عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2012
  #84
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننزل جميع فاقاتنا ومهمات أمورنا في الدنيا والآخرة بالله تعالى في سرائرنا قبل ذكرها للخلق لأنه تعالى: {بيده ملكوت كل شيء}. فإن لم يجبنا سبحانه وتعالى إلى رفعها علمنا حينئذ أن المانع إنما هو منا لعصياننا لأوامره وعدم اجتنابنا لمناهيه، فنكثر من الاستغفار، ثم نسأل فإن لم يجبنا توسلنا بالخلق فنسألهم من غير وقوف معهم، ونراهم كالأبواب التي يخرج منها صدقات الحق تعالى.


وهذا العهد قل من يتنبه له من الفقراء فيسبق لهم الطلب من الخلق قبل الطلب من الله تعالى، والخلق كلهم مفسدون فلا يعطونهم شيئا فيعسر الله تعالى عليهم أرزاقهم عقوبة لهم على سوء أدبهم معه سبحانه وتعالى، وقد رأيت في واقعة أنني نزلت تحت الأرض فوجدت الأموات في فضاء واسع وهم جالسون حلقا، حلقا يتحدثون على كثيب من رمل أبيض، فسلمت عليهم فلم يردوا علي السلام، وقالوا لسنا في دار تكليف، فقال لي شخص منهم اسمع مني هذا الدعاء لتدعوا به إذا رجعت إلى الدنيا فقلت له نعم، فقال إذا أصابك أمر يهمك من أمور الدنيا والآخرة فقل اللهم: إني أنزلت بك ما يهمني من أمور الدنيا والآخرة، فحفظتها منه، فلم أزل أدعو بها في كل أمر مهم إلى وقتي هذا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به إلى حضرة التوحيد حتى يكون الغالب عليه ذكر الله عز وجل فيرى الحق تعالى أقرب إليه من الخلق فيسأله قبل كل أحد ومن لم يسلك كما ذكرناه فمن لازمه البداءة بسؤال الخلق لكون الغالب عليه شهودهم قبل الحق، كما أن من لازمه أيضا عداوتهم إن لم يعطوه، ولو قلت له إنما لم يعطوك لأن الله تعالى لم يقسم لك على أيديهم شيئا لم يلتفت إلى قولك، وهذا كله جهل بالله تعالى وبالشريعة، فإن الله لو قسم لأحد شيئا عند ذلك البخيل مثلا لوصل إليه ولو بالغصب والنقب، فاعلم أن الكريم ليس منة على أحد والمنة في ذلك لله وحده وإنما مدحه الله تحريضا له على التكرم لما هو عليه في نفسه من البخل والشح، فلولا المدح لربما كان بخيلا لم يعط أحدا شيئا ولكان الحق تعالى ذمه كما ذم البخيل، فاعلم أن الحق تعالى ما ذم البخيل إلا تحريضا للمؤمن على الإنفاق وإن لله عبادا رفع درجاتهم بعدم إطعامهم الطعام لأن في ذلك رائحة منه تطرق العبد وعبيد الله الخلص لا يرون أنهم يشاركون الحق تعالى في المنة على عباده، بقوله تعالى حكاية عن لقمان: إن الشرك لظلم عظيم فافهم.


واعلم أن مدح الكريم إذا من فضل الله وذم البخيل إذا من عدل الله من حضرتي اسميه المعطى والمانع كما أوضحنا ذلك في رسالة الأنوار القدسية. فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت العمل بهذا العهد، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى الشيخان والنسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول له أعطه لمن هو أفقر إليه مني فقال: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مستشرف ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت فكله وإن شئت فتصدق به، وما لا (أي وما لم يأتك من غير استشراف نفس)، فلا تتبعه نفسك. قال سالم فلأجل ذلك كان عبدالله بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. وفي رواية لمالك مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى عمر عطاء فرده فقال لم رددته؟ فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيارنا من لا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله تعالى فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني بشيء من غير مسألة إلا أخذته.


وروى أبو يعلي والإمام أحمد بإسناد صحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: <<من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا استشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه>>.


وروى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وإسناد أحمد جيد قوي مرفوعا: <<من عرض عليه من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا استشراف فليتوسع به رزقه فإن كان غنيا فليتوجهه؟؟ إلى من هو أحوج إليه منه>>. قال شيخنا يعني بشرط الحل في ذلك الرزق. وفي الحديث بيان جواز [ توسع] العبد ما زاد على رزقه بنية التوسعة به على غيره. والله تعالى أعلم. قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت والدي عن الاستشراف فقال هو قولك في نفسك سيبعث إلى فلان سيصلني فلان. والله تعالى أعلم." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس