عرض مشاركة واحدة
قديم 10-06-2008
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: علّامة الشام ومحدثها الأكبر

ملامح من شخصيته (صفاته وأخلاقه ) :
وأحب هنا ، قبل أن أنقل لكم شذرات من صفاته ، ومحامده الخُلقية والسلوكية السامية أن أبين لكم مشاعري ، تجاه هذا الجانب العظيم في السيرة المباركة لحياة الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه .
لقد أعجبت في شخصية الشيخ ، بذكائه الحاد وعقله الكبير ، ووقفت مندهشاً ومُكْبراً أمام علمه الغزير ، وإطلاعه الواسع ، وتنوع معارفه وعلومه ، بل وتفوقه وسبقه فيها بحيث كان المختصون في كل علم منها ، يعترفون له بتقدمه عليهم فيها ، لكن رسالة العالم الوارث لهدي النبوة وأعمالها ،لا تتوقف فقط على مقدار ما يحصله من علم ، وما يختزن فكره من معرفة ، وإنما رسالة العالم وتأثيره في الناس ، وتحويل حياتهم إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى ، لا يكون إلا إذا تجسدت تلك العلوم والمعارف في أخلاق ربانية عالية،وتحولت إلى سلوك إسلامي رفيع المستوى ويصحب كل ذلك إخلاص عميق لله عز وجل ، عندئذٍ تغدو كلمات الشيخ وتوجيهاته نوراً يبدد الظلام ، ونفحات رخية ندية تتفتح لها العقول ، وتنشرح بها النفوس والصدور .
ولقد غمرتني – وأنا أطالع هذا الجانب في شخصية الشيخ – مشاعر من الأنس والإشراق والتأثر الشديد ،وقلت في نفسي ، هذا ما يحتاجه المسلمون في هذا العصر وفي كل عصر ، وهذا هو السر الكامن وراء كل تأثير ونهضة وتغيير ، أجراه الله على أيدي العلماء والدعاة والقادة ، في أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي الطويل .
أما صفات الشيخ الخِلقية الجسدية ، فقد كان رحمه الله ربعة من الرجال ، نحيلاً وفي وجهه نور تبدو عليه آيات النجابة والمهابة ، وكان قوي بنية الجسد لم يشكُ مرضاً في حياته سوى مرة أصيب فيها باليرقان في شبابه ، وكذلك مرض قبيل وفاته ولم يستعمل نظارة للقراءة أبداً ، وظل جهوري الصوت حتى النهاية .
وأما محامده الخُلقية ، فقد اقتفى فيها خطى النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان صادقاً صان لسانه عن الكذب ، وكان صريحاً في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، ولا يقعد عن نصرته ما لم يرَ الحكمة والإقتداء بالسنة الشريفة ، تقتضي التغاضي وانتظار الفرص بعيداً عن المداهنة والملق .
كان قليل الكلام طويل الصمت ، دائم التفكير فلم يكن يتكلم فيما عدا التعليم والإرشاد وذكر الله تعالى ، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم إلا بما تدعو إليه الضرورة , لقد صان لسانه من ذكر أعراض الناس ، فما اغتاب أحداً في حياته ، وما كان أحد يجرؤ على ذكر أحد بغيبة في مجلسه ، وإن فعل طلب إليه الكف بلطف كائناً مَن كان القائل ، ولم يكن يشتم أحداً وكانت غاية تأنيبه إذا غضب أن يقول : لا حول ولا قوة إلا بالله فيكمل الشيخ كلامه ويقول يابا ....ويُتبعها بسؤال استنكاري موجز ، ولم يُعرف عنه أن ضرب صغيراً أو غيره أو تكلم مع أحد بما يسوؤه .
وكان شديد الورع ، فمن ذلك أنه لم يكن يفتي أحداً بحكم فقهي في المعاملات خاصة إلا فيما ندر ، بل كان يحيل السائل إلى كتاب أو تلميذ من تلاميذه .
وكان عظيماً في تواضعه , لا يرى لنفسه فضلاً على أحد ، في علم أو صلاح أو غير ذلك وكان يقول ( التواضع أن ترى نفسك دون كل جليس ) كان إذا مدحه أحد بحضرته ينهاه عن ذلك ، إذ يَعدُّ نفسه من الخاطئين ، ومن أكثر الناس حاجة إلى عفو ربه .
ومن تواضعه رحمه الله ، أنه كان يُؤنس المساكين والفقراء ، وكان يزورهم أحياناً يخالطهم كأنه دونهم ، يهش لهم ويسألهم عن أحوالهم ، يقف لهم إن استوقفوه ، ويطلب منهم الدعاء له ، ومن ذلك أنه يزور مدارس الصغار ، ويدخل عليهم ويمسح رؤوس الأيتام منهم ، ويسألهم ومعلميهم الدعاء ، وكان يزور السجون ويدخل على السجناء ، فيحييهم ثم ينصح لهم ، ويعظهم بالحسنى ، ويدعو المظلوم منهم للصبر , فيزيل ما بهم من كرب ، وكان هؤلاء يكنون له الاحترام والمحبة .
ومن تواضعه ، أنه كان يجلس لدروسه في المدرسة أو البيت قرب باب الغرفة لا يحب أن يتصدر المجلس ، وكان يطلب الدعاء من كل إنسان .
كان عالي الهمة ، لا يُمكِّن أحداً من خدمته ، ولم يستعن في حياته بأحدٍ ولا بالعصا .
وكان صابراً محتسباً عند المصائب والأزمات ، ومن أمثلة صبره ما جرى في مرضه الأخير فقد كان متعباً متألما ً، وكان يتابع دروسه وعبادته حتى قبيل وفاته بقليل ، لقد أدى نافلة الضحى قبل أن يُسلم روحه بوقت قصير .
كان ذاكراً لله تعالى على كل حال ، مُكثراً من الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم .
وكان رحمه الله نظيفاً في ملبسه ومأكله ومجلسه ، ومع ذلك كان زاهداً مختاراً للزهد ، فقد أقبلت عليه الدنيا لكنه اعتزلها ، ونفر من شهواتها رغم أنه كان ميسور الحال فقد ترك له والده ثروة حسنة ، ولو شاء أن يعيش مترفاً لكان له ذلك .
ابتعد عن الوظائف والمناصب وجاهها على تهافتها عليه ، وكان رحمه الله لا يزور الحكام بل يزورنه ، وإذا قصدهم بمصلحة عامة أو بشفاعة خاصة ، أرسل بعض تلاميذه إليهم يبلغهم رسالته ، وكانوا يتلقون ذلك بالاحترام والقبول .
كان كريماً يبالغ في إكرام ضيوفه ، ويُهدي كثيراً منهم شيئاً مما يؤكل يحملونه إلى أهلهم وبلادهم إن كانوا غرباء .
لم يكن يسأله أحد شيئاً إلا أعطاه ، وإذا أحسَّ بأحد حاجة ولم يذكرها له ، تحيَّن انفراده به فيعطيه وقد كفاه الأذى .
وكان للشيخ رحمه الله صدقات خفية ، لا يعلمها إلا نفر قليل من خُلَّص تلاميذه ، يرسلها إلى أصحابها من طريقهم ، ولم يُروَ عنه أنه جمع مالاً أو ادخره .
هذه بعض من أخلاق الشيخ مع الناس ، فكيف كانت أخلاقه مع أسرته وأهله ؟
كان الشيخ يعامل أهله مقتدياً بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) فكان يرشدهم بالمعروف ، وبالتي هي أحسن فلا يضرب ، ولا يشتم ولا يدعو بسوء ، وينهاهم عن ذلك أيضاً , فإن غضب لشيء قطَّب جبينه ، أو حذر بعبارة قصيرة أو حوقل ، وربما علّل غضبه وبيَّن رأي الشريعة في ذلك .
كان يأكل مما يشتهيه أهله ، ويُوسِّع عليهم في حاجاتهم ، ويلبي رغباتهم إن رغبوا في طعام أو حلوى أو غيرها عملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال ( إن أفضل دينار أنفقه رجل على عياله أو على دابته في سبيل الله أو أنفقه على أصحابه في سبيل الله ) . كان الشيخ وصولاً لرحمه ، محافظاً على حقوق الرضاع لا يتأخر عن صلتهم بزيارة أو هدية أو إكرام بمال أو قضاء حاجة مهمة .
وكان الشيخ يحب زيارة أهل التقوى والصلاح ، وأكثر مَن يزور من الناس البسطاء , وربما زار بعضاً من أصحاب الملل والأديان الأخرى ، ومن المشهور عنه زيارته لحي النصارى أيام الثورة على الفرنسيين ، وقد جاءت زيارته في وقت أشيع فيه من قِبل أعداء البلاد أن الثوار ينوون الاعتداء على الحي و أهله.
لقد كان الشيخ كثير التودد إلى الناس كافة ، وعظيم الاهتمام بأمورهم قريبهم وبعيدهم مسلمهم وغير مسلمهم ، حريصاً على نفعهم ، يمشي في حوائجهم ، فيشفع للمظلوم منهم عند أولي الأمر ، ويقضي ما استطاع قضاءه من أمورهم ، وكثيراً ما تكون متصلة بالحكام فيكتب كتاباً لمن يهمه الأمر، يرجوه حلَّ المشكلة ، كما فعل مع رجل نصراني من قرى بعلبك ، جاء متلهفاً للشيخ ليشفع لابنه الوحيد ، الذي فرَّ من الخدمة العسكرية أثناء الحرب العالمية الأولى ، وحكم عليه المجلس العسكري بالإعدام , فأرسل الشيخ كتاباً مع بعض تلامذته ، إلى الوالي جمال باشا العثماني ، وقد أثبت فيه حديثاً نبوياً شريفاً عن فضل العفو عند المقدرة ، وكان لهذا الكتاب وقعه وأثره في نفس الوالي ، حيث أصدر أمراً بالعفو عن ولد ذلك الرجل ، وعن كل محكوم بالإعدام معه .
كان رحمه الله يُقدم المعروف , ويحث عليه قولاً وعملاً ، وكان إذا أدى إليه أحد معروفاً قابله بما يزيد عليه ، مقتدياً في ذلك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وكان رحمه الله إلى ذلك كله يلتهب غيرة على العالم الإسلامي ،فكان يكتب إلى ملوك وأمراء الدول الإسلامية هنا وهناك ، يحثهم على العدل وإقامة الحق ، ويبين لهم سوء المغبة ، بترك الشريعة والاسترسال مع الأهواء .
وهنا لابد أن نسجل للشيخ رضي الله عنه ، منقبة من أعظم مناقبه ، وهي مشاركته في مقاومة المستعمر الفرنسي ، وحث الناس على ذلك ، ولا نبالغ إذا قلنا كان الشيخ الأب الروحي للثورة السورية على الاحتلال الفرنسي ، لقد كان يُغذي الثورة من كل وجوهها وسائر أطرافها ، ويرى فيها صورة الجهاد المفروض على المسلمين ، وهو الذي كان يطوف المدن السورية ، متنقلاً من بلدة إلى أخرى ، حاثاً على الجهاد وحاضاً عليه ، وكانت جملته الصريحة في ذلك : (الجهاد فرض عين على كل من يستطيع استعمال السلاح ) وكان يلقى الثائرين دائماً ، ويزودهم بنصحه ويغذيهم بفكره ورأيه .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 10-06-2008 الساعة 03:00 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس