عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: المثنوي العربي النوري - رشحات

المثنوي العربي النوري - ص: 65
البغدادي 1، والشيخ عبدالقادر الكيلاني 2 والامام الغزالي، ومحي الدين بن عربي 3، وابي الحسن الشاذلي 4، والشاه النقشبند 5، والامام الرّباني ونظائرهم الوف ثمراتٍ منورات من فيض هداية ذلك الشخص النوراني.
فلنؤخر تفصيلات مشهوداتنا في رجوعنا الى وقت آخر، ونصلي ونسلم على هذا الذات النوراني، ذي المعجزات، اعني سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام:
اللهم صلّ وسلّم على هذا الذات النوراني الذي اُنزل عليه القرآن الحكيم من الرحمن الرحيم من العرش العظيم. اعني سيدنا محمداً الفُ الفِ صلاة وسلام بعدد حسنات امته.. على مَن بَشَّر برسالته التوراة والانجيل والزبور والزبر، وبشَّر بنبوته الأرهاصات وهواتف الجن واولياء الإنس وكواهنُ البشر وانشقَّ باشارته القمر سيّدنا ومولانا محمد الف الف صلاة وسلام بعدد انفاس امته.. على مَن جاءت لدعوته الشجرُ، ونزل سرعة بدعائه المطرُ، واظلته الغمامة من الحرّ، وشبعَ من صاع ٍمن طعامه مئات من البشر، ونبع الماء من بين اصابعه كالكوثر، وانطقَ الله له الضَّّبّ، والظبي، والذئب، والجذع، والذراع، والجمل، والجبل، والحجر، والمدر، والشجر، صاحب

_____________________
1 هو جنيد بن محمد (ابو القاسم الزجاج القواريرى)(ت 297هـ/1910): صوفي وزاهد، سيد الطائفة. ولد وتوفي ببغداد تلقى العلوم الفقهية عن سفيان الثوري والعلوم الصوفية عن خاله السري السقطي.
2 الكيلاني(عبد القادر): هو ابن ابي صالح ابو محمد الجيلي. ولد بجيلان سنة 470 هـ، ودخل بغداد فسمع الحديث وتفقه على ابي سعيد المخرمي الحنبلي، وهو احد الاقطاب المعروفين لدى اهل السنة والجماعة، ومجدد عظيم استقام على يديه كثير من المسلمين واسلم كثير من اليهود والنصارى. من مصنفاته: كتاب الغنية وفتوح الغيب والفتح الرباني، توفي ببغداد سنة 561 هـ .
3 محي الدين بن عربي: هو محمد بن علي بن محمد ابن عربي ابو عبد الله الطائى الاندلسي المعروف بابن العربي الشهير بالشيخ الاكبر، ولد بالاندلس سنة 560هـ وتوفي بدمشق سنة 638هـ، له من التصانيف (فصوص الحكم) و(الفتوحات المكية). (البداية والنهاية لابن كثير 13/156 كشف الظنون 1238، 1261 هدية العارفين 2/114 الاعلام 6/281 ميزان الاعتدال 3/108 جامع كرامات الاولياء 1/118 الطبقات الكبرى 1/188).
4 الشاذلي: (591 - 656 هـ) هو علي بن عبدالله بن عبد الجبار الشاذلي، والشاذلة قرية من افريقيا، الضرير الزاهد نزيل الاسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية، صاحب الاوراد المسماة "حزب الشاذلي ". (الطبقات الكبرى 2/4 الاعلام 4/305 نور الابصار 234 جامع كرامات الاولياء 2/341).
5 النقشبند(الشاه): هو محمد بهاء الدين مؤسس الطريقة النقشبندية ولد في قرية قصر العارفان، قرب بخارى، ودرس في سمرقند، تزوج في الثامنة عشرة من عمره، انتسب الى شيوخ كثيرين وعاد اخيراً الى بخارى ولم يغادرها حتى وفاته، وانشأ فيها طريقته ونشرها، وتوفي في 3 ربيع الأول 791هـ 1389م عن (73) سنة من العمر. من مصنفاته: رسالة الواردات والاوراد البهائية، حياتنامة، تنبيه الغافلين.



المثنوي العربي النوري - ص: 66
المعراج ومازاغ البصر؛ سيدنا وشفيعنا محمد الف الف صلاة وسلام بعدد كل الحروف المتشكلة في الكلمات المتمثلة باذن الرحمن في مرايا تموجات الهواء عند قراءة كل كلمة من القرآن من كل قارئٍ من اول النزول الى آخر الزمان واغفرلنا وارحمنا يا إلـــهنا بكل صلاة منها. آمين.. آمين.. آمين.
***
اعلم! 1 ان دلائل النبوة الاحمدية لاتعد ولاتحصى، وقد ذكرنا قسماً منها في [الكلمة التاسعة عشرة والمكتوب التاسع عشر] فمع شهادة "معجزاته" البالغة الى الف، ومع شهادة "القرآن" البالغ وجوه اعجازه الى اربعين، السابق تفصيلها في (الكلمة الخامسة والعشرين) على رسالة محمّد عليه الصلاة والسلام.. كذلك تشهد هذه "الكائناتُ" بآياتها على نبوته؛ اذ كما ان في هذه المصنوعات المبثوثة في الكائنات آياتٍ لاتُحد، تشهد على وحدانية الذات الاحدية، كذلك فيها بيّنات لاتعد، تشهد على رسالة الذات الاحمدية عليه الصلاة والسلام:
منها كمال حسن الصنعة؛ اذ كمال حُسن الصنعة في هذه المصنوعات، يدل على الرسالة الاحمدية دلالة قطعية؛ لان جمال هذه المصنوعات المزينات يُظهر للناظر حُسنَ صنعةٍ وزينةٍ بالمشاهدة، وان حسن الصنعة وزينة الصورة يدلان بالبداهة على ان في صانعها ارادةَ تحسينٍ وطلبَ تزيينٍ في غاية القوة. وان ارادة التحسين وطلبَ التزيين يدلان بالضرورة على ان في صانعها محبةً علويةً لصنعته، ورغبةً قدسية لاظهار كمالاتِ صنعته. وان تلك المحبة والرغبة تدلان بالقطع على ان الانسان الذي هو اكمل المصنوعات وابدعها واجمل المخلوقات واجمعها، هو المظهرُ الجامعُ والمدارُ البارعُ لتلك المحبة والرغبة، وهو الذي تتمركزان فيه. وان الانسان لكونه اجمع وابدع المصنوعات فهو الثمرة الشعورية لشجرة الخلقة. أي هو لها كثمرةٍ ذات شعور. فلكونه كالثمرة، فهو ما بين اجزاء الكائنات جزء أجمع وأبعد من جميع الاجزاء. فلكونه اجمعَ وابعدَ وذا شعور، فله نظرٌ عام وشعور كلي. فلكون نظره عاماً يرى مجموع شجرة الخلقة، ولكون شعوره كلياً يعرف مقاصد الصانع، فهو المخاطَب

_____________________
1 هذا البحث القيم في دلالة الكائنات بحث مستقل عن »الرشحات« ترجمه الاستاذ النورسى الى التركية وجعله النقطة الثالثة من الكلمة الثامنة عشرة.




المثنوي العربي النوري - ص: 67
الخاص للصانع. فلكون عموم النظر وكليةُ الشعور، سبباً لخصوصية الخطاب، فالفرد الذي يَصرِف كلَّ نظرهِ العام وعموم شعوره الكلي الى التعبد للصانع، والتحبب اليه، والمحبة له، ويوجّه تمام شعوره ودقة نظره الى استحسان صنعة الصانع وتقديرها وتشهيرها، ويستعمل جميع نظره وشعوره ومجموع قوته وهمّته الى شكر نعمةِ ذلك الصانع الذي يطلب الشكر في مقابلة إنعامه، والى دعوة الناس كافةً الى التعبد والاستحسان والشكر، فبالبداهة يكون ذلك الفرد الفريد هو المخاطب المقرَّب والحبيب المحبَّب..
فيا ايها الناس! هل يمكن عندكم ان لا يكون محمّد عليه الصلاة والسلام ذلك الفرد الفريد؟ وهل يستطيع تاريخكم ان يظهر فرداً آخر أليقَ بهذا المقام من محمّد عليه الصلاة والسلام؟ فيامَن له بصر بلا رَمَد، وبصيرة بلا عمى! انظر الى عالم الانسان في هذه الكائنات، حتى تشاهد بالعيان دائرتين متقابلتين، ولوحتين متناظرتين:
فاما احدى الدائرتين، فدائرة ربوبية محتشمة منتظمة في غاية الاحتشام والانتظام. واما احد اللوحين فلوح صنعةِ مصنّعٍ مرصّع في غاية الاتقان والاتزان.
واما الدائرة الاخرى فهي دائرة عبودية منوّرة مزهرة في غاية الانقياد والاستقامة. واما اللوح الاخر، فهو لوح تفكر واستحسان في غاية الوسعة، وصحيفة تشكر وايمان في غاية الجمع.
فاذ شاهدت هاتين الدائرتين وهذين اللوحين، فانظر الى مناسبة الدائرتين واللوحين حتى تشاهد بالعيان:
ان دائرة العبودية تتحرك جميعُ جهاتها باسم الدائرة الاولى، وتعمل بجميع قوتها بحسابها. وحتى تشاهد بأدنى دقة ان لوح التفكر والتشكر والاستحسان والايمان ينظر بجميع معانيه واشاراته الى لوح الصنعة والنعمة.
فاذ شاهدتْ عينُك هذه الحقيقة فهل يمكن لعقلك ان ينكر اعظَم المناسبة بين رئيس دائرة العبودية وصاحب دائرة الربوبية؟ وهل يجوز لقلبك ان لايوقن بان ذلك الرئيس الذي يخدم بالاخلاص لمقاصد الصانع في تشهير صنعته وتقديرها، له مناسبة


المثنوي العربي النوري - ص: 68
عظيمة مع الصانع، وانتساب قوي اليه وله معه مكالمة ومنه اليه رسالة؟ نعم، فبالبداهة يُعْلَمُ انه محبوبٌ مقبولٌ عند مالك الملك بل احب الخلق اليه واقربهم منه.
فيا ايها الانسان!
هل يمكن في عقلك ان لايبالي ولايهتم صانعُ هذه المصنوعات المزيّنات بانواع المحاسن، ومُنعِمُ هذه النعم، المُراعي لدقائق الاذواق في افواه الخلق، بمثل هذا المصنوع الأجمل الأكمل المتوجه اليه بكمال الاشتياق والتعبد والتحبب، وبمثل هذا المخلوق الذي اطرب الفرشَ والعرشَ بوَلوَلة استحساناته، ودمدمة تقديراته، لمحاسن صنعة ذلك الصانع، واهتز البرُّ والبحرُ جذبةً من زمزمة تشكراته لاحسانات ذلك الفاطر، ومن شعشعة تكبيراته لعظمة ذلك الخالق المنعم؟
فهل يمكن ان لايبالي مثلُ ذلك الصانع المُحسن المقتدر بمثل هذا المصنوع المستحسن المتشكر؟ وهل يمكن ان لايتوجه اليه؟ وهل يمكن ان لايتكلم معه؟ وهل يمكن ان لا يحبه؟ وهل يمكن ان لايقرّبه اليه؟ وهل يمكن ان لايريد سرايَة وضعيته الحسنة وحالته الجميلة الى عموم الخلق؟ وهل يمكن ان لايجعله قدوةً للناس حتى ينصبغون بصبغته ووضعيته وحالته؟ وهل يمكن ان لايجعله رسولاً الى الناس كافة؟
ام هل يمكن ان لايكون لصانع هذه المصنوعات المنتظمة الدالة نقوش صنعتها على علم بلا نهاية وعلى حكمة بلا غاية شعورٌ واطلاعٌ على الفرد الأكمل والأجمل من مصنوعاته؟
ام هل يمكن ان يعلَم ويبصر ولايتكلم معه؟
ام هل يمكن ان يتودد ويتعرف بتزيينات مصنوعاته ولايودّ ولايعرف مَن يودّه كما يحق، ويعرفه كما يليق، ويتودد اليه بالصدق، ويتعبّد له بالحق؟ ..
***


المثنوي العربي النوري - ص: 69
الرشحة الرابعة عشرة
المتضمنة لقطرات من بحر المعجزة الكبرى
القطرة الاولى
اعلم! ان دلائل النبوة الاحمدية لاتعد ولا تحد؛ ولقد صنف في بيانها اعاظم المحققين. وأنا مع عجزي وقصوري قد بينت شعاعات من تلك الشمس في رسالة تركية مسماة بـ"شعاعات". وكذا بينت اجمالاً وجوه اعجاز معجزته الكبرى "اي القرآن"؛ وقد اشرتُ بفهمي القاصر الى مقدار اربعين وجه من وجوه اعجاز القرآن في [اللوامع] 1، وقد بينت من تلك الوجوه واحداً وهو البلاغة الفائقة النظمية في مقدار اربعين صحيفة من تفسيري العربي المسمى بـ"اشارات الاعجاز". فان شئت فارجع الى هذه الكتب الثلاثة..
القطرة الثانية
اعلم! انك قدتفهمت من الدروس السابقة ان القرآن الذي جاء من خالق هذه السموات والاجرام العلوية وهذه الارض والموجودات السفلية، ويعرّف لنا ربَّنا ربَّ العالمين، له مقامات ووظائف كثيرة.
فان قلت: القرآن ماهو ؟
قيل لك هو الترجمة الازلية لهذه الكائنات والترجمان الابدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّر كتاب العالم. وكذا هو كشافٌ لمخفيات كنوز الاسماء المستترة في صحائف السموات والارض. وكذا هو مفتاح لحقائق الشؤن المُضْمَرة في سطور الحادثات. وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة. وكذا هو خزينة المخاطبات الازلية السبحانية والالتفاتات الابدية الرحمانية. وكذا هو اساسٌ وهندسةُ وشمسٌ لهذا العالم المعنوي الاسلامي. وكذا هو خريطة للعالم الاخروي. وكذا هو قولٌ شارحٌ وتفسير واضحٌ وبرهان قاطعٌ وترجمان ساطعٌ لذات الله وصفاته واسمائه وشؤنه. وكذا هو مربٍّ للعالم الانساني. وكالماء وكالضياء للانسانية الكبرى التي هي الاسلامية.. وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي الى

_____________________
1 المنشورة ملحقةً بالمجلد الاول من الكليات.



المثنوي العربي النوري - ص: 70
ماخُلِقَ البشر له. وكذا: هو للانسان كما انه كتاب شريعة، كذلك كتاب حكمة. وكما انه كتاب دعاء وعبودية، كذلك هوكتاب امر ودعوة. وكما انه كتاب ذكر، كذلك هوكتاب فكر. وكما انه كتاب واحد، لكن فيه كتب كثيرة في مقابلة جميع حاجات الانسان المعنوية، كذلك هو كمنزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل، حتى انه قد ابرز لمشرب كل واحدٍ من اهل المشارب المختلفة، ولمسلكِ كل واحدٍ من اهل المسالك المتباينة من الاولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالة لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنه مجموعة الرسائل..
القطرة الثالثة
في بيان لمعة الاعجاز في تكرارات القرآن 1. وفي هذه اللمعة ستة نقط:
النقطة الاولى:
اعلم! ان القرآن لأنه كتابُ ذكرٍ، وكتابُ دعاء وكتابُ دعوةٍ، يكون تكرارُه أحسن وأبلغ بل ألزم. اذ الذكر يُكرَّر، والدعاء يُردَّد، والدعوةُ تُؤكَّد. اذ في تكرير الذكر تنويرٌ، وفي ترديد الدعاء تقريرٌ، وفي تكرار الدعوة تأكيدٌ.
النقطة الثانية:
اعلم! ان القرآن خطاب ودواء ٌلجميع طبقات البشر من اذكى الاذكياء الى اغبى الاغبياء؛ ومن اتقى الاتقياء الى اشقى الاشقياء؛ ومن الموفقين المجدّين الفارغين من الدنيا الى المخذولين المتهاونين المشغولين بالدنيا. فاذاً لايمكن لكل احد في كل وقتٍ قراءة تمام القرآن الذي هو دواء وشفاء لكل احدٍ في كل وقتٍ. فلهذا أدرج الحكيمُ الرحيم اكثر المقاصد القرآنية في اكثر سُوَرٍ؛ لاسيما الطويلة حتى صار كل سورة قرآناً صغيراً، فسهل السَبيل لكل احدٍ. وينادي مشوّقاً
(وَلَقَدْ يَسَّرنْا القرآنَ لِلذّكْرِ فَهَل مِنْ مُدَّكِر) 2 .

_____________________
1 المسألة العاشرة من الشعاع الحادى عشر توضح حكمة التكرار ايضاحاً وافياً.
2 القمر: 17



المثنوي العربي النوري - ص: 71
النقطة الثالثة:
اعلم! انه كما ان الحاجات الجسمانية مختلفة في الاوقات؛ فالى بعضٍ في كل آن كالهواء، والى قسم في كل وقت حرارة المعدة كالماء ، والى صنف في كل يوم كالغذاء ، والى نوع في كل اسبوع كالضياء ، والى طائفة في كل شهر، والى بعض في كل سنة كالدواء ، كلها في الاغلب، وقس عليها. كذلك ان الحاجات المعنوية الانسانية ايضا مختلفة الاوقات، فالى قسم في كل آن كـ (هو والله)، والى قسم في كل وقت كـ (بسم الله). والى قسم في كل ساعة كـ (لا اله الا الله) وهكذا فقس.
فتكرار الآيات والكلمات: للدلالة على تكرر الاحتياج، وللاشارة الى شدة الاحتياج اليها، ولتنبيه عرق الاحتياج وايقاظه، وتشويق على الاحتياج، ولتحريك اشتهاء الاحتياج الى تلك الاغذية المعنوية .
النقطة الرابعة:
اعلم! ان القرآن مؤسِّس لهذا الدين العظيم المتين ولأساساته، واساسات لهذا العالم الاسلامي، ومقلب لاجتماعيات البشر ومحولها ومبدلها. ولابد للمؤسس من التكرير للتثبيت، ومن الترديد للتأكيد، ومن التكرار للتقرير والتأييد.
وكذا ان القرآن فيه اجوبة لمكررات اسئلة الطبقات المختلفة البشرية بألسنة الاقوال والاحوال.
النقطة الخامسة:
اعلم! ان القرآن يبحث عن مسائل عظيمة ويدعو القلوب الى الايمان بها، وعن حقائق دقيقة ويدعو العقول الى معرفتها. فلابد لتقريرها في القلوب وتثبيتها في افكار العامة من التكرار في صورة مختلفة واساليب متنوعة.
النقطة السادسة:
اعلم! ان لكل آيةٍ ظهراً وبطناً وحدّاً ومطّلعاً، ولكل قصد وجوهاً واحكاماً وفوائد ومقاصد، فتذكر في موضعٍ لوجهٍ، وفي آخر لاخرى، وفي سورةٍ لمقصدٍ وفي اخرى لآخر وهكذا، فعلى هذا لاتكرار الا في الصورة. .


المثنوي العربي النوري - ص: 72
القطرة الرابعة
في بيان لمعة الاعجاز في اهمال القرآن في بعض المسائل الكونية الفلسفية وابهامه في بعض آخر منها، واجماله في قسم منها، وفي هذه اللمعة ست نكت:
النكتة الاولى:
فان قلت: لاي شئ لا يبحث القرآن عن الكائنات كما يبحث عنها فن الحكمة والفلسفة ؟
قيل لك: لان الفلسفة عدِلَت عن طريق الحقيقة فأستخدمت الموجودات لأنفسها "بالمعنى الاسمى". واما القرآن فبالحق اُنزل وبالحق نَزَل والى الحقيقة يذهب فيستخدم الموجودات بالمعنى الحرفى لا لأنفسها بل لخالقها.
فان قلت: لأي شئ ابهم القرآن واجمل في امثال ماهية الاجرام العلوية والسفلية وشكلها وحركتها على ما بيّنها الفن 1؟
قيل لك: لأن الابهامَ أهم والاجمالَ اجمل :
فاولا: لان القرآن انما يبحث عن الكائنات استطراداً للاستدلال على ذات الله وصفاته، ومن شرط الدليل ان يكون ظاهراً وأظْهَر من النتيجة، والنتيجة معرفة ذات الله وصفاته واسمائه. فلو قال على ما يشتهيه اهل الفن: "يا ايها الناس فانظروا الى الشمس في سكونها، والى الارض في حركتها لتعرفوا عظمة قدرة خالقها "، لصار الدليل أخفى وأغمض من النتيجة وأبعد بمراتب من فهم اكثر البشر في اكثر الازمان والاعصار، مع ان حق الاكثر المطلق اهم في نظر الارشاد والهداية. فمراعاة فهمهم لاتنافي استفادة المتفلسفين المتعمقين القليلين. ولكن في مراعاة هذا الاقل محرومية الاكثر في اكثر الاوقات.
وثانيا: ان من شأن البلاغة الارشادية مماشاة نظر العموم، ومراعاة حس العامة ومؤانسة فكر الجمهور؛ لئلا يتوحش نظرهم بلا طائل ولا يتشوش فكرهم بلا فائدة، ولا يتشرد حسهم بلا مصلحة فابلغُ الخطاب معهم والارشاد: ان يكون ظاهراً بسيطاً سهلا لايعجزهم، وجيزاً لا يملهم، مجملا فيما لايلزم تفصيله لهم.

_____________________
1 أي العلوم الحديثة وتفصيل المسألة في الشعلة الثانية من الكلمة الخامسة والعشرين.



المثنوي العربي النوري - ص: 73
وثالثا: ان القران لا يذكر احوال الموجودات لها، بل لموجدها.. فالاهم عنده احوالها الناظرة الى مُوجدها. واما فن الحكمة فتبحث عنها لها. فالاهم عنده احوالها الناظرة الى نفسها.. فشتان ما بين الثريا والثرى.
وكذا ان التنزيل يخاطب كل الناس ويراعى فهم الاكثر ليعرفوا تحقيقاً لا تقليداً.. والفن يتكلم بالاصالة مع اهل الفن، واما مع العموم فلتقليد. فما فصَّل فيه الفن - بشرط الصدق - لابد ان يجمل فيه القرآن او يبهم او يهمل على درجات نفع العامة.
ورابعاً: ان القرآن لانه مرشد لكل طبقات البشر تستلزم بلاغة الارشاد ان لا يذكر ما يوقع الاكثر في المغلطة والمكابرة مع البديهيات في نظرهم الظاهري، وان لا يغير بلا لزوم ما هو من المتعارفات المحسوسة عندهم، وان يهمل او يجمل ما لا يلزم لهم في وظيفتهم الاصلية.
مثلا: يبحث عن الشمس، لا للشمس ولا من ماهيتها، بل لمن نوّرها وجعلها سراجاً، وعن وظيفتها بصيرورتها زنبرك انتظام صنعة، ومركز نظام خلقة، ومكوك انسجام صبغة في نسج النقاش الازلي لهذه المنسوجات بخيوط الليل والنهار، في اختلاف الفصول، المفروشات تلك المنسوجات على وجه الارض والسماء. ليعرفنا القرآن باراءة نظام النسج وانتظام المنسوجات كمالات فاطرها الحكيم وصانعها العليم. وحركة الشمس سواء كانت ظاهرية او حقيقية، لا تؤثر في مقصد القرآن. اذ المقصد اراءة نسج النظام الحكيم في ضمن اراءة جريان الشمس المشهود. فالنسج مشهود بكمال حشمته فلا يضره سكون الشمس في الحقيقة على ما يزعمه الفن..
النكتة الثانية:
ان القرآن يقول: (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) 1 و (والشَمْسُ تَجْري لمُستَقَرٍ لها) 2
فان قلت: لاي شئٍ عبّر عن الشمس بالسراج، مع انها عند الفن اعظم من ان تكون تابعةً للارض، بل هي مركز الارض مع السَّــيَّاراتِ؟

_____________________
1 نوح: 16
2 يس: 38



المثنوي العربي النوري - ص: 74
قيل لك: ان في التعبير بالسراج تصويرُ العالم بصورة قصر؛ وتصويرُ الاشياء الموجودة فيه في صورة لوازمات ذلك القصر ومزيناته ومطعوماته لسكان القصر ومسافريه، واحساسٌ انه قد احضرتْها لضيوفه وخدامه يدُ كريم رحيم. وما الشمس، الا مأمور مسخر وسراج منور. ففي تعبير السراج؛ اخطار رحمة الخالق في عظمة ربوبيته، وافهام احسانه في وسعة رحمته.. واحساس كرمه في حشمة سلطنته.. واعلان وحدانيته باراءة اعظم مايتوهمه المشرك معبوداً؛ انه ما هو الا سراج مسخر. اذ اين السراج المسخر الجامد واين لياقة العبادة؟
وفي تعبير الجريان اخطار التصرفات المنتظمة العجيبة في ما بين اختلاف الليل والنهار ودوران الصيف والشتاء. . وفي اخطارها افهام عظمة قدرة الصانع في انفراده في ربوبيته.
فمن نقطتي الشمس والقمر يوجه الذهن الى صحائف الليل والنهار، والصيف والشتاء، ومنها الى سطور الحادثات المكتوبة في اجوافها. فتعبير الجريان عنوان لهذه المعاني، فيكفي ظاهر العنوان ولا تعلق للمقصد بحقيقته.
فانظر الى كلمات القرآن مع كونها سهلةً بسيطةً معروفةً؛ كيف صارت ابواباً ومفاتيح لخزائن لطائف المعاني. ثم انظر الى مطنطنات كلمات الحكمة الفلسفية كيف انها مع شعشعتها لا تفيدك كمالا علميا ولا ذوقاً روحيا، ولا غاية انسانية ولا فائدة دينية. بل انما تفيدك حيرة مدهشة ودهشة موحشة. وتسقطك من سماء التوحيد المضئ في اودية الكثرة المظلمة. فاستمع بعض ما يقول الفلسفي في الشمس يقول:
(هي كتلة عظيمة من المائع النارى اعظم من ارضنا بمليون وثلاثمائة الف مرة، تدور على نفسها في مستقرها، تطايرت منها شرارات وهي ارضنا وسيارات اخرى. فتدور هذه الاجرام العظيمة المختلفة في الجسامة، والقرب من الشمس والبعد منها، بالجاذب العمومي حول الشمس في الفضاء الخالي. فان خرج احدها من مداره بالتصادف بحادثة سماوية كمرور النجم ذي الذنب به لحصل هرج ومرج في المنظومة الشمسية، وفي الدنيا بدرجة تتدهش منه السموات والارض). فانظر الى


المثنوي العربي النوري - ص: 75
نفسك ما افادتك هذه المسألة ؟.. فيا سبحان الله!.. كيف تقلب الضلالة شكل الحقيقة، وما "الشمس مع سياراتها، الا مصنوعةٌ موظفةٌ ومخلوقةٌ مسخرةٌ بامر فاطرها الحكيم وبقوة خالقها القدير. وما هي مع عظمتها الا قطرة متلمعة في وجه بحر السماء يتجلى شعاع من اسم (النور) عليها".
والفلاسفة لو ادرجوا في مسائلهم قبساً من القرآن فقالوا: يفعل الله بهذه الاجرام المدهشة الجامدة وظائف في غاية الانتظام والحكمة، وهي في غاية الاطاعة لامره لكان لِعِلْمِهِمْ معنىً، والاّ بان اسندوا الى انفسها والى الاسباب صاروا كما قال القرآن
(وَمَنْ يُشْرك بالله فكاَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطيرُ اَوْ تَهْوي بِهِ الرّيحُ في مكانٍ سَحِيقٍ) 1 وقس على هذه المسألة سائر المسائل. .
النكتة الثالثة:
اعلم! ان مقاصد القرآن الاساسية وعناصره الاصلية اربعة: التوحيد، والرسالة، والحشر، والعدالة مع العبودية. فيصير سائر المسائل وسائل هذه المطالب. ومن القواعد: عدم التعمق في تفصيل الوسائل، لئلا ينتشر البحث بالاشتغال بما لا يعني فيفوت المقصد. فلهذا قد ابهم وقد اهمل وقد اجمل القرآن في بعض المسائل الكونية. وكذا ان الاكثر المطلق من مخاطب القرآن عوام وهم لا يقتدرون على فهم الحقائق الغامضة الالهية بدون توسيط التمثيل والتقريب بالاجمال، ولا يستعدون في كل وقت لمعرفة مسائل لم يوصل اليها بعدُ القرون الطويلة الا قليل من الفلاسفة. فلهذا اكثر القرآن من التمثيل، ومن التمثيل بعض المتشابهات فانها تمثيلات لحقائق غامضة إلهية. واجمل فيما كشفه الزمانُ بعد عصور وبعد حصول مقدمات مرتبة..
النكتة الرابعة:
اعلم! انه كما ان الساعة غير ثابتة بل متزلزلة مضطربة الآلات، كذلك الدنيا التي هي ساعة كبرى ايضا متزلزلة. فبادراج الزمان فيها صار "الليل والنهار" كميلين يعدان ثوانيها، و"السنة" ابرة تعد دقائقها، و"العصر" كابرة تعد ساعاتها. وبادراج المكان فيها صار "الجو" بسرعة تغيره وتحوله وتزلزله كميل الثواني، و"الارض" بتبدل

_____________________
1 الحج: 31



المثنوي العربي النوري - ص: 76
وجهها نباتاً وحيواناً، موتاً وحياة كميل الدقائق، وبتزلزل بطنها وتولد "جبالها" كميل الساعات، و"السماء" بتغيراتها بحركات اجرامها وظهور ذوي الاذناب والكسوفات والشهابات كالميل الذي يعد الايام.
فالدنيا المبنية على هذه الاركان السبعة - مع انها واصفة لشؤونات الاسماء ولكتابة قلم القدرة والقدر - فانية هالكة متزلزلة راحلة كالماء السيال في الحقيقة، لكن تجمدت صورة بالغفلة وتكدرت بالطبيعة فصارت حجاباً عن الآخرة. فالفلسفة السقيمة والمدنية السفيهة تزيدان جمودتها وكدورتها بالتدقيقات الفلسفية والمباحث الطبيعيّة. واما القرآن فينفش الدنيا كالعهن بآياته، ويشففها ببيناته، ويذيبها بنيراته، ويمزق ابديتها الموهومة بنعياته، ويفرق الغفلة المولدة للطبيعة برعداته. فحقيقة الدنيا المتزلزلة تقرأ بلسان حالها المذكورة آية:
(وَاِذا قُرِىءَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَاَنْصِتُوا لَعَلكُمْ تُرْحَمُونَ) 1 .
فلهذا اجمل القرآن فيما فصلت فيه الفلسفة من ماهيات الاشياء وخواصها. . وفصل فيما اجملت او اهملت فيه من وظائفها في امتثال الاوامر التكوينيةِ، ودلالاتها على اسماء فاطرها وافعاله وشؤونه.
الحاصل: ان القرآن يبحث عن معاني كتاب الكائنات ودلالاتها، اما الفلسفة فانما يبحث عن نقوش الحروف ووضعياتها ومناسباتها. ولا تعرف ان الموجودات كلماتٌ تدل على معانٍ. فان شئت ان ترى فرق حكمة الفلسفة، وحكمة القرآن فراجع ما في بيان آية
(وَمَنْ يُؤتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ اوُتِيَ خَيْراً كَثيراً) 2.
النكتة الخامسة :
[تحال الى الانوار الثلاثة من الشعلة الثانية للكلمة الخامسة والعشرين "المعجزات القرآنية" حيث تتضمن هذه النكتة آيات كثيرة جداً والمقام هنا ليس مقام ايضاح] 3.

_____________________
1 الاعراف: 204
2 البقرة: 269 وبيان الآية الكريمة في الكلمة الثانية عشرة.
3 هذه النكتة الخامسة موجودة بكاملها في الرسالة الاخيرة »انوار من نجوم القرآن«.




المثنوي العربي النوري - ص: 77
النكتة السادسة:
اعلم! انه يفهم من هذه النكتة السابقة ان القرآن انما ينظر الى وجوه دلالات الآثار على افعاله تعالى، والى وجوه اظهار الافعال لاسمائه سبحانه، والى صور انصباب الافعال الى الاسماء او جريانها من الاسماء، والى وجوه احاطة الاسماء التي هي اشعة الصفات بالاشياء.
الحاصل: ان القرآن انما ينظر من الموجودات الى وجوهها الناظرة الى فاطرها. واما الفلسفة فانما تنظر من الموجودات الى وجوهها الناظرة الى انفسها واسبابها، وغايتها الناظرة الى مصالح جزئية فلسفية اوصنعوية. فما اجهل من اغتر بالفنون الفلسفية، وصيرها محكاً لمباحث القرآن القدسية. ولقد صدق من قال: "ان الفنون جنون كما ان الجنون فنون".
القطرة الخامسة
اعلم! ان من لمعات اعجاز القرآن كما ذكرت في (حبة) انه جمع السلاسة الرائقة والسلامة الفائقة والتساند المتين والتناسب الرصين والتعاون بين الجمل وهيئاتها والتجاوب بين الآيات ومقاصدها بشهادة علم البيان وعلم المعاني، مع انه نزل في عشرين سنة نجما نجما لمواقع الحاجات، نزولاً متفرقاً متقاطعاً مع كمال التلاؤم كأنه نزل دفعة، ولاسباب نزول مختلفة متباينة مع كمال التساند كأن السبب واحد، وجاء جواباً لاسئلة مكررة متفاوتة مع نهاية الامتزاج والاتحاد كأن السؤال واحد. وجاء بيانا لحادثات احكام متعددة متغايرة مع كمال الانتظام كأن الحادثة واحدة. ونزل متضمنا لتنزلات الهية في اساليب تناسب افهام المخاطبين ، لاسيما فهم المنزل بحالات في التلقى متنوعة متخالفة مع حسن التماثل والسلاسة كأن الحالة واحدة. وجاء متكلما متوجها الى اصناف مخاطبين متعددة متباعدة مع سهولة البيان وجزالة النظام ووضوح الافهام كأن المخاطب واحد بحيث يظن كل صنف انه المخاطب بالاصالة. ونزل مهديا وموصلا لغايات ارشادية متدرجة متفاوتة مع كمال الاستقامة والموازنة والنظام كأن المقصد واحد؛ فمن كانت له عين سليمة في بصيرته، فلا ريب انه يرى في القرآن عيناً ترى كل الكائنات ظاهراً وباطناً كصحيفة مبصرة واضحة يقلّبها كيف يشآء، فيعرِّف معانيها على ما يشاء..


المثنوي العربي النوري - ص: 78
القطرة السادسة
في بيان انه لا يقاس القرآن على سائر الكلام، كما ذكرت في رسالة "قطرة" .
اعلم! ان منابع علو طبقة الكلام وقوته وحسنه وجماله اربعة: المتكلم، والمخاطب، والمقصد، والمقام، لا المقام فقط.. كما ضل فيه الادباء. فانظر الى من قال؟ ولمن قال ؟ ولما قال؟ وفيما قال؟ فالكلام ان كان امراً ونهياً فقد يتضمن الارادة والقدرة بحسب درجة المتكلم، فتتضاعف علويته وقوته.
نعم اين صورة امر فضولي ناشئٌ أمره من اماني التمني وهو غير مسموع ؟ واين الامر الحقيقي النافذ المتضمن للقدرة والارادة ؟ فانظر اين
(يَااَرْضُ ابْلَعي مَاءكِ وياسَماءُ اقْلِعي) 1 (فَقَالَ لَهَا ولِلارْضِ ائتيا طَوْعَاً اوْ كرهاً قَالتآ اتَيْنَا طآئِعينَ) 2 واين خطاب البشر للجمادات بصورة هذيانات المبرسمين في المرض: اسكني يا ارض وانشقي يا سماء وقومي ايها القيامة"؟. وكذا، اين امر امير مطاع لجيش عظيم مطيع بـ (آرش!..) واهجموا على اعداء الله، واين هذا الامر اذا صدر من حقير لا يُبالى به وبامره؟ اين (اذَا ارَادَ شيئاً انْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) 3 واين كلام البشر ؟ وكذا اين تصوير مالكٍ حقيقي، وآمر مؤثر امره، ونافذ حكمه ؟. وبيان صانع وهو يصنع، ومنعم وهو يحسن قد شرع في آن الصنعة والاحسان يصور افاعيله، يقول فعلت كذا وكذا، وافعل هذا وذاك. انظر الى (افَلَمْ يَنْظُروُا الى السَّماء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاها وزَيَّنَّاها ومَالَها مِنْ فُرُوجٍ _ والاَرْضَ مَدَدْنَاهَا واَلْقَيْنَا فيهَاَ رَوَاسِي وانْبَتْنَا فيها مَنْ كُلّ زَوْجٍ بَهيجٍ _ تبصِرةً وذكرى لِكُلِ عَبْدٍ منيب _ ونَزَّلْنَا مِنَ السَّمآء مآءً مُبَارَكاً فَاَنْبَتْنَا بِه جَنَّاتٍ وحَبَّ الْحَصيد _ والنّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضيد _ رِزقاً لِلعبادِ واحْيَينا بِهِ بَلدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الخُروجُ) 4. ثم اين تصوير فضولي في بحثه عن افاعيل لا تماس له بها؟ نعم اين اعيان النجوم.. ثم اين تماثيلها الصغيرة السيالة - التي لا هي موجودة ولا معدومة - المرئية في الزجيجات؟ نعم اين ملائكة كلمات كلام خالق الشمس والقمر الملهمة لانوار الهداية.. ثم اين

_____________________
1 هود: 44
2 فصلت: 11
3 يس: 82
4 ق: 6-11




المثنوي العربي النوري - ص: 79
زنابير مزوّرات البشر النفاثات في عقد الهوسات؟ نعم اين الفاظ القرآن التي هي اصداف جواهر الهداية، ومنبع الحقائق الايمانية، ومعدن الاساسات الاسلامية المنبثة من عرش الرحمن مع تضمن تلك الالفاظ للخطاب الازلي وللعلم والقدرة والارادة.. ثم اين الفاظ الانسان الهوائية الواهية الهوسية؟ نعم اين القرآن الذي هو كشجرة تفرعت واورقت وازهرت واثمرت هذا العالم الاسلامي بمعنوياته وشعائره وكمالاته ودساتيره واصفيائه واوليائه، حتى انقلب كثير من نواة تلك الشجرة الطوبائية دساتير عملية اشجاراً مثمرة الذي قيل في حقه:(قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الانْسُ والجِنُ عَلى انْ يَأتوا بِمِثْلِ هذا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمثْلِهِ ولَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لبَعْضٍ ظَهيراً) 1 وقد افحم بجزالة نظمه وبلاغة معناه، وبداعة اسلوبه، وبراعة بيانه، وفصاحة لفظه، في جامعية اللفظ لوجوه كثيرة مقبولة. وحسن دلالته في جامعيته لبحر هذه الشريعة المتضمنة للحقيقة والطرائق بمأخذ المجتهدين، واذواق العارفين، ومشارب الواصلين، ومسالك الكاملين، ومذاهب المحققين.. وبطراوة شبابيته في كل عصر، وبلياقته وموافقته في كل عصر لكل طبقة. واَلزَم مصاقع الخطباء ونوابغ العلماء، بل اعجز جميع البشر ان يأتوا بسورة من مثله؟ ثم اين كلام البشر؟. اين الثرى من الثريا!..
اللَّهم بحق القرآن وبحق من انزل عليه القرآن نور قلوبنا بنور القرآن واجعل القرآن شفاءً لنا من كل داءً، ومونساً لنا في حياتنا وبعد مماتنا، واجعله لنا في الدنيا قريناً وفي القبر مونساً وفي القيامة شفيعاً وعلى الصراط نوراً ومن النار ستراً وحجاباً، والى الجنة رفيقاً والى الخيرات دليلاً واماماً بفضلك وحمدك وكرمك واحسانك ورحمتك يا اكرم الاكرمين ويا ارحم الراحمين.
وصل وسلم على من انزلت عليه القرآن وارسلته رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه صلاةً ترضيك وترضيه وترضى بها يارب العالمين. .
فيا منزل القرآن بحق القرآن اجعل هذا الكتاب نائباً عني ناطقاً بهذا الدعاء بدلاً عني، اذا أسكت الموت لساني آمين. الف آمين. .
***

_____________________
1 الاسراء: 88
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس