الموضوع: اللمعات
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-01-2011
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اللمعات

اللـمعة الـحادية عشرة

(مرقاة السنة وترياق مرض البدعة)

الـمقام الاول لـهذه الآية عبارة عن ((منهاج السنة)) والـمقام الثاني هو ((مرقاة السنة))

بسم الله الرحـمن الرحيـم

} لَقدْ جَاءَكـُم رَسُولٌ من انفُسِكـُم عَزيزٌ عَليهِ ماعَنِتـم حَريصٌ عليكـُم بالـمؤمنينَ رؤوفٌ رَحيـم{ (التوبة:128)

} فإن تَولـّوا فَقُلْ حَسْبي الله لا الـه الاّ هو عَليهِ تَوكـّلْتُ وهوَ رَبُّ العَرشِ العَظيـم{ (التوبة:129)

} قُلْ إنْ كـُنتـم تـحبّون الله فاتّبعوني يـحببكـُم الله{ (آل عمران:31)

سنبين ((احدى عشرة)) نكتة دقيقة، بيانا مـجـملا، من بين مئات الـمسائل الدقيقة التي تتضمنها هاتان الآيتان العظيـمتان.

l النكتة الاولى:

قال الرسول e .

((من تـمسك بسنتي عند فساد امتي فلـه اجر مائة شهيد))(1).

اجل! ان اتباع السنة الـمطهرة لـهو حتـما ذو قيـمة عالية، ولا سيـما اتباعها عند استيلاء البدع وغلبتها، فان لـه قيـمة أعلى وأسمى، وبالاخص عند فساد الامة، اذ تُشعر مراعاة ابسط الآداب النبوية بتقوى عظيـمة وايـمان قوي راسخ؛ ذلك لأن الاتباع الـمباشر للسنة الـمطهرة يذكـّر بالرسول الاعظم e ، فهذا التذكر الناشيء من ذلك الاتباع ينقلب الى استـحضار الرقابة الإلـهية، بل تتـحول في الدقائق التي تراعى فيها السنة الشريفة أبسط الـمعاملات العرفية والتصرفات الفطرية – كآداب الاكل والشرب والنوم وغيرها – الى عمل شرعي وعبادة مثابة عليها؛ لأن الانسان يلاحظ بذلك العمل الـمعتاد اتباع الرسول e ، فيتصور أنه يقوم بأدب من آداب الشريعة، ويتذكر انه e صاحب الشريعة، ومن ثم يتوجه قلبه الى الشارع الـحقيقي وهو الله سبـحانه وتعالى، فيغنـم سكينة واطمئنانا ونوعا من العبادة.

وهكذا، في ضوء ما تقدم فان من يـجعل اتباع السنة السنية عادته، فقد حول عاداته الى عبادات، ويـمكنه ان يـجعل عمره كلـه مثمرا، ومثابا عليه.





l النكتة الثانية:

لقد قال الامام الرباني احـمد الفاروقي رحـمه الله(1):

((بينـما كنت اقطع الـمراتب في السير والسلوك الروحاني، رأيت ان أسطع ما في طبقات الاولياء، وارقاهم وألطفهم وآمنهم واسلـمهم هم اولئك الذين اتـخذوا اتباع السنة الشريفة اساسا للطريقة، حتى كان الاولياء العوام لتلك الطبقة يظهرون اكثر بهاءا واحتشاما من الاولياء الـخواص لسائر الطبقات)).

نعم ان الامام الرباني مـجدد الالف الثاني ينطق بالـحق، فالذي يتـمسك بالسنة الشريفة ويتـخذها اساساً لـه، لـهو أهل لـمقام الـمـحبوبية في ظل حبيب الله e .

l النكتة الثالثة:

عندما كان يسعى هذا السعيد الفقير الى الله، للـخروج من حالة (سعيد القديـم)(2) ارتـج عقلي وقلبي وتدحرجا ضمن الـحقائق ازاء اعصار معنوي رهيب، فقد شعرت كأنهما يتدحرجان هبوطا تارة من الثريا الى الثرى وتارة صعدا من الثرى الى الثريا، وذلك لانعدام الـمرشد، ولغرور النفس الامارة.

فشاهدت حينئذ ان مسائل السنة النبوية الشريفة بل حتى ابسط آدابها، كل منها في حكم مؤشر البوصلة الذي يبين اتـجاه الـحركة في السفن. وكل منها في حكم مفتاح يضيء ما لا يـحصر من الطرق الـمظلـمة الـمضرة.

وبينـما كنت ارى نفسي في تلك السياحة الروحية أرزح تـحت ضغط مضايقات كثيرة وتـحت اعباء أثقال هائلة، اذا بي أشعر بـخفة كلـمات تتبعت مسائل السنة الشريفة الـمتعلقة بتلك الـحالات، وكأنها كانت تـحـمل عني جـميع الاثقال وترفع عن كاهلي تلك الاعباء. فكنت أنـجو باستسلام تام بالسنة من هموم التردد والوساوس مثل: ((هل في هذا العمل مصلـحة؟ ترى هل هو حق؟)). وكنت ارى متى ما كففت يدي عن السنة تشتد موجات الـمضايقات وتكثر، والطرق الـمـجهولـه تتوعر وتغمض، والاحـمال تثقل.. وانا عاجز في غاية العجز ونظري قصير، والطريق مظلـمة. بينـما كنت اشعر متى ما اعتصمت بالسنة، وتـمسكت بها، تتنور الطريق من امامي، وتظهر كأنها طريق آمنه سالـمة والاثقال تـخف والعقبات تزول.

نعم، هكذا احسست في تلك الفترة فصدقت حكم الامام الرباني بالـمشاهدة.

l النكتة الرابعة:

غمرتني – في فترة ما – حالة روحية نبعت من التأمل في ((رابطة الـموت)) ومن الايـمان بقضية ((الـموت حق))، ومن طول التفكر بزوال العالـم وفنائه. فرأيت نفسي في عالـم عجيب، اذ نظرت فاذا انا جنازة واقفة على رأس ثلاث جنائز مهمة وعظيـمة:

الاولى: الـجنازة الـمعنوية لـمـجـموع الاحياء التي لـها ارتباط بـحياتي الشخصية، والتي ماتت ومضت ودفنت في قبر الـماضي.. وما أنا الا كشاهد قبرها موضوع على جثتها.

الثانية: جنازة عظيـمة تطوي مـجـموع انواع الاحياء الـمتعلقة بـحياة البشرية قاطبة، والتي ماتت ودفنت في قبر الـماضي الذي يسع الكرة الارضية، وما أنا الا نقطة تـمـحى عاجلا ونـملة صغيرة تـموت.. سريعا على وجه هذا العصر الذي هو شاهد قبر تلك الـجنازة.

الثالثة: الـجنازة الضخـمة التي تطوي هذا الكون عند قيام الساعة، وحيث ان موته عندئذ امر مـحقق لامناص منه، فقد اصبـح في نظري في حكم الواقع الآن. فاخذت الـحيرة جوانب نفسي، وبهت من هول سكرات تلك الـجنازة الـمهولة، وبدت وفاتي – التي هي الأخرى آتية لا مـحال – كأنها تـحدث الان، فادارت جـميع الـموجودات وجـميع الـمـحبوبات ظهرها لي ومضت، وتركتني وحيداً فريداً، مثلـما جاءت في الآية الكريـمة: } فإن تَولـّوا... { . واحسست كأن روحي تساق الى الـمستقبل الـمـمتد نـحو الأبد الذي اتـخذ صورة بـحر عظيـم لا ساحل لـه.. وكان لابد من القاء النفس في خضم ذلك البـحر العظيـم طوعاً او كرها.

وبينـما انا في هذا الذهول الروحي، والـحزن الشديد يعصر قلبي، اذا بـمدد يأتيني من القرآن الكريـم والايـمان. فمدتني الآية الكريـمة: } فإن تَولـّوا فَقُلْ حَسْبي الله لا الـه الاّ هو عَليهِ تَوكـّلْتُ وهوَ رَبُّ العَرشِ العَظيـم{ (التوبة:129) حتى غدت هذه الآية بـمثابة سفينة أمان في منتهى السلام والاطمئنان. فدخلت الروح آمنة مطمئنة في حـمى هذه الآية الكريـمة.. وفهمت في حينها ان هناك معنى غير الـمعنى الصريـح لـهذه الآية الكريـمة، وهو الـمعنى الاشاري. فلقد وجدت فيه سلوانا لروحي، حيث وهب لي الاطمئنان والسكينة.

نعم! ان الـمعنى الصريـح للآية الكريـمة يقول للرسول الكريـم e .

((اذا تولى اهل الضلالة عن سماع القرآن، واعرضوا عن شريعتك وسنتك، فلا تـحزن ولاتغتـم، وقل حسبي الله، فهو وحده كاف لي، وانا اتوكل عليه؛ اذ هو الكفيل بأن يقيض من يتبعني بدلا منكم، فعرشه العظيـم يـحيط بكل شيء، فلا العاصون يـمكنهم ان يهربوا منه، ولا الـمستعينون به يظلون بغير مدد وعون منه)).

فكما ان الـمعنى الصريـح لـهذه الآية الكريـمة يقول بهذا، فالـمعنى الاشاري للآية الكريـمة يقول:

((ايها الانسان، ويامن يتولى قيادة الانسان وارشاده؛ لئن ودعتك الـموجودات كلـها وانعدمت ومضت في طريق الفناء.. وان فارقتك الاحياء وجرت الى طريق الـموت.. وان تركك الناس وسكنوا الـمقابر.. وان اعرض اهل الغفلة والضلالة ولـم يصغوا اليك وتردوا في الظلـمات.. فلا تبال بهم، ولا تغتـم، وقل: حسبي الله، فهو الكافي، فاذا هو موجود فكل شيء موجود.. وعلى هذا، فان اولئك الراحلين لـم يذهبوا الى العدم، وانـما ينطلقون الى مـملكة اخرى لرب العرش العظيـم، وسيرسل بدلا منهم ما لا يعد ولا يـحصى من جنوده الـمـجندين.. وان اولئك الذين سكنوا الـمقابر لـم يفنوا ابدا، وانـما ينتقلون الى عالـم آخر، وسيبعث بدلا منهم موظفين آخرين يعمرون الدنيا، ويشغلون ما خلا من وظائفها.. وهو القادر على ان يرسل من يطيعه ويسلك الطريق الـمستقيـم بدلا مـمن وقعوا في الضلالة من الذاهبين..

فما دام الامر هكذا، فهو الكفيل، وهو الوكيل، وهو البديل عن كل شيء، ولن تعوّض جـميع الاشياء عنه، ولن تكون بديلا عن توجه واحد من توجهات لطفه ورحـمته لعباده..

وهكذا انقلبت صور الـجنازات الثلاث التي راعتني بهذا الـمعنى الاشاري الى شكل آخر من اشكال الانس والـجـمال وهو:

ان الكائنات تتهادى جيئة وذهابا في مسيرة كبرى، انهاء لـخدمات مستـمرة، واشغالا لواجبات مـجددة دائمة، عبر رحلة ذات حكمة، وجولة ذات عبرة، وسياحة ذات مهام، في ظل ادارة الـحكيـم الرحيـم العادل القدير ذي الـجلال، وضمن ربوبيته الـجليلة وحكمته البالغة ورحـمته الواسعة.

l النكتة الـخامسة:

قال تعالى: } قُلْ إنْ كـُنتـم تـحبّون الله فاتـّبعوني يـحببكـُم الله{ (آل عمران:31) تعلن هذه الآية العظيـمة اعلانا قاطعاً عن مدى اهمية اتباع السنة النبوية ومدى ضرورتها.

نعم! ان هذه الآية الكريـمة اقوى قياس واثبته من قسم القياس الاستثنائي، ضمن الـمقاييس الـمنطقية، اذ يرد فيه على وجه الـمثال: ((اذا طلعت الشمس فسيكون النهار)).

ويرد مثالا للنتيـجة الايـجابية: ((طلعت الشمس فالنهار اذاً موجود)). ويرد مثالا للنتيـجة. السلبية: ((لا نهار فالشمس اذاً لـم تطلع)). فهاتان النتيـجتان – الايـجابية والسلبية – ثابتتان وقاطعتان في الـمنطق.

وكذلك الامر في الآية الكريـمة، فتقول: ان كان لديكم مـحبة الله، فلابد من الاتباع لـ((حبيب الله)). وان لـم يكن هناك اتباع، فليس لديكم اذاً مـحبة الله. اذ لو كانت هناك مـحبة حقاً فانها تولد حتـماً اتباع السنة الشريفة لـ((حبيب الله)).

أجل! ان من يؤمن بالله يطعه. ولاريب ان اقصر طريق اليه واكثرها قبولا لديه، وأزيدها استقامة – ضمن طرق الطاعة الـمؤدية اليه – لـهي الطريق التي سلكها وبينها حبيب الله e .

نعم! ان الكريـم ذا الـجـمال الذي ملأ هذا الكون بنعمة وآلائه الى هذا الـمدى، بديهي – بل ضروري – ان يطلب الشكر من ذوي الـمشاعر تـجاه تلك النعم.

وان الـحكيـم ذا الـجلال الذي زيّن هذا الكون بـمعجزات صنعته الى هذا الـحد، سيـجعل بالبداهة من هو الـمـختار الـمـمتاز من ارباب الشعور مـخاطبا لـه، وترجـمانا لأوامره، ومبلغاً لعبادة، واماماً لـهم.

وان الـجـميل ذا الكمال الذي جعل هذا الكون مظهراً بـما لا يعد ولا يـحصى لتـجليات جـمالـه وكمالـه سيهب بالبداهة لـمن هو اجـمع نـموذج لبدائع صنعته، واكمل من يظهر ما يـحبه ويريد اظهاره من جـمال وكمال واسماء حسنى.. سيهب لـه اكمل حالة للعبودية جاعلا منه اسوة حسنة للآخرين ويـحثهم لاتباعه، ليظهر عندهم ما يـماثل تلك الـحالة اللطيفة الـجـميلة.

الـخلاصة:

ان مـحبة الله تستلزم اتباع السنة الـمطهرة وتنتـجه.

فطوبى لـمن كان حظه وافراً من ذلك الاتباع.

وويل لـمن لايقدر السنة الشريفة حق قدرها فيـخوض في البدع.

l النكتة السادسة:

قال الرسولe : ((كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار))(1)، أي: بعد ان كملتْ قواعد الشريعة الغراء ودساتير السنة الـمهطرة، واخذت تـمام كمالـها، بدلالة الآية الكريـمة: } اليومَ أكملتُ لكُم دينَكُم{ … (الـمائد:3) فان عدم استـحسان تلك الدساتير بـمـحدثات الامور، او ايـجاد البدع التي تشعر كأن تلك القواعد ناقصة – حاش لله – ضلال ليس لـه مستقر الا النار.

ان للسنة الـمطهرة مراتب:

قسم منها ((واجب)) لا يـمكن تركه، وهو مبين في الشريعة الغراء مفصلا، وهو من الـمـحكمات لي لا يـمكن باية جهة كانت ان تتبدل.

وقسم منها هو من قبيل ((النوافل))، وهذا بدوره قسمان:

قسم منه هو السنن التي تـخص العبادات، وهي مبينة ايضا في كتب الشريعة. وتغيير هذه السنن بدعة.

أما القسم الآخر فهو الذي يطلق عليه ((الآداب)) وهي الـمذكورة في كتب السير الشريفة، ومـخالفتها لاتسمى بدعة. الا انها من نوع مـخالفة الآداب النبوية، وعدم الاستفاضة من نورها، وعدم التأدب بالادب الـحقيقي، فهذا القسم هو: اتباع افعال الرسول e الـمعلومة بالتواتر في العرف والعادات والـمعاملات الفطرية، ككثير من السنن التي تبين قواعد ادب الـمـخاطبة وتظهر حالات الاكل والشرب والنوم أو التي تتعلق بالـمعاشرة. فمن يتـحر امثال هذه السنن التي تطلق عليها ((الآداب)) ويتبعها فانه يـحول عاداته الى عبادات، ويستفيض من نور ذلك الأدب النبوي، لأن مراعاة أبسط الآداب واصغرها تذكر بالرسول الاعظم e مـما يسكب النور في القلب.

ان اهم ما في السنة الـمطهرة هي تلك السنن التي هي من نوع علامات الاسلام والـمتعلقة بالشعائر اذ الشعائر هي عبادة من نوع الـحقوق العامة التي تـخص الـمـجتـمع.

فكما ان قيام فرد بها يؤدي الى استفادة الـمـجتـمع كلـه، فان تركها يـجعل الـجـماعة كلـها مسؤولة. فمثل هذه الشعائر يعلن عنها وهي أرفع من ان تنالـها ايدي الرياء واهم من الفرائض الشخصية ولو كانت من نوع النوافل.

l النكتة السابعة:

ان السنة النبوية الـمطهرة في حقيقة امرها لـهي أدب عظيـم، فليس فيها مسألة الا وينطوي على ادب ونور عظيـم. وصدق رسول الله e حين قال: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي))(1).

نعم، فمن يـمعن النظر في السيرة النبوية ويـحط علـماً بالسنة الـمطهرة، يدرك يقيناً ان الله سبـحانه وتعالى قد جـمع اصول الاداب وقواعدها في حبيبه e . فالذي يهجر سنته الـمطهرة ويـجافيها فقد هجر منابع الادب واصولـه، فيـحرم نفسه من خير عظيـم، ويظل مـحروماً من لطف الرب الكريـم، ويقع في سوء ادب وبيل. ويكون مصداق القاعدة: بي ادب مـحروم باشد أز لطف رب.

سؤال:

كيف نتأدب مع علام الغيوب، البصير العليـم، الذي لا يـخفى عليه شيء، حيث ان هناك حالات تدعو الانسان الى الـخجل، ولا يـمكن اخفاؤها عنه سبـحانه، ولا التستر منه، بينـما ستر مثل هذه الـحالات الـمستكرهة احد انواع الأدب؟.

الـجواب:

اولا: كما ان الصانع ذا الـجلال يظهر صنعته اظهاراً جـميلاً في نظر مـخلوقاته، ويأخذ الامور الـمستكرهة تـحت أستار وحجب، ويزين نِعَمه ويـجـملـها حتى لتشتاقها الابصار. كذلك يطلب سبـحانه من مـخلوقاته وعباده ان يظهروا امام ذوي الشعور بأجـمل صورهم واكثرها حسناً؛ اذ ان ظهورهم للـمـخلوقات في حالات مزرية قبيـحة، واوضاع مستهجنة، يكون منافياً للأدب الـجـميل ونوعاً من العصيان تـجاه قدسية اسمائه أمثال: الـجـميل، الـمزين، اللطيف، الـحكيـم. وهكذا فالادب الذي في السنة النبوية الطاهرة انـما هو تأدب بالادب الـمـحض الذي هو ضمن الاسماء الـحسنى للصانع الـجليل.

ثانياً: ان الطبيب لـه ان ينظر الى أشد الاماكن حرمة لـمن يـحرم عليه، من زاوية نظر الطب والعلاج. بل يكشف لـه – في حالات الضرورة – تلك الاماكن ولا يعد ذلك خلافاً للأدب، وانـما يعتبر ذلك من مقتضيات الطب. الا ان ذلك الطبيب نفسه لا يـجوز لـه ان ينظر الى تلك الاماكن الـمـحرمة من حيث كونه رجلا او واعظاً او عالـماً، فلا يسمـح الادب قطعاً باظهارها لـه بتلك العناوين والصفات. بل يعد ذلك انعداماً للـحياء.

((ولله الـمثل الاعلى)) فان للصانع الـجليل اسماء حسنى كثيرة، ولكل اسم تـجليه، فمثلا:

كما يقتضي اسم ((الغفار)) وجود الذنوب، واسم ((الستار) وجود التقصيرات، فان اسم ((الـجـميل)) لا يرضى برؤية القبـح. وان الاسماء الـجـمالية والكمالية، امثال: اللطيف، الكريـم، الـحكيـم، الرحيـم، تقتضى ان تكون الـموجودات في احسن الصور، وفي افضل الاوضاع الـمـمكنة. فتلك الاسماء الـجـمالية والكمالية تقتضى اظهار جـمالـها؛ بالاوضاع الـجـميلة للـموجودات وتأدبها بالاداب الـحسنة، امام انظار الـملائكة والعالـم الروحاني والـجن والانس.

وهكذا فالاداب التي تتضمنها السنة الـمطهرة اشارة الى هذه الاداب السامية، ولفتة الى دساتيرها ونـماذجها.

l النكتة الثامنة:

تبين الآية الكريـمة: } لقد جَاءكُم رسُولٌ من أنفُسِكُم..{ (التوبة:128) كمال شفقة الرسول الكريـم e ومنتهى رأفته نـحو أمته. أما التي تعقبها } فإن تَولـّوا فَقُلْ حَسْبي الله.. { فهي تقول:

((ايها الناس! ايها الـمسلـمون! اعلـموا كم هو انعدام للوجدان وفقدان للعقل اعراضكم عن سنن هذا النبي الرؤوف الرحيـم، وعما بلغ من احكام، لـحد انكاركم شفقته البديهية، واتهام رأفته الـمشاهدة، وهو الذي أرشدكم برأفته الواسعة وبذل كل ما اوتي لاجل مصالـحكم، مداوياً جراحاتكم الـمعنوية ببلسم سننه الطاهرة والاحكام التي اتى بها.

وانت ايها الرسول الـحبيب الرؤوف الرحيـم، ان لـم يعرف هؤلاء شفقتك العظيـمة هذه، لبلاهتهم، ولـم يقدروا رأفتك الواسعة هذه، فأداروا لك ظهورهم، ولـم يعيروا لك سمعاً.. فلا تبال ولا تهتـم فان رب العرش العظيـم الذي لـه جنود السموات والارض والذي تهيـمن ربوبيته من على العرش الاعظم الـمـحيط بكل شيء، لـهو كاف لك.. وسيـجـمع حولك الـمطيعين حقاً، ويـجعلـهم يصغون اليك ويرضون باحكامك)).

نعم، انه ليست في الشريعة الـمـحـمدية والسنة الاحـمدية مسألة الا وفيها حِكَمٌ عديدة، فانا هذا الفقير الى الله ادعى بهذا، رغم كل عجزي وقصوري. وانا على استعداد لإثبات هذه الدعوى. فما كتبته لـحد الآن من اكثر من سبعين رسالة من رسائل النور انـما هو بـمثابة سبعين شاهدا صادقا على مدى الـحكمة والـحقيقة التي تنطوي عليها السنة الاحـمدية والشريعة الـمـحـمدية، فلو قدر وكتب هذا الـموضوع فلا يكفي سبعون رسالة ولا سبعة آلاف رسالة لا يفاء تلك الـحكم حقها.

ثم اني قد شاهدت شخصياً، وتذوقته بنفسي، بل لي الف تـجربة وتـجربة: ان دساتير الـمسائل الشرعية والسنة النبوية افضل دواء وانفعه للامراض الروحية والعقلية والقلبية، ولا سيـما الاجـتـماعية منها، فأن اعلن بـمشاهدتي واحساسي هذا، وقد اشعرت الأخرين بشيء منها في الرسائل بأنه: لا يـمكن ان تسد مسد تلك الـمسائل اية حلول فلسفية ولا أية مسألة حكيـمة. فالذين يرتابون من ادعائي هذا عليهم مراجعة اجزاء رسائل النور.

فليقدر اذاً مدى الربـح العظيـم في السعي لاتباع سنة هذه الذات الـمباركة والـجد في طلبها على قدر الاستطاعة، ومدى السعادة للـحياة الابدية ومدى النفع في الـحياة الدنيا.

l النكتة التاسعة:

قد لا يتيسر اتباع كل نوع من انواع السنة الشريفة اتباعاً فعلياً كاملاً الاّ لأخص الـخواص، ولكن يـمكن لكل واحد الاتباع عن طريق: النية والقصد والرغبة في الالتزام والقبول. ومن الـمعلوم انه ينبغي الالتزام بأقسام الفرض والواجب. اما السنن الـمستـحبة في العبادة فتركها واهمالـها وان لـم يكن فيه اثم الا انه ضياع لثواب عظيـم، وفي تغييرها خطأ كبير. اما السنن النبوية في العادات والـمعاملات فانها تصيّر العادة عبادة رغم ان تاركها لايلام، الا أن استفادته تقل وتتضاءل من نور الاداب الـحياتية لـحبيب الله e .

اما البدع فهي: احداث امور في الاحكام العبادية، وهي مردودة حيث انها تنافي الآية الكريـمة: } اليومَ أكملتُ لكُم دينَكُم...{ (الـمائدة:3) غير ان تلك الامور الـمستـحدثة ان كانت من قبيل الاوراد والاذكار والـمشارب – كالتي في الطرق الصوفية – فهي ليست ببدعة ما دامت اصولـها مستقاة من الكتاب والسنة. اذ ان تلك الاصول والاسس الـمقررة رغم انها باشكال مـختلفة وانـماط متباينة الا انها مشروطة بعدم مـخالفتها للسنة النبوية وبعدم تغييرها لـها. وعلى الرغم من ذلك فقد ادخل قسم من اهل العلـم بعضاً من هذه الامور ضمن البدع، الا انهم اطلقوا عليها ((البدعة الـحسنة)). ولكن الامام الرباني يقول: ((كنت ارى في سيري عبر السلوك الروحاني ان الكلـمات الـمروية عن الرسول الاعظم e منورة متألقة بشعاع السنة الـمطهرة، في حين كنت ارى الاوراد العظيـمة والـحالات الباهرة غير الـمروية عنه ليس عليها ذلك النور والتألق. فما كان يبلغ اسطع ما في هذا القسم – الاخير – الى اقل القليل لـما في السنة … ففهمت من هذا: ان شعاع السنة الـمطهرة لـهو الاكسير النافذ، فالسنة الـمطهرة كافية ووافية لـمن يبتغي النور، فلا داعي للبـحث عن نور في خارجها…)).

فهذا الـحكم الصادر من هذا الرائد البطل من ابطال الـحقيقة والشريعة ليظهر لنا: ان السنة السنية هي الـحجر الاساس لسعادة الدارين ومنبع الكمال والـخير. اللهم ارزقنا اتباع السنة السنية.

} ربـّنا آمَنـّا بـما أنزلْتَ واتبَعنا الرسُولَ فاكتُبنا مَع الشّاهدين {

(آل عمران:53)

l النكتة العاشرة:

قال تعالى: } قُلْ إنْ كـُنتـم تـحبّون الله فاتّبعوني يـحببكـُم الله{

(آل عمران:31).

في هذه الآية الكريـمة ايـجاز معجز، حيث ان معاني كثيرة قد اندرجت في هذه الـجـمل الثلاث: تقول الآية الكريـمة: ((ان كنتـم تؤمنون بالله، فانكم تـحبونه، فما دمتـم تـحبونه فستعملون وفق ما يـحبه، وما ذاك الاتشبهكم بـمن يـحبه.. وتشبهكم بـمـحبوبه ليس الا في اتباعه، فمتى ما اتبعتـموه يـحبكم الله، ومن الـمعلوم انكم تـحبون الله كي يـحبكم الله)).

وهكذا فهذه الـجـمل ماهي الا بعض الـمعاني الـمـختصرة الـمـجـملة للآية، لذا يصح القول: ان أسمى مقصد للانسان واعلاه هو ان يكون اهلا لـمـحبة الله.. فنص هذه الاية يبين لنا ان طريق ذلك الـمقصد الاسنى انـما هو في اتباع ((حبيب الله)) والاقتداء بسنته الـمطهرة. فاذا ما اثبتنا في هذا الـمقام ثلاث نقاط فستتبين الـحقيقة الـمذكورة بوضوح.



النقطة الاولى:

لقد جُبل هذا الانسان على مـحبة غير متناهية لـخالق الكون، وذلك لان الفطرة البشرية تكنّ حباً للـجـمال، ووداً للكمال، وافتتاناً بالاحسان، وتتزايد تلك الـمـحبة بـحسب درجات الـجـمال والكمال والاحسان حتى تصل الى اقصى درجات العشق ومنتهاه.

نعم ان في القلب الصغير لـهذا الانسان الصغير يستقر عشق بكبر الكون. اذ ان نقل مـحتويات ما في مكتبة كبيرة من كتب، وخزنها في القوة الـحافظة للقلب – وهي بـحجـم حبة عدس – يبين ان قلب الانسان يـمكنه ان يضم الكون ويستطيع ان يـحـمل حباً بقدر الكون.

فما دامت الفطرة البشرية تـملك استعداداً غير مـحدود للـمـحبة تـجاه الاحسان والـجـمال والكمال.. وان لـخالق الكون جـمالاً مقدساً غير متناه، ثبوته متـحقق بداهة بآثاره الظاهرة في الكائنات.. وان لـه كمالا قدسياً لا حدود لـه، ثبوته مـحقق ضرورة بنقوش صنعته الظاهرة في هذه الـموجودات.. وان لـه احسانا غير مـحدود ثابت الوجود يقينا، يـمكن لـمسه ومشاهدته ضمن انعامه والآئه الظاهرة في جـميع انواع الاحياء.. فلابد انه سبـحانه يطلب مـحبة لاحد لـها من الانسان الذي هو اجـمع ذوي الشعور صفة، واكثرهم حاجة، واعظمهم تفكراً، واشدهم شوقاً اليه.

نعم، كما ان كل انسان يـملك استعداداً غير مـحدود من الـمـحبة تـجاه ذلك الـخالق ذي الـجلال، كذلك الـخالق سبـحانه هو اهل ليكون مـحبوبا، لاجل جـمالـه وكمالـه واحسانه اكثر من أي احد كان، حتى ما في قلب الانسان الـمؤمن من انواع الـمـحبة ودرجاتها للذين يرتبط بهم بعلاقات معينة، ولاسيـما ما في قلبه من حب تـجاه حياته وبقائه، وتـجاه وجوده ودنياه، وتـجاه نفسه والـموجودات بأسرها، انـما هي ترشحات من تلك الاستعدادات للـمـحبة الإلـهية. بل حتى اشكال الاحساسات العميقة – عند الانسان – ما هي الا تـحولات لذلك الاستعداد، وما هي الارشحاته التي اتـخذت اشكالا مـختلفة.

ومن الـمعلوم ان الانسان مثلـما يتلذذ بسعادته الذاتية، فهو يتلذذ ايضاً بسعادة الذين يرتبط بهم بعلاقة ومـحبة ومثلـما يـحب من ينقذه من البلاء، فهو يـحب من ينـجي مـحبيه من الـمصائب ايضاً.

وهكذا، فاذا ما فكر الانسان وروحه مفعمة بالامتنان لله، في احسان واحد فقط مـما لا يعد ولا يـحصى من الاحسانات العظيـمة التي قد غمر بها الله سبـحانه وتعالى الانسان وشملـه بها، فانه سيفكر على النـحو الآتي:

ان خالقي الذي انقذني من ظلـمات العدم الابدية، ومنـحني منـحة الـخلق والوجود، ووهب لي دنيا جـميلة استـمتع بـجـمالـها هنا على هذه الارض، فان عنايته ايضاً ستـمتد اليّ حين يـحين اجلي، فينقذني كذلك من ظلـمات العدم الابدي والفناء السرمدي، وسيهب لي – من فضل احسانه – عالـماً ابدياً باهرا زاهرا في عالـم البقاء في الآخرة.. وسينعم عليّ سبـحانه بـحواس ومشاعر ظاهرة وباطنة لتستـمتع وتتلذذ في تنقلـها بين انواع ملذات ذلك العالـم الـجـميل الطاهر.

كما انه سبـحانه سيـجعل جـميع الاقارب، وجـميع الاحبة من بني جنسي الذين اكن لـهم حباً عميقاً وارتبط معهم بعلاقة وثيقة، سيـجعلـهم اهلا لـهذه الآلاء والاحسانات غير الـمـحدودة.. وهذا الاحسان – من جهة – يعود عليّ كذلك، اذ انني اتلذذ بسعادة اولئك، واسعد بها.. فما دام في كل فرد حب عميق وافتتان بالاحسان كما في الـمثل: ((الانسان عبد الاحسان)) فلابد ان الانسان امام هذا الاحسان الابدي غير الـمـحدود سيقول:

لو كان لي قلب بسعة الكون لاقتضى ان يـملأ حباً وعشقاً تـجاه ذلك الاحسان الإلـهي، وانا مشتاق لـملئه، ولكن رغم انني لست على مستوى تلك الـمـحبة فعلا، الا انني أهل لـها بالاستعداد والايـمان، وبالنية والقبول، وبالتقدير والاشتياق، وبالالتزام والارادة.

وهكذا ينبغي قياس ما يظهره الانسان من الـمـحبة تـجاه ((الـجـمال)) وتـجاه ((الكمال)) بـمقياس ما اشرنا مـجـملا من الـمـحبة تـجاه ((الاحسان)).

اما الكافر الـملـحد، فانه يـحـمل عداء لاحد لـه فهو يستـخف بالـموجودات من حولـه، ويستهين بها، ويـمتهنها، ويناصبها العداء والكراهية.

النقطة الثانية:

ان مـحبة الله تستلزم اتباع السنة الطاهرة لـمـحـمد e ، لان حب الله هو العمل بـمرضياته، وان مرضاته تتـجلى بافضل صورها في ذات مـحـمد e . والتشبه بذاته الـمباركة في الـحركات والافعال يأتي من جهتين:

احداهما: جهة حب الله سبـحانه واطاعة اوامره، والـحركة ضمن دائرة مرضاته، هذه الـجهة تقتضي ذلك الاتباع، حيث ان اكمل امام وامثل قدوة في هذا الامر هو مـحـمد e .

وثانيتهما: جهة ((ذاته الـمباركة)) e التي هي أسمى وسيلة للاحسان الإلـهي غير الـمـحدود للبشرية، فهي اذاً اهل لـمـحبة غير مـحدودة لاجل الله وفي سبيلـه.

والانسان يرغب فطرة في التشبه بالـمـحبوب ما امكن، لذا فالذين يسعون في سبيل حب ((حبيب الله)) عليهم ان يبذلوا جهدهم للتشبه به باتباع سنته الشريفة.

النقطة الثالثة:

كما ان لله سبـحانه وتعالى رحـمة غير متناهية، فلـه سبـحانه كذلك مـحبة غير متناهية. وكما انه يـحبب نفسه – بصورة غير مـحدودة – بـمـحاسن الكائنات جـميعاً وبـجـمالـها وزينتها الى مـخلوقاته، فانه كذلك يـحب مـخلوقاته، ولا سيـما اصحاب الشعور منهم الذين يقابلون تـحببه لـهم بالـحب والتعظيـم. لذا فان اسمى مقصد الانسان في مرضاة ربه، واجلّ سعيه هو ان يكون موضع نظر مـحبة الله الذي خلق الـجنة بلطائفها ومـحاسنها ولذائذها ونعمها بتـجل من تـجليات رحـمته.

وبـما ان احدا لا يـمكنه ان يكون اهلا لـمـحبته سبـحانه الا باتباع السنة الاحـمدية كما نص عليه كلامه العزيز، اذن فاتباع السنة الـمـحـمدية هو اعظم مقصد انساني واهم وظيفة بشرية.

l النكتة الـحادية عشرة:

وهي ثلاث مسائل:

T الـمسألة الاولى:

أن لسنة الرسول الاعظم e ثلاثة منابع، هي:

اقوالـه، وافعالـه، واحوالـه. وهذه الاقسام الثلاثة هي كذلك ثلاثة اقسام:

الفرائض، النوافل، عاداته e .

ففي قسم الفرائض والواجب، لا مناص من الاتباع، والـمؤمن مـجبر على هذا الاتباع بـحكم إيـمانه. والـجـميع بلا استثناء مكلفون بأداء الفرض والواجب، ويترتب على اهمالـه او تركه عذاب وعقاب.

وفي قسم النوافل، فأهل الإيـمان هم مكلفون به ايضاً حسب الامر الاستـحبابي، ولكن ليس في ترك النوافل عذاب ولاعقاب. غير ان القيام بها واتباعها فيه اجر عظيـم. وتغيير النوافل وتبديلـها بدعة وضلالة وخطأ كبير.

اما عاداته e وحركاته وسكناته السامية فمن الافضل والـمستـحسن جداً تقليدها واتباعها حكمة ومصلـحة سواء في الـحياة الشخصية او النوعية او الاجتـماعية، لان هناك في كل حركة من حركاته الاعتيادية منافع حياتية كثيرة جداً فضلا عن انها بالـمتابعة تصير تلك الآداب والعادات بـحكم العبادة.

نعم، مادام – عليه الصلاة والسلام – متصف بأسمى مراتب مـحاسن الاخلاق، باتفاق الاولياء والاعداء. وانه e هو الـمصطفى الـمـختار من بين بني البشر، وهو اشهر شخصية فيهم باتفاق الـجـميع.. وما دام هو اكمل انسان، بل اكمل قدوة ومرشد بدلالة آلاف الـمعجزات، وبشهادة العالـم الإسلامي الذي كونه، وبكمالاته الشخصية بتصديق حقائق ما بلغة من القرآن الـحكيـم.. وما دام ملايين من اهل الكمال قد سموا في مراتب الكمالات، وترقوا فيها بثمرات اتباعه فوصلوا الى سعادة الدارين... فلابد ان سنة هذا النبي الكريـم e وحركاته هي افضل نـموذج للاقتداء واكمل مرشد للاتباع والسلوك واحكم دستور، واعظم قانون، يتـخذه الـمسلـم اساساً في تنظيـم حياته.

فالسعيد الـمـحظوظ هو من لـه أوفر نصيب من هذا الاتباع للسنة الشريفة.

ومن لـم يتبع السنة فهو في خسران مبين ان كان متكاسلا عنها.. وفي جناية كبرى ان كان غير مكترث بها.. وفي ضلالة عظيـمة ان كان منتقداً لـها بـما يوميء التكذيب بها.

T الـمسألة الثانية:

لقد وصف الله سبـحانه وتعالى الرسول e في القرآن الـحكيـم بقولـه:

} وإنـّكَ لَعلَى خُلُقٍ عَظيـم { (القلـم:4).

ووصفه الصحب الكرام كما وصفته الصحابية الـجليلة الصديقة عائشة رضي الله عنها قائلة: ((كان خُلُقُهُ القرآن))(1). أي: ((ان مـحـمدا e هو الـمثال النـموذج لـما بينه القرآن الكريـم من مـحاسن الاخلاق، وهو افضل من تـمثلت فيه تلك الـمـحاسن، بل انه خلق فطرة على تلك الـمـحاسن)). ففي الوقت الذي ينبغي ان يكون كل من افعال هذا النبي العظيـم e واقوالـه واحوالـه، وكل من حركاته نـموذج اقتداء للبشرية، فما اتعس اولئك الـمؤمنين من امته الذين غفلوا عن سنته e مـمن لا يبالون بها او يريدون تغييرها فما اتعسهم وما اشقاهم!

T الـمسألـه الثالثة:

لـما كان الرسول e قد خلق في افضل وضع وأعدلـه وفي اكمل صورة واتـمها، فحركاته وسكناته قد سارت على وفق الاعتدال والاستقامة، وسيرته الشريفة تبين هذا بياناً قاطعاً بوضوح تام، بأنه قد مضى وفق الاعتدال والاستقامة في كل حركة من حركاته متـجنباً الافراط والتفريط.

نعم لـما كان الرسول e قد امتثل امتثالا كاملا قولـه تعالى } فاستقم كما اُمرت{ (هود:112) فالاستقامة تظهر في جـميع افعالـه واقوالـه واحوالـه ظهوراً لا لبس فيه.

فمثلا: ان قواه العقلية قد سارت دائماً ضمن الـحكمة التي هي مـحور الاستقامة والـحد الوسط، مبرأة عما يفسدها ويكبتها من افراط وتفريط أي الغباء والـخب.

وان قواه الغضبية قد سارت دائماً ضمن الشجاعة السامية التي هي مـحور الاستقامة والـحد الوسط، منزهة عما يفسدها من افراط وتفريط أي الـجبن والتهور.

وان قوته الشهوية قد اتـخذت مـحور الاستقامة دائماً وهي العفة واستقامت عليها باسمى درجات العصمة، فصفت من فساد تلك القوة من افراط وتفريط أي الـخـمود والفجور.

وهكذا فانه e قد اختار حد الاستقامة في جـميع سننه الشريفة الطاهرة وفي جـميع احوالـه الفطرية وفي جـميع احكامه الشرعية، وتـجنب كليا من الظلـم والظلـمات أي الافراط والتفريط، والاسراف والتبذير، حتى انه قد اتـخذ الاقتصاد لـه دليلا متـجنبا الاسراف نهائيا، في كلامه وفي اكلـه وفي شربه.

وقد ألفت في تفصيل هذه الـحقائق آلاف الـمـجلدات، الا اننا اكتفينا بهذه القطرة من البـحر، اذ ((العارف تكفيه الاشارة)).

اللهم صل على جامع مكارم الاخلاق ومظهر سر } وإنـّكَ لَعلَى خُلُقٍ عَظيـم { (القلـم:4) الذي قال: ((من تـمسك بسنتي عند فساد امتي فلـه اجر مائة شهيد)).

} وقَالُوا الـحـمدُ لله الذي هَدينا لـهذا وما كُنا لنهتَدي لولا أنْ هدينا الله لقد جَاءتْ رُسُل ربنا بالـحقَ { (الاعراف:43).

} سُبـحانَكَ لاَ عِلـم لَنَا إِلاّ ما عَلـمتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليـم الـحكيـم {

(البقرة:32)
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس