الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صقيل الإسلام


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 15
كلمة للقارئ الكريم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
لقد سمّى الاستاذ بديع الزمان سعيد النورسي مؤلَّفه هذا بـ"رجتة العلماء" أي الوصفة الطبية للعلماء. وذلك لما كان يشعر به ويلمسه من حاجة العلماء ولاسيما علماء عصره، الى تناول مثل هذه العلاجات التى يضمها الكتاب.
فكتب مؤلفه هذا باللغة التركية ثم ترجمها الى لغة العلم السائدة لدى اهل العلم وهي اللغة العربية. الاّ انه اجمل فيه ما فصّل هناك. حتى غدا النص العربي غامضاً مغلقاً - الا للعلماء - مما اضطر الى كتابة "تنبيه" في مستهل الترجمة العربية في طبعتها الاولى وكما مايأتي:
"وجب عليك ان لا تتعجل في مطالعتها وان تسأل اهل الذكر ان كنت لا تعلم، وعليك برفيقتها التركية فانها شرحت معمياتها وقربتها الى افواه افهام العوام".
وفي ختام التنبيه كرّر قوله:
"واسترفق رفيقة تركية القدِّ تفصّل ما اجمل، فعليك بالصحبة معها".
ونرى ايضاً ان الاستاذ النورسي عندما ضُمَّ الى عضوية دار الحكمة الاسلامية التابعة للمشيخة الاسلامية للدولة العثمانية، سجّل هذا الكتاب ضمن كتبه التركية في سجل الدار المذكورة.
بمعنى ان الكتاب قد ألّف اصلاً باللغة التركية ثم لخّصه المؤلف نفسه في عبارات مجملة جداً باللغة العربية.
اخلص من هذا ان السبب الذي دعاني الى ترجمة الكتاب وتحقيقه وعدم الاكتفاء بترجمة المؤلّف العربية هو الغموض الشديد في النص العربي الى حد استعصاء الفهم - الاّ للعلماء - بينما المؤلف التركي يستفيد منه العلماء وكثير من المهتمين والمثقفين.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 16
والسبب الآخر والاهم الذي دعاني الى القيام بالترجمة والتحقيق هو انني لما اكرمني المولى القدير بتحقيق آثار الاستاذ النورسي العربية "المثنوي العربي النوري" ثم "اشارات الاعجاز" و "الخطبة الشامية" رأيت انه من الواجب عليّ تقديم هذا الكتاب للقارئ الكريم باسلوب مفهوم حيث المؤلف عدّه مقدمةً لتفسيره الجليل "اشارات الاعجاز في مظان الايجاز". فـلله الحمد والمنة على توفيقه الكريم وله الفضل اولاً وآخراً.
والكتاب بحد ذاته يحوز اهمية بالغة للمهتمين بالفكر الاسلامي والعلوم الاسلامية اذ يبرز ما كان يدور في اذهان العلماء وكتب التفاسير المتداولة في ذلك العصر - اواخر الدولة العثمانية - فضلاً عن ان الموازين والقواعد التي وضعها المؤلف لتقويم المفاهيم الغريبة والدخيلة في كتب متداولة لدى العلماء، ماتزال تحتفظ تلك الوازين بجدتها وحيويتها وحقيقتها، ولعل هذا هوالسبب الذي ادّى الى تسمية الكتاب بـ "محاكمات عقلية اوصيقل الاسلام" املاً من المؤلف ان يشحذ به سيف الاسلام ويجليه من ادران وصدأ.
كان نهجي في الترجمة والتحقيق الآتي:
اولاً: ترجمة النص التركي المطبوع في دار سوزلر للنشر باستانبول سنة 1977م مع الاعتماد على نسخة من الطبعة الاولى "مطبوعة سنة 1327- 1911م بمطبعة "ابو الضياء باستانبول" وعلى هذه النسخة تصحيحات المؤلف نفسه. تفضّل بها عليّ الاخوة العاملون في دار سوزلر، جزاهم الله خيراً.
ثانياً: مقابلة الترجمة بعد الانتهاء منها بترجمة المؤلف الموجزة بطبعتها الاولى المنشورة تحت اسم "رجتة العلماء". وبطبعتها الثانية المنشورة ضمن كتاب "الصيقل الاسلامي" بمطبعة النور بانقرة سنة 1958م.
ثالثاً: اقتباس بعض عبارات المؤلف العربية من ترجمته.
رابعاً: ضبط الآيات الكريمة وبيان مواضعها من السور.
خامساً: تخريج الاحاديث الشريفة بمعاونة الاخ الكريم فلاح عبد الرحمن.
سادساً: كتابة هوامش لشرح بعض الاصطلاحات العلمية الواردة في الكتاب.
سابعاً: وضع تراجم مختصرة في الهوامش لعدد من الاعلام التي وردت


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 17
في الكتاب ولمؤلفاتهم ممن لم ينالوا حظاً من الشهرة عند القارئ مع اغفال المشاهير المعروفين عندهم.
وبعد ان تم العمل بفضل الله وددت ان لو قام احد العلماء الافاضل بمراجعة ما قمت به من تحقيق وترجمة. علّه يرشدني الى ما فيه الاصوب. فشاء الله ان يكون ذلك العالم هو الشيخ الجليل والعالم المبجّل والاستاذ القدير الدكتور عبد الملك السعدي فما ان عرضت عليه الفكرة حتى رحب بها وقبلها بتواضع جم. فقرأ الكتاب قراءة عالم مدقق ونبّهني على نقاط قد غفلت عنها ووضع هوامش ذيّلتها باسمه. ثم كلل جهدي بمقدمة قيّمة نافعة باذن الله فجزاه الله عنا خير جزاء.
والله نسال ان يوفقنا الى حسن القصد وصحة الفهم وصواب القول وسداد العمل وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
احسان قاسم الصالحي


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 19
محاكمات

في التفسير والبلاغة والعقيدة
أو
صيقـل الاسلام
"رجتة العلماء"

وصفة طبية: لعصر مريض، وعنصر عليل، وعضو سقيم

تألبف
بديع الزمان سعيد النورسي

ترجمة وتحقيق
احسان قاسم الصالحي


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 21
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وبالله التوفيق
التحيات للحاكم الحكيم الرحمن الذي لم يزل.. الذي فضلنا بالاسلام، وهدانا الى الصراط المستقيم بشريعته الغراء، تلك التي صدّق العقل والنقل معاً حقائقها الثابتة، الراسخة في ارض الحقيقة اصولها، المنتشرة في سماء الكمالات فروعها، الحاملة بسعادة الدارين ثمارها.
والذي ارشدنا الى الحق المبين، بقرآنه المعجز البيان: الذي بيّن بقواعده - من كتاب العالم - قوانين الله العميقة الجارية بيد القدر، المسطّرة بقلم الحكمة على صفحة الوجود، فيحقق باحكامه العادلة رقي البشرية وسمو نظامها ودقة اتزانها، فاصبح حقاً مرشداً وهادياً الى سواء السبيل.
والصلاة الدائمة على سيد الكونين وفخر العالمين الذي: يشهد لرسالته ويدل على معجزاته ويدعو الى ما أتى به من خزينة الغيب من كنز عظيم: العالم بانواعه واجناسه، حتى لكأن كل نوع يرحّب بمقدمه بلسانه الخاص، كما يستنطق سلطان الازل أوتار الارض والسموات، فينشد كل وتر بلسان نغمات معجزاته، فيرنّ ذلك الصدى الجميل الى الأبد ما دامت هذه القبة الزرقاء.
فالسماء تبارك رسالته، بألسنة معراجها وملائكتها وقمرها.
والارض تفخر بمعجزاته، بألسنة حجرها وشجرها وحيوانها.
وجو الفضاء يبشر بنبوته،بجنّه، ويظللها ويحميها بسحائبه.
والماضي يبشر بالفجر الصادق لذلك السراج المنير، بتصديق الانبياء وتلويحات الكتب ورموز الكهان.
والحال الحاضرة - اعنى خير القرون، قرن السعادة النبوية - تشهد على ثبوت نبوته بلسان الحال، بالانقلاب العظيم الذي احدثته في طبائع العرب، وتحويلهم دفعةً من البداوة الصرفة الى المدنية المحضة.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 22
والمستقبل يشكر بلسان الحكمة ارشاداته ويستقبل موكبه الميمون باحداثه وبتحقيقاته.
والبشرية قاطبة بعلمائها ومحققيها تشهد انه مرسل من عنده تعالى، ولا سيما المستمعون الى محمد صلى الله عليه وسلم بلسانه الفصيح وبكلامه البليغ، والذي هو كالشمس يضئ نفسه كما يضئ غيره.
والله سبحانه وتعالى بلسان قرآنه الحكيم يعلن رسالته ويستقرئها.
جمله شيران جهان بستهء اين سلسله اند
روبه ازحيله جه سان بكسلد اين سلسله را1
اما بعد
فان هذا الفقير، الغريب، النورسي، الذي يستحق ان يُطلق عليه اسم بدعة الزمان الاّ انه اشتهر - دون رضاه - بـ(بديع الزمان). فهذا المسكين يستغيث ألماً من حرقة فؤاده على تدني الامة ويقول: آه.. آه... واأسفى..
لقد انخدعنا فتركنا جوهر الاسلام ولبابه، وحصرنا النظر في قشره وظاهره.
وأسأنا الفهم، فأسأنا الأدب معه، وعجزنا عن ان نوفيه حقّه حق الايفاء وما يستحقه من الاحترام، حتى رغِبَ عنّا، ونَفَر منّا، وتستر بسحائب الاوهام والخيالات. والحق معه، اذ: نزّلنا الاسرائيليات منزلة أصوله، وادخلنا الحكايات في عقائده، ومزجنا مجازاته بحقائقه. فبخسنا حقه، فجازانا بالاذلال والسفالة في الدنيا.. ولا خلاص لنا الاّ باللواذ برحمته.
أيها الاخوة المسلمون، هيا لنعتذر اليه، ونطلب رضاه فنمدّ اليه معاً متفقين يد الصداقة نبايعه ونعتصم بحبله المتين.
أعلن بلا حرج ولاتردد: ان الذي دفعني وشجعني الى مبارزة افكار العصور الخوالي، والتصدي للخيالات والاوهام التي تقوّت واحتشدت منذ مئات السنين.. انما هو اعتقادي ويقيني بأن:

_____________________
1 بيت شعر باللغة الفارسية ورد في "مكتوبات الامام الرباني"بالفارسية رقم 27 و 58 من الجزء الاول. وفي الترجمة العربية ص 36، 70 من ج1.
هل يقـطع الثــــعلب المحــتال ســلسلةً قيدتْ بها أُســـد الدنيا بأســـرهم (المترجم)



صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 23
الحق سينمو، نمو البذرة النابتة، وإن تسترت تحت التراب. وان اهله سينتصرون وان كانوا قلة وضعفاء بظلم الاحوال.
واعتقادي: ان حقيقة الاسلام هي التي ستسود قارات العالم وتستولي عليها.
نعم! ان الاسلام هو الذي سيعتلي عرش الحقائق والمعارف، فلا يكشفها ولا يفتحها الاّ الاسلام... الأمارات تبدو هكذا..
ذلك لأن الذي حال دون استيلاء الشريعة الغراء استيلاءً تاماً في الماضي - في تلك الصحراء الموحشة والجهل المطبق الذي تربع على عرشه التعصب الذميم، وضرب فيه التقليد أطنابه، في بلاد الجهل المخيم بالسفساف والاستبداد المقيت - أقول ان الذي حال دون هيمنة الشريعة في الماضي هيمنة تامة هي أمور ثمانية، وقد محقت - وكذلك الآن تمحق - ثلاث حقائق.
هذه الموانع هي التي ادت الى كسوف شمس الاسلام.
اما الموانع التي في الاجانب فهي: التقليد والجهل وتعصبهم وسيطرة القسس عليهم.
أما الموانع التي عندنا فهي: الاستبداد المتنوع، وسوء الخلق، والأحوال المضطربة. واليأس الذي تنجم منه العطالة.
اما المانع الثامن، وهو أهم الموانع، والبلاء النازل فهو توهمنا - نحن والاجانب - بخيال باطل؛ وجود تناقض وتصادم بين بعض ظواهر الاسلام وبعض مسائل العلوم. فمرحى لجهود المعرفة الفياضة وانتشارها، وبخٍ بخٍ لعناء العلوم الغيورة، اللتين أمدّتا تحري الحقائق وشحنتا الانسانية، وغرستا ميل الانصاف في البشرية فجهزتا تلك الحقائق بالاعتدة لدفع الموانع، فقضت وستقضي عليها قضاءً تاماً.
نعم! ان اعظم سبب سلب منا الراحة في الدنيا، وحرم الاجانب من سعادة الآخرة، وحجب شمس الاسلام وكسفها هو: سوء الفهم وتوهم مناقضة الاسلام ومخالفته لحقائق العلوم.
فيا للعجب! كيف يكون العبد عدوّ سيده، والخادم خصم رئيسه، وكيف يعارض الابن والده!! فالاسلام سيد العلوم ومرشدها ورئيس العلوم الحقة ووالدها.


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 24
ولكن، يا للأسف.. هذا الفهم الخطأ، هذا الفهم الباطل، قد أجرى حكمه الى الوقت الحاضر، فألقى بشبهاته في النفوس، وأوصد أبواب المدنية والمعرفة في وجه الأكراد وأمثالهم. فذعروا من توهم المنافاة بين ظواهر من الدين لمسائل من العلوم. فكروية الأرض - مثلاً - وهي اولى مرتبة من مراتب الجغرافية التي هي أول منزل من منازل العلوم، هذه المسألة البديهية توهموها منافية للمسائل الست التي سنذكرها، ولم يتحرجوا من المكابرة فيها والاصرار عليها.
فيامن يمعن النظر في كتابي هذا.
اعلم! ان ماأريد ان أسديه بهذا الكتاب من خدمة هو:
رد شبهات اعداء الدين الذين يبخسون الاسلام حقه، باظهار الطريق المستقيم الذي عليه الاسلام ودفع أوهام أهل الافراط والغلو المغرمين بظاهر الاسلام دون حقيقته، والذين يستحقون لقب "الصديق الاحمق" ببيان الجانب الآخر من ذلك الطريق السوي.. وامداد علماء الاسلام الاوفياء الصادقين العقلاء وهم المرشدون الحقيقيون الاصلاء الذين يسعون في اظهار هذا الصراط القويم، يحدوهم الامل الكامل في النصر، ويمهدون السبيل الى مستقبل عالم الاسلام الزاهر.

زبدة الكلام:
ان ما أقصده بهذا الكتاب: صقل ذلك السيف الألماسي وشحذه.
فان سألت:
- لِمَ هذا الاضطراب والقلق، وماجدوى سرد البراهين على ماصار كالعلوم المتعارفة؟ اذ المسائل التي تمخضت عن تلاحق الافكار1 وكشفيات التجارب صارت واضحة وضوح البديهة. فايراد البراهين عليها من قبيل الاعلام بالمعلوم؟!
أقول جواباً:
- ان معاصريّ - مع الأسف - وان كانوا أبناء القرن الثالث عشر الهجري الا انهم تذكار القرون الوسطى من حيث الفكر والرقي. وكأنهم فهرس، ونموذج، واخلاط ممتزجة لعصور خلت - من القرن الثالث الى الثالث عشر الهجري - حتى غدا كثير من بديهيات هذا الزمان مبهمة لديهم
_____________________
1 تلاحق الافكار أي تعاقبها وترتب بعضها على بعض. (المترجم)



صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 25
المقدمة

هذا الكتاب مبني على ثلاث مقالات وثلاثة كتب:
المقالة الاولى: تبحث في عنصر الحقيقة أو في صقل الاسلام بمقدمات ومسائل.
المقالة الثانية: تكشف عن عنصر البلاغة.
المقالة الثالثة: تبين عنصر العقيدة والاجوبة اليابانية1.
أما الكتب: فهي تحقيق علمي ونوع تفسير لما أشار اليه القرآن من علم السماء
وعلم الارض وعلم البشر2.
_____________________
1 حضر القائد العام الياباني استانبول سنة 1907 م أي اواخر حكم السلطان عبد الحميد الثاني ووجّه جملة من الاسئلة الدينية الى المشيخة الاسلامية، فوجّه العلماء بدورهم تلك الاسئلة مع اسئلة اخرى الى الاستاذ النورسي، اورد قسماً من اجوبته التي تخص العقيدة في المقالة الثالثة من هذا الكتاب وخصّ (الشعاع الخامس) للاجوبة التي تخص اشراط الساعة والدجال . المترجم.
2 لم يتيسر للمؤلف تأليف هذه الكتب الثلاثة، اذ باشر بتأليف تفسيره »اشارات الاعجاز« في خضم معارك الحرب العالمية الاولى، ولم يتمه ايضاً حيث صرفه المولى القدير الى تأليف رسائل النور انقاذاً للايمان. المترجم.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس