عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

"وأما مشاهدة ذلك بالتجارب فذلك أيضاً خارج عن الحصر وظهر ذلك على الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها عند موته: إنما هما أخواك وأختاك، وكانت زوجته حاملاً فولدت بنتاً فكان قد عرف قبل الولادة أنها بنت.

وقال عمر رضي الله عنه في أثناء خطبته: يا سارية الجبل الجبل؛ إذ انكشف له أن العدوّ قد أشرف عليه فحذره لمعرفته ذلك، ثم بلوغ صوته إليه من جملة الكرامات العظيمة،

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلت على عثمان رضي الله عنه وكنت قد لقيت امرأة في طريقي فنظرت إليها شزراً وتأملت محاسنها فقال عثمان رضي الله عنه لما دخلت: يدخل عليَّ أحدكم وأثر الزنا ظاهر على عينيه أما علمت أن زنا العينين النظر؟ لتتوبن أو لأعزرنك فقلت: أوحي بعد النبـي؟ فقال: لا، ولكن بصيرة وبرهان وفراسة صادقة.

وعن أبـي سعيد الخراز قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيراً عليه خرقتان، فقلت في نفسي: هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: {وَاعْلَمُوا أنّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكُمْ فاحْذَروهُ} فاستغفرت الله في سري فناداني، وقال: {وَهُوَ الَّذي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} ثم غاب عني ولم أره." اهـ.


"وقال زكريا بن داود: دخل أبو العباس بن مسروق على أبـي الفضل الهاشمي ــــ وهو عليل وكان ذا عيال ولم يعرف له سبب يعيش به ــــ قال: فلما قمت قلت في نفسي من أين يأكل هذا الرجل؟ قال: فصاح بـي يا أبا العباس رد هذه الهمة الدنية فإن لله تعالى ألطافاً خفية.

وقال أحمد النقيب: دخلت على الشبلي فقال مفتوناً: يا أحمد. فقلت: ما الخبر؟ قال: كنت جالساً فجرى بخاطري أنك بخيل، فقلت: ما أنا بخيل، فعاد مني خاطري وقال: بل أنت بخيل، فقلت: ما فتح اليوم علي بشيء إلا دفعته إلى أول فقير يلقاني، قال: فما استتم الخاطر حتى دخل عليَّ صاحب لمؤنس الخادم ومعه خمسون ديناراً فقال: اجعلها في مصالحك، قال: وقمت فأخذتها وخرجت وإذا بفقير مكفوف بـين يدي مزين يحلق رأسه فتقدمت إليه وناولته الدنانير، فقال: أعطها المزين، فقلت: إن جملتها كذا وكذا، قال: أوليس قد قلنا لك إنك بخيل؟ قال: فناولتها المزين فقال المزين: قد عقدنا لما جلس هذا الفقير بـين أيدينا أن لا نأخذ عليه أجراً، قال: فرميت بها في دجلة وقلت ما أعزك أحد إلا أذله الله عز وجل.

وقال حمزة بن عبد الله العلوي: دخلت على أبـي الخير التيناني واعتقدت في نفسي أن أسلم عليه ولا آكل في داره طعاماً، فلما خرجت من عنده إذا به قد لحقني وقد حمل طبقاً فيه طعام وقال: يا فتى كُلْ فقد خرجت الساعة من اعتقادك، وكان أبو الخير التيناني هذا مشهوراً بالكرامات وقال إبراهيم الرقي: قصدته مسلماً عليه فحضرت صلاة المغرب فلم يكد يقرأ الفاتحة مستوياً فقلت في نفسي: ضاعت سفرتي فلما سلم خرجت إلى الطهارة فقصدني سبع فعدت إلى أبـي الخير وقلت: قصدني سبع، فخرج وصاح به وقال: ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني فتنحى الأسد فتطهرت فلما رجعت قال لي: اشتغلتم بتقويم الظاهر فخفتم الأسد، واشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا الأسد." اهـ.


وما حكي من تفرس المشايخ وإخبارهم عن اعتقادات الناس وضمائرهم يخرج عن الحصر، بل ما حكي عنهم من مشاهدة الخضر عليه السلام والسؤال منه، ومن سماع صوت الهاتف، ومن فنون الكرامات خارج عن الحصر والحكاية لا تنفع الجاحد ما لم يشاهد ذلك من نفسه، ومن أنكر الأصل أنكر التفصيل والدليل القاطع الذي لا يقدر أحد جحده أمران.

أحدهما: عجائب الرؤيا الصادقة فإنه ينكشف بها الغيب وإذا جاز ذلك في النوم فلا يستحيل أيضاً في اليقظة فلم يفارق النوم اليقظة إلا في ركود الحواس وعدم اشتغالها بالمحسوسات فكم من مستيقظ غائص لا يسمع ولا يبصر لاشتغاله بنفسه

والثاني: إخبار رسول الله عن الغيب وأمور في المستقبل كما اشتمل عليه القرآن وإذا جاز ذلك للنبـي جاز لغيره إذ النبـي عبارة عن شخص كوشف بحقائق الأمور وشغل بإصلاح الخلق فلا يستحيل أن يكون في الوجود شخص مكاشف بالحقائق ولا يشتغل بإصلاح الخلق، وهذا لا يسمى نبـياً بل يسمى ولياً، فمن آمن بالأنبـياء وصدق بالرؤيا الصحيحة لزمه لا محالة أن يقر بأن القلب له بابان:

باب إلى خارج وهو الحواس، وباب إلى الملكوت من داخل القلب وهو باب الإلهام والنفث في الروع والوحي، فإذا أقر بهما جميعاً لم يمكنه أن يحصر العلوم في التعلم ومباشرة الأسباب المألوفة، بل يجوز أن تكون المجاهدة سبـيلاً إليه فهذا ما ينبه على حقيقة ما ذكرناه من عجيب تردد القلب بـين عالم الشهادة وعالم الملكوت، وأما السبب في انكشاف الأمر في المنام بالمثال المحوج إلى التعبـير وكذلك تمثل الملائكة للأنبـياء والأولياء بصور مختلفة فذلك أيضاً من أسرار عجائب القلب، ولا يليق ذلك إلا بعلم المكاشفة فلنقتصر على ما ذكرناه فإنه كاف للاستحثاث على المجاهدة وطلب الكشف منها.

فقد قال بعض المكاشفين: ظهر لي الملك فسألني أملي عليه شيئاً من ذكري الخفي عن مشاهدتي من التوحيد وقال: ما نكتب لك عملاً ونحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله عز وجل فقلت: ألستما تكتبان الفرائض؟ قالا: بلى، قلت: فيكفيكما ذلك. وهذه إشارة إلى أن الكرام الكاتبـين لا يطلعون على أسرار القلب وإنما يطلعون على الأعمال الظاهرة.

وقال بعض العارفين: سألت بعض الأبدال عن مسألة من مشاهدة اليقين فالتفت إلى شماله فقال: ما تقول رحمك الله؟ ثم التفت إلى يمينه فقال: ما تقول رحمك الله؟ ثم أطرق إلى صدره وقال: ما تقول رحمك الله؟ ثم أجاب بأغرب جواب سمعته فسألته عن التفاته فقال: لم يكن عندي في المسألة جواب عتيد، فسألت صاحب الشمال فقال: لا أدري فسألت صاحب اليمين وهو أعلم منه فقال لا أدري، فنظرت إلى قلبـي وسألته فحدثني بما أجبتك فإذا هو أعلم منهما. وكأن هذا هو معنى قوله عليه السلام: «إنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ وإنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ» ." اهـ

"وفي الأثر: إن الله تعالى يقول: أيما عبد اطلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري توليت سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه.

وقال أبو سليمان الداراني رحمة الله عليه: القلب بمنزلة القبة المضروبة حولها أبواب مغلقة فأي باب فتح له عمل فيه؟ فقد ظهر انفتاح باب من أبواب القلب إلى جهة الملكوت والملأ الأعلى، وينفتح ذلك الباب بالمجاهدة والورع والإعراض عن شهوات الدنيا.

ولذلك كتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: احفظوا ما تسمعون من المطيعين فإنهم ينجلي لهم أمور صادقة.

وقال بعض العلماء: يد الله على أفواه الحكماء لا ينطقون إلا بما هيأ الله لهم من الحق.

وقال آخر: لو شئت لقلت إن الله تعالى يطلع الخاشعين على بعض سره." اهـ.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس