الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

اللـمعة الرابعة

}لقد ارتؤى ان يطلق على هذه الرسالة اسم ((منهاج السنة)) {

ان ((مسألة الامامة)) مع كونها مسألة فرعية الاّ أن كثرة الاهتـمام بها جعلتها تدخل ضمن مباحث الايـمان في كتب علـم الكلام واصول الدين وغدت من هذه الـجهة ذات علاقة بـخدمتنا الاساسية، خدمة القرآن والايـمان، وقد بـحثت بـحثا جزئيا.

بِسْمِ الله الرّحـمن الرّحيـم

} لقد جاءكُم رسولٌ من أنفُسكُم عَزيزٌ عَليهِ مَا عَنتـم حريصٌ عليكُم بالـمؤمنينَ رَؤُفٌ رحيـم ` فإن تَولـّوا فقُل حَسَبيَ الله لا الـه إلاّ هو عليه تَوكلتُ وهو رَبُّ العَرشِ العَظيـم { (التوبة:128-129)

} قُل لا أسئلُكُم عَليه أجراً إلاّ الـمودّةَ في القُربى{ (الشورى:23)

سنشير الى جـملة من الـحقائق العظيـمة التي تزخر بها هذه الآيات الـجليلة، وذلك ضمن مقامين اثنين.

الـمقام الاول

((عبارة عن أربع نكات))

u النكتة الاولى:

وهي تعبّر عن كمال رأفة الرسول الاكرم e وغاية رحـمته على أمته.

نعم، لقد وردت روايات صحيـحة تبين مدى رأفته الكاملة وشفقته التامة على أمته، بأنه e يدعو يوم الـحشر الأعظم بـ: ((أمّتي أمّتي)(1) في الوقت الذي يدعو كلُ أحد، بل حتى الأنبياء عليهم السلام بـ: ((نفسي نفسي)) من هول ذلك اليوم ورهبته. فكما تبين هذه الروايات عظيـم شفقته على أمته فقد سمعتْ والدتهُ منه عند ولادته انه يناجي: ((أمتي أمتي)) كما هو مصدَّق لدى اهل الكشف من الاولياء الصالـحين. وكذا ان سيرته العطرة كلـها، وما نشره في الآفاق من مكارم الاخلاق الـمكللة بالشفقة والرحـمة، تبين كمال رأفته وشفقته، كما انه أظهر عظيـم شفقته على أمته باظهار حاجته التي لاتـحد الى صلوات أمته عليه تلك الصلوات التي تبين مدى علاقته الرؤوفة بـجـميع سعادات امته.

ففي ضوء هذه الرأفة الشاملة وهذه الرحـمة الواسعة لـهذا الـمرشد الرؤوف الرحيـم e ؛ كم يكون الإعراضُ عن سنته السنية كفراناً عظيـماً بل موتاً للوجدان! قس ذلك بنفسك وقدّر.

u النكتة الثانية:

ان الرسول الاكرم e قد أبدى رأفة عظيـمة تـجاه أمور ومواد جزئية خاصة، ضمن مهمته النبوية العامة الشاملة. فيبدو ان صرف تلك الشفقة العظيـمة والرأفة الواسعة الى تلك الامور الـجزئية والـمواد الـخاصة لا يناسب – في ظاهر الأمر – عظَم وظيفة النبوة ولا يلائمها. ولكن الواقع والـحقيقة ان تلك الـمادة الـجزئية والأمر الـخاص يـمثل طرف سلسلة تتولى في الـمستقبل مهمة نبوية كلية؛ لذا اُعطي لـمـمثلـها تلك الاهمية البالغة.

مثال ذلك: ان اظهار الرسول e شفقة فائقة وأهمية بالغة للـحسن والـحسين رضي الله عنهما في صباهما، ليست هي شفقة فطرية ومـحبة نابعة من الاحساس بصلة القربى وحدها، بل نابعة ايضاً من انهما بدايةُ سلسلةٍ نورانيةٍ تتولى مهمة من مهمات النبوة العظيـمة، وأن كلاً منهما منشأ جـماعة عظيـمة من وارثي النبوة، ومـمثل عنها وقدوة لـها.

نعم! ان حـمل الرسول e الـحسن رضي الله عنه في حضنه وتقبيلـه رأسَه بكمال الشفقة والرحـمة هو لأجل الكثيرين من ورثة النبوة الشبيهين بالـمهدي الـحاملين للشريعة الغراء الـمتسلسلين من سلالة الـحسن الـمـنـحدرين من نسلـه النوراني الـمبارك أمثال الشيـخ الكيلاني(1). فلقد شاهد الرسول الكريـم e ببصيرة النبوة ما يضطلع به هؤلاء الاكارم في الـمستقبل من مهام مقدسة جليلة، فاستـحسن خدماتهم وقدّر اعمالـهم، فقبّل راس الـحسن رضي الله عنه علامة على التقدير والـحث. ثم ان الاهتـمام العظيـم الذي أولاه الرسول الكريـم e بالـحسين رضي الله عنه وعطفه الشديد مـحوه انـما هو للذين يتسلسلون من نسلـه النوراني من ائمة عظام وارثي النبوة الـحقيقيين الشبيهين بالـمهدي من امثال زين العابدين وجعفر الصادق.

نعم، فقد قبّلe عنق الـحسين رضي الله عنه، واظهر لـه بالغ شفقته وكمال اهتـمامه لاجل اولئك الذين سيرفعون شأن الإسلام ويؤدون وظيفة الرسالة من بعده.

نعم، ان نظر الرسول e الذي يشاهد بقلبه الانيس بالغيب ميدان الـحشر الـمـمتد في الأبدية وهو مازال في الدنيا، في خير القرون، والذي يرى الـجنة في السموات العلى وينظر الى الـملائكة هناك وهو في الارض.. والذي يرى الاحداث الـمستترة بـحـجب الـماضي الـمظلـمة منذ زمن سيدنا آدم عليه السلام، بل حظى برؤيته تعالى.. ان هذا النظر النوراني والبصيرة النافذة للـمستقبل، لاريب أنه قد رأى الاقطاب العظام وأئمة ورثة النبوة والـمهديين الـمتسلسلين وراء الـحسن والـحسين، فقبّل رأسيهما باسم اولئك جـميعاً.

نعم، ان في تقبيلـه e رأسَ الـحسن رضي الله عنه حصةً عظيـمة للشيـخ الكيلاني.

u النكتة الثالثة:

ان معنى قولـه تعالى } الاّ الـموّدَة في القُربى{ (الشورى:23) – على قول – هو: أن الرسول الاكرم e لدى قيامه بـمهمة الرسالة لا يسأل أجراً من أحد، الاّ مـحبةَ آل بيته فحسب.

واذا قيل:

إن أجراً من حيث قرابة النسل قد أُخذ بنظر الاعتبار حسب هذا الـمعنى بينـما الآية الكريـمة: } ان أكرمكُم عند الله اتقاكم{ (الـحـجرات:13) تدل على ان وظيفة الرسالة تستـمر من حيث التقرب الى الله بالتقوى لا من حيث قرابة النسل.

الـجواب: ان الرسول e قد شاهد بنظر النبوة الأنيس بالغيب: أن آل بيته سيكونون بـمثابة شجرة نورانية عظيـمة تـمتد اغصانُها وفروعها في العالـم الإسلامي، فالذين يرشدون مـختلف طبقات العالـم الإسلامي الى الـهدى والـخير، ويكونون نـماذج شاخصة للكمالات الانسانية جـمعاء، سيظهرون باكثريتهم الـمطلقة من آل البيت.

وقد كشف عن قبول دعاء امته بـحق آل البيت الوارد في التشهد وهو ((اللهم صلِّ على مـحـمد وعلى آل مـحـمد كما صليت على ابراهيـم وعلى آل ابراهيـم في العالـمين، انك حـميد مـجيد)). أي: كما ان معظم الـمرشدين الـهادين النورانيين من ملة ابراهيـم –عليه السلام – هم أنبياء من نسلـه وآلـه، كذلك رأى e ان اقطاب آل بيته يكونون كأنبياء بني اسرائيل في الامة الـمـحـمدية يؤدون وظيفة خدمة الإسلام العظيـمة في شتى طرقها ومسالكها. ولاجل هذا؛ اُمر e ان يقول: } قُل لااسئلكم عليه أجراً الاّ الـموّدَة في القُربى{ (الشورى:23) وطلب مودّة أمته لآل بيته. والذي يؤيد هذه الـحقيقة هو ما جاء في روايات أخرى انه e قال: ((يا ايها الناس اني قد تركت فيكم ما ان اخذتـم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي))(1). ذلك لان آل البيت هم منبع السنة الشريفة والـمـحافظون عليها والـمكلفون أولاً بالالتزام بها.

وهكذا وضحت حقيقة هذا الـحديث بناء على ما ذكر آنفاً، أي: بالاتباع التام للكتاب والسنة الشريفة. أي: ان الـمراد من آل البيت من حيث وظيفة الرسالة هو إتباع السنة النبوية، فالذي يدع السنة الشريفة لا يكون من آل البيت حقيقة كما لا يـمكن ان يكون موالياً حقيقياً لآل البيت.

ثم ان الـحكمة في ارادته e في جـمع الأمة حول آل البيت هي: ان الرسول الكريـم e قد علـم باذن إلـهي ان آل البيت سيكثر نسلـهم بـمرور الزمن بينـما الإسلام سيؤول الى الضعف. فيلزم والـحالة هذه وجود جـماعة مترابطة متساندة في منتهى القوة والكثرة لتكون مركزاً ومـحوراً لرقي العالـم الإسلامي الـمعنوي. وقد علـمe بهذابإذن إلـهي فرغّب في جـمع أمته حول آل بيته.

نعم ان افراد آل البيت وان لـم يكونوا سابقين ومتقدمين على غيرهم في الايـمان والاعتقاد الاّ انهم يسبقونهم كثيراً في التسليـم والالتزام والولاء للإسلام، لانهم يوالون الإسلام فطرة وطبعاً ونسلاً، فالـموالاة الطبعية لاتُترك ولو كانت في ضعف وعدم شهرة أو حتى على باطل، فكيف بـموالاة لـحقيقة ارتبطت بها سلسلة أجداده الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة في سبيلـها فنالوا الشرف بها، فتلك الـحقيقة هي في منتهى القوة وذروة الشرف وعلى الـحق الـمبين، أفيستطيع من يشعر بداهة بـمدى اصالة هذه الـموالاة الفطرية ان يتركها؟

فأهل البيت بهذه الالتزام الشديد للإسلام وهو التزام فطري يرون الأمارة البسيطة بـجانب الإسلام برهاناً قوياً لانهم يوالون الإسلام فطرة بينـما غيرهم لا يلتزم الاّ بعد اقتناعه بالبرهان القوي.

u النكة الرابعة:

لـمناسبة النكتة الثالثة نشير اشارة قصيرة الى مسألة ضُخـمت الى درجة كبيرة بـحيث دخلت كتب العقائد وتسلسلت مع أسس الإيـمان، تلك هي مسألة النزاع بين أهل السنة والشيعة. والـمسألة هي:

ان أهل السنة والـجـماعة يقولون: ((ان سيدنا علياً رضي الله عنه هو رابع الـخلفاء الراشدين، وان ابا بكر الصديق رضي الله عنه هو أفضل منه وأحق بالـخلافة، فتسلـم الـخلافة اولاً)).

والشيعة يقولون: ((ان حق الـخلافة كان لعلي رضي الله عنه الاّ أنه ظُلـم، وعلي رضي الله عنه أفضل من الكل)).

وخلاصة ما يوردونه من أدلة لدعواهم هي انهم يقولون: ان ورود أحاديث شريفة كثيرة في فضائل سيدنا علي رضي الله عنه، وكونه مرجعاً للاكثرية الـمطلقة من الاولياء والطرق الصوفية، حتى لُقّب بسلطان الاولياء، مع ما يتصف به من صفات فائقة في العلـم والشجاعة والعبادة، فضلاً عن العلاقة القوية التي يظهرها الرسول e به وبآل البيت الذين يأتون من نسلـه.. كل ذلك يدلّ على أنه الافضل. فالـخلافة كانت من حقه ولكن اُغتصبت منه.

الـجواب: ان إقرار سيدنا علي نفسه مراراً وتكراراً، واتباعه الـخلفاء الثلاثة وتوليه وظيفة ((شيـخ القضاة)) وكونه من اهل الـحل والعقد طوال عشرين سنة وأكثر.. كل ذلك يـجرح دعوى الشيعة.

ثم ان الفتوحات الإسلامية وجهاد الاعداء زمن الـخلفاء الثلاثة، بـخلاف ما حدث زمن خلافة علي رضي الله عنه من حوادث وفتن، تـجرح ايضاً دعوى الشيعة من جهة الـخلافة.

أي ان دعوى أهل السنة والـجـماعة حق.

فان قيل:

ان الشيعة قسمان: أحدهما: شيعة الولاية. والآخر: شيعة الـخلافة.

فليكن هذا القسم الثاني غير مـحق باختلاط السياسة والاغراض في دعاواهم، ولكن لااغراض ولا اطماع سياسية في القسم الاول. فضلاً عن ذلك فقد التـحقت شيعة الولاية بشيعة الـخلافة. أي ان قسماً من الاولياء في الطرق الصوفية يرون ان سيدنا علياً رضي الله عنه هو الافضل، فيصدقّون دعوى شيعة الـخلافة الذين هم بـجانب السياسة.

الـجواب: انه ينبغي النظر الى سيدنا علي رضي الله عنه من زاويتين او من جهتين:

الـجهة الاولى: النظر اليه من زاوية فضائلـه الشخصية ومقامه الشخصي الرفيع.

الـجهة الثانية: هي من زاوية تـمثيلـه الشخص الـمعنوي لآل البيت. والشخص الـمعنوي لآل البيت يعكس نوعاً من ماهية الرسول الكريـم e .

فباعتبار الـجهة الاولى: ان جـميع اهل الـحقيقة وفي مقدمتهم سيدنا علي يقدمّون سيدنا ابا بكر وعمر رضي الله عنهما، فقد رأوا مقامهما اكثر رفعة في خدمة الإسلام والقرب الإلـهي.

ومن حيث الـجهة الثانية أي كون سيدنا علي رضي الله عنه مـمثلاً عن الشخص الـمعنوي لآل البيت(1). فالشخص الـمعنوي لآل البيت من حيث كونه مـمثلاً لـحقيقة مـحـمدية، لا يرقى اليه شيء بالـموازنة. وكثرة الاحاديث النبوية الواردة في الثناء على سيدنا علي رضي الله عنه وبيان فضائلـه هي لأجل هذه الـجهة الثانية، ومـما يؤيد هذه الـحقيقة رواية صحيـحة بهذا الـمعنى: (( ان نسل كل نبي منه، وانا نسلي من علي))(2).

اما سبب كثرة انتشار الاحاديث بـحق شخصية سيدنا علي رضي الله عنه والثناء عليه أكثر من سائر الـخلفاء الراشدين فهو: ان أهل السنة والـجـماعة وهم أهل الـحق، قد نشروا الروايات الواردة بـحق سيدنا علي رضي الله عنه تـجاه هجوم الأمويين والـخوارج عليه وتنقيصهم من شأنه ظلـماً. بينـما الـخلفاء الراشدون الآخرون لـم يكونوا عرضة الى هذه الدرجة من النقد والـجرح، لذا لـم يروا داعياً لنشر الاحاديث الذاكرة لفضائلـهم.

ثم انه e قد رأى بنظر النبوة ان سيدنا علياً رضي الله عنه سيتعرض الى حوادث أليـمة وفتن داخلية، فسلاّه، وأرشد الأمة باحاديث شريفة من امثال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه))(1)، وذلك لينقذ سيدنا علياً من اليأس وينـجي الأمة من سوء الظن به.

ان الـمـحبة الـمفرطة التي يوليها شيعة الولاية لسيدنا علي رضي الله عنه وتفضيلـهم لـه من جهة الطريقة لا يـجعلـهم مسؤولين بـمثل مسؤولية شيعة الـخلافة، لأن اهل الولاية ينظرون نظر الـمـحبة الى مرشديهم حسب مسلكهم. ومن شأن الـمـحب؛ الغلو والافراط والرغبة في أن يرى مـحبوبه أعلى من مقامه. فهم يرون الأمر هكذا فعلاً.

فأهل الأحوال القلبية يـمكن ان يعذروا اثناء غليان الـمـحبة لديهم وغلبتها عليهم، ولكن بشرط الاّ يتعدى تفضيلـهم الناشىء من الـمـحبة الى ذم الـخلفاء الراشدين وعداوتهم، وألاّ يـخرج عن نطاق الاصول الإسلامية.

اما شيعة الـخلافة فنظراً لدخول الاغراض السياسية فيها، فلا يـمكنهم أن ينـجوا من العداء والاغراض الشخصية، فيفقدون حق الاعتذار لـهم، ويـحرمون منه. حتى انهم يظهرون انتقامهم من ((عمر)) في صورة حب ((علي)) وذلك لان القومية الايرانية قد جُرحت بيد سيدنا عمر رضي الله عنه. حتى اصبـحوا مصداق القول: لا لـحب علي بل لبغض عمر. وان خروج عمرو بن العاص على سيدنا علي رضي الله عنه في الـمعركة الفجيعة الـمؤلـمة، كل ذلك أورث الشيعة غيظاً شديداً وعداءً مفرطاً لإسم ((عمر)).

أما شيعة الولاية فليس لـهم حق انتقاد أهل السنة والـجـماعة. لان اهل السنة كما لا يُنقصون من شأن، سيدنا علي رضي الله عنه فهم يـحبونه حباً خالصاً جاداً، ولكنهم يـحترزون من الافراط في الـحب الوارد ضرره وخطره في الـحديث الشريف.

اما الثناء النبوي لشيعة علي رضي الله عنه كما ورد في احاديث نبوية فانـما يعود الى أهل السنة والـجـماعة لانهم هم الـمتبعون لسيدنا علي رضي الله عنه على وفق الاستقامة، لذا فهم شيعة سيدنا علي رضي الله عنه.

وقد جاء في حديث صحيـح صراحة؛ ان خطورة الغلو في مـحبة سيدنا علي رضي الله عنه كخطورة الغلو في مـحبة سيدنا عيسى عليه السلام على النصارى(1).

فان قالت شيعة الولاية: انه بعد قبول فضائل خارقة لسيدنا علي رضي الله عنه لا يـمكن قبول تفضيل سيدنا الصديق رضي الله عنه عليه.

الـجواب: اذا ما وضع في كفة الـميزان الفضائل الشخصية لسيدنا ابي بكر رضي الله عنه أو فضائل سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه، وما قام كل منهما من خدمات جليلة من حيث وراثة النبوة زمن خلافتهما، ووضع في الكفة الاخرى الـمزايا الـخارقة لسيدنا علي رضي الله عنه ومـجاهدات الـخلافة في زمانه وما اضطر اليه من معارك داخلية دامية أليـمة وما تعرض لـه بهذا من سوء الظن، فلا ريب ان كفة سيدنا الصديق رضي الله عنه او كفة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه أو كفة سيدنا ذي النورين رضي الله عنه هي التي تكون راجـحة. وهذا الرجـحان هو الذي شاهده اهل السنة والـجـماعة، وبنوا تفضيلـهم عليه.

ثم ان رتبة النبوة اسمى وارفع بكثير من درجة الولاية بـحيث ان جلوة بوزن درهم من النبوة تفضل رطلاً من جلوة الولاية، كما اثبتناه في ((الكلـمة الثانية عشرة والكلـمة الرابعة والعشرين)) من الكلـمات، فمن زاوية النظر هذه؛ فإن حصة كل من الصديق والفاروق رضي الله عنهما من حيث وراثة النبوة وتأسيس احكام الرسالة قد زيدت من الـجانب الإلـهي، فالتوفيق الذي حالفهما في زمن خلافتهما قد صار دليلاً لدى اهل السنة والـجـماعة. وحيث ان فضائل سيدنا علي الشخصية لاتُسقط من حكم تلك الـحصة الزائدة الكثيرة الآتية من وراثة النبوة، فقد اصبـح سيدنا علي رضي الله عنه شيـخ القضاة للشيـخين الـمكرمين زمن خلافتهما، وكان في طاعتهما.

ان أهل الـحق، اهل السنة والـجـماعة الذين يـحبون سيدنا علياً رضي الله عنه ويوقّرونه، كيف لا يـحبون مَن كان سيدنا علي رضي الله عنه نفسه يـحبهما ويـجلـهما؟

لنوضح هذه الـحقيقة بـمثال: رجل ثري جداً وزع ميراثه واموالـه الطائلة على اولاده. فأعطى لاحدهم عشرين رطلاً من الفضة واربعة ارطال من الذهب، واعطى لآخر خـمسة ارطال من الفضة وخـمسة ارطال من الذهب، واعطى لآخر ثلاثة ارطال من الفضة وخـمسة ارطال من الذهب، فلاشك ان الاخيرين رغم انهما قد قبضا أقل من الأول كمية الاّ انهما قبضا أعلى منه نوعيةً.

وهكذا في ضوء هذا الـمثال، ان الزيادة القليلة في حصة الشيـخين من ذهب حقيقة الأقربية الإلـهية الـمتـجلية من وراثة النبوة وتأسيس احكام الرسالة ترجـح على الكثير من الفضائل الشخصية وجواهر الولاية والقرب الإلـهي لسيدنا علي رضي الله عنه. فينبغي في الـموازنة النظر من هذه الزاوية وأخذها بنظر الاعتبار، والاّ تتغير صورة الـحقيقة ان كانت الـموازنة تعقد مع الشجاعة والعلـم الشخصي وجانب الولاية.

ثم ان سيدنا علياً رضي الله عنه لا يباريه احد من جانب كونه الـمـمثل في ذاته الشخص الـمعنوي لآل البيت، والذي تـجلى في هذه الشخصية الـمعنوية من حيث الوراثة النبوية الـمطلقة. وذلك لأن السر العظيـم للرسول الاعظم e في هذا الـجانب.

أما شيعة الـخلافة فلا حق لـهم غير الـخـجل أمام أهل السنة والـجـماعة. لأن هؤلاء يُنقصون من شأن سيدنا علي رضي الله عنه في دعواهم الـحبَّ الـمفرط لـه بل يفضي مذهبهم الى وصمه بسوء الـخلق – حاشاه – حيث يقولون: ((ان سيدنا علياً رضي الله عنه قد ماشى سيدنا الصديق والفاروق رضي الله عنهما مع انهما غير مـحقين واتقى منهما تقاةً))، وباصطلاح الشيعة انه عمل بالتقية. بـمعنى انه كان يـخافهما وكان يرائيهما في اعمالـه! ان وصف مثل هذا البطل الإسلامي العظيـم الذي نال اسم: ((اسد الله)) واصبـح قائداً لدى الصديقين ووزيراً لـهما.. لقول ان وصفه بانه كان يرائي ويـخاف ويتصنع بالـحب لـمن لا يـحبهم حقاً، واتباعه لغير الـمـحقين اكثر من عشرين عاماً ومسايرتهما تـحت سطوة الـخوف، ليس من الـمـحبة في شيء. وسيدنا علي رضي الله عنه يتبرأ من مثل هذه الـمـحبة.

وهكذا فان مذهب أهل الـحق لا ينقص من شأن سيدنا علي رضي الله عنه بأية جهة كانت ولا يتهمه في اخلاقه قطعاً ولا يسند الى مثل هذا البطل الـمقدام الـخوف، ويقولون: ((لولـم يكن سيدنا علي رضي الله عنه يرى الـحق في الـخلفاء الراشدين لـما كان يعطيهم الولاء لدقيقة واحدة وما كان ينقاد لـحكمهم أصلاً)).

بـمعنى: انه رضي الله عنه قد عرف انهم على حق واقرّ بفضلـهم فبذل شجاعته الفائقة في سبيل مـحبة الـحق.

مـحصل مـما سبق:

انه لاخير في الافراط والتفريط في كل شيء. وان الاستقامة هي الـحد الوسط الذي اختاره اهل السنة والـجـماعة، ولكن مع الاسف كما تستر بعض أفكار الـخوارج والوهابية بستار اهل السنة والـجـماعة فان قسماً من الـمفتونين بالسياسة والـملـحدين ينتقدون سيدنا علياً رضي الله عنه ويقولون: ((انه لـم يوفق كاملاً في ادارة دفة الـخلافة لـجهلـه حاشاه – بالسياسة فلـم يقدر على ادارة الأمة في زمانه)). فازاء هذا الاتهام الباطل من هؤلاء اتـخذ الشيعة طور الغيظ والاستياء من اهل السنة. والـحال ان دساتير اهل السنة واسس مذهبهم لاتستلزم هذه الافكار بل تثبت عكسها. لذا لا يـمكن إدانة أهل السنة بافكار ترد من الـخوارج ومن الـملـحدين قطعاً، بل ان أهل السنة هم أكثر ولاءً وحباً من الشيعة لسيدنا علي رضي الله عنه. فهم في جـميع خطبهم ودعواتهم يذكرون سيدنا علياً بـما يستـحقه من الثناء وعلو الشأن ولاسيـما الاولياء والاصفياء الذين هم باكثريتهم الـمطلقة على مذهب أهل السنة والـجـماعة، فهم يتـخذونه مرشدهم وسيدهم. فما ينبغي للشيعة ان يـجابهوا اهل السنة بالعداء تاركين الـخوارج والـملـحدين الذين هم اعداء الشيعة وأهل السنة معاً. حتى يترك قسم من الشيعة السنة النبوية عناداً لأهل السنة!.

وعلى كل حال فقد أسهبنا في هذه الـمسألة حيث انها قد بـحثت كثيراً بين العلـماء.

فيا اهل الـحق الذين هم اهل السنة والـجـماعة!

ويا ايها الشيعة الذين اتـخذتـم مـحبة اهل البيت مسلكاً لكم!

ارفعوا فوراً هذا النزاع فيـما بينكم، هذا النزاع الذي لامعنى لـه ولا حقيقة فيه، وهو باطل ومضر في الوقت نفسه. وان لـم تزيلوا هذا النزاع فان الزندقة الـحاكمة الان حكماً قوياً تستغل أحدكما ضد الآخر وتستعملـه أداة لإفناء الآخر، ومن بعد افنائه تـحطـّم تلك الاداة ايضاً.

فيلزمكم نبذ الـمسائل الـجزئية التي تثير النزاع، لانكم اهل التوحيد بينكم مئات الروابط الـمقدسة الداعية الى الأخوة والاتـحاد.

الـمقام الثاني

سيـخصص لبيان الـحقيقة الثانية للآية الكريـمة *: } فإن تَولـّوا فقُل حَسَبيَ الله لا الـه إلاّ هو عليه تَوكلتُ وهو رَبُّ العَرشِ العَظيـم{ (التوبة: 129).
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس