الموضوع: صيقل الإسلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: صقيل الإسلام

صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 92
الآية الثانية: (والشمس تجرى لمستقر لها)
نعم! ان كلمة تجري تشير الى اسلوب بياني كما ان كلمة (لمستقر) تلوح الى حقيقة. بمعنى انه يجوز ان يكون الاسلوب البياني المشار اليه بـ (تجري) هو الاتي:
ان الشمس كسفينة مدرعة مصنوعة من ذوب الذهب تجري وتسبح في بحر السماء الاثيري - المعبّر عنه بموج مكفوف - وهي وان ارسيت في مستقرها الاّ ان ذلك الذهب الذائب يجري في ذلك البحر العظيم، بحر السماء. ولكن ذلك الجريان انما هو بالنظر الحسي الذي يراعى لاجل التفهيم، فهو جريان تبعي وعرضي. الاّ ان للشمس جريانين حقيقيين؛ ولابد ان يكون لها جريان، لان المقصد - من الآية - بيان الانتظام، وحسب اساليب العرب وفي نظر النظام ان كان الجريان ذاتياً او تبعياً فالامر سواء.
ثانياً: ان الشمس في مستقرها وعلى محورها متحركة، لذا فان اجزاءها التي هي من ذوب الذهب تجري ايضاً، هذه الحركة الحقيقية هي حبة من تلك الحركة المجازية المذكورة بل هي محركها.
ثالثاً: انه من مقتضى الحكمة ان جريان الشمس وجنودها التي هي سياراتها في فضاء العالم في جريان مشاهد، لان القدرة الالهية قد جعلت كل شئ حياً ومتحركاً ولم تجعل شيئاً محكوماً عليه بالسكون المطلق، ولم تسمح الرحمة الالهية ان يتقيد اي شئ كان بالعطالة المطلقة التي هي اخت الموت وابنة عم العدم. لذا فالشمس ايضاً طليقة بشرط اطاعتها للقانون الالهي، فلها الحرية في الجريان، ولكن بشرط الاّ تتدخل في حرية غيرها. ان الشمس سلطان الفضاء وهي المتمثلة للأمر الالهي، والمنفذة للمشيئة الالهية في كل حركاتها.
نعم ان جريان الشمس كما يكون على سبيل الحقيقة يمكن ان يكون على سبيل المجاز ايضاً، وكما ان جريان الشمس حقيقي وذاتي يمكن ان يكون عرضياً وحسياً ايضاً. والمنار على المجاز كلمة (تجري) والملوح للعقدة الحياتية لفظ (لمستقر لها).


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 93
نحصل مما سبق: ان المقصد الالهي في هذه الاية الكريمة: ابراز النظام والانتظام فالنظام ساطع كالشمس، وبناء على قاعدة: "كُلِ العسل ولاتسل" فان الحركة المنتجة للنظام سواء كانت من الشمس او من دوران الارض، ايما كانت، فلسنا مضطرين الى تحرّي السبب الاصلي لانه لا يخلّ بالقصد الاساس في ذكر الآية. شبيه ذلك: الالف مثلاً في قال، تحصل بها الخفة، فأياً كان اصل الالف، فالخفة حاصلة والالف الف، حتى لوكان اصلها قافاً بدل الواو..
اشارة: فمع هذه التصويرات فان الجمود البارد والتعصب على الظاهر ينافي حرارة البلاغة ولطافتها كما انه يجرح ويخالف استحسان العقل الشاهد على الحكمة الالهية التي هي اساس نظام العالم الشاهد على الصانع. وذلك:
اذا استقبلت مثلاً جبل (سبحان) من بعد فراسخ، وأردت ان يتبدل وضعه بالنسبة لجهاتك الاربع، او تشاهده في كل جهة من جهاتك. فبدلاً من ان تتخطى خطوات يسيرة نحوه، تكلف جبلاً ضخماً ذلك الجرم العظيم ان يأتي اليك من جهاتك الاربع وقطعه دائرة عظيمة تحار في تصورها. فهذا المثال العجيب للاسراف والعبثية واختيار الطريق الاطول وترك الاقصر، اعدّه جناية على نظام العالم.
والان انظر بنظر الحقيقة المنصفة الى هذا التعصب البارد، كيف يعارض حقيقة باهرة ثابتة بشهادة الاستقراء التام. تلك الحقيقة هي:
لا اسراف ولا عبث في الخلقة، والحكمة الازلية لاتترك الطريق القصير المستقيم، ولا تختار الطريق الطويل المتعسف، لذا فلِمَ لا يجوز ان يكون الاستقراء التام قرينة المجاز؟ وما المانع الذي يتصور؟.
تنبيه:
ان شئت فادخل المقدمات. واجعل المقدمة الاولى هي الصغرى والمقدمة الثالثة هي الكبرى لتنتج لك: ان الذي يشوش اذهان الظاهريين، انجذابهم الى الفلسفة اليونانية، حتى نظروا اليها نظر المسلّمات في فهم الآيات.. ومما يضحك الثكلى: ان بعضاً فهموا من كلام مَن هو اجل من ان لا يميز جوهر الحقيقة عن زخارف الفلسفة، قوله بالكردية (عناصر جهارَن زِ وانن ملك) اي: ان الملائكة اجسام نورانية مخلوقة من عناصر، لا كما يزعمه الفلاسفة من انهم مجرّدون عن المادة. ففهموا من هذا الكلام ومن هذا التصريح ان العناصر اربعة وهي من الاسلام!!


صيقل الإسلام/محاكمات - ص: 94
فيا للعجب! ان كونها اربعة، وكونها بسيطة هي من اصطلاحات الفلاسفة، ومن اسس العلوم الطبيعية الملوثة، ولا علاقة لها أصلاً باصول الاسلام. بل هي قضية يحكم عليها بظاهر المشاهدة.
نعم! ان كل ما يمس الدين لا يلزم ان يكون من الدين، فان قبول كل مادة تمتزج مع الاسلام انها من عناصرالاسلام، يعني الجهل بخواص عنصر الاسلام نفسه، لان العناصر الاربعة الاساسية للاسلام، وهي الكتاب والسنة والاجماع والقياس، لاتولد مثل هذه المواد ولاتركبها.
حاصل الكلام: ان تلك العناصر.. هي عناصر، وهي بسيطة، وهي اربعة، وهي من مستنقع الفلسفة، وليست من معدن الشريعة الخالص، ولكن لدخول اخطاء الفلسفة في لسان سلفنا، وجدوا محملاً صحيحاً لها. لان السلف عندما قالوا اربعة فهي ظاهراً اربعة، او هي حقيقة اربعة، وهي التي تولد الاجسام العضوية: مولد الماء والحموضة والآزوت والكربون. وان كنت حراً في تفكيرك فانظر الى شر هذه الفلسفة، كيف ألقت الأذهان الى السفالة والأسر. فمرحى للفلسفة الجديدة المتحررة التي قضت على تلك الفلسفة اليونانية المستبدة قضاءً مبرماً.
تحقق اذاً مما سبق: ان مفتاح دلائل اعجاز الايات وكشاف اسرار البلاغة، هو في معدن البلاغة العربية، وليس في مصنع الفلسفة اليونانية.
ايها الأخ! لما كان الاهتمام واللهفة في كشف الاسرار أبلغنا هذا المقام. وجعلناك تصحبنا ونقلق فكرك، ونشعر بما تعانيه من اتعاب فالآن نطوّف بك في ميادين عنصر البلاغة ومفتاح الاعجاز في المقالة الثانية.
واياك ان ينفرك اغلاق اسلوبها، وظاهر مسائلها المهلهل. لان دقة معانيها هي التي اغلقتها. وجمال معانيها بذاتها هو الذي جعلها مستغنية عن الزينة الظاهرية.
نعم! ان صداق المستغنية المتغنجة، انعام النظر، ومنازلها سويداء القلب. فما خلعتُ عليها من ملابس يخالف طراز هذا العصر، ذلك لانني قد ترعرعت في الجبال، وهي مدرسة شرقي الاناضول فلم اتعلم الخياطة الحديثة!
ثم ان اسلوب بيان الشخص يمثل شخصيته. وانا كما ترون وتسمعون: معمىً، مشكل الحل.
تـم… تم…



عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس