عرض مشاركة واحدة
قديم 03-10-2013
  #45
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب الثامن : صدقة التطوع

(1/658)

حكمها :

(1/659)

- سنة وتصبح سنة مؤكدة بالماء والمنيحة ( 1 ) في البلدان الشحيحة
ويستحب التصدق بما فضل عن حاجة الشخص إن لم يشق عليه الصبر على الضيق لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له وكن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ) حتى ظننا أنه لا حق لأحد منا في الفضل ( 2 ) "
ويكره للمرء أن يسترد صدقته ممن تصدق عليه بنحو شراء ( 3 )
ويحرم التصدق بما يحتاجه الشخص لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته أو بما يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء من مال غير الذي يريد التصدق به
ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب لحديث سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم ) . فقالوا : يا رسول الله وما يغنيه ؟ قال : ( قدر ما يغديه ويعيشه ) " ( 4 )
_________
( 1 ) العنزة الحلوب يمنحها الجار لجاره لينتفع بلبنها ما دام فيها لبن
( 2 ) أبو داود ج 2 / كتاب الزكاة باب 32 / 1663
( 3 ) كأن يتصدق بمقدار من القمح ثم يطلب ممن تصدق عليه أن يبيعه القمح الذي أعطاه إياه
( 4 ) أبو داود ج 2 / كتاب الزكاة باب 23 / 1629

(1/660)

دليلها :

(1/661)

- قوله تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ( 1 )
والحديث الذي رواه عدي بن حاتم رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( اتقوا النار ولو بشق تمرة ( 2 ) "
ويسن للمتصدق ما يلي :
- 1 - أن يتصدق بما يحبه لقوله تعالى : { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ( 3 )
- 2 - أن يتصدق عن طيب نفس وبشر
- 3 - أن يكثر من الصدقة في الأزمنة الفاضلة ( 4 ) وفي الأمكنة الفاضلة ( 5 )
- 4 - أن يكثر من الصدقة عند الأمور المهمة كالغزو والكسوف ( 6 ) والمرض لما روي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها ) ( 7 ) ولحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ) ( 8 )
ويحرم المن بالصدقة ويبطل ثوابها لقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس . . . } ( 9 )
_________
( 1 ) الزلزلة : 7
( 2 ) البخاري ج 2 / كتاب الزكاة باب 9 / 1351
( 3 ) آل عمران : 92
( 4 ) شهر رمضان ويوم الجمعة وزمن الحج
( 5 ) وهي على سبيل الحصر والتدرج : مكة المدينة بيت المقدس
( 6 ) لأن الكسوف يذكر بيوم القيامة
( 7 ) رواه الطبراني في الأوسط مجمع الزوائد ج 3 / ص 110
( 8 ) رواه الطبراني في الأوسط مجمع الزوائد ج 3 / ص 115
( 9 ) البقرة : 264

(1/662)

لمن تعطى الصدقة على سبيل التدرج :

(1/663)

- إلى الزوج ثم القريب الأقرب ( 1 ) ثم القريب الأبعد ( 2 ) ثم محارم الإرضاع ثم محارم المصاهرة ( 3 ) ثم الولاء ( 4 ) ثم الجار
وتجوز الصدقة على العدو وأهل الخير المحتاجين ( 5 )
_________
( 1 ) الرحم الذي لا يجوز الزواج منه
( 2 ) الرحم الذي يجوز الزواج منه
( 3 ) أهل الزوج وأهل الزوجة
( 4 ) الرقيق المعتق
( 5 ) الأغنياء عندما يفتقرون

(1/664)

كتاب الحج

(1/665)

الباب الأول : معنى الحج والعمرة وشروطهما والاستنابة

(1/666)

معنى الحج حكمه دليل فرضيته

(1/667)

- معنى الحج
لغة : القصد إلى معظم
شرعا : قصد البيت الحرام لأعمال النسك

(1/668)

- حكمه :
هو ركن من أركان الإسلام وفرض عين على كل مستطيع يكفر جاحده إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدا عن العلماء وهو عباده بدنية ومالية

(1/669)

- دليل فرضيته :
القرآن والسنة والإجماع :
فمن القرآن قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ( 1 )
ومن السنة حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) ( 2 )
ولا يجب الحج بأصل الشرع إلا مرة واحدة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) فقال رجل أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ) " ( 3 ) . ولأنه صلى الله عليه و سلم لم يحج بعد أن فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع
وقد انعقد الإجماع منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا على أن الحج فريضة محكمة على كل مستطيع في العمر مرة واحدة
_________
( 1 ) آل عمران : 97
( 2 ) البخاري ج 1 / كتاب الإيمان باب 1 / 8
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 73 / 412

(1/670)

معنى العمرة حكمها

(1/671)

- معنى العمرة
لغة : الزيارة
شرعا : زيارة البيت الحرام للنسك

(1/672)

- حكمها :
هي فرض عين على كل مستطيع ودليل فرضيتها قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله . } ( 1 ) . وما روته عائشة رضي الله عنها قالت : " قلت يا رسول الله على النساء جهاد ؟ قال : ( نعم عليهن جهاد لا قتال فيه : الحج والعمرة ) " ( 2 )
وهي فرض لمرة واحدة لحديث جابر أن سراقة بن جعشم رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن العمرة فقال : " يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه و سلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال : ( دخلت العمرة في الحج - مرتين - لا بل لأبد الأبد ) " ( 3 )
ووجوب الحج والعمرة على التراخي ما لم يخش المرض بدليل قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( 4 ) وهذا القول مطلق عن تعيين الوقت ولا يجوز تقييد النص إلا بدليل ولا دليل على ذلك . إلا أنه إن أخر بعد التمكن
ومات قبل أداء فريضة الحج مات عاصيا ووجب قضاؤها من تركته
_________
( 1 ) البقرة 196
( 2 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب المناسك باب 8 / 2901
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147
( 4 ) آل عمران : 97

(1/673)

شروط الحج والعمرة :

(1/674)

أولا - شروط للصحة مطلقا :

(1/675)

- وهي الإسلام فقط فلا يصح الحج أو العمرة من كافر أصلي أو مرتد لعدم أهليته للعبادة . ويصح إحرام الولي أو مأذونه عن الصبي المسلم غير المميز ومباشرته الأعمال عنه بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن امرأة رفعت صبيا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : ( نعم ولك أجر ) " ( 1 )
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج 72 / 410

(1/676)

ثانيا - شروط صحة المباشر بالنفس :

(1/677)

- الإسلام والتمييز فيصح من الصبي والعبد ويثاب كل منهما عليه لكن لا يجزئهما عن حجة الإسلام ويحرم المميز بإذن وليه ويباشر الأعمال بنفسه ويجوز للولي أن يحرم عنه بأن يقول : نويت الإحرام عن فلان بكذا أو جعلته محرما بكذا . وبعد أن يصير محرما يمنعه وليه عن جميع محرمات الإحرام ويحضره مواضع النسك كلها وجوبا في الواجب وندبا في المندوب

(1/678)

ثالثا - شروط وقوعه عن حجة الإسلام :

(1/679)

- الإسلام والعقل والبلوغ والحرية

(1/680)

رابعا - شروط الوجوب :

(1/681)

1 - الإسلام : فلا يجب الحج ولا العمرة على الكافر الأصلي ولا أثر لاستطاعته في حال الكفر ولا يستقر الحج في ذمته بها بل يعتبر حاله بعد الإسلام فإن استطاع لزمه وإلا فلا لقوله صلى الله عليه و سلم فيما رواه عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ) ( 1 )
أما المرتد فيجب عليه وجوب مطالبة بأن يقال له : أسلم ثم حج فإن كان مستطيعا قبل ردته أو أثناء ردته ثم أسلم فأعسر استقر في ذمته بتلك الاستطاعة وإن مات بعد إسلامه ولم يحج حج عنه من تركته أما إن مات مرتدا فلا يحج عنه

(1/682)

2 - العقل : فلا يجب الحج على المجنون ودليله ما روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل ) ( 2 )

(1/683)

3 - البلوغ : فلا يجب على الصبي لكنه يثاب على حجه بثواب نفل . فإن بلغ الصبي أثناء القيام بأعمال الحج أو العمرة وقبل الوقوف بعرفة أو في أثنائه أجزأه النسك ويعيد السعي إن كان قد سعى بعد طواف القدوم

(1/684)

4 - الحرية : فلا يجب على الرقيق ولو مبعضا لأن العبد المملوك مستغرق في خدمة سيده ولأن الاستطاعة شرط وهي لا تتحقق إلا بملك الزاد والراحلة والعبد لا يملك شيئا

(1/685)

5 - الاستطاعة : لقوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } والمراد منها استطاعة التكليف بهذه الفريضة
والاستطاعة نوعان : استطاعة بنفسه واستطاعه بغيره :
أولا - استطاعة المباشرة بالنفس : وشروطها خمسة للرجل والمرأة سواء وشرطان خاصان بالمرأة دون الرجل
أما الخمسة العامة فهي :
- 1 - وجود الزاد وقدر النفقة ذهابا وإيابا فإذا لم يجد الزاد وحج معولا على السؤال كره له ذلك وذهب الشافعي إلى أنه يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة ممن لا منة له على المباح له كالوالد إذا بذل الزاد والراحلة لولده . كما يشترط وجود أوعية الزاد إن احتاج إليها لحمل الزاد من بلده أما الشخص القريب من مكة فقد لا يحتاج إلى ذلك . ويشترط وجود الماء والزاد في المواضع المعتاد حمله منها بثمن المثل فلو لم يجد الماء أصلا أو وجده بأكثر من ثمن المثل لم يجب عليه الحج وكذلك وجود علف الدابة التي يركبها في كل مرحلة ( 3 )
- 2 - وجود آلة الركوب التي تليق في حق المرأة والخنثى مطلقا أما في حق الرجل فيشترط ذلك إن طال سفره أي إن كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر ولو كان قادرا على المشي . أما إن كان سفره أقل من مرحلتين وهو قادر على المشي فلا تشترط آلة الركوب من راحلة وغيرها . ودليل ما سبق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم فسر السبيل في الآية { من استطاع إليه سبيلا } باستطاعة الزاد والراحلة روي عن أنس رضي الله عنه قال : " قيل يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : ( الزاد والراحلة ) " ( 4 )
ويشترط في كل ما سبق من زاد وأوعية وراحلة أن يكون فاضلا عن دينه سواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كالزكاة والكفارات . كما يشترط أن يكون فاضلا عن مؤنة من عليه مؤنتهم كزوجة وفرعه وأصله مدة ذهابه ورجوعه وإقامته في الحجاز لحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ) ( 5 ) . وأن يكون فاضلا عن مسكنه اللائق به وعن عبد يليق به ويحتاج إليه في خدمته
- 3 - توفر الأمن في الطريق وقت خروج الناس للحج بأن يكون خاليا من نحو سبع وعدو فإن لم يأمن على نفسه أو ماله لم يجب عليه الحج
- 4 - صحة البدن : فلا حج على المريض والمزمن والمقعد والشيخ الكبير الذي لا يثبت على الراحلة بنفسه ولو وجدت فيهم سائر شروط الحج الأخرى . وإن كان أعمى لم يجب عليه إلا أن يكون معه قائد لأن الأعمى من غير قائد كالزمن ومع القائد كالبصير
- 5 - إمكان السير وتوفر الوقت اللازم بحيث يدرك الحج فإن لم يبق من الوقت ما يتمكن فيه من السير لأداء الحج لم يلزمه
أما الشرطان الخاصان بالمرأة فهما :
- 1 - أن يخرج معها زوجها أو محرم لها أو نسوة ثقات اثنتان فأكثر تأمن معهما على نفسها لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن
أما إذا كان الحج نفلا فلا بد من زوج أو محرم وإن لم يكن كل منهما ثقة إنما الشرط أن يكون ذا غيرة عليها
وليس للمرأة الحج إلا بإذن الزوج فرضا كان أو غيره ولو منعها منه لم يجز لها الخروج له وإذا أخرت الفرض لمنعه وماتت قضي من تركتها ولا تعتبر عاصية ما لم تتمكن من الحج قبل النكاح
- 2 - ألا تكون معتدة عن طلاق أو وفاة مدة إمكان السير للحج لقوله تعالى : { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } ( 6 )
ثانيا - الاستطاعة بغيره : وتكون بأحد أمرين : بماله أو بمن يطيعه
- 1 - فمن لا يقدر على الحج بنفسه لزمانة أو كبر أو مرض لا يرجى زواله بأن أقعده ذلك وله مال يدفعه إلى من يحج عنه فيجب عليه فرض الحج لأنه يقدر على أداء الحج بغيره
- 2 - ومن لا يقدر على الحج بنفسه وليس له مال ولكن له ولد يطيعه إذا أمره فإذا كان الولد مستطيعا وجب على الأب الحج ويلومه أمر الابن بأدائه عنه وإن لم يكن للولد مال فلا يلزمه . لما روي عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : " يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن . قال : ( حج عن أبيك واعتمر ) " ( 7 )
_________
( 1 ) مسلم ج 1 / كتاب الإيمان باب 54 / 192
( 2 ) الترمذي ج 4 / كتاب الحدود باب 1 / 1422
( 3 ) أو وقود ما يقوم مقام الراحلة في أيامنا
( 4 ) المستدرك ج 1 / ص 442
( 5 ) أبو داود ج 2 / كتاب الزكاة باب 45 / 1692
( 6 ) الطلاق : 1
( 7 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب المناسك باب 10 / 2906

(1/686)

- تعقيبات :
- 1 - من كان له مسكن واسع يفضل عن حاجته بحيث لو باع الجزء الفاضل عن حاجته لوفى ثمنه للحج فيجب عليه الحج
- 2 - من ملك بضاعة لتجارته يلزمه صرف مال تجارته لنفقة الحج ولو لم يبق رأسمال للتجارة وهناك قول عند الشافعية أنه لا يلزمه والأول أقوى
- 3 - من ملك نفقة الحج وأراد أن يتزوج فله حالان :
أن يكون في حال اعتدال بالنسبة للشهوة فهذا يلزمه الحج ويستقر في ذمته لكن له صرف المال إلى النكاح ويبقى الحج في ذمته
أن يكون في حال توقان نفس وخوف من الزنى فهذا يكون الزواج في حقه مقدما على الحج اتفاقا

(1/687)

الاستنابة بالحج :

(1/688)

- حكمها : تجب على الورثة عن الميت من تركته قبل توزيعها ولو بدون وصية إذا كان المتوفى في حال حياته قد توفرت فيه شروط وجوب الحج إلا أنه لم يحج وهذه الحجة تسقط الفريضة عن الميت فإن لم يفعلوا ورثوا مالا حراما وبقيت فريضة الحج عنه معلقة بذمتهم ولو لم يوص بها المتوفى . وإن لم يكن له تركة سن لوليه أو لوارثه أن يحج عنه من ماله الخاص كما يجوز للأجنبي أن يحج عنه ( 1 ) قياسا على قضاء الدين لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت : " إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال صلى الله عليه و سلم : ( نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) " ( 2 )
أما الاستنابة في حجة النفل ففيها قولان : الأول أنها لا تصح إلا إذا أوصى بها المتوفى وإلا فلا والثاني أنها تصح ولو لم يوص بها وهو المعتمد
وتجب الاستنابة على من عجز عن الحج بنفسه لكبر سن أو مرض مزمن لا يرجى برؤه إن قدر عليه بماله أو بمن يطيعه على ما تقدم . أما إن كان بينه وبين مكة دون مسافة القصر فيلزمه الحج بنفسه ولا تصح الاستنابة ما لم ينته لحالة لا يقدر معها على الحركة
شروط المستناب : أن يكون أهلا للحج مسلما بالغا عاقلا حرا ثقة حج حجة الإسلام عن نفسه ودليل ذلك ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يقول لبيك عن شبرمة . قال : ( من شبرمة ؟ ) قال : أخ لي أو قريب لي . قال : ( حججت عن نفسك ؟ ) قال : لا . قال : ( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) " ( 3 )
أما نية المستناب فتكون بأن يقصد معنى قوله : نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى
ويشترط في المستناب إن كان مستأجر أن يدخل بالحج إفرادا ( 4 ) ما لم يسمح المستأجر للمستأجر أن يحج بأي شكل كان . أما إذا كان المستناب متبرعا فيصح له أن يؤدي الحج أو العمرة بأي وجه كان لكن الإفراد أفضل لأنه وجه الكمال . ويسن ذكر اسم المستناب عنه عند القيام بأركان النسك أما عند القيام بالنافلة - كطواف النافلة - فيجب ذكر اسم المستناب عنه
أما المكان الذي يجب أن يحرم فيه المستناب عن الميت فهو ميقات بلد الميت
_________
( 1 ) ولو بدون إذن المتوفى أو إذن وليه
( 2 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 33 / 1754
( 3 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 26 / 1811
( 4 ) وهو أحد أوجه تأدية الحج والعمرة وأفضلها عند الشافعية وهناك التمتع والقران أيضا وسيأتي بيانها في أوجه تأدية الحج والعمرة

(1/689)

الباب الثاني : أركان الحج والعمرة ( 1 )

(1/690)

أركان الحج :

(1/691)

الركن الأول - الإحرام :

(1/692)

- هو قصد الدخول في الحج أو العمرة أو كليهما . والمراد به هنا الدخول في حرمات مخصوصة هي حرمات الشروع في الحج أو العمرة ولا يتحقق الإحرام إلا بالنية لرواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ) ( 2 )
والنية هي قصد القلب الدخول بالحج أو العمرة أو بهما معا ولا بد من التعيين فإن أطلق بأن نوى الإحرام ولم يعين فإن كان في أشهر الحج ( 3 ) صرفه لما شاء من النسكين - حج أو عمرة - أو كليهما إن لم يفت وقت الحج فإن فات صرفه للعمرة وإن كان في غير أشهر الحج انعقد عمرة ويكون الصرف بالنية لا باللفظ ولا يجزئه العمل قبل النية فلو طاف أو سعى قبلها لم يعتد به . ويستحب التلفظ بالنية بقوله : نويت الحج أو العمرة وأحرمت به لله تعالى . وإن كان نائبا عن غيره قال : نويت الحج أو العمرة عن فلان وأحرمت به لله تعالى
ويصح الإحرام بإحرام غيره وذلك بأن يقصد المحرم الاقتداء بشخص من أهل العلم والفضل فيحرم بما أحرم به لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " قدمت على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو منيخ بالبطحاء فقال لي : ( أحججت ؟ ) فقلت : نعم . فقال ( بم أهللت ؟ ) قال : قلت لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه و سلم . قال : ( فقد أحسنت ) " ( 4 )
حكم الإحرام لدخول مكة :
من حج واعتمر حجة الإسلام وعمرته ثم أراد دخول مكة لحاجة لا تتكرر كزيارة أو تجارة أو رسالة أو كان مكيا مسافرا فأراد دخولها عائدا من سفره استحب له الإحرام بعمرة أو بحج إن كان في أيامه ويكره الدخول بغير إحرام لأن تحية الحرم تكون بذلك . وإن كان دخوله لقتال أو خوفا من ظالم ولا يمكنه أن يظهر لأداء النسك فله أن يدخل بغير إحرام لأن النبي صلى الله عليه و سلم دخل مكة يوم الفتح بغير إحرام لأنه كان لا يأمن أن يقاتل ويمنع . أما من يتكرر دخوله كالحطاب والحشاش والصياد والسقاء وحامل البريد فيدخلها بغير إحرام لما ورد في صحيح البخاري : " وإنما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة ولم يذكره للحطابين وغيرهم " ( 5 )
_________
( 1 ) نقتصر في هذا الباب على ذكر الواجب في كل ركن ونرجئ الحديث عن سنن كل ركن إلى الباب الرابع الذي خصص لبحث سنن الحج والعمرة
( 2 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 45 / 155
( 3 ) أشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 22 / 154 وبم أهللت : أي بم أحرمت
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 29

(1/693)

الركن الثاني - الوقوف بعرفة :

(1/694)

- دليل فرضيته :
قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } وقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه ) ( 1 ) تفسيرا للأمر القرآني بالحج والمجمل إذا فسر يلتحق به التفسير ويصير للتفسير حكم الأصل
- مكان الوقوف :
عرفة كلها موقف فيصح أداء الركن في أي موضع منها إلا بطن وادي عرنة لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ) ( 2 ) . وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرفة ) ( 3 )
وحد عرفة : من الجبل المشرف على وادي عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي منطقة البساتين المعروفة قديما ببساتين بني عامر . ومسجد نمرة ليس من عرفة
والواجب في الوقوف أن يحضر المحرم بأرض عرفة . ويصح وقوفه حتى لو وقف على غصن شجرة فيها أو على دابة ولكن لا يصح بهوائها - كأن يكون في طائرة فوق أرض عرفة - وليس المقصد خصوص الوقوف بل مطلق الحضور ولو كان نائما أو مارا في طلب آبق أو هاربا وإن لم يعرف كون الموضع عرفة بشرط وجود نية الحج
- زمن الوقوف :
يبدأ وقت الوقوف من زوال الشمس يوم عرفة - وهو التاسع من ذي الحجة - ويستمر إلى طلوع الفجر الثاني يوم النحر بدليل حديث جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه و سلم : " أنه صلى الله عليه و سلم أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له " ( 4 ) وهو القائل صلى الله عليه و سلم : ( خذوا عني مناسككم ) ( 5 ) وحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه المتقدم : ( من جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه )
ويتحقق الفرض ببقائه لحظة في أرض عرفة خلال الوقت المذكور
ولو وقف الحجاج في اليوم العاشر من ذي الحجة ظنا منهم أنه اليوم التاسع بأن غم عليهم هلال ذي الحجة أجزأهم وقوفهم هذا بخلاف ما لو وقفوا في اليوم الثامن أو الحادي عشر خطأ فلا يجزئهم الوقوف
ولا يشترط للوقوف الطهارة من الحدثين فيصح من المحدث والجنب والحائض والنفساء لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها لما حاضت : ( افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) ( 6 )
_________
( 1 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب المناسك باب 57 / 3015 من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه وليلة جمع : هي ليلة مزدلفة لأنه يجمع فيها بين المغرب والعشاء أو لاجتماع الحجاج فيها
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 20 / 149 ، ويقصد بقوله ههنا : عند الصخرات حيث الجبل المسمى بجبل الرحمة
( 3 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب المناسك باب 55 / 3012
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147 ، والقصواء : هو لقب ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم
( 5 ) البيهقي ج 5 / ص 125
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 80 / 1567

(1/695)

الركن الثالث - الطواف :

(1/696)

- بعد أن يفيض الحاج من عرفة ويبيت بمزدلفة يأتي منى يوم العيد فيرمي وينحر ويحلق ثم بعد ذلك يفيض إلى مكة فيطوف بالبيت ( 1 ) وهذا الطواف يسمى طواف الزيارة لأنه يأتي من منى فيزور البيت ولا يقيم بمكة وإنما يبيت في منى ويسمى أيضا طواف الإفاضة لأنه يفعله عند إفاضته من منى إلى مكة . وهو فرض في الحج لذلك يسمى أيضا طواف الفرض أو طواف الركن
- دليل فرضيته :
قوله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } ( 2 )
وحديث عن عائشة رضي الله عنها " أن صفية بنت حيي رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم حاضت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ( أحابستنا هي ؟ ) قالوا : إنها قد أفاضت . قال ( فلا إذا ) " ( 3 )
- وقته :
يدخل وقته من نصف ليلة النحر بدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه و سلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت " ( 4 )
ولا آخر لوقته ولكن الأفضل فعله يوم النحر ويكره تأخيره عنه وتأخيره عن أيام التشريق أشد كراهة
- واجباته :
- 1 - ستر العورة : وهي العورة الواردة في بحث الصلاة . والدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه " أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان " ( 5 )
- 2 - الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر والطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه . ويعفى عما يشق الاحتراز منه لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ) ( 6 ) . وإذا زال الستر أو انتقض الوضوء أثناء الطواف جدد ستره أو وضوءه وبنى على ما طافه سابقا وإن تعمد ذلك وطال الفصل بخلاف الصلاة إذ يحتمل في الطواف ما لا يحتمل فيها ككثير الكلام . لكن يسن للمرء استئناف الطواف في هذه الحال
- 3 - جعل البيت عن يساره مارا تلقاء وجهه فلو استقبله أو استدبره أو جعله عن يمينه لم يصح طوافه
- 4 - الابتداء من الحجر الأسود في كل شوط فلو بدأ من غيره لم يحتسب له ما طافه قبله
- 5 - كون الطواف سبع طوفات من الحجر الأسود للحجر الأسود فإن ترك شيئا من السبع وإن قل لا يجزئ والدليل ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : " قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فطاف بالبيت سبعا ثم صلى خلف المقام ركعتين " ( 7 ) . ولا ينجز شيء منه بالدم ولا بغيره . ولو شك في العدد لزمه الأخذ بالأقل أثناء الطواف أما إذا شك بعد الانتهاء فلا شيء عليه
- 6 - كون الطواف داخل المسجد وإن وسع ما لم يخرج عن الحرم ويجوز في هواء المسجد وعلى سطحه ولو مرتفعا عن البيت ولا بأس بالحائل بين الطائف والبيت
- 7 - أن يكون الطائف خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت . ويعتبر الشاذروان ( 8 ) من البيت وكذا حجر سيدنا إسماعيل وهو الحطيم لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " سألت النبي صلى الله عليه و سلم عن الجدر - هو الحجر أو الحطيم - أمن البيت هو ؟ قال : ( نعم ) " ( 9 )
والدليل على وجوب كون الطائف خارجا بجميع بدنه عن جميع البيت قوله تعالى : { وليطوفوا بالبيت العتيق } . فيكون المرء طائفا به إذا لم يكن جزء منه فيه وإلا فهو طائف فيه . ولأن رسول الله صلى الله عليه و سلم طاف خارجه وقد قال : ( خذوا عني مناسككم )
لذا من دخل جزء من بدنه في هواء الشاذروان أو الحجر أو مس جدار الحجر أو جدار البيت أثناء سيره لم يصح طوافه فيعيد الشوط الذي حصل فيه شيء من ذلك
وإذا أراد أن يستلم الركن اليماني أو الحجر الأسود أثناء طوافه فيجب عليه أن يقف ويثبت قدميه ثم يستلم بحيث لا يمشي أية خطوة وهو لامس للحجر أو الركن أو الجدار وإلا فعليه إعادة الشوط
- 8 - عدم صرف الطواف لغيره كطلب غريم فإذا انصرف انقطع أما اقتران نية الطواف بنية أخرى كالتفتيش عن شخص تائه عنه فلا مانع منه
وإذا كان الطواف نفلا فتجب فيه النية أما في الطواف الواجب فالنية سنة لأن نية الحج أو العمرة تشمل الطواف
_________
( 1 ) الأفعال المشروعة يوم النحر أربعة : 1 - الرمي 2 - الذبح 3 - الحلق 4 - طواف الإفاضة . والسنة ترتيبها كذلك
( 2 ) الحج : 29
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 144 / 1670
( 4 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 66 / 1942
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 66 / 1543
( 6 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 112 / 960
( 7 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 68 / 1544
( 8 ) الشاذروان : وهو بناء مسنم قدر ثلثي ذراع خارج عن عرض جدران الكعبة
( 9 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 41 / 1507

(1/697)

الركن الرابع - السعي بين الصفا والمروة :

(1/698)

- تعريفه :
أصل السعي الإسراع والمراد به هنا مطلق المشي . وأصل الصفا الحجارة الملس ومفردها صفاة كحصى وحصاة والمراد بالصفا هنا : طرف من جبل أبي قبيس وسمي كذلك لأن سيدنا آدم اقتبس منه النار . والمروة حجر أبيض براق والمراد به هنا طرف من جبل قينقاع . وهذان الجبلان الصغيران يوجدان على مقربة من البيت العتيق والمسافة بينهما 420 مترا تقريبا
والسعي بين الصفا والمروة مأخوذ من طواف هاجر أم إسماعيل عليه السلام في طلب الماء كما في صحيح البخاري في حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما
- دليله :
قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما } ( 1 ) . وماروت حبيبة بنت أبي تجزئة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهو يسعى : ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) ( 2 )
- واجباته :
- 1 - وقوع السعي بعد طواف صحيح سواء كان بعد طواف الإفاضة أو بعد طواف القدوم لحاج لم يقف بعرفة أما إذا تخلل الوقوف بعرفة بين طواف القدوم والسعي فقد امتنع السعي إلا بعد طواف الإفاضة . ولو سعى الحاج عقيب طواف القدوم لم تستحب إعادته بعد طواف الإفاضة
- 2 - أن يبدأ الساعي بالصفا لحديث جابر رضي الله عنه قال : " لما دنا النبي صلى الله عليه و سلم من الصفا قرأ : ( إن الصفا والمروة من شعائر الله أبدأ بما بدأ الله به ) فبدأ بالصفا " ( 3 )
فلو عكس لم تحسب المرة الأولى ويشترط في المرة الثانية أن يبدأ بالمروة وفي الثالثة بالصفا وهكذا

(1/699)

3 - أن يكون عدد مرات السعي سبعا فلو ترك من السبع شيئا لم يصح ويحسب ذهابه من الصفا إلى المروة مرة وعودة مرة أخرى . ويشترط أن يقطع جميع المسافة بين الصفا والمروة . فلو بقي منها بعض خطوة لم يصح سعيه . ويجب على الماشي أن يلصق رجله بالجبل في الابتداء والانتهاء بحيث لا يبقى بينهما فرجة هذا إذا لم يصعد على الصفا والمروة فإن صعد فهو الأكمل لأن الصعود سنة مؤكدة
- 4 - كونه في المسعى المعروف الآن فلا يجزئ مع الخروج عنه
- 5 - عدم الصارف : فلو سعى بقصد طلب غريم له لم يصح . وما يفعله العوام من المسابقة في السعي يضر إذا لم يقصد معها السعي
ولا يشترط للسعي الطهارة من الحدثين لأن المسعى ليس من المسجد ولا سائر شروط صحة الصلاة
_________
( 1 ) البقرة : 158
( 2 ) مسند الإمام أحمد ج 6 / ص 422
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147

(1/700)

الركن الخامس - الحلق أو التقصير :

(1/701)

- تعريفه :
هو استئصال الشعر بالموسى والتقصير هو قطع الشعر من غير استئصال
- دليله :
قوله تعالى : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين } ( 1 ) . والحلق للرجل أفضل فإن نذره أصبح واجبا
- شروطه :
أن لا يقل الحلق أو التقصير عن إزالة ثلاث شعرات أو بعضها بأية طريقة كانت ولو لم يكن في رأسه غيرهن وسواء كانت هذه الشعرات مسترسلة أو متفرقة . فإن لم يكن في رأسه إلا شعرة واحدة لزمه حلقها . ولا يقوم شعر الوجه - الشارب واللحية - مقام شعر الرأس
أن يكون بعد رمي جمرة العقبة أو بعد طواف الإفاضة
- وقته :
يدخل وقت الحلق أو التقصير بنصف ليلة النحر
_________
( 1 ) الفتح : 27

(1/702)

أركان العمرة :

(1/703)

- 1 - الإحرام مع النية
- 2 - الطواف
- 3 - السعي
- 4 - الحلق أو التقصير

(1/704)

الباب الثالث : واجبات الحج والعمرة

(1/705)

واجبات الحج ( 1 ) :

(1/706)

- أولا - الإحرام من الميقات :

(1/707)

- والميقات لغة : الحد . وشرعا : زمن العبادة ومكانها
وميقات الحج الزماني : شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة آخرها طلوع فجر ليلة النحر . والدليل عليه قوله عز و جل : { الحج أشهر معلومات } ( 2 ) . والمراد به وقت إحرام الحج لأي لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر . ولا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة لأي الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة فلا يمكن أداء حجة أخرى
وإن أحرم بالحج في غير هذه الأشهر انعقد إحرامه عمرة لأنها عبادة غير مؤقتة وجميع السنة وقت للإحرام بها
وأما الميقات المكاني للحج فيختلف باختلاف الجهة التي يأتي منها الحاج :
- 1 - فالمقيم بمكة مكيا كان أو غيره يصلي ركعتين سنة الإحرام في المسجد الحرام ثم يأتي داره فينوي الحج عند بابها وهو الأولى وإلا ضمن بيته
- 2 - ومن كان في غير مكة يحرم بالحج من أحد المواقيت التالي بيانها :
( 1 ) ذو الحليفة ( آبار علي ) : وهو ميقات المتوجه من المدينة ويبعد 450 كم عن مكة ويقع شمالها . وذو الحليفة ميقات أهل المدينة من زمن النبي صلى الله عليه و سلم وحتى هذا الزمن فلم يتغير ميقاتها ولا يجوز لأهل المدينة ولا لمن يمر عليهم من أهل الشام وغيرهم أن يحرموا بحج أو عمرة بعد مجاوزة هذا الميقات كالإحرام من رابغ ومن فعل ذلك لزمه دم
( 2 ) الجحفة : وهو ميقات الوارد من الشام ومصر والمغرب تقع بين مكة والمدينة وتبعد عن مكة 187 كم وأبدلت الآن برابغ لأن الجحفة أصبحت خرابا وتبعد رابغ عن مكة 204 كم
( 3 ) يلملم : وهو ميقات الوارد من تهامة اليمن وهو جبل يقع جنوب مكة ويبعد عنها 94 كم
( 4 ) قرن : وهو ميقات الوارد من نجد الحجاز ونجد اليمن ويقال له قرن المنازل وهو جبل شرقي مكة يطل على عرفات ويبعد عن مكة 94 كم
( 5 ) ذات عرق : وهي ميقات الوارد من العراق ومن الشرق بصورة عامة وتبعد عن مكة 94 كم وهي في الشمال الشرقي من مكة
- 3 - ومن سلك طريقا لا ينتهي إلى ميقات أحرم من محاذاته برا أو بحرا فإن حاذى ميقاتين أحرم من محاذاة أبعدهما عن مكة وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على بعد مرحلتين من مكة
ومن كان مسكنة أقرب إلى مكة من مرحلتين أو بين مكة والميقات أحرم من مسكنه . ودليل تحديد المواقيت حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن النبي صلى الله عليه و سلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم هن لأهلهن ولكل آت أتى عليهن من غيرهم ممن أراد الحج والعمرة فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة " ( 3 ) . وعن عائشة رضي الله عنها " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقت لأهل العراق ذات عرق " ( 4 )
ومن جاوز ميقاتا وهو غير مريد للنسك ثم أراده فميقاته موضعه أو لو جاوز الميقات وهو مريد النسك ولكنه لم يحرم لزمه العود إلى الميقات قبل تلبسه بنسك ولو بعد إحرامه فإن لم يعد أو عاد بعد تلبسه بنسك لزمه دم ولو فعل ذلك ناسيا أو جاهلا
والأفضل أن يحرم من أول الميقات ليقطع باقيه محرما إلا في ذي الحليفة فالأفضل فيه أن يحرم من المسجد الذي أحرم منه الرسول صلى الله عليه و سلم هذا ويجوز للحاج أن يحرم من بلده لكن الإحرام من الميقات أفضل
_________
( 1 ) لم يفرق الشافعي بين الركن والواجب في سائر العبادات باستثناء الحج فقد فرق بينهما فيه استنادا لما ورد عنه صلى الله عليه و سلم حيث فرق بينهما في الحج
( 2 ) البقرة : 197
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 12 / 1457
( 4 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 9 / 1739

(1/708)

- ثانيا - المبيت بمزدلفة ليلة النحر :

(1/709)

- ويتحقق ذلك عند الشافعية بوجوده فيها ولو لحظة من النصف الثاني من ليلة النحر ولا يجزئ وجوده في النصف الأول من الليل ومن تركها قبل دخول النصف الثاني وجب عليه دم ولو كان الترك كرها أو جهلا ( 1 )
وفي أي موضع من المزدلفة بات أجزأه بدليل ما روي عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( نحرت ههنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع - المزدلفة - كلها موقف ) ( 2 )
_________
( 1 ) لكن له أن يقلد المذهب المالكي إذ يجزئ فيه البقاء في المزدلفة قدر الحط والترحال سواء بالنصف الأول أو الثاني من ليلة النحر
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 20 / 149

(1/710)

- ثالثا - رمي جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات ( 1 ) :

(1/711)

- لأن النبي صلى الله عليه و سلم رمى وقد قال ( خذوا عني مناسككم )
ويدخل وقته بنصف ليلة النحر ويستمر إلى آخر أيام التشريق الثلاث وله وقت أفضلية هو ما بين ارتفاع الشمس وزوالها ووقت اختيار هو إلى آخر يوم النحر ووقت جواز هو إلى آخر أيام التشريق الثلاثة كما تقدم . فلو تركه حتى فات وقته صح حجه ولزمه دم
ودليل دخول الوقت بنصف ليلة النحر حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " أرسل النبي صلى الله عليه و سلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت " ( 2 )
والدليل على جواز الرمي مساء يوم النحر ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما : " أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه و سلم : رميت بعد ما أمسيت . قال : ( لا حرج ) " ( 3 )
_________
( 1 ) السعي والرمي والطواف من العبادات التي لا يفهم معناها وكلف الله بها العبد ليتم انقياده
( 2 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 66 / 1942
( 3 ) البخاري ج 3 / كتاب الحج باب 129 / 1648

(1/712)

- رابعا - رمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق الثلاثة :

(1/713)

- ويكون الرمي بسبع حصيات لكل واحدة في كل يوم إن لم يتعجل في يومين ويسافر وإلا سقط عنه رمي اليوم الثالث لقوله تعالى : { فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } ( 1 )
وروى سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما " أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يفعله " ( 2 )
وقته :
لا يصح الرمي إلا بعد الزوال لكل يوم فإذا رمى قبل الزوال لم يصح لحديث جابر رضي الله عنه قال : " رمى رسول الله صلى الله عليه و سلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس " ( 3 )
ومن ترك رميا من يوم النحر أو أيام التشريق تداركه في أيام التشريق أداء . ويجوز رمي ما فاته ليلا أو نهارا . ولا يصح الرمي بعد أيام التشريق بل يلزمه دم بترك ثلاث رميات - أي حصيات - فأكثر . ومن عجز عن الرمي بنفسه لعذر يسقط القيام في فرض الصلاة أو أيس - ولو ظنا - من القدرة عليه أناب من يرمي عنه وجوبا ويشترط في النائب أن يكون مكلفا أو مميزا وأذن له وليه ولا يصح رميه عنه إلا بعد رميه عن نفسه الجمرات الثلاث ( 4 ) . فإن شفي المنيب بعد رمي النائب عنه لم تجب عليه إعادة الرمي بنفسه لكن تستحب
شروط صحة الرمي :
- 1 - أن يرمي كل جمرة بسبع حصيات يقينا واحدة بعد أخرى فلو رمى حصاتين دفعة واحدة لم تعتبر إلا رمية واحدة
- 2 - أن يكون المرمي به حجرا ولا يكفي غير الحجر كالخزف مثلا
- 3 - قصد المرمى وإصابته بالحجر يقينا فلو رمى في الهواء أو شك في إصابته لم تحسب الرمية وضبط المرمى بثلاثة أذرع من جميع جوانبه هذا في غير جمرة العقبة أما هي فليس لها إلا جهة واحدة
- 4 - ترتيب الجمار الثلاث أثناء الرمي في أيام التشريق فيبدأ بالصغرى التي تلي مسجد الخيف ثم الوسطى ثم العقبة والدليل حديث سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما المتقدم . ولا تشترط المولاة عند رمي الجمرات لكن تسن
- 5 - أن يكون الرمي باليد لأنه هو الوارد
ولا يشترط في الرمي النية
_________
( 1 ) البقرة : 203 ، ويسمى هذا بالنفر الأول ولصحته شروط :
- 1 - أن يسير بعد زوال وقبل غروب شمس أيام التشريق . 2 - أن يكون قد بات ليلتين قبله أو فاته مبيتهما لعذر وإلا لم يسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ولا رمي يومها حيث لم يمكن معذورا . 3 - أن يكون بعد تمام رمي اليومين الأولين . 4 - أن تكون النية مقارنة له بأن توجد قبل انفصاله من منى أي يعود بعد رمي جمرة العقبة إلى منى ثم ينوي السفر
( 2 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 139 / 1664 . ويسهل : يقصد السهل من الأرض وأراد أنه صار إلى بطن الوادي
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 53 / 314
( 4 ) أما عند السادة المالكية فيصح أن يرمي كل جمرة مرتين أولا عن نفسه ثم عن المستنيب لذا يمكننا التقليد

(1/714)

- خامسا - المبيت في منى ( 1 ) معظم أيام التشريق الثلاثة :

(1/715)

- إن لم ينفر النفر الأول وإلا سقط عنه مبيت الليلة الثالثة كما يسقط عنه رمي يومها . ودليله أن النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك وقد رخص صلى الله عليه و سلم للعباس رضي الله عنه في ترك المبيت لأجل السقاية ( 2 ) فدل ذلك على أنه لا يجوز لغيره تركه
ويحسب الليل من المغرب إلى الفجر ويتحقق المبيت بأكثر من نصف ساعاته سواء أكان ذلك في أول الليل أوفي آخره وذهب بعضهم إلى أن المبيت بمنى يتحقق بوجوده فيها في النصف الثاني من الليل . وإذا لم يبت الليالي الثلاث فعليه ذبيحة واحدة عنها كلها وإذا أراد التعجيل بأن نفر قبل غروب شمس اليوم الثاني من منى فعليه بترك مبيت الليلتين إن تركهما دم لأنه قد ترك المبيت جملة
_________
( 1 ) سميت منى لما يمنى - أي يراق - فيها من الدماء وحدودها ما بين جمرة العقبة ووادي محسر والجمرة والوادي ليسا من منى
( 2 ) رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ج 2 / كتاب الحج باب 132 / 1658

(1/716)

- سادسا - طواف الوداع :

(1/717)

- يجب طواف الوداع على كل من أراد مفارقة مكة ولو كان مكيا والابتعاد عنها مسافة القصر أو العودة إلى وطنه وإن كان وطنه على مسافة من مكة أقل من مسافة القصر ولو لم يكن حاجا أو معتمرا كما يجب على الحاج إن أراد الخروج إلى منى ومنها إلى وطنه . ودليله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) " ( 1 ) . ويجبر تركه بدم فإن عاد بعد فراقه وقبل أن يقطع مسافة القصر أو قبل وصوله إلى بلده إن كان قريبا وطاف مودعا سقط عنه الدم ولم يلزمه الإحرام لهذا الدخول والطواف . وإن مكث بعد الطواف أعاده إلا إذا مكث لصلاة أقيمت أو شغل سفر كشراء زاد ولم يطل زمن ذلك أو شد حمولة أو شرب ماء زمزم أو انتظار رفقة أو إغماء أو إكراه وإن طال زمنه ولا وداع على من خرج لغير منزله بقصد الرجوع وكان سفره قصيرا ولا على محرم خرج إلى منى إلا أنه يسن
أما الحائض والنفساء والمريض فلا وداع عليهم لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض " ( 2 ) . لكن إن شفي المريض أو طهرت الحائض والنفساء قبل مفارقة بنيان مكة لزمهم الطواف
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 67 / 379
( 2 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 143 / 1668

(1/718)

- سابعا - اجتناب محرمات الإحرام :

(1/719)

ومحرمات الإحرام بعضها من اللباس وبعضها يتعلق ببدن المحرم وبعضها محرمات من الصيد . . . وفيما يلي بيان جميع هذه المحرمات بالتفصيل :

(1/720)

1 - المحرمات من اللباس : يختلف تحريم الملبس في حق الرجال عن تحريمه في حق النساء

(1/721)

1 - ما يحرم على الرجال :
آ - لبس المحيط ببدنه أو بأي عضو منه مثل القفازين سواء كان مخيطا كقميص وقباء ( 1 ) أو منسوجا كدرع أو كيس أو معقودا كالطربوش يحرم ذلك كله إذا لبسه لبسا معتادا كأن يضع عباءة على منكبيه دون أن يدخل يديه في كميها فهذا حرام لأنها تستمسك ولو لم يدخل كميه فيها وتلزمه الفدية عندئذ سواء طال الزمن أو قصر . أما إذا لم يكن اللبس على الهيئة المعتاده كأن ألقى على نفسه عباءة أو ثوبا وهو مضطجع وكان ذلك بحيث لو قعد لم تستمسك عليه فلا حرمة فيه ولا فدية عليه
وخرج بذلك الإزار ( 2 ) والرداء ( 3 ) فلا يحرم لبسها وإن كان بهما خياطة لأن مدار الحرمة على الإحاطة لا على الخياطة فإذا جعل للإزار مثل الحجرة وأدخل فيها التكة وشده بها أو شد إزاره بعقد أو خيط أو شبكه بدبوس أو زر فلا حرمة فيه وليس عليه فدية . أما الرداء وهو الذي يوضع على الأكتاف فيحرم عقده أو تخليله بخلال أو بمسلة أو ربط طرفه بطرفه الآخر وتجب الفدية إن فعل
ب - يحرم عليه لبس الخف ويجوز لبس نعل يشترط فيه ظهور جميع العقب ومعظم أصابع القدم كالشاروخ والقبقاب . والأصل فيما ذكر كله الأخبار الصحيحة كالذي روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال : " يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران أو أرس ) " ( 4 ) وفي رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا : ( . . . ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين ) ( 5 )
ج - يحرم ستر الرأس أو بعضه بما يسمى ساترا سواء كان مخيطا أو غيره كالقلنسوة أو الخرقة أو الشال بخلاف ما لا يعد ساترا كاستظلاله بمظلة ولو لا مست رأسه أو وضع يده على رأسه أو حمل قفة عليه إن لم يقصد بها الستر وإلا حرمت ووجبت الفدية ويعد من الرأس البياض الذي وراء الأذن ولا فرق بين شعر الرأس وبشرته . والأصل في ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال في المحرم الذي خر من بغيره ميتا : ( ولا تخمروا رأسه فإن يبعث يوم القيامة ملبيا ( 6 ) وخرج بالرأس الوجه فلا تحرم تغطيته : وإن ستر رأسه لعذر من حر أو برد أو مداواة جاز لكن تلزمه الفدية لقوله تعالى : { وما جعل عليكم من الدين حرج } ( 7 ) وقياسا على الحلق بسبب الأذى
_________
( 1 ) القباء : ثوب يلبس فوق القميص أو الثياب ويشد وسطه بنطاق
( 2 ) الإزار : ثوب يحيط بالثوب الأسفل من البدن
( 3 ) الرداء : الثوب يستر الجزء الأول من الجسم فوق الإزار
( 4 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 20 / 1468 ، والبرنس : هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به وقال الجوهري : هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام وهو من البرس أي القطن . والورس : نبت أصفر يصبغ به
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 24 / 1741
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 32 / 1753
( 7 ) الحج : 78

(1/722)

2 - ما يحرم على النساء :
يحرم على المرأة ستر وجهها بما يعد ساترا أما ما لا يعد ساترا مثل وضع يدها على وجهها فلا يحرم وكذلك لا يجوز في النوم وضع الغطاء على وجهها وكفيها . ويجب عليها أن تستر من وجهها ما لا يتأتى ستر جميع الرأس إلا به . وإذا خشيت الفتنة وجب عليها ستر وجهها مع الفدية ( 1 ) وتستطيع أن تسبل على وجهها ثوبا متجافيا عنه بخشبة ونحوها فإن وقع على الوجه بغير اختيارها ورفعته حالا فلا فدية عليها وإلا وجبت عليها الفدية لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه " ( 2 )
ويحرم عليها القناع أي تغطية جزء من وجهها لنهيه صلى الله عليه و سلم عن ذلك في الحديث المتقدم : ( . . . ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين . . . ) ولا مانع من وضع النظارات الطبية لأن القصد بها النظر وليس الستر أما النظارة الشمسية فليس لها أن تضعها
والخنثى تعامل معاملة المرأة فيجب عليها ستر رأسها وكشف وجهها ويجوز لها لبس المخيط إلا أنه يسن عدم لبسه لاحتمال ذكورتها
_________
( 1 ) وتجب عليها الفدية عن كل مرة تستر فيها وجهها ثم ترفع هذا عند الشافعية أما عند السادة الحنفية فلا تجب الفدية وهي الذبح إلا إذا سترت يوما كاملا أما إذا لم يتم اليوم وهي ساترة فإنه يكفيها صدقة لذلك الأولى لذوات الهيئات أن يقلدن مذهب الإمام أبي حنيفة
( 2 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 34 / 1833

(1/723)

2 - المحرمات المتعلقة بالبدن :

(1/724)

1 - يحرم التطيب بنحو مسك أو كافور في البدن أو الثوب فإن استعمله وجبت عليه الفدية وتتعين الحرمة بقصد الشخص استعمال الطيب أما لو ألقت الريح عليها طيبا أو أكره على استعماله أو جهل تحريمه أو نسي أنه محرم فلا حرمة ولا فدية عليه لما رواه يعلى بن أمية رضي الله عنه " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهو بالجعرانة قد أهل بالعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه وعليه جبة فقال : يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وأنا كما ترى . فقال صلى الله عليه و سلم : ( انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك ) " ( 1 ) . أما إن علم تحريمه وجهل الفدية فتجب عليه وكذلك يحرم أكل أو استعمال كل ما له رائحة عطرية مثل البهارات أو الهيل أو معجون الأسنان أو الطلاءات المعطرة الملينة للبشرة أو الصابون المطيب ولا يجوز أن يكتحل بالطيب ولا أن يستعط به ( 2 ) ولا يحتقن أما لو دخل الطيب في مركب دواء فلا يحرم . ويجوز أن يجلس عند العطار وفي موضع يبخر لأن في ذلك المنع مشقة وإن استحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة ولأن ذلك ليس بطيب مقصود
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 1 / 9
( 2 ) أي يدخله في أنفه

(1/725)

2 - دهن شعر الرأس واللحية ولو كان الدهن قليلا أو غير مطيب لما فيه من التزيين والتحسين للشعر وذلك ينافي الشأن الذي يجب أن يكون عليه المحرم من الشعث والغبار افتقارا وتذلا لله تعالى لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( الحاج الشعث التفل ) " ( 1 )
وكذلك يحرم دهن الرأس المحلوق لأن الشعر ينبت بعد ذلك مزينا ( 2 ) . والمراد خصوص شعر الرأس واللحية وألحق بشعر اللحية بقية شعر الوجه كالحاجب والشارب والعنفقة والعذار . وخرج بذلك شعر بقية البدن فدهنه غير محرم إن كان الدهن غير مطيب أما المطيب فلا يجوز الادهان به
_________
( 1 ) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 3 / ص 218 ، والتفل : الذي ترك استعمال الطيب
( 2 ) بخلاف رأس الأقرع والأصلع وذقن الأمرد

(1/726)

3 - إزالة الشعر والظفر لقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم } ( 1 ) أي شعوركم . وتحرم إزالة الشعر عن سائر البدن ولو شعرة واحدة أو جزءا منها وسواء كانت الإزالة بالحلق أو القص أو النتف أو الحرق أو وسيلة أخرى ولو فعل ناسيا أو جاهلا وجبت الفدية وزالت الحرمة أما إذا سقطت شعرة أو أكثر من نفسها فلا إثم عليه ولا فدية
وكذا تحرم إزالة الأظافر ولو ظفرا واحدا أو جزءا منه بتقليم أو غيره من يد أو رجل إلا إذا انكسر بعض ظفر المحرم فله إزالة الجزء المنكسر دون إزالة باقي الظفر ولا فدية عليه في ذلك . وكذلك لو دخل الشعر إلى العين وتأذى به فله إزالته . وحرمة إزالة الظفر كتحريم إزالة الشعر لأن الجامع بينهما الترفه
ويكره الترجل وحك الشعر بالظفر وحك أي ناحية من البدن فإن ترجل وانتتفت ثلاث شعرات فأكثر لزمته الفدية ولو كثر القمل في الرأس أو كان به جراحة أحوجه أذاهما إلى الحلق جاز له إزالته وعليه فدية . ولا يكره غسل البدن والرأس لأن ذلك ليس للتزيين بل للنظافة لكن الأولى تركه وللمحرم الاحتجام والفصد ما لم يقطع بهما شعرا
_________
( 1 ) البقرة : 196

(1/727)

3 - المحرمات من الصيد :

(1/728)

1 - يحرم على المحرم الصيد البري الوحشي المأكول فقط داخل الحرم أو خارجه بدليل قوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ( 1 ) وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } ( 2 ) . وكذا تحرم الإعانة على صيده كدفع آلة الصيد أو آلة الصيد أو الدلالة على موضعه ويحرم وضع اليد عليه بحيث يكون بتصرف المحرم ولو بشراء أو وهبة فيجب على مالكه إن أحرم أن يرسله لتزول ملكيته ولا يعود إليه بعد التحلل إلا بتملك جديد ومن أخذ بعد إرساله صار مالكا له . وكذلك يحرم التعرض لجزئه مثل ريشة أو بيضة أو فرخة بل يحرم مطلق التعرض له حتى إزعاجه وتنفيره من مكانه لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ولا ينفر صيدها ) ( 3 ) . ويحرم صيد الحرم البري الوحشي المأكول فقط
على الحلال أيضا ( 4 ) مطلقا أبدا . - ينظر مصور منطقة الحرم - . أما الصيد البحري فلا يحرم لا في الحرم ولا في غيره سواء كان الشخص محرما أم حلالا بدليل قوله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } ( 5 ) والمراد بالبحري ما لا يعيش إلا في البحر أما ما يعيش في البر والبحر فصيده حرام كالبري . وكذا لا يحرم على المحرم ذبح الحيوان البري الأنسي كالنعم والدجاج . وتقتل الفواسق الخمس وكل ما يؤذي لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( خمس من الدواب كلهن فاسق ( 6 ) يقتلن في الحرم - أي وفي الحل - الغراب ( 7 ) والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور ) ( 8 ) وفي رواية عند مسلم ذكر الحية ولم يذكر العقرب ( 9 ) . ووقع عند أبي داود بزيارة ( السبع العادي ) ( 10 ) والحديث ليس على سبيل الحصر وإنما ينطبق على كل حيوان مؤذ كالناموس والصرصار وغيرهما
_________
( 1 ) المائدة : 96
( 2 ) المائدة : 95
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 20 / 1736
( 4 ) هو خير المحرم
( 5 ) المائدة : 96
( 6 ) أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة والجور وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن . وقيل لخروجهن من الحرمة في الحل والحرم : أي لا حرمة لهن بحال
( 7 ) أي الغراب الأبقع أما الغراب الأسود فإنه مأكول يحرم صيده
( 8 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 18 / 1732 ، والكلب العقور هو كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس كالنمر والذئب وسماها كلبا لاشتراكها في السبعية
( 9 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 9 / 67
( 10 ) أبو داود ج 2 / كتاب المناسك باب 40 / 1848

(1/729)

2 - يحرم على المحرم والحلال التعرض لشجر الحرم وعشبه بقلع أو إتلاف إلا الإذخر والشوك وعلف البهائم والزرع وثمار الشجر والمراد بالعشب كل نبات رطب شأنه أن ينبت من نفسه وخرج بالرطب اليابس فيجوز قطعه وقطع الشجر اليابس دون قلعها لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الله تعالى حرم مكة فلم تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار لا يختلى خلالها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها إلا لمعروف ) . وقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر لصناعتنا وقبورنا . قال : ( إلا الإذخر ) " ( 1 ) . كما يحرم صيد المدينة وشجرها لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ) ( 2 ) . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لا بيتها لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ) ( 3 )
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 20 / 1736 ، والخلى : النبات الرطب الرقيق ما دام رطبا واختلاؤه قطعه . ويعضد : يقطع . لصاغتنا : للصياغ حيث كانوا يستعملون الإذخر في صناعتهم كوقود
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج 85 / 467 ، وعير : جبل خارج المدينة على طريق جدة . وثور : جبل صغير إلى جانب جبل أحد وهو غير ثور الذي فيه غار ثور خارج مكة المكرمة
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 85 / 458 ، ولابتا المدينة : حرتاها والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود . والعضاه : كل شجر فيه شوك واحدها عضاهة

(1/730)

4 - النكاح ودواعيه :

(1/731)

- 1 - يحرم عقد النكاح إيجابا لنفسه أو قبولا لغيره بدليل الحديث الذي روي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب ) ( 1 ) ولا فدية فيه لأنه لا ينعقد أصلا وسواء كان بوكالة أو ولاية فلا يصح ولو كان الزوج حلالا . وتجوز له الخطبة ولكن تكره للحديث المذكور أعلاه ويؤخذ الحديث على أن قوله صلى الله عليه و سلم لا ينكح ولا ينكح للتحريم ولا يخطب للكراهة . ولا مانع من هذا التفسير قياسا على ما ورد في الآية الكريمة : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } ( 2 ) فالأكل مباح والإيتاء واجب
ويجوز أن يراجع المحرم المحرمة والمحلة سواء طلقها قبل الإحرام أو أثناءه لأن المراجعة استدامة نكاح لكن يكره
- 2 - يحرم الجماع لقوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ( 3 ) وتجب فيه الكفارة على الواطئ لأنه إعانة له على المعصية أما المجنون أو الجاهل بالتحريم فلا يحرم عليه
- 3 - تحرم المباشرة بشهوة وإن لم ينزل كالمعانقة والقبلة واللمس والنظر وتجب فيها الفدية أما لو فعل ذلك مع وجود حائل ففعله حرام لكن لا تجب الفدية ما لم ينزل وأما المباشرة بغير شهوة فلا تحرم
- 4 - يحرم الاستنماء سواء كان بحائل أم لا لأنه حرام في غير الإحرام ففي الإحرام أولى ولا تجب فيه الفدية إلا إن أنزل
- 5 - يحرم الكلام الفاضح في المسائل الجنسية
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب النكاح باب 5 / 41
( 2 ) الأنعام : 141
( 3 ) البقرة : 197 ، وفسر الرفث بأنه محركة للجماع وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة ونحوهما مما يكون في حال الجماع

(1/732)

5 - الفسوق والجدال :

(1/733)

- [ الفسوق والجدال ] لقوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } ( 1 ) . والحاج أحوج ما يكون إلى حسن الخلق والتذرع بالصبر فإنه يتعرض لكثير من المتاعب في السفر وفي زحامات الجموع الغفيرة في المناسك وكم من الحجاج من يضيع حجه لركوبه متى الحماقة في الغضب والسباب وما إلى ذلك فليشهد الحاج أنه في حضرة مولاه وليلاحظ ذلك دائما وليلتزم الأدب وقلة الكلام فيما لا ينفع مستحبة في كل حال صيانة لنفسه عن اللغو والوقوع في الكذب وفيما لا يحل فإن من كثر كلامه كثر سقطه . روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ( 2 ) . وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ( 3 ) . فهذا في حال الإحرام أشد طلبا وآكد لأنه حال عبادة واستشعار لطاعة الله . فليشتغل المحرم بالتلبية وذكر الله تعالى وقراءة القرآن وتعليم الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
_________
( 1 ) البقرة : 197 ، والفسوق : هو الخروج عن الطاعة . والجدال : هو أن يجادل رفيقه حتى يغضبه والمنازعة والسباب
( 2 ) البخاري ج 5 / كتاب الرقاق باب 23 / 6110
( 3 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب الفتن باب 12 / 3976

(1/734)

شروط التحريم :

(1/735)

- إن محرمات الإحرام جميعها تحرم بالشروط التالية :
- 1 - العمد
- 2 - العلم بالتحريم
- 3 - الاختيار
- 4 - التكليف
فإن انتفى شرط من هذه الشروط فلا يحرم عليه شيء أي لا يأثم إذا فعله
أما بالنسبة للفدية فينظر : إذا فعل المحرم محظورا من محظورات الإحرام ناسيا أو جاهلا معذورا :
- 1 - فإن كان من باب الإتلاف المحض كقتل الصيد أو قطع الشجر أو أن شائبة الإتلاف أكثر من شائبة الاستمتاع كالحلق والتقليم فالمذهب وجوب الفدية
- 2 - فإن كان من باب الاستماع المحض كالتطييب واللبس ودهن الرأس واللحية والقبلة واللمس وسائر المباشرات بشهوة فالمذهب عدم وجوب الفدية وفي الجماع خلاف والأصح أنه لا تجب الفدية

(1/736)

واجبات العمرة

(1/737)

- أولا - الإحرام من الميقات :

(1/738)

- وميقات العمرة المكاني لمن كان في غير مكة هو ميقات الحج نفسه أما من كان مقيما بمكة مكيا أو غيره فيحرم بالعمرة من أدنى الحل أي خارج أرض الحرم ولو بخطوة ليجمع بين الحل والحرم أما في مكان الحج فيحصل الجمع بين الحل والحرم أما في الحج فيحصل الجمع بين الحل والحرم بعرفة لأن عرفة ليست بحرم . ودليل ذلك ما روي عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم " ( 1 ) . وأفضل بقاع الحل للإحرام بالعمرة لمن هو في مكة سواء أكان من أهلها أو من الغرباء الجعرانة للاتباع عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة . . . " ( 2 ) ثم التنعيم وهو أدنى الحل ثم الحديبية وهو بئر بين جدة ومكة على بعد ستة فراسخ من مكة . أما ميقاتها الزماني فالسنة جميعها . ولكن قد يمتنع الإحرام بها لعارض ككونه محرما بالحج قبل تحلله فلا تدخل عمرة على حج ولا على عمرة . ولا تصح العمرة في أيام التشريق إلا لمن تعجل في يومين ونفر إلى مكة النفر الأول فهذا يجوز له أن يأتي بالعمرة سواء أكانت فرض الإسلام أم تطوعا اعتبارا من غروب شمس اليوم الثاني من أيام التشريق لكن الأولى أن ينتظر إلى غروب شمس آخر أيام التشريق خروجا من الخلاف أما إذا ترك منى قبل الرمي والنفر الأول ليأتي بعمرة فهذا لا تصح عمرته قطعا
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب العمرة باب 6 / 1692
( 2 ) أبو داود ج 2 / كتاب الحج باب 50 / 1884

(1/739)

- ثانيا - اجتناب محرمات الإحرام

(1/740)

[ لا شيء في هذا الموضوع ]

(1/741)

الباب الرابع : سنن الحج والعمرة

(1/742)

- أولا - سنن الإحرام :

(1/743)

- يسن لمن يريد الإحرام ما يلي :
- 1 - الغسل : لما روى خارجه بن زيد بن ثابت عن أبيه " أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم تجرد لإهلاله واغتسل " ( 1 ) . وهو سنة لكل محرم صغير أو كبير ذكر أو أنثى . كما يطلب من المرأة الحائض والنفساء حال الحيض والنفاس فقد روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأسماء بنت عميس رضي الله عنها لما ولدت : ( اغتسلي واستثفري بثوب واحرمي ) ( 2 ) . والحكمة من هذا الغسل النظافة لأن المحرم يستعد لعبادة يجتمع لها الناس فيسن له الغسل كما يسن لصلاة الجمعة وإن عجز عن الغسل تيمم ( 3 ) . ويستحب قبل الغسل أن يتنظف بقص الشارب وأخذ شعر الإبط والعانة والظفر إلا في عشر ذي الحجة
لمريد التضحية
- 2 - تطيب البدن : ودليله حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه و سلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت " ( 4 ) . ولا بأس باستدامة أثره بعد الإحرام
ولا يسن تطيب الثياب لأنه إذا نزعها ثم أغتسل وأحرم فإذا طرحها على بدنه وفيها الطيب أثناء الإحرام وجبت عليه الفدية
- 3 - يسن للمرأة تخضيب اليدين إلى الكوعين ( 5 ) بالحناء ومسح وجهها بشيء منه لإخفاء لون البشرة وتخفيف الفتنة
- 4 - يسن للرجل لبس إزار ورداء ونعلين لقوله صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين " ( 6 ) . ويسن أن يكون الإزار والرداء أبيضين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ) ( 7 ) . وأن يكونا جديدين فإن لم يكونا جديدين فمغسولين
- 5 - أن يصلي في غير وقت الحرمة ركعتين للإحرام ثم يحرم بعدهما مستقبلا القبلة عند ابتداء سيره لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يركع بذي الحليفة ركعتين " ( 8 ) . وتجزئ المكتوبة عنها باتفاق أئمة المذاهب الأربعة كتحية المسجد ويسن أن يقرأ في الأولى سورة الكافرون وفي الثانية سورة الإخلاص
- 6 - تسن التلبية : والأفضل عقب صلاة الإحرام بالحج أو العمرة وإن لبى بعد الركوب جاز لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " أهل النبي صلى الله عليه و سلم حين استوت به راحلته قائمة " ( 9 ) . وورد أنه لبى عقب الصلاة ولبى بعد الركوب وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل : أي الحج أفضل ؟ قال : ( العج والثلج ) " ( 10 ) . وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من محرم يضحي لله يومه يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت بذنوبه فعاد كما ولدته أمه ) ( 11 ) . ويرفع الرجل صوته بها إلا الأولى فيسرها ندبا لما روى خلاد بن السائب بن خلاد عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية ( 12 ) . أما المرأة فتسمع نفسها فقط ويكره لها الجهر . ويستحب أن يكثر في التلبية في كل صعود وهبوط وفي أدبار الصلوات وإقبال الليل والنهار ويستمر بها إلى رمي جمرة العقبة لما روي عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما قال : " أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى الجمرة " ( 13 ) . وتستحب التلبية في مسجد الخيف بمنى ومسجد إبراهيم بعرفات لأنها مواضع نسك وفي سائر المساجد كذلك . وصيغة التلبية ما ورد في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما " أن تلبية رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) ( 14 ) . ولا بأس بزيادة قوله : لبيك وسعديك والخير كله بيديك والرغباء إليك والعمل ويكرر التلبية ثلاثا ثم يصلي عل النبي صلى الله عليه و سلم ثم يسأل الله تعلى الرضا والجنة بأن يقول : اللهم إني أسألك رضاك والجنة " ويستعيذ من النار بقوله : " اللهم إني أعوذ بك من سخطك ومن النار " ثم يدعو بما أحب للدنيا والآخرة . وإذا رأى المحرم شيئا يعجبه أو يكرهه قال : " لبيك إن العيش عيش الآخرة " . ويستحب ألا يتكلم أثناء التلبية بأمر أو نهي أو غيرهما إلا أن يرد السلام على من سلم عليه
ويستحب للمحرم دخول مكة قبل الوقوف بعرفة من أعلاها نهارا ماشيا وإذا دخلها ورأى الكعبة قال ندبا : " اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وبرا . اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام " . ويستحب أن يدخل الحرم من باب السلام ثم يبدأ طواف القدوم إلا لعذر
_________
( 1 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 16 / 830
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147 ، والاستثفار : هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها
( 3 ) يقوم الوضوء مقام الغسل عند السادة الحنفية
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 7 / 33
( 5 ) الكوع هو العظم الذي يلي إبهام اليد
( 6 ) مسند الإمام أحمد ج 2 / ص 34
( 7 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 18 / 994
( 8 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 3 / 21
( 9 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 27 / 1477
( 10 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 14 / 827 ، والعج : رفع الصوت بالتلبية والثج : نحر البدن - الإبل
( 11 ) ابن ماجة ج 2 / كتاب المناسك باب 17 / 2925
( 12 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 15 / 829
( 13 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 78 / 918
( 14 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 25 / 1474

(1/744)

- ثانيا - سنن الوقوف بعرفة :

(1/745)

- 1 - الطهارة من الحدثين
- 2 - الاغتسال : لأنه أكمل ولأنها قربة يجتمع لها الناس في موضع واحد فشرع لها الغسل كصلاة الجمعة والعيدين
- 3 - الجمع بين الليل والنهار : يسن للحاج أن يبقى في عرفة من بعد الزوال إلى الغروب لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم بعرفة فقال : ( هذه عرفة وهذا هو الموقف وعرفة كلها موقف ) ثم أفاض حين غربت الشمس " ( 1 ) . فلو فارقها قبل الغروب ولم يعد لها سن له دم لفوات الجمع ولا تتحقق سنة الجمع بين الليل والنهار بالوقوف إلا في يوم عرفة بالذات أما لو أتى الحاج إليها ليلة التاسع من ذي الحجة وبات فيها ثم غادرها بعد زوال الشمس وقبل غروبها في اليوم التاسع لم يحقق الجمع
- 4 - الإكثار من الدعاء لحديث طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) ( 2 ) ولحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أكثر دعائي ودعاء الأنباء قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأعوذ بك من وسواس الصدر وشتات الأمر وفتنة القبر . اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح ومن شر بوائق الدهر ) ( 3 ) . ويستحب أن ترفع الأيدي . ويستحب الإكثار من التهليل والتكبير والتلبية والتسبيح والتلاوة بقلب حاضر خاشع كل الخشوع لله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وإكثار البكاء واستقبال القبلة لأن النبي صلى الله عليه و سلم استقبل القبلة ( 4 ) . ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة ) ( 5 )
- 5 - يسن البروز للشمس إلا لعذر كأن يتضرر منها أو ينقص اجتهاده بالدعاء والأذكار ولم ينقل عنه صلى الله عليه و سلم أنه استظل بعرفات وإنما صح عنه أنه استظل بثوب وهو يرمي الجمرة روى يحيى بن الحصين عن أم الحصين رضي الله عنها قالت : " حججت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلال وأحدهما آخذ بخطاة ناقة النبي صلى الله عليه و سلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " ( 6 )
- 6 - الوقوف عند الصخرات الكبار المفروشة في أسفل جبل الرحمة لما ورد في رواية جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف عند الصخرات وجعل بطن ناقته إلى الصخرات ( 7 ) . أما النساء فحاشية الموقف أولى لهن
- 7 - الوقوف راكبا لما ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه وقف راكبا ( 8 )
- 8 - أن يكون مفطرا سواء أطاق الصوم أم لا لأن الفطر أعون له على الدعاء وقد يكون ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقف مفطرا ( 9 )
- 9 - يسن لإمام الحج أن يخطب خطبتين في عرفات يعلم فيهما الناس المناسك
- 10 - يسن للحاج المسافر جمع صلاة الظهر والعصر جمع تقديم بعرفة ويسن الإسرار بهما لا الجهر وجمع المغرب والعشاء جمع تأخير بمزدلفة . وسبب الجمع هنا هو السفر لا النسك ( 10 ) لذا تسقط هذه السنة عمن أقام في مكة أربعة أيام فأكثر عدا يومي الدخول والخروج
وإذا وافق يوم عرفة يوم الجمعة لم يصلوا الجمعة لأن من شروطها دار الإقامة ولم يصلي النبي صلى الله عليه و سلم الجمعة بعرفات مع أن يوم عرفة الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه و سلم كان يوم جمعة
_________
( 1 ) الترمذي ج 3 / كتاب الحج باب 54 / 885
( 2 ) الموطأ ج 1 / كتاب الحج باب 81 / 246
( 3 ) البيهقي ج 5 / ص 117 ، والبائقة : البلية تنزل بالقوم
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147
( 5 ) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 8 / ص 59
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 51 / 312
( 7 ) انظر مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 19 / 147
( 8 ) انظر البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 87 / 1578
( 9 ) انظر البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 84 / 1578
( 10 ) أما عند السادة الحنفية فالجمع من مناسك الحج المسنونة
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس