عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وقال الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين)



بـيان شواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في
اكتساب المعرفة لا من التعلم ولا من الطريق المعتاد:



"اعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفاً بصحة الطريق، ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به، فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جداً، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات:

أما الشواهد: فقوله تعالى: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام. وقال : «مَنْ عَمِلَ بَمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ الله عِلْمَ ما لَمْ يَعْلَمْ وَوَفَّقَهُ فِيما يَعْمَلُ حَتَّى يَسْتَوْجِبَ الجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يَعْلَمُ تَاهَ فِيما يَعْلَمُ وَلَمْ يُوَفَّقْ فِيمَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْتَوْجِبَ النَّارَ» ، وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} من الإشكالات والشبه. {وَيُرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} يعلمه علماً من غير تعلم ويفطنه من غير تجربة.

وقال الله تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} قيل نوراً يفرق به بـين الحق والباطل ويخرج به من الشبهات، ولذلك كان يكثر في دعائه من سؤال النور فقال عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُوراً وَزِدْنِي نُوراً وَاجْعَلْ لِي فِي قَلْبِـي نُوراً وَفِي قَبْرِي نُوراً وَفِي سَمْعِي نُوراً وَفِي بَصَرِي نُوراً ــــ حَتَّى قالَ: فِي شَعْرِي وَفِي بَشَرِي وَفِي لَحْمِي وَدَمِي وَعِظامِي»

،وسئل عن قول الله تعالى: {أفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} ما هذا الشرح؟ فقال: «هُوَ التَّوسِعَةُ إنَّ النُّورَ إذا قُذِفَ بهِ فِي القَلْبِ اتَّسَعَ لَهُ الصَّدْرُ وَانْشَرَحَ» ، وقال لابن عباس: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» . وقال علي رضي الله عنه: ما عندنا شيء أسره النبـي إلينا إلا أن يؤتي الله تعالى عبداً فهماً في كتابه وليس هذا بالتعلم؟ وقيل في تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} إنه الفهم في كتاب الله، وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاها سُلَيْمَانَ} خص ما انكشف باسم الفهم.

وكان أبو الدرداء يقول: المؤمن من ينظر بنور الله من وراء ستر رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم. وقال بعض السلف: ظن المؤمن كهانة." اهـ.

وقال : «اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ فَإنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله تَعَالَى» ، وإليه يشير قوله تعالى: {إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ للمُتَوسِّمِينَ} وقوله تعالى: {قَدْ بَـيَّنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}

وروى الحسن عن رسول الله أنه قال: «العِلْمُ عِلمَانِ فَعِلْمٌ باطِنٌ فِي القَلْبِ فَذلِكَ هُوَ العِلْمُ النَّافِعُ» ، وسئل بعض العلماء عن العلم الباطن ما هو؟ فقال: هو سر من أسرار الله تعالى يقذفه الله تعالى في قلوب أحبابه لم يطلع عليه ملكاً ولا بشراً. وقد قال : «إنَّ مِنْ أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ وَمُعَلَّمِينَ وَمُكَلَّمِينَ وَإنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ» ، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ولا نبـيَ وَلاَ مُحَدَّثٍ} يعني الصديقين والمحدث هو الملهم، والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسوسات الخارجة.

والقرآن مصرح بأن التقوى مفتاح الهداية والكشف: وذلك علم من غير تعلم. وقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ في السَّمَواتِ والأرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُون} خصصها بهم وقال تعالى: {هَذَا بَـيَانٌ للنَّاسِ وَهُدى ومَوْعِظةٌ لِلْمُتَّقِينَ}

وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالم الذي يحفظ من كتاب فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالم الذي يأخذ علمه من ربه أي وقت شاء بلا حفظ ولا درس. وهذا هو العلم الرباني وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} مع أن كل علم من لدنه ولكن بعضها بوسائط تعليم الخلق فلا يسمى ذلك علماً لدنيا بل اللدني الذي ينفتح في سر القلب من غير سبب مألوف من خارج فهذه شواهد النقل ولو جمع كل ما ورد فيه من الآيات والأخبار والآثار لخرج عن الحصر." اهـ.









يتبع إن شاء الله تعالى....
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس