الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صقيل الإسلام


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 60
وندرته، حتى لكأن المعنى يتدلل على الفهم ويبهم تجاهه، ليثير الشوق، طالباً للاهتمام والمكانة، فمشكلات القرآن من هذا القبيل.
تنبيه:
ان لكل آية ظهراً وبطناً، ولكل منها حد ومطّلع، ولكل منهما شجون وغصون. كما ورد حديث شريف بهذا المعنى (1) والشاهد الصادق عليه: العلوم الاسلامية.فلكل مرتبة من هذه المراتب درجتها وقيمتها ومقامها، لا تتزاحم هذه المراتب، وانما تشتبك فينشأ الاشتباه، ولا بد من التمييز، اذ كما لو مزجت دائرة الاسباب بدائرة الاعتقاد تتولد البطالة والكسل تحت اسم التوكل، او ينتج مذهب الاعتزال باسم مراعاة الاسباب، فان المراتب والدوائر هذه ان لم تفرز تنتج مثل هذه النتائج
_____________________
(1) (انزل القرآن على سبعة احرف) رواه احمد والترمذي عن أبي رضي الله عنه واحمد عن حذيفة، وهو عند الطبراني من حديث ابن مسعود بزياة.. وفي رواية اخرى عنده: لكل حرف منها ظهر وبطن ولكل حرف حدّ ولكل حدّ مطلع. (باختصار عن كشف الخفاء للعجلوني 1/209).
ولكل حدّ مطّلع، اي: لكل حدّ مصعد يصعد اليه من معرفة علمه. وفي المثل » الحديث ذو شجونٌ« أي فنون واغراض، وقيل: أي يدخل بعضه في بعض، أي: ذو شعب وامتساك بعضه ببعض.. واصل الشجنة بالكسر والضم شعبة من غصن من غصون الشجرة.
(لسان العرب باختصار)
.

صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 61
المقدمة الحادية عشرة

قد يتضمن الكلام الواحد احكاماً عدة، فربما يحوي الصدف الواحد كثيراً من الدرر. والمقرر لدى ارباب العقول:
ان القضية الواحدة تتضمن قضايا عدة؛ كل يثمر ثمراً مبايناً للآخر، كما نبع ونشأ من أصل مختلف.. فالعاجز عن التمييز يجانب الحق ويغترب عنه.
مثال ذلك:
ورد في الحديث الشريف: (بعثتُ انا والساعة كهاتين) 1. اي: لانبي بعدي الى قيام الساعة.. فالمقصود - أياً كان - من الحديث فهو حق.
فهذا الحديث الشريف يتضمن ثلاث قضايا:
اولاها: ان هذا الكلام هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم.. هذه القضية هي نتيجة التواتر ان كان. "اي : ان كان الحديث متواتراً".
ثانيتها: ان المعنى المراد من هذا الكلام حق وصدق.. هذه القضية هي نتيجة للبرهان المستند الى معجزاته صلى الله عليه وسلم "اذ لايصدر عنه غير الصدق". فينبغى الاتفاق في هاتين القضيتين، لانه من ينكر الاولى فهو كاذب مكابر. اما الذي ينكر الثانية فهو ضال قد هوى في الظلمات.
القضية الثالثة: ان المراد من هذا الكلام هو هذا "أي الذي اسوقه".. فها هو الدر الموجود في هذا الصدف. هذه القضية هي نتيجة الاجتهاد، لا التشهي؛ اذ من المعلوم ان المجتهد ليس مكلفاً بتقليد غيره من المجتهدين.
هذه القضية الثالثة هي منبع الاختلافات. واصدق شاهد على ذلك هو مانراه من الاقوال المتضاربة "في مسألة واحدة".
_____________________
1 حديث صحيح اخرجه البخاري 6505 من حديث ابي هريرة رضي الله عنه. وهو حديث متواتر. انظر النظم المتناثر في الحديث المتواتر ص 143 برقم 187.



صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 62
فالذي ينكر هذه القضية لا يكون مكابراً ولا ضالاً، ولا ينساق الى الكفر، ان كان انكاره نابعاً من الاجتهاد؛ اذ العام لا ينتفي بانتفاء الخاص، وكم من قطعي المتن ظني الدلالة.. فلا بد من الدخول الى البيوت من ابوابها، فان لكلٍ باباً، ولكل قفل مفتاحاً.
خاتمة:
هذه القضايا الثلاث تجري في الآية جريانها في الحديث الشريف حيث انها قضايا عامة. الا ان الاولى منها فيها فرق دقيق.
وهكذا يتضمن الكلام احكاماً كثيرة، الا انها احكام خاصة، كل منها يختلف عن الاخر في الاصل مثلما يثمر ثمرة مباينة للآخر.
تنبيه:
قد يجد من يريد ان يغالط في مثل هذه المقامات ذرائع تافهة وحججاً واهية ناجمة من حب النفس:
كالتزام الطرف المخالف..
والتعصب الذميم..
وحب الظهور..
والشعور بالانحياز الى جهة..
وتسويغ الاوهام والخيالات باسنادها الى اصل..
ورؤية الامور الواهية قوية، لموافقتها رغباته الشخصية.
واظهار كماله بتنقيص الآخرين والتهوين من شأنهم..
وابراز كونه صادقاً بتكذيب الآخرين..
وبيان استقامته باضلالهم..
وغيرها من الامور السافلة المنحطة!
والى الله المشتكى.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 63
المقدمة الثانية عشرة

من لم يجد اللب ينهمك في القشر(1).. ومن لم يعرف الحقيقة يزلّ الى الخيالات. ومن لم ير الصراط المستقيم يقع في الافراط والتفريط.. ومن لا يملك ميزاناً ولاموازنة له يخدع وينخدع كثيراً.
ان سبباً خادعاً للظاهريين هو: إلتباس علاقة القصة بالعبرة المرادة منها، واقتران المقدمة بالمقصود في الذهن، والاقتران الحاصل في الوجود الخارجي.
لاحظ هذه النقطة فانك تحتاج اليها فيما بعد.
ثم ان احد الاسباب المولدة للفوضى والموقعة في الاختلافات والموجدة للخرافات والمنتجة للمبالغات - بل أهم سبب لها - هو عدم القناعة والاطمئنان بما خُلق في العالم من حسن وعظمة وسمو. والذي يعني الاستخفاف بالنظام بذوق فاسد. حاشَ لله.ان حسن الانتظام والعظمة والعلو المودعة في حقائق العالم، التي كل منها أبهر معجزة من معجزاتالقدرة الالهية في نظر العقل والحكمة، قد أبدعتها يد الحكمة الالهية ابداعاً في غاية الروعة بحيث لو قورن بها مايمرّ في خيال عشاق الخيال والمبالغين من حسن وكمال خارقين، لبقيت تلك الخيالات الخارقة، اعتيادية جداً. ولبدت تلك السنن الالهية خارقة حقاً، في غاية الحسن ومنتهى الكمال والعظمة. الاّ ان الألفة - التي هي أخت الجهل المركب وأم النظر السطحي - هي التي عصبت عيون المبالغين.
ولا يفتح تلك العيون المعصوبة الاّ أمر القرآن الكريم بالتدبر والتأمل في الآفاق والأنفس المألوفتين.
نعم! ان نجوم القرآن الثاقبة هي التي تفتح الابصار وترفع ظلام الجهل وظلمات النظرة العابرة. اذ تمزق الآيات البينات بيدها البيضاء حجاب الالفة والنظر السطحي
(1) يقول الشيخ الكيلاني: " كل عمل لا إخلاص فيه فهو قشر" الفتح الرباني- المجلس24


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 64
وأستار التشبث بالظاهر المحسوس، فتوجّه العقول وترشدها الى حقائق الآفاق والأنفس.
ثم ان مما يولد الرغبة في المبالغة، حاجة الانسان الفطرية الى اخراج ميله من طور القوة الى طور الفعل. 1 اذ من ميوله: رؤية العجائب المحيّرة واراءتها والرغبة في التجدد والايجاد. وبناءً على هذا:
لما عجز الانسان بنظره السطحي ان يتذوق ما في جفان الكائنات وصحونها من غذاء روحي مغطى بغطاء الالفة، سئم من لعق الجفان ولَحْس الغطاء. ولم يفده سوى عدم القناعة، والتلهف الى خوارق العادات والرغبة في الخيالات، مما ولّد لديه الرغبة في المبالغة للتجدد أو الترويج.. تلك المبالغة شبيهة بكرة الثلج المتدحرجة من أعلى قمة الجبل، كلما تدحرجت كبرت، فالكلام المتدحرج أيضاً من ذروة الخيال الى اللسان ومنه الى لسان ولسان، تُشتت حقيقته الذاتية، الاّ أنه يجمع حوله خيالات من كل لسان بميل المبالغة، فيكبر ويكبر حتى لايسعه القلب بل الصماخ بل حتى الخيال، ثم يجئ النظر بالحق فيجرّده من توابعه، ويرجعه عارياً مجرداً الى أصله، فيظهر سر
(جاء الحق وزهق الباطل).
حكاية جرت في هذه الايام تكون مثالاً على هذا:
ان أساس مسلكي منذ أيام صباي - ولا فخر - ازالة الشبهات التي تلوث حقائق الاسلام سواءً بالافراط ام بالتفريط، وصقل تلك الحقائق الالماسية. والشاهد على هذا تاريخ حياتي في كثير من حوادثه.
ففي هذه الايام ذكرت مسألة بديهية كـ"كروية الارض"، وطابقت عليها مايوافقها ويتعلق بها من مسائل دينية، دفعاً لاعتراضات الاعداء وازالة لشبهات المحبين للدين. كما سيأتي مفصلاً في "المسائل".
ثم ظهرالمغرمون بالظاهر المعتادون على الخيالات المهولة، وكأن عقولهم لا تقبل هذه المسألة، الاّ ان السبب الاساس غير هذا بلا شك، فتصرفوا تصرفات جنونية، كمن يريد ان يجعل النهار ليلاً باغماض العين، او يطفئ الشمس بالنفخ! وفي ظنهم كأن الذي يحكم بكروية الارض يخالف كثيراً من مسائل الدين. فتذرعوا بهذا
_____________________
1 طور القوة اي الكامن المستتر في الشئ. اما طور الفعل فهو الوضع المشاهد الظاهر. المترجم.



صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 65
وافتروا فرية كبيرة، ولم يبق الامر في هذا الحد بل تجاوز الى تضخيم الفرية حيث وجدوا لها جواً ملائماً في الاذهان المرتابة، بل ضخموها الى حد كبير كووا بها كبد اهل الدين. وأيّسوا اهل الحمية في رقي الاسلام.
ولكن كان هذا درساً عظيماً لي، اذ ايقظني الى: ان الصديق الجاهل يمكنه ان يضرّ الدين بمثل مايضرّ به العدو، ولهذا فلقد كنت منذ بداية الكتاب اتوجّه الى حيث يكون العدو، أقطع بالسيف الالماسي الذي في اليد بخسَهم حق الاسلام.. أما الان فلاجل تربية امثال هؤلاء الاصدقاء، اضطر الى ان لا أمس - بذلك السيف - الا قليلاً من خيالاتهم المفرطة التي يتلهف لها العوام.
وعلى الرغم من ان اموراً شخصية كهذه لا تستوجب مثل هذه المباحث، فان الأمر لم يعد امراً شخصياً، بل اصبحت مسألة عامة تتعلق بحياة المدارس الدينية.
ألا فليعلم اولئك الظاهريون! انهم عبثاً يحاولون.. فلقد تركونا حتى الآن في غيابة الجهل بهذرهم وسفسطتهم هذه التي يغرم بها العوام ويريدون ان يدعونا جاهلين، ليستغلوا جهلنا.
هيهات! لا.. ولن يكون هذا.. ستُبعث الحياة في المدارس الدينية! والسلام.
ثم انه مما يشوش افكار الظاهريين، ويخلّ بخيالاتهم، اعتقادهم ان دلائل صدق الانبياء عليهم السلام، محصورة ضمن خوارق العادات. واعتبارهم ان جميع احوال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وحركاته - او معظمها - لا بد ان تكون خارقة. وهذا ما لايسمح به الواقع، لذا لايستقيم ولايصلح لهم ما يتخيلون. اذ ان اعتقاداً كهذا غفلة عظيمة عن سر الحكمة الالهية في الوجود، وعن تسليم الانبياء عليهم السلام مقاليد الانقياد الى قوانين الله الجارية في العالم.
نعم! ان كل حال من احواله صلى الله عليه وسلم وكل حركة من حركاته دليل على صدقه، وتشهد على تمسكه بالحق، مع انه يتبع السنن الالهية وينقاد اليها (سينبّه الى هذا في المقالة الثالثة).
ثم ان اظهار الخوارق ما هو الاّ لتصديق النبوة، والتصديق يحصل على اكمل وجه بمعجزاته الظاهرة، فاذا زادت عن الحاجة، فاما ان تكون عبثاً.. او منافية لسر


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 66
التكليف - الذي هو امتحان في الامور النظرية دون البديهيات او ما يقرب منها حيث يتساوى الادنى مع الاعلى - او تكون مخالفة للتسليم والانقياد لجريان الحكمة. بينما الانبياء عليهم السلام مكلّفون بالعبودية والتسليم اكثر من اي احد.
فياطالب الحق، الناظر الى كلماتي المشتتة!
ان الميول المزروعة في ماهيتك ستنمو وتفتح الازاهير بشمس الحقيقة التي تجري وهي ساكنة في المقدمات الاثنتي عشرة المذكورة.

خاتمة:
من يدّعي انه سيد - من اهل البيت - وهو ليس منهم، ومن ينكر انتسابه اليهم وهو سيد، كلاهما مذنب. فالدخول في السادة والخروج منهم كما انه حرام،كذلك النقصان والزيادة في القرآن الكريم والحديث الشريف ممنوع، بل الزيادة اضر لإفسادها النظام وفتحها أبواباً لمرور الاوهام؛ لان الجهل ربما يكون عذراً للنقصان، بينما الزيادة لاتكون الاّ بالعلم، والعالم لايعذر، فكما ان هذا هكذا، فالوصل والفصل في الدين لا يجوز ايضاً، بل ان ادخال زيف الحكايات وخبث الاسرائيليات واباطيل التشبيهات في ألماس العقيدة وجوهر الشريعة ودرر الاحكام انما هو حطّ لقيمتها وتنفير لطالبيها من متحري الحقيقة، ودفعهم للندامة.
خاتمة الخاتمة: ان ترك المستعد لما هو أهل للقيام به، وتشبثه بما ليس اهلاً له، عصيان كبير وخرق فاضح لطاعة الشريعة الكونية (شريعة الخلقة). اذ من شأن هذه الشريعة: انتشار استعداد الانسان ونفوذ قابليته في الصنعة واحترام مقاييس الصنعة ومحبتها وامتثال نواميسها والتمثل بها. وخلاصة الكلام: ان شأن هذه الشريعة؛ الفناء في الصنعة.
واذ وظيفة الخلقة هذه، فان الانسان بمخالفته هذه الشريعة؛ يغير الصورة اللائقة بالصنعة ويخل بنواميسها. ويشوّه صورة الصنعة غير الطبيعية - التي تشبث القيام بها - بميله الكامن للصنعة الاخرى لعدم الامتزاج بين الميل والصنعة، فيختلط الحابل بالنابل.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 67
وبناءً على هذا: فان كثيراً جداً من الناس يمضي بميل السيادة والآمرية والتفوق على الاخرين، فيجعل العلم المشوّق المرشد الناصح اللطيف، وسيلة قسر واكراه لاستبداده وتفوقه، فبدلاً من ان يخدم العلم يستخدمه. وعلى هذا فقد دخلت الوظائف بيد من ليسوا لها أهلاً، ولاسيما الوظائف في المدارس الدينية، فآلت الى الاندراس نتيجة هذا الامر.والعلاج الوحيد لهذا: تنظيم المدرسين الذين هم في حكم العاملين في دائرة واحدة، في دوائر كثيرة كما هو الحال في الجامعة، كلٌ في مجال اختصاصه، ليذهب كل واحدٍ بسوق انسانيته، وبتوجهه نحو حقه، ينفّذ قاعدة تقسيم الاعمال بميله الفطري امتثالاً للأمر المعنوي للحكمة الازلية.تنبيه:ان السبب المهم الذي ادّى الى تدني علوم المدارس الدينية، وصرفها عن مجراها الطبيعي هو:ان العلوم الآلية _ لما ارجت في عداد العلوم المقصودة، أصاب الاهمال العلوم العالية، اذ سيطر على الاذهان حلّ العبارة العربية التي لباسها (لفظها) في حكم معناها، وظل العلم الذي هوأصل القصد تبعياً. زد على ذلك، ان الكتب التي أصبحت في سلسلة التحصيل العلمي رسمية، وعباراتها متداولة الى حد ما. هذه الكتب حصرت الاوقات والافكار في نفسها ولم تفسح المجال للخروج منها.
***
يا أخا الوجدان!
كأني بك قد اشتقت الى رؤية ماهية الكتب الثلاثة التي ستترتب على هذه المقدمات. صبراً! سأذكر لك موضوعاً يمثل مجمل ما فيه، او بتعبير اخر يمثل صورتها المصغرة أو خريطتها المختصرة. ولكني سأبادر بتقديم تسع مسائل مما في تلك الكتب، على أمل أن أفصل الموضوع تفصيلاً عقب المقالة الثالثة ان شاء الله ووفّق الرب الكريم. فها هو ذا الموضوع!
_____________________
1 العلوم الآلية: كالنحو والصرف والمنطق وامثالها من العلوم التي تكون وسيلة لفهم العلوم العالية التي هي كالتفسير والحديث والفقه وامثالها من العلوم. المترجم



صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 68
سأعرج الى علوم السماوات بسير روحاني، بالوسائل التي يريها القرآن الكريم وبقوة الفلسفة الصائبة. لننظر من هناك ونشاهد:
ان الكرة الارضية عبارة عن كرة ضخمة تديرها يد القدرة للصانع الحكيم، ونرى بعين الحكمة انه يقذفها كحجرالمقلاع، الى ان يشتتها، ليبدّلها الى افضل منها. ثم نتدلى ونتدرج من جو السماء حتى ننزل الى مهدنا، الارض التي بسطها وهيأها الخالق الرحمن لراحتنا.. ثم ننظر بإنعام الى الانسان، كيف انه يرمي بمهده بعد تجاوزه مرحلة الطفولة، فانه يرسل الى قصور السعادة الابدية كذلك بتخريب الارض.
وبعد ان نديم التأمل في هذا، ندخل ميدان الماضي بالسير الروحاني الذي لايقيده زمان ولامكان ونتحاور مع ابناء جنسنا، أبناء الماضي بأمواج البرقيات التاريخية، ونتعلم العبر والاحداث التي وقعت في تلك الزوايا الآفلة، ونصنع منها قطاراً للأفكار. ثم نرجع عائدين ونزور ابناء جنسنا ونتوجه الى مشرق المستقبل لنرى - ونري الآخرين - فجر سعادته الصادق الذي يتراءى من بعيد. ثم نركب قطار "الرقي والتقدم" وسفينة "السعي" المسماة بالتوفيق، حاملين في أيدينا مصباح البرهان وندخل معه "الزمان" الذي يبدو مظلم البداية، الاّ ان وراءه سطوعاً، لكي نصافح أبناء المستقبل ونهنئهم بسعادتهم التى يرفلون فيها.
وهكذا ففي هذه الصورة الفوطوغرافية المصغرة تندرج صورة جميلة، ستظهر لك محرراً.
والآن.. في هذه الارض تنبت اشجار الكتب المذكورة وتسقى بجداول المقالات الثلاث.
ايها الاخ!
قبل ان آخذ بيدك واوصلك الى خزينة الحقائق، ابادر الى سرد بضع مسائل وعدتك اياها، لأدفع بها غشاوة الخيالات عن بصر بصيرتك، تلك الخيالات التي صارت كالغول تضع ايديها على عينك فتغمضها، وتدفع صدرك وتخوفك.. وان أرتك شيئاً: فالنور نارٌ والدرّ مَدَرٌ. فاحذرها.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 69
واعلم! ان أعظم منشأ يولد شبهاتك، مسائل تتعلق:
بكروية الأرض.. ثم الثور والحوت.. وجبل قاف.. وسد ذي القرنين.. واوتادية الجبال.. ووجود جهنم تحت الارض.. والآيات الكريمة:
(دحيها) و(سطحت) و(الشمس تجري لمستقر لها) و(ينزّل من السماء من جبال فيها من برد) (النور: 43) وامثالها من المسائل. سأبين لك حقيقتها كي تسد عيون الاعداء وتفتح ابصار الاصدقاء.
وها أنذا أستهل بـ :
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس