الى الشيخ، وتتطلف به غاية التلطف، وتستنزله وتعده بالعودة الى مناصبه على أحسن حال، فإن وافقك فتدخل به علي، وإن خالفك فاعتقله في خيمة الى جانب خيمتي، فلما اجتمع الرسول بالشيخ شرع في مسايسته وملاينته ثم قال له: «بينك وبين أن تعود الى مناصبك ما كنت عليه وزيادة أن تنكسر للسلطان وتقبل يده لا غير». فقال الشيخ: «والله يا مسكين ما أرضاه أن يقبل يدي فضلا عن أن أقبل يده..! يا قوم أنتم في واد وأنا في واد. والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به». فقال: «قد رسم لي أن توافق على ما يطب منك وإلا اعتقلتك». فقال الشيخ: «افعلوا ما بدا لكم». فأخذه واعتقله في خيمة إلى جانب خيمة السلطان. وكان الشيخ يقرأ القرآن والسلطان يسمعه فقال يوما لملوك الفرنج: «تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن». قالوا: «نعم». قال: «هذا أكبر قسوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره تسليمي لكم حصون المسلمين، وعزلته عن الخطابة بدمشق وعن مناصبه، ثم أخرجته فجاء الى القدس، وقد جددت حبسه واعتقاله لأجلكم». فقالت ملوك الفرنج: «لو كان هذا قسيسا لغسلنا رجليه وشربنا مرقتها».

ثم جاءت العساكر المصرية، ونصر الله الأمة المحمدية، وقتلوا عساكر الفرنج." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس