عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2012
  #86
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بكل ما فضل عن حاجتنا ولا ندخر منه شيئا إلا لضرورة شرعية سواء كان مالا أو طعاما أو ثيابا عملا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخلى يوم واحدا من صدقة، فإن لم نجد شيئا مما ذكرناه تصدقنا بالتسبيح وقراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من صنائع المعروف. وفي الحديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) . ومعنى التصدق بالتسبيح وشبهه أن يجعل ثواب ذلك في صحائف المسلمين، وهذا العهد يتعين العمل به على كل من كان قدوة في دين الله من العلماء والصالحين، فينبغي لأحدهم أن يكون مقداما للناس في كل خير.


وفي ذلك فوائد: منها امتثال أوامر الله تعالى ومنها عكوف الطلبة والمريدين على شيخهم إذا رأوه يعينهم على أمر معاشهم فيتقيدون عليه ويحصلون العلم وينشرون ذلك بعده، ومنها دفع البلايا والمحن عنه في ذلك اليوم. ومن هنا قالوا: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح، وفي المثل السائر أن فلانا وفلانا جلسوا يأكلون كذا وكذا وتركوني مثل قط الفقيه فلم يعزموا علي، يعني أن غالب الفقهاء يشح على القط أن يرمي له ورك دجاجة أو رقبتها، والأمثال لا تضرب في شيء إلا إذا كان تكرر ذلك الشيء من أهله. ويقولون في المثل: يد تأخذ لا تعطي، يعني أن كل من تعود الأخذ من صدقات الناس فهو يشح على غيره.


وقد كان سيدي علي الخواص إذا سأله فقير شيئا ينقسم [أي يمكن تقسيمه] كالطعام والفلوس، قسم ما عنده في ذلك اليوم بينه وبين ذلك الفقير نصفين، ويقول: إن الله تعالى يكره العبد المتميز عن أخيه. وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: إذا طلب منك أحد أن يؤاخيك فاسأله نصف ماله، فإن أعطاك النصف فهو أخ وإلا فلا تجبه لصحبة.


ثم اعلم يا أخي أن من الأولياء من لم يجعل الله تعالى على يديه شيئا من أرزاق الخلائق لإقامته في حضرة اسمه تعالى المانع فيقول الناس حاش أن يكون هذا من أولياء الله تعالى، فإن من شرط الولي السخاء والتكرم، ولو كان هذا من أولياء الله تعالى لكان كريما سخيا، وذلك لا يقدح في كمال ولاية ذلك الولي لأنه لم يمنع ذلك بخلا وإنما هو يود أن لو جعل الله على يديه رزقا لأحد وأعطاه له والإثم إنما هو في حق من يمنع بخلا وشحا في الطبيعة، وأما من يمنع لحكمة فلا إثم عليه، إذ الأولياء على الأخلاق الإلهية درجوا، وقد سمى تعالى نفسه المانع ولم يسمه نفسه بخيلا، وربما كان ذلك الولي الذي ليس له سماط ولا يطعم أحدا لقمة أعلى في المقام ممن سفرته ممدودة ليلا ونهارا، وقد قدمنا قبل هذا العهد قريبا أن من عباد الله الكمل قوما حماهم الله تعالى من مشاركة الحق تعالى في خطور منتهم على أحد من خلقه، فلذلك لم يجعل على يدهم رزقا لأحد يتميزون به على أقرانهم خوفا أن يخطر على بالهم المنة على من أخذ منهم ولو في حال العطاء فقط، ورأوا أن سلامتهم من مزاحمة الحق في المنة أرجح من ثواب ذلك العطاء كما هو مشهد الكمل من الملامتية في تركهم كثيرا من النوافل التي يرى العبد بها أن قد وفى بحق الربوبية وزاد عليه، فافهم.


واسلك يا أخي على يد شيخ ليخرجك من حكم الطبيعة عليك بالشح ويخلصك إلى حضرات الكرم والسخاء، فلا تكاد تبخل على فقير كما درج عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: إذا علمت شيخا يقتدي بك فإياك أن تدع أبناء الدنيا يخرجون عليك في البخل بأن لا تشح بشيء مطلقا، إذ من شرط الشيخ أن يكون الألف دينار عنده إذا أعطاها لفقير حكم الحصاة من التراب على حد سواء، ومتى استعظمت يا أخي شيئا مما أعطيته فأنت لم تشم من طريق الصالحين شمة. قال: وتأمل الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه لما دخل اليمن أتوه بعشرة آلاف دينار ففرقها في المجلس، فصار يفرق منها ويعطي الناس حتى فرغت.


وقد حلق شخص لإبراهيم الخواص رأسه على ما يفتح الله به فجاءه وهو يحلق ألف دينار فدفعها إلى المزين فرماها المزين، وقال للخواص أما تستحي تقول لي احلق رأسي لله ثم تعطيني شيئا من الدنيا، والله ما حلقت لك إلا لله ورماها للناس.


وسأل شخص علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين شيئا فأخرج بدرة فيها عشرة آلاف دينار وقال: والله ما وجدت لك غيرها، فقال له الشخص أعطني أجرة حملها إلى منزلي، فأعطاه طيلسانه فولى وهو يقول أشهد أنك من أولاد المرسلين حقا. وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا وجد على بابه سائلا يقول مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة مني حتى يضعه بين يدي الله عز وجل.


قلت: وممن أدركته على هذا القدم الشيخ عبدالحليم بن مصلح ببلاد المنزلة غربي دمياط وسيدي محمد بن المنير المدفون بخارج الخانقاه السرياقوسية، والشيخ محمد الشناوي رضي الله تعالى عنهم، فرأيت الشيخ عبدالحليم وقد لقيه شخص وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة فقال أعطني هذه الثياب، فأعطاها له ولم يرجع إلى البيت، وصلى بفوطة حمامي في وسطه. ورأيت الشيخ محمد بن منير أعطى شخصا في طريق الحجاز ماتت جماله خمسمائة دينار، فلما وصل الرجل إلى مكة أتى بها، فقال له ما أعطيتها لك إلا لله ولم يكن له به معرفة قبل ذلك. وأما الشيخ محمد الشناوي فلا يحصى ما أعطاه للناس من البهائم والخيل والغنم والقمح والنقود والثياب، وكان يصرح ويقول: جميع ما يدخل يدي من الدنيا ليس هو خاص بي، وإنما أراه مشتركا بيني وبين المحتاجين، فكل من كان أحوج قدم مني أو منهم، وقد من الله تعالى علي بذلك فلم أر لي بحمد الله تعالى شيئا يخصني من المحتاجين به، فالحمد لله رب العالمين.


فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليخرجك من شح الطبيعة بأفعاله وأقواله، وإلا فمن لازمك الشح وبتقدير أنك تعطي الناس ما يسألون فلا يخلو ذلك من علة تؤثر في الإخلاص كما يعرف ذلك أرباب السلوك، فإن الشيخ إذا لم يكن فعله سابقا على قوله كان قدوة لهم في الضلال كما إذا أمرهم بقيام الليل ونام هو، وبالزهد في الدنيا ورغب هو، والله إني لأصلي بالقرآن كاملا في ركعة واحدة في بعض الليالي وأود لأن لو اطلع على ذلك بعض المريدين ليقتدوا بي في ذلك، فإني أعلم أني إذا نمت ناموا فبمن يقتدون إذا كنت بالليل نائما، وربما أخالف ما آمر الناس به فيعملون معدلي ولو في أنفسهم، ويقولون الشيخ يأمرنا بالصلاة في الليل وينام، ويأمرنا برمي الدنيا ويجمعها هو، ويزهدنا في الدنيا ويأمرنا بإخراجها والتصدق بها ولا نراه يفعل هو شيئا من ذلك، بخلاف ما إذا زهد الشيخ وأنفق أو تصدق أمامهم فإنهم ربما يتبعونه، و والله إني لأتصدق في بعض الأوقات بالدينار والقميص وأنا أحوج إليه أشد من الآخذ له تنشيطا للإخوان حتى يخرجوا عن مسك اليد، وأرى ذلك مقدما على نفع نفسي، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك {وهو يتولى الصالحين}.


روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة أفضل. قال: (جهد المقل وابدأ بمن تعول) .


وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: (سبق درهم مائة ألف دينار؟ فقال رجل كيف ذلك يا رسول الله؟ قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف دينار تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ واحدا فتصدق به) . وقوله من عرضه أي من جانبه.


وروى الترمذي وابن خزيمة عن أم بجيد أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لم تجدي إلا ظلفا مجردا فادفعيه إليه في يده) .


وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: (تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله تعالى في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض واخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال: لو نزلت فذكرت الله، فازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة مع حسناته بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له) .


وفي رواية للبيهقي موقوفا عن علي بن مسعود: أن الراهب نزل إلى المرأة فواقعها ست ليال ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه، وأعطى آخر عن يساره نصفه، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه، فوضعت عبادة الستين في كفة ووضعت الست ليال في كفة فرجحت يعني الست ليال، ثم وضع الرغيف فرجح، يعني على الستين سنة.


وروى البيهقي مرفوعا: (إن الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال لم يقدم منه شيئا. ) يعني لم يتصدق منه بشيء. والله تعالى أعلم." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس