عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2013
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: حياة الإمام أحمد ضياء الدين الكمشخانوى ومؤلفاته

انتساب الإمام الكشخانوى إلى طريق التصوف والشيخ أحمد بن سليمان الأروادى رضى الله عنه
من عهد السلاجقة إلى نهاية الدولة العثمانية أعاد الله أيامهما البازغة ما من مدينة ولا قرية فى حدود أناضول إلا وقد وجد بها زوايا وتكيات للصوفية ومدارس شرعية بنيت من أجل إرشاد أهلها إلى الكتاب والسنة وتفقيههم فى الدين وتزيينهم بخصال سامية فكانت الدولة وأركانها تحترم العلماء وأولياء الله تعالى ومحبيهم وتؤيدهم بوسائل عديدة. حتى كان جل السلاطين منتسبين إلى شيخ من شيوخ الطرق الصوفية ، وبفضل الله وجهود المتصوفين قد تشكلت بيئة طيبة تُخرج علماء أجلاء وأولياء عظماء مثل شيخ الإسلام العلامة أبى السعود ، والإمام محمد البركوى ، الشيخ آق شمس الدين ، والشيخ عزيز محمود الهدائى ، والشيخ إسماعيل حقى البروسوى رضى الله عنهم أجمعين...

وها قد نشأ شيخنا أحمد ضياء الدين الكمشخانوى رضى الله عنه فى هذه البيئات وتنفس هوائها النقى ونهل العلم من العلماء الربانيين العاملين بعلمهم فى كمشخانة وفى طربزون وفى دار الخلافة . فمثلا كان من أساتذته من كان خليفة فى الطريقة . يمكن أن نذكر هنا منهم الشيخ محمد أمين والشيخ عبد الرحمن الكردى رضى الله عنهما . فهذا وغيره من أسباب أثّر فى نشأته على طبيعة الصوفية .

بعد ما صعد إلى ذروة العلوم الظاهرة وعين مدرساً للمدرسة بدأ يبحث عن شيخ يرشده إلى مطلبه من العلوم الباطنة وكان إذ ذاك بينه وبين الشيخ عبد الفتاح العقرى ـ وهو من أعاظم خلفاء مولانا خالد البغدادى ـ مودة قوية. يقول إمامنا الجليل العلامة الكبير محمد زاهد الكوثرى عن هذه العلاقة : “كانت بينه وبين الشيخ المتَرْجَمِ مودة أكيدة بحيث لا يمضى أسبوع إِلا و أحدهما يَزُورُ الآخَرَ مع أن العقرى بأسكدار والشيخ بإستانبول إلى أن توفى الشيخ عبد الفتاح قدس سره ودفن بأسكدار فى جوار [نوح قيوسى]” (إرغام المريد) . وفى مرة من قوة هذه العلاقة قد ذهب إلى العقرى لينتسب إليه ولكن الشيخ العقرى قال له : “إنما المأذون فى إرشادك الشخص الذى سيجيء... وأوصى له بالانتظار... فأخذ الإمام ينتظر الشخص الذى سيجيئ ويرشده ولكن كانت نفسه تتوق إلى الإنتساب إلى الشيخ العقرى... ومرة أخرى عزم على الإنتساب إليه وخرج من أجل هذا ، عندما دخل تكية آلاجا منارة وهى تكية الشيخ العقرى فإذا برجل يقول له: “إنما آتى وأرسل إلى الروم لأجلك يا شيخ أحمد!” فاستغرب الإمام وتحير فى ذلك الأمر . وقال له الشيخ العقرى يا أحمد هو شيخك إنتسب إليه ، فانتسب الإمام إليه... فكان هذا الشخص الشيخ أحمد بن سليمان الأروادى رضى الله تعالى عنه.

يروى أن مولانا خالد البغدادى قال للشيخ الأروادى: “اذهب إلى إستانبول وابحث عن الذى سيستنير بنوره وضيائه الإفريقيا الشمالية ، وبخارى ، ومصر ، والمكة المكرمة ، والمدينة المنورة وديار الهند ، والشرق الأقصى... فهو وردة الولاية ، وأنت موظف بإرشاده...” (ترجمة من هدية الخالدين)

هكذا بدأت حياته التصوفية فى رعاية مرشده...
ودعا الإمام شيخه إلى حجرته فى مدرسة محمود باشا واستضافه فى هذه الحجرة ودخل أيضاً فيها الخلوة الأربعينية تحت إرادة شيخه . أحيانا كان الشيخ الأروادى يلتحق بدروس الإمام الكمشخانوى فى مدرسته. وفى يوم من الأيام استودعه الأروادى وغاب عن أعين الناس... فحزن الكمشخانوى على مغادرة شيخه حزناً شديداً . فداوم على مجلس العقرى فترة غياب مرشده ... بعد ما مضت سنة واحدة ظهر الشيخ الأروادى رضى الله عنه فى إستانبول مرة أخرى . وأقرأ الحديث فى جامع آياصوفيا حوالى سنتين. وفى خلال هذه المدة داوم الإمام على دروس شيخه فى آياصوفيا ودخل الخلوة الأربعينية من جديد. بعدما انتهت هذه الخلوة أجازه الشيخ الأروادى بالخلافة التامة من طريقة النقشبندية والقادرية والسهروردية والكبروية والجشتية والخالدية والخلوتية والبدوية ، والرفاعية ، والشاذلية ، والمجددية... وأجازه أيضاً بجميع مروياته وتأليفاته...

أذكر هنا قول إمامنا الكوثرى حول بحث الإمام عن مرشد وعلاقته بالشيخ الأروادى: “وكان إذ ذاك يتحرى شيخا كاملا للانتساب علما منه أن الكمال فى الارتشاف من ذاك العباب حتى قدم الشيخ العارف الإمام الشهير بمفتى طرابلس الشام السيد أحمد بن سليمان الأروادى الحسنى قدس سره ووقف الشيخ على قدومه بإشارة غيبية وذهب إليه فأخذ عنه الطريقة وتلقى الذكر وسلك لديه ودخل تحت إرادة شيخه بكليته وقطع منازل السلوك بهمته وصعد أرفع معارج العرفان وسلك أنهج مدارج الإيقان حتى شرفه بالخلافة من الطرق المنسوبة إلى ذى الجناحين وذلك بعد إدخاله الخلوة الأربعينية مرتين وقد حدثنا مشايخنا أنه كان يقول [ إنما آتى و أرسل إلى الروم لأجلك يا شيخ أحمد ] وكان تشرف حضرة الشيخ بالخلافة سنة أربع وستين ومائتين وألف ومكث شيخه هناك سنتين وقرأ عليه علم الحديث ثم أجازه به وبجميع مروياته من فقه أو حديث أو تفسير أو تصوف و غيرها مما يجوز روايته بشرطه المعتبر لدى أصحاب الأثر كما فى ثبته وكان الشيخ عبد الفتاح العقرى قدس الله سره حاضرًا فى إجازته...” (إرغام المريد ، ص: 71).

تكية الإمام الكمشخانوى
بعد أن أخذ الإمام الإجازة وإذن الإرشاد بدأ ينشر طريقته فى إستانبول . فاستخدم حجرته بمدرسة محمود باشا مكاناً لإرشاد مريديه إلى مسلك التصوف . واكتفى بهذه الحجرة فى البداية لقلة مريديه . متى ازداد عددهم ولم تلبّ هذه الحجرة إحتياجاتهم اتخذ [جامع فاطمة سلطان] تكية. وفى عام 1875م أنشأ مبنى واسعا فى جنبه وأوقف ملكيته علي هذا المسجد . وقد اشتغل الإمام بتأليف الكتب حتى انتقل إلى هذه التكية . وأحيانا كان يلتحق بدروسه السلطان عبد الحميد الثانى وسائر رجال الدولة بهذه التكية . وقد انهدمت التكية لسبب تنظيم الشوارع بإستانبول .

حجه وإقامته بمصر
وكانت رحلته الأولى للحج سنة 1863م قد خصصت الدولة باخرة خاصة لهذه الرحلة. أولاً مر بمصر وزار بها مراقد الأولياء والمقامات ثم توجه إلى الحجاز . فحج وزار ثم عاد إلى إستانبول. وأما رحلته الثانية فهى تحققت سنة 1877م . وفى أثناء رجوعه مر بمصر وأقام بها ثلاث سنين. يقول إمامنا الكوثرى عن إقامته بمصر: “ثم ذهب إلى الحجاز مع أهله وفى أثناء عودته مر بمصر وأقام ثلاث سنين ولقى ببعض أساتذة أستاذه كالشيخ مصطفى المبلط الأحمدى وقرظ على راموز الأحاديث التى جمعها الشيخ المترجم فى مجلد ضخم على ترتيب حروف الهجاء محذوفة الأسانيد مكتفيا برموز مخرجيها ودرس كتابه هذا فى جامع السبطين مرة بعد أخرى حتى ختم سبع مرات وأجاز فى كل مرة وفى الختم الأخير كان فى مجلس تدريسه مائتا رجل من الفضلاء ولم يزل على ذلك حتى أقبلوا عليه غاية الإقبال وألفوه بحر العلوم وخزانة الحال فأخذ عنه كثير من الأخبار ونشر طريقه فى تلك الديار وله خلفاء خمسة من أبناء العرب أصحاب عوالى المقامات وسوامى الرتب وبايعه هناك العلامة المتبحر صاحب بيان الحق وغيره من التأليف المولى رحمة الله الهندى ثم ذهب صاب الترجمة إلى طنطه وأقام فى جوار سيدنا أحمد البدوى قدس سره مدة ثم عاد إلى القسطنطينية.”

زواجه
تزوج الإمام الكمشخانوى فى سنة 1876م ببنت شيخ الحرم أمين باشا السيدة حوى . وتوفيت زوجته فى عام 1911 ودفنت فى جنب مرقد الإمام بجوار مسجد سليمانية.

جهاد الإمام
لم ير التاريخ بطولة مثل بطولة الصوفية فى إعلاء كلمة الله تعالى مهما زعم البعض بالعكس... فكلنا نعرف بطولة عبد الله بن المبارك ، والشيخ شامل ، وعمر المختار ، وجهاد سائر الصوفية المجاهدين لتكون كلمة الله هى العليا...

فكان إمامنا الكمشخانوى رضى الله عنه قد أدى جهاد الكفار بحقه كما أدى الجهاد الأكبر . إذ أنه التحق بالحرب التى حدثت بين روسيا والدولة العثمانية سنة 1877م . بعد أن بدأت الحرب ذهب الكمشخانوى مع طلابه ومريديه إلى جهة قارص وحاربوا الروس بها . يقول إمامنا الكوثرى فى مقالاته عن جهاد الإمام : “...ويذكرنا هذا وذاك ما فعل شيخ مشايخنا الشيخ أحمد ضياء الدين الكمشخانوى المحدث المتوفى سنة 1311 – من مشايخ الشيخ بخيت – حيث حارب الروس فى جهة الشرق متطوعاً ، وتحت قيادته جماعة من العلماء والطلاب...” (مقالات الكوثرى ، من أنباء العلم والعلماء ، ص:382 ) . عندما تخففت الحرب فى شهر رمضان رجع الإمام إلى طربزون وأقرأ فيها الطلاب راموز الأحاديث . ورجع إلى الحرب بعد عيد الفطر مرة أخرى . وحارب فى الجبهة ، بعدما انتهت الحرب عاد إلى إستانبول .

وفاته
قد استمر الإمام على نشر العلم والإرشد إلى طريق الحق حتى أصبح فى التسعين من عمره (1893م) فأصابه مرض شديد أقعده عن الحركة والأكل والشرب ، وكانت مدة مرضه خمسة أيام ولم يتكلم مع أى أحد فى هذه الفترة ، وفى صباح يوم الأحد (8) من ذى القعدة فتح عينيه وألم نحو السماء وقال [أطلب الكل يا ذا الطول] فصعدت روحه إلى بارئها ، ودفن فى مقبرة السلطان سليمان.

شمائله وخصاله الفاضلة
قال إمامنا الكوثرى فى بعض خصاله الفاضلة وشمائله : “وكان المترجم قدس سره وصل الغاية من الورع حتى أنه كان لا ينام على البساط ولا يمد رجليه ما يقرب ستين سنة ولما ضعف من الكبر غاية الضعف كان يجلس على البساط ولا يمد رجليه إذا نام وكان يصوم الإثنين والخميس وأيام البيض والشهور الثلاثة بتمامها وكان يحيى الليالى الفاضلة كالرغائب والمعراج والبراءة والقدر والعيدين بالذكر مع إخوانه إلى الفجر وكان صادعا بالحق ولا يخاف لومة لائم وكان استولاه سلطان الذكر وما من شعرة إلا وهى تهتز بغلبته وكان أبيض اللون أحمر الخدين وأبيض اللحية وأسود العينين وواسع الجبهة ومديد الحاجبين وكان فى بعض وجهه الشريف خال لطيف وقده يقرب إلى الطول”
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس