عرض مشاركة واحدة
قديم 10-09-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ محمد بن حبيب البوزيدي

سلوكه و أخلاقه
كان الشيخ البوزيدي معروفا و موصوفا بالزهد, أتاه يوما مريده الفقير إلى الله تعالى سيدي أحمد بن إسماعيل و قال لشيخه: "إن الحاكم للإدارة الفرنسية يطلب منك الحضور عنده", فرد عليه الشيخ البوزيدي: "مالي و الحاكم الفرنسي و ما حاجته عندي؟", فرد عليه: "مقابلة ودية و استطلاعية على حالك فقط", فجمع الشيخ قوته و أنفاسه و ذهب بشق الأنفس و لما وصل إلى مبنى الإدارة وجد رجلا من المستخدمين عند الحاكم ينتظره فأدخله عليه, و بعد دردشة قصيرة, قدم الحاكم للشيخ هدية تتمثل في برنسين موضوعين في ظرف, و عند خروجه من المبنى, مشى خطوات فرأى رجلا شبه عاري فأخذ برنسا و ستره به, ثم خطى خطوات قليلة و ظهر له رجلا آخر في حالة الأول فكساه الشيخ البرنس الثاني و رجع إلى زاويته, ثم جاء بعد ذلك مستخدم الإدارة الفرنسية ليطلع ما فعل الشيخ بالبرنسين فوجده على هيئته المعتادة, فسأل الفقراء و أخبروه ما فعل الشيخ مع الرجلين العاريين و ما قاله رضي الله عنه في ذلك: "جاء البرنسان من الله و عادا إليه و الله لا يضَّيع أجر المحسنين ! ".
كان الشيخ البوزيدي لا يملك سوى عباءة أو جبة واحدة فقط, و جاءه ذات يوم فقراء من مريديه, فخرج إليهم مرتديا ثوب زوجته, فتحيروا و تعجبوا و سألوه, فقال لهم: "غسلت جبتي و ليس لي ما ألبسه إلا ما ترون", فلام الفقراء أنفسهم بالغفلة عن أبيهم الروحي و هم يلبسون أفخر الثياب و لكونهم خصوصا من كبار الأغنياء و الأثرياء بمدينة مستغانم, فتسارعوا كلهم و رجعوا من حينهم إلى شيخهم كل منهم حامل افخر الثياب و ما أخذ الشيخ إلا ثوب واحد و أمرهم بأن يتصدقوا بالبقية على ذويهم و أهاليهم المحرومين.
كان الشيخ البوزيدي ذات يوم مدعوا إلى حفل زفاف, فأجاب الدعوة و حضر المأدبة, و جاء إلى العرس شيخ من شيوخ التبرك مع تلامذته, و قبل أن يدخل, أخبروه بأن الشيخ البوزيدي حاضر, فأقسم بالله أن لا يدخل المنزل هو و تلامذته حتى يخرج منه الشيخ البوزيدي, فاستشار صاحب العرس زوجته فأجابته: "سأصنع طعاما للشيخ البوزيدي يتغذى به هو أهله, فاصرفه بهذه الكيفية الجميلة", فلما أحضر صاحب العرس طبق طعام من كسكسي إلى الشيخ البوزيدي تقبله القبول الحسن و دعا للعريسين بالمودة و حسن المعاشرة على الدوام و لصاحب العرس بالخير و البركة و انصرف, ثم لم يقصد الشيخ البوزيدي منزله ليطعم بهذا الطعام أهله, بل أطلعه الله تعالى على سوء المعاشرة و العداوة التي كانت بين صاحب العرس و أخت له لم يدعها للحضور إلى العرس لتفرح بزواج ابن أخيها, فذهب إليها الشيخ البوزيدي و خرج إليه زوجها فقدم له الطبق و قال له: "إن صهرك, أخا زوجتك يعتذر لكما عن هذا النسيان و يدعوكما فورا إلى العرس, فلما سمعت زوجة الرجل كلام الشيخ البوزيدي غمرتها الفرحة و السرور و زغردت و ذهبت لتشارك في هذه الفرحة, ثم تساءل أهل الوليمة عمن دعاها, و ما عرفوا ذلك إلا من خلال الطبق الذي قدموه للشيخ البوزيدي حيث عاد إليهم مملوءا بالحلوة فعلموا بذلك صاحب الفعل الحسن و مصلح ذات البين.
كان الشيخ البوزيدي يمشي ذات يوم بشارع معظم المحلات التي توجد به يملكها يهود, فسقط أمامه يهودي على الأرض و كان متقدما في السن, فأسرع إليه الشيخ البوزيدي و ساعده على القيام و هو يمسح عن ثيابه الغبار و وضع على رأسه قبعته مرددا كلمة: "لا بأس عليك, لا بأس عليك", فإذا التجار اليهود يندهشون من هذه المعاملة الحسنة من طرف رجل حامل لواء الشريعة المحمدية, و منذ ذلك اليوم, كلما مرَّ عليهم الشيخ البوزيدي حيّوه بأسمى التحية و التقدير و الاحترام.
ذات يوم قال أحد مشايخ البركة للشيخ البوزيدي: "رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام, و قال لي إن البوزيدي من أصحاب النار, فرد عليه الشيخ البوزيدي بكل رحابة صدر و بوجه طلق و بالابتسام و البشاشة: "سيدي, أصحيح رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال بأنني من أصحاب النار؟ جازاك الله خيراً, فقد كنت أظن أن أمثالي ليسوا مذكورين عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا يعبأ بهم و لكن الحمد لله على كوني مذكورا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنه مهتم بذكري و أمري فهو الشفيع المشفع في العصاة و المذنبين أمثالي, جازاك الله عني خيرا و السلام عليكم".
من بين فقراء سيدي الشيخ البوزيدي, سيدي مصطفى بن كريتلي الذي كان عضوا في مجلس الأمة زمن الإستعمار الفرنسي, فتهيأ ذات يوم في زيِّه الرسمي لاستقبال الوالي العام الفرنسي الذي كان في زيارة تفقدية لمدينة مستغانم, فأتاه شيخه سيدي البوزيدي و قال له: "أحمل عني هذه الحاويتين" و هي أمعاء الضأن بكبدهما و رئتهما و قلبهما, فحملهما و الدم يتقاطر منهما و الذباب يتطاير حولهما و سيدي مصطفى على قدر جلاله و عظمته في مجتمعه يتجول به الشيخ البوزيدي على تلك الحالة في أكبر شوارع مستغانم آنذاك, فلما وصلا إلى المطمر أو باب المجاهر الذي يفصل الحي الأوربي عن الحي الشعبي للسكان المحليين المسلمين, أوقفه الشيخ و قال له: "يكفيك يا بني, شكرا لك و أبشر لقد شفاك الله تعالى و عافاك من علة الكبرياء و العجب بالنفس و الإعتزاز و بالسلطة و الجاه, فنعم العبد لله أنت, إن الله تعالى جمع لبعض أنبياءه بين النبوة و الملك و لبعض أولياءه بين الولاية و الملك فما زادهم ذلك إلا افتقارا إلى الله تعالى و انكسارا له, مستمطرين رحمته و عافيته فيما بقي من أجلهم و عمرهم حتى يلقوه و هم أفقر الناس إليه سبحانه عّز و جّل, فتلك نعمة عظمى يتفضل الله بها على الذين أهّلهم إلى حضرة محبته و وداده التي لا يدخلها متكبر و أرضيت يا ولدي مولاك عّز و جّل و فزت بسعادة الدارين, حفظك الله و رعاك بعين رعايته فيما بقي من أجلك".
في يوم من الأيام قدم على الشيخ البوزيدي مريد من البادية لزيارته و هو متشوق للأكل اللذيذ الذي سيأكله في ضيافة شيخه, فنهض به الشيخ البوزيدي من المقام الأسفل إلى المقام الأسنى إذ أتاه بصحن فيه فول و قال له: "تقدم يا ولدي و كل ! " ثم أشار إلى بطنه و استطرد قائلاً: "ما هذا إلا مصران ذو رائحة كريهة فملأه بما وجدت و انهض في طلب الله تعالى بذكره ليلا و نهارا فلعل رحمة الله تشملك فتجذبك من سباتك و غفلتك إلى يقظة المعرفة و مشاهدة أنوار ربك ببصيرتك, فإذا انجلى ليلك منك طلع نهارك و أشرقت شمس هدايتك فلا تأفل و لا تؤول و لا تزول أبدا حتى تلقى الله و هو راضي عنك".
و قد كان يوما يتحدث إلى مريديه عن النفس و خداعها و أن لا يطمئن لها المريد إذا رأى فيها علامات الركون و التطوع إلى الطاعة إذ مكرها يفوق مكر الشيطان بأكثر من سبعين مكرا فلذا قال لهم ضاربا المثل بنفسه: "لا زالت تحدثني نفسي حديث الشباب و أنا قد بلغت ثمانين عاما و إني لأرى الشيطان يحتال لمخادعتي كما يحتال السارق بالليل على صاحب الدار".
وقعت للشيخ البوزيدي واقعة مؤلمة في مصيبة و رزية إبنه الذي قتل خطأ في احتفال المولد النبوي الشريف رميا بالرصاص في إحدى حلقات طلق البارود فلما حضر سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي إلى مصرع ابنه ورأى ابنه ملقى على الأرض ودمه ينزف قال له أحد الحاضرين: "سيدي تعالى لأريك قاتل ابنك", فرد عليه لشيخ بهذه العبارة: "اذهب يا كلوفي فإن قاتل ابني أعرفه وهو الذي حكم على كل نفس الموت!" و حمل ابنه ميتا وأقيمت له جنازة ولم يرفع أي شكوى ضد قاتل ابنه ودفنه محتسبا بقول الله تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا أ وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 07-08-2010 الساعة 12:44 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس