عرض مشاركة واحدة
قديم 12-03-2012
  #81
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا أصحاب الأموال بأن يعطفوا على فقراء بلدهم ويخرجوا زكاتهم، ونبين لهم مرتبة الزكاة من الدين والإيمان، فربما كان المانع لهم من إخراج زكاة أموالهم جهلهم بما ورد فيها من الآيات والأخبار لقلة مجالستهم للعلماء فإذا بينا لهم مرتبة وجوب الزكاة ولم يخرجوا هجرناهم وجوبا لقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}.


ومفهومه أن من لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة فليس هو من إخواننا في الدين، ولا يخفى حكمه فوالله لقد صارت أفعال غالب الخلق كأفعال من لا يؤمن بيوم الحساب، ولا بما توعد الله تعالى عليه عباده، فإن من لم يكن عنده ما توعده الله عليه أو وعده من الأمور المغيبة عنه كالحاضر فإيمانه مدخول.


وتأمل يا أخي لو أن السلطان أوقد نارا لمانع الزكاة، وقال إن لم تخرج زكاتك أحرقتك في هذه النار كيف يخرجها ولا يتوقف أبدا؟ ولو قال له صديقه لا تخرج زكاتك لا يطيعه، وذلك لشهود النار وتعذيبه بها عاجلا غير آجل، فهكذا فليكن الأمر فيما توعد به الحق تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.


ثم تأمل يا أخي في تسمية الله تعالى إخراج الإنسان حق الله تعالى في ماله زكاة:أي نمو وزيادة تعرف أن ذلك إنما هو امتحان لمن يدعي الإيمان، وتصديق الله عز وجل فيما أخبر به هل يصدقه في زيادة المال إذا أخرج حق الله منه، ويكون في شهوده كالزيادة أم لا؟ وتأمل لو جلس يهودي بشكارة ذهب وقال لكل من مر عليه من المؤمنين كل من أعطى هذا الفقير درهما أعطيته دينارا، كيف يتزاحم الناس على إعطاء هذا الفقير، لأجل زيادة العوض؟ وقد قال الله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وقال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وقال صلى الله عليه وسلم ( ما نقص مال من صدقة).


فليمتحن المدعي للتصديق بكلام الله ورسوله نفسه، فإن رآها لا تمل من الإعطاء أبدا للفقراء ولو طلبوا منه جميع ما معه أعطاه لهم فليحكم لها بكمال الإيمان، وإن رآها تمل من ذلك فليحكم عليها بنقص الإيمان، وربما كان أحدهم يعطي الفقراء لكثرة ما جرب من إضعاف التوسعة عليه كما أعطى، فهذا عبد تجربة، فربما كان الحاث له على العطاء كون الحق تعالى يخلف عليه أضعاف ما أعطى، والمؤمن الكامل من أعطى عباد الله تعالى امتثالا لأمر الله لا لعلة إخلاف الله عليه ولا غير ذلك، اللهم إلا إن يريد بكثرة الإعطاء كثرة الإنفاق في مرضاة الله تعالى فهذا لا مانع منه وربما كان الإنسان يخف عليه إعطاء الدينار للسائل أول مرة، ثم إذا طلب منه السائل دينارا ثانيا أعطاه ولكن ببعض ثقل، ثم إذا سأله ثالثا أعطاه بثقل لكن أعظم من الثاني، وهكذا حتى ربما لا يصل إلى الدينار العاشر ومعه بقية داعية للعطاء، فلو أن مثل هذا كان كامل الإيمان لكان آخر دينار في الخفة عليه كأول دينار على حد سواء في الخفة.


وقد أخبرني الشيخ جمال الدين ابن شيخ الإسلام زكريا أن الشيخ فرجا المجذوب لقيه ومعه أربعون نصفا فسأله الشيخ فرج نصف فأعطاه ثم سأله آخر فأعطاه، فما زال يسأله حتى بقي معه نصف واحد من الأربعين فقال أعطني النصف الآخر، فقال: يا شيخ فرج أنا محتاج إليه، فقال: قد كتبت لك وصولا على شموال اليهودي بتسعة وثلاثين دينارا، فقال: قف خذ النصف الآخر فقال ما رضيت، قال الشيخ جمال الدين: فبينما أنا جالس في أثناء النهار فإذا يهودي يدق الباب فقلت له من هذا فقال يهودي، فقلت له أدخل، فقال: إن والدك كان أعطاني أربعين دينارا قرضا وما بيني وبينه إلا الله تعالى، وقد عجزت عن دينار منها فأبرئ ذمتي، ووضع الدنانير بين يدي، فمن ذلك اليوم ما سألني الشيخ فرج شيئا ومنعته إياه، قال سيدي جمال الدين: فندمت أني ما كنت أعطيته النصف الآخر، فإنه عوض لي في كل نصف واحد أربعين نصفا ثم قال تبت إلى الله تعالى أن أحدا من أولياء الله يطلب مني شيئا ولا أعطيه له اهـ.


فانظر يا أخي كيف صار إيمان سيدي جمال الدين في آخر نصف من توقفه، ولو أنه كشف حجابه لم يتوقف في آخر نصف بل كان يعطيه من غير توقف، قال سيدي جمال الدين: ثم إني لقيت الشيخ فرجا بعد ذلك فذكرت له القصة فقال: إنما فعلت ذلك معك لأمرنك على معاملة الله عز وجل، فإذا كنت وأنا عبد قد وفيت لك أضعاف ما أعطيتني فالحق تعالى أولى بذلك {ومن أوفى بعهده من الله}. فقلت له لأي شيء ما قلت لي أعطني درهما أعطك بدله دينار؟ فقال: كانت تبطل فائدة الامتحان لأنه حينئذ يصير العوض مشهودا لك ولا تظهر ثمرة المحنة إلا إذا لم يذكر الممتحن العوض، وأوهمه أنه لا يعوض عليه بدل ذلك شيئا اهـ.


فاعلم أن الواجب على العبد أن يعطي الله ما أمره به محبة في ربه عز وجل لا طلبا للعوض الدنيوي أو الأخروي، فإن ذلك سوء أدب وجهل بعظمة الله تعالى.


فأخرج يا أخي زكاتك طوعا وامتثالا لأمر ربك، وإن لم تطاوعك نفسك فاتخذ لك شيخا يرقيك إلى كمال الإيمان، فهناك لا تتوقف على توعده لك بحرقك بالنار إن لم تخرج زكاتك، فإنك تصير كمن آمن كرها فلا يصح إيمانك والله يتولى هداك.

========

روى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (العامل على الصدقة بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى أهله).


وفي رواية للطبراني مرفوعا: (العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) .


وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا: (خير الكسب كسب العامل إذا نصح) .


وروى الإمام أحمد مرفوعا وفي إسناده مجهول: (ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة) .


وروى أبو داود مرفوعا: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فأخذ فوق ذلك فهو غلول) .


وفي رواية لمسلم وأبي داود وغيرهما مرفوعا: (من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة) . والله تعالى أعلم. "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس