عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الحادي عشر


الشعاع الحادي عشر - ص: 250
- دعنا نحيا ولو كالحيوان، غافلين عما يدور حولنا من هذه الامور الدقيقة، ولنمض حياتنا بلذة اللهو ونشوة اللعب.
فأجبته: انك لا تقاس بالحيوان، ولن تكون مثله. اذ ليس للحيوان ما يفكّر به من ماض ومستقبل. فلا يجد الحيوان مما مضى ألماً ولا أسفاً ولا يأتيه قلق ولاخوف من المستقبل، لذا يجد لذته كاملة فيشكر خالقه الكريم بل حتى الحيوان المعد للذبح لايحس الاّ بـألم السكين وهي تمر على حلقومه، وسرعان مايزول هذا الاحساس، فينجو من ذلك الألم.
فيا للرحمة الإلهية والشفقة الربانية ما اعظمها تجلياً في اخفاء الغيب وستر المصائب والبلايا.. ولاسيما في الحيوانات والبهائم.
ولكن ايها الانسان لقد خرج شئ من ماضيك ومستقبلك من الغيب بحكم ما تحمله من عقل، فانت محروم كليا مما تتنعم به الحيوانات من راحة واطمئنان بانسدال ستار الغيب امامها، فالحسرات والآهات الناشئة مما مضى، وانواع الفراق الأليم والمخاوف الناجمة من المستقبل تزيل لذتك الجزئية وتبيدها وتهوي بك في درجة أدنى بكثير من الحيوان من حيث اللذة. فما دامت الحقيقة هكذا فما عليك اذاً إلاّ ان تتبرأ من عقلك وترميه خارجاً وتعد نفسك حيواناً فتنجو. او تنوّر عقلك بنور الايمان وتنصت الى الصوت العذب للقرآن الكريم فتكون أرقى من الحيوان وارفع، مغتنما لذائذ نقية صافية طاهرة وانت مازلت في هذه الدنيا الفانية.
فألزمته بهذه الحجة ولكنه اعترض قائلا:
- سنعيش في الاقل مثل ملاحدة الاجانب !
فقلت له جوابا: لن تكون حتى مثل اولئك الملاحدة الاجانب، لأنهم ان انكروا نبيا واحدا فانهم يؤمنون بسائر الانبياء، وحتى اذا لم يعرفوا احدا من الانبياء، فقد يكون لهم ايمان بالله، وان لم يكن لهم هذا الايمان ايضا فلربما لهم ما يوصلهم الى الكمال من سجايا حميدة وخصال انسانية.. اما إذا انكر المسلم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وجحد بالدين الذي لادين غيره في الحق والشمول، وفسق عن دائرة هدايته، وحل رقبته منها، فلا يرضى بنبي آخر، بل لايقبل الايمان بالله، لأنه ما عرف سائر الانبياء
الشعاع الحادي عشر - ص: 251
ولا اهتدى الى الايمان بالله الا عن طريقه صلى الله عليه وسلم وبتبليغه وارشاده وهديه.. لذا لا يبقى في قلبه شئ من اولئك دون الايمان به صلى الله عليه وسلم ومن هنا كان الناس من سائر الاديان منذ زمن سحيق يدخلون دين الاسلام افواجاً، بينما لم يحدث ان اصبح مسلم واحد قط يهوديا حقيقيا ولا مجوسيا ولا نصرانيا، وربما يصبح ملحداً فاسد الاخلاق والسجايا مضراً بالبلاد والعباد.
هكذا اقمت الحجة على ذلك العنيد من انه لايستطيع التشبه حتى بملاحدة الاجانب.. ولمّا لم يجد ما يستند اليه، خَنس وولى الى جهنم وبئس المصير.
فيا زملائي المجتمعين في هذه المدرسة اليوسفية !
مادامت الحقيقة هي هذه ورسائل النور قد نشرت نورها - ولاتزال - منذ عشرين سنة وهي تكسر عناد المتمردين وترغمهم على الايمان، فعلينا اذن التمسك بالايمان والصراط المستقيم السهل النافع السليم لدنيانا ومستقبلنا وآخرتنا وبلادنا وامتنا. وذلك بأن لانقتل اوقاتنا فيما لايعني من ترهات الخيال وسفساف الآمال، بل نحييها بتلاوة ما نعلمه من سور القرآن الكريم آناء الليل واطراف النهار، وبتعلم معانيها من اخواننا العاملين بها، وبقضاء ما فاتنا من الصلوات المكتوبة، وبكسب الاخلاق الحميدة من بعضنا البعض، فلعل الله سبحانه يجعلنا ممن يغرسون في هذا السجن الغراس لتخرج منه اشجار مثمرة نافعة. ونسعى جاهدين ليكون مسؤولو السجن أساتذة مرشدين يهيئون في هذه المدرسة اليوسفية رجالا الى الجنة، ومشرفين طيبين يتولون حسن توجيههم، وليسوا زبانية عذاب على جناة قتلة.
* * *
الشعاع الحادي عشر - ص: 252
المسألة الرابعة
سألني يوما اخواني الذين يتولون خدمتي قائلين:
- لقد اخذت الحرب العالمية باهتمام الناس وشغلت الكرة الارضية واوقعتها في اضطراب وقلق وهي ذات علاقة بمقدرات العالم الاسلامي، الاّ اننا نراك لاتسأل عنها رغم مرور خمسين يوما على نشوبها - بل سبع سنين 1 - في الوقت الذي نرى متدينين وعلماء يَدعون الجامع والجماعة مهرعين الى استماع الراديو. فهل هناك قضية اعظم منها تشغل بالك ؟ أم أن الانشغال بها فيه خسارة وضرر ؟
فأجبتهم: ان رأس مال العمر قليل، ورحلة العمر هنا قصيرة، بينما الواجبات الضرورية والمهمات التي كُلّفنا القيام بها كثيرة، وهذه الواجبات هي كالدوائر المتداخلة المتحدة المركز حول الانسان:
فابتداء من دائرة القلب والمعدة والجسد والبيت والمحلة والمدينة والبلاد والكرة الارضية والبشرية وانتهاء الى دائرة الاحياء قاطبة والعالم اجمع كلها دوائر متداخلة بعضها في البعض الآخر، فكل انسان له نوع من الوظيفة في كل دائرة من تلك الدوائر. ولكن اعظم الواجبات واهمها، بل ادومها بالنسبة له هي في اصغر تلك الدوائر واقربها اليه، بينما اصغر الواجبات واقلها شأناً ودواماً هي في اعظم تلك الدوائر وأبعدها عنه. فقياساً على هذا: يمكن ان تتناسب الوظائف والواجبات تناسباً عكسياً مع سعة الدائرة، اي كلما صغرت الدائرة - وقربت - عَظمت الوظيفة، وكلما كبرت الدائرة - وبَعُدت - قلت اهمية الوظيفة.. ولكن لما كانت الدائرة العظمى فاتنة جذابة، فهي تشغل الانسان بامور غير ضرورية له، وتصرف فكره الى اعمال لا تعنيه بشئ، حتى تجعله يهمل واجباته الضرورية في الدائرة الصغيرة القريبة منه، فيهدر - عندئذ - راس مال عمره، ويضيّع حياته سدى، زد على ذلك قد يميل قلبه وينحاز الى احدى الجهتين المتخاصمتين لتتبعه بلهفة اخبار الحرب الطاحنة بينهما. فلا يجد في نفسه انكاراً لمظالم تلك الجهة، بل يرتاح اليها، ويكون شريكاً لها في ظلمها.
_____________________
1
هذه الجملة المعترضة تعود الى سنة 1946م.

الشعاع الحادي عشر - ص: 253
اما الجواب عن النقطة الاولى فهو:
ان امام كل انسان - ولاسيما المسلم - مسألة مهمة، وحادثة خطيرة هي اعظم من الصراع الدائر بين الدول الكبرى لاجل السيطرة على الكرة الارضية. تلك المسألة هي من الاهمية والخطورة مالو امتلك الانسان العاقل قوة الالمان والانكليز، وثروتهما معا، لَما تردد في ان يضعها كلها لاجل كسب تلك القضية المبتغاة.
تلك القضية هي التي اعلنها مائة الف من المصطفين الاخيار، ورفع رايتها مالايحد من نجوم البشرية ومرشديها المستندين الى آلاف من مواثيق رب العالمين ومن وعوده وعهوده، بل لقد شاهدها قسم منهم عياناً، تلك القضية قضية مصيرية للانسان وهي:
ان يكسب الانسان بالايمان او يخسر دونه ملكاً عظيماً خالداً ومساكن طيبة في جنات عدن عرضها السموات والارض. فمن لم يفز بشهادة الايمان ولم يرعها حق رعايتها فسوف يضيّع حتما تلك القضية ويخسرها، وذلك هو الخسران المبين.
ولقد ضيّع الكثيرون في عصرنا هذا - ممن ابتلوا بطاعون المادية - قضيتهم هذه، حتى كشف احدهم وهو من اهل العلم والكشف وشاهد: ان افراداً قلائل فقط من كل اربعين شخصاً - في مكان ما - هم الذين نجوا بايمانهم في سكرات الموت وختمت حياتهم بالحسنى، اما الباقون فهلكوا!. تُرى لو عُوض احد هؤلاء سلطان الدنيا وملكها وزينتها بديلا عن تلك القضية العظمى، أ فيكون هذا البديل كفواً لما فاته؟ اوَ يسد مسدّه بحال من الاحوال ؟ كلا !
ولهذا فنحن معاشر طلبة النور نعلم يقينا: ان ترك خدمات عظيمة تكسب لنا تلك القضية، واهمال مهمات وكيلها الذي يصونها لتسعين بالمائة، والانشغال عنها بما لايعني من امور خارجية واهتمامات تافهة كأن الدنيا خالدة ما هو الاّ من سخافة العقل وجنونه.
فنحن على يقين تام واطمئنان كامل من هذا، لذا لو ملَكَ احدُنا عقلاً وادراكاً للامور اضعاف اضعاف ما يملكه الآن لبذله كله فيما يلزم تلك القضية وفي سبيلها.
فيا اخوتي الحديثي العهد بمصيبة السجن! انكم لم تطّلعوا بعد على رسائل النور كما اطلع عليها اخواني السابقون الذين دخلوا معنا السجن، فاني اُسمعكم قولا واُشهد عليه اولئك الاخوة جميعاً واُلوفاً من امثالهم، وقد قلته مراراً، واثبته تكراراً:
الشعاع الحادي عشر - ص: 254
ان رسائل النور قد اكسبت تسعين بالمائة منهم تلك القضية العظمى، وهي التي سلمت وثيقة الفوز وشهادته - وهي الايمان التحقيقي - لعشرين الفاً من الناس خلال عشرين سنة خلت. فلا غرو فقد نبعت من المعجزة المعنوية للقرآن الكريم واصبحت في مقدمة وكلاء القضية العظيمة والمدافعين عنها في هذا الزمان، فرغم انقضاء ثماني عشرة سنة والاعداء والزنادقة والماديون يحيكون انواعا من الدسائس والمكر الخبيث، ومازالوا يحرضون قسما من الموظفين علينا مستغفلين اياهم في سبيل ابادتنا حتى زجونا في غياهب السجون مثل هذه المرة. الاّ انهم لم يفعلوا شيئا يذكر، ولن يفعلوا باذن الله، ذلك لانهم لم يتمكنوا ان يتعرضوا لقلعة رسائل النور الفولاذية ولا ان يمسوا اعتدتها البالغة مائة وثلاثين عتاداً - رسالة - سوى رسالتين او ثلاث منها.
لذا فمن اراد ان يوكل محامياً يدافع عن قضيته يكفي ان يتحصن بها ويقتبس من نورها.
فيا ايها الاخوة! لاتخافوا، ان رسائل النور لن تُمنع عن الانظار ولن تحجب عن الرؤية. ولاترفع من الاوساط باذن الله اذ يتداول اجزاءها المهمة - ماعدا رسالتين او ثلاثة - نواب البرلمان واركان الدولة بحرية تامة.
وسيأتي ذلك اليوم الذي يوزع فيه الموظفون والمدراء المحظوظون ان شاء الله رسائل النور على المسجونين كما يوزعون عليهم الخبز والعلاج فيحولوا السجون الى مدارس ارشاد وتربية واصلاح.
* * *
الشعاع الحادي عشر - ص: 255
المسألة الخامسة
كما فصّل في رسالة "مرشد الشباب":
ان الشباب ذاهب وآفل، وسيزول لا محالة؛ اذ كما ان الصيف يخلفه الخريف والشتاء، والنهار يعقبه المساء والليل، فالشباب كذلك سيتحول الى مشيب، والى الموت، بمثل هذه الحقيقة المحتمة.
فاذا ما بذل الشاب ما يملك من طاقة مؤقتة في سبيل الخير والصلاح، ضمن دائرة الطهر والعفة والاستقامة، فان الاوامر السماوية كلها تبشره بأنه سيغنم به شباباً باقيا لازوال له، و كما ان غضب دقيقة واحدة، قد يدفع الانسان الى ارتكاب جريمة قتل فيقضي مقاساة ملايين من الدقائق في مقاساة من عذاب السجن، كذلك نشوة الشباب وسفاهته، واذواقه العابرة - في غير ما أحل الله - تسبب له آلاما اكثر واعمق في ذات اللذة نفسها، فضلا عن العقاب الرهيب في الآخرة، والعذاب المرير في القبر، وعلاوة على معاناة الحسرات العميقة المنبعثة من زوال اللذة، والعقاب في الدنيا المترتب على الذنوب والآثام. يشهد بصدق وجود هذه الآلام في اللذة نفسها كل شاب حصيف، بما مر عليه من تجارب، فمثلا:
ان الحب المحرم، او العشق لغير وجه الحق، فيه من الآلام ما ينغّص اللذة الجزئية فيه، منها الشعور بألم الغيرة والحسد، ومنها ألم الفراق عن المعشوق، ومنها ألم عدم مقابلة المحبة بالمثل.. وغيرها كثير من المنغصات التي تجعل تلك اللذة الجزئية بحكم عسل مسموم.
فان كنت تريد أن تفهم ان سوء تصرّف الشباب واسرافهم في امرهم يسبب فيهم من الامراض مايسوقهم الى المستشفيات أو المقابر..
وان كنت تريد ان تفهم ان غرور الشباب وطيشهم يدفعهم الى السجون.
وان كنت تريد أن تفهم ان ما يصيبهم من آلام معنوية وهموم نفسية - من الخواء الروحي والجوع القلبي والفراغ - يسوقهم الى ابواب الحانات والملاهي.. نعم ان
الشعاع الحادي عشر - ص: 256
كنت تريد ان تتحقق من هذا، فاسأل المستشفيات والسجون والخمارات والمقابر، فستسمع حتما أنات وآهات، وبكاء مريراً، وحسرات الندم، واصوات الأسى والأسف، يطلقها - على الأغلب - شباب أشقياء، تلقوا الصفعات الموجعة والضربات الأليمة لخروجهم عمّا اباح الله لهم من الطيبات بدافع نزواتهم واسرافهم وسئ اعمالهم، وارتكابهم المحرمات، وانسياقهم وراء اللذات المشؤومة.
بينما اذا ما قضى الشاب عهد شبابه بما أمره الله به واتبع الصراط السوي واستقام عليه. فانه يجعله احلى نعمة إلهية وأجمل هبة رحمانية، ويتخذه سبيلاً قويماً ممهداً الى الصالحات من الاعمال، ولأثمر له كذلك شباباً ناضراً، وفتوة خالدة دائمة في الاخرة بدلاً من هذا الشباب الفاني الزائل.. ذلك ما تبشرنا به الكتب السماوية والصحف المنزلة جميعها، وفي مقدمتها القرآن الكريم بآياته المحكمة الكريمة.
فما دامت هذه هي الحقيقة.. ومادام ميدان الحلال كافياً ووافياً للأنس والمتعة والنشوة.. ومادامت اللذة الواحدة - ضمن المحرمات - تذيق صاحبها ألما يدوم سنة واحدة من عذاب السجن واحيانا عشر سنوات.. فيلزم اذن قضاء عهد الشباب بالعفة والطهر والاستقامة على الصراط السوي أداء لشكر تلك النعمة اللذيذة المهداة، بل هذا هو الألزم.
* * *
الشعاع الحادي عشر - ص: 257
المسألة السادسة
هذه المسألة اشارة مختصرة الى برهان واحد فقط من بين ألوف البراهين الكلية حول (الايمان بالله) والذي تم ايضاحه مع حججه القاطعة في عدة مواضع من رسائل النور.
جاءني فريق من طلاب الثانوية في "قسطموني" قائلين:
"
عرّفنا بخالقنا، فإن مدرسينا لايذكرون الله لنا !".
فقلت لهم:
ان كل علم من العلوم التي تقرأونها يبحث عن الله دوما، ويعرّف بالخالق الكريم بلغته الخاصة. فاصغوا الى تلك العلوم دون المدرسين..
فمثلا: لو كانت هناك صيدلية ضخمة، في كل قنينة من قنانيها ادوية ومستحضرات حيوية، وضِعت فيها بموازين حساسة، وبمقادير دقيقة؛ فكما أنها ترينا ان وراءها صيدلياً حكيماً وكيميائياً ماهراً،كذلك صيدلية الكرة الارضية التي تضم اكثر من أربعمائة ألف نوع من الاحياء - نباتا وحيوانا - وكل واحد منها في الحقيقة بمثابة زجاجة مستحضرات كيمياوية دقيقة، وقنينة مخاليط حيوية عجيبة فهذه الصيدلية الكبرى تُري حتى للعميان صيدليّها الحكيم ذا الجلال، وتعرّف خالقها الكريم سبحانه بدرجة كمالها، وانتظامها، وعظمتها، قياسا على تلك الصيدلية التي في السوق، على وفق مقاييس علم الطب الذي تقرأونه.
ومثلاً: كما لو أن مصنعا خارقا عجيبا ينسج ألوفا من انواع المنسوجات المتنوعة، والاقمشة المختلفة، من مادة بسيطة جداً، يرينا بلا شك ان وراءه مهندسا ميكانيكيا ماهراً، ويعرّفه لنا؛ كذلك هذه الماكنة الربانية السيارة المسماة بالكرة الارضية، وهذا المصنع الإلهي الذي فيه مئات الآلاف من مصانع رئيسية، وفي كل منها مئات

الشعاع الحادي عشر - ص: 258
الآلاف من المصانع المتقنة، يعرّف لنا - بلاشك - صانعه، ومالكه، وفق مقاييس علم المكائن الذي تقرأونه، يعرّفه بدرجة كمال هذا المصنع الإلهي وعظمته قياساً على ذلك المصنع الانساني.
ومثلاً: كما ان حانوتا او مخزنا للاعاشة والارزاق، ومحلا عظيما للأغذية والمواد، احضر فيه - من كل جانب - ألف نوع ونوع من المواد الغذائية، وميز كل نوع عن الآخر، وصفف في محله الخاص به، يرينا ان له مالكا، ومدبراً؛ كذلك هذا المخزن الرحماني للاعاشة الذي يسيح في كل سنة مسافة اربعة وعشرين ألف سنة، في نظام دقيق متقن، والذي يضم في ثناياه مئات الآلاف من اصناف المخلوقات التي يحتاج كل منها الى نوع خاص من الغذاء. والذي يمر على الفصول الاربعة فيأتي بالربيع كشاحنة محمولة بآلاف الانواع من مختلف الاطعمة، يأتي بها الى الخلق المساكين الذين نفد قوتهم في الشتاء. تلك هي الكرة الارضية، السفينة السبحانية التي تضم آلاف الانواع من البضائع والاجهزة ومعلبات الغذاء. فهذا المخزن والحانوت الرباني، يُري - على وفق مقاييس علم الاعاشة والتجارة الذي تقرأونه - صاحبه ومالكه ومتصرفه بدرجة عظمة هذا المخزن قياسا على ذلك المخزن المصنوع من قبل الانسان، ويعرّفه لنا، ويحببه الينا.
ومثلاً: لو ان جيشا عظيما يضم تحت لوائه أربعمائة ألف نوع من الشعوب والامم، لكل جنس طعامه المستقل عن الآخر، وما يستعمله من سلاح يغاير سلاح الآخر، وما يرتديه من ملابس تختلف عن ألبسة الآخر، ونمط تدريبه وتعليماته يباين الآخر، ومدة عمله وفترة رخصه هي غير المدة للآخر.. فقائد هذا الجيش الذي يزودهم بالارزاق المختلفة، والاسلحة المتباينة، والالبسة المتغايرة، دون نسيان اي منها ولا التباس، ولاحيرة، لهو قائد ذو خوارق بلا ريب. فكما ان هذا المعسكر العجيب يرينا - بداهة - ذلك القائد الخارق، بل يحببه الينا بكل تقدير واعجاب؛ كذلك معسكر الارض، ففي كل ربيع يجند - مجددا - جيشا سبحانيا عظيما مكونا من اربعمائة ألف نوع من شعوب النباتات وامم الحيوانات، ويمنح لكل نوع ألبسته وارزاقه واسلحته وتدريبه ورخصه الخاصة به، من لدن قائد عظيم واحد أحد جل وعلا، دون نسيان لأحد، ولا اختلاط، ولاتحير، وفي منتهى الكمال وغاية الانتظام.. فهذا المعسكر
الشعاع الحادي عشر - ص: 259
الشاسع الواسع للربيع الممتد على سطح الارض يُري - لأولي الالباب والبصائر - حاكم الارض - حسب العلوم العسكرية - وربّها ومدبرها، وقائدها الاقدس الاجل، ويعرّف لهم، بدرجة كمال هذا المعسكر المهيب، ومدى عظمته، قياسا الى ذلك المعسكر المذكور، بل يحبب مليكه - سبحانه - بالتحميد والتقديس والتسبيح.
ومثلا: هب ان ملايين المصابيح الكهربائية تتجول في مدينة عجيبة دون نفاد للوقود ولا انطفاء؛ الا تُري باعجاب وتقدير أن هناك مهندساً حاذقاً، وكهربائيا بارعاً لمصنع الكهرباء، ولتلك المصابيح؟ فمصابيح النجوم المتدلية من سقف قصر الارض وهي اكبر من الكرة الارضية نفسها بألوف المرات - حسب علم الفلك - وتسير اسرع من انطلاق القذيفة من دون ان تخل بنظامها، او تتصادم مع بعضها مطلقا ومن دون انطفاء، ولا نفاد وقود على وفق ما تقرأونه في علم الفلك. هذه المصابيح تشير باصابع من نور الى قدرة خالقها غير المحدودة، فشمسنا مثلا؛ وهي اكبر بمليون مرة من كرتنا الارضية، وأقدم منها بمليون سنة ماهي الاّ مصباح دائم، وموقد مستمر لدار ضيافة الرحمن. فلأجل ادامة اتقادها واشتعالها وتسجيرها كل يوم يلزم وقوداً بقدر بحار الارض، وفحماً بقدر جبالها، وحطباً بقدر اضعاف اضعاف حجم الارض، ولكن الذي يشعلها - ويشعل جميع النجوم الاخرى امثالها - دون وقود ولافحم ولا زيت ودون انطفاء ويسيّرها بسرعة عظيمة معاً دون اصطدام، انما هي قدرة لا نهاية لها وسلطنة عظيمة لاحدود لها.. فهذا الكون العظيم وما فيه من مصابيح مضيئة، وقناديل متدلية يبين بوضوح - على وفق مقاييس علم الكهرباء الذي قرأتموه أو ستقرأونه - سلطان هذا المعرض العظيم والمهرجان الكبير، ويعرّف منوّره ومدبرّه البديع وصانعه الجليل، بشهادة هذه النجوم المتلألئة، ويحببه الى الجميع بالتحميد والتسبيح والتقديس بل يسوقهم الى عبادته سبحانه.
ومثلاً: لو كان هناك كتاب، كتب في كل سطر منه كتاب بخط دقيق، وكُتب في كل كلمة من كلماته سورة قرآنية، وكانت جميع مسائله ذات مغزى ومعنى عميق، وكلها يؤيد بعضها البعض، فهذا الكتاب العجيب يبين بلا شك مهارة كاتبه الفائقة، وقدرة مؤلفه الكاملة. اي أن مثل هذا الكتاب يعرّف كاتبه ومصنّفه تعريفا يضاهي وضوح النهار، ويبين كماله وقدرتَه، ويثير من الاعجاب والتقدير لدى الناظرين اليه ما
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس