عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2009
  #1
بنت الاسلام
بنت الاسلام
 الصورة الرمزية بنت الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,350
معدل تقييم المستوى: 17
بنت الاسلام is on a distinguished road
النشاط الكنسي والتبشيرى فى غرب إفريقيا وتأثيره على دارفور

النشاط الكنسي والتبشيري في غرب إفريقيا وتأثيره علي دارفور


الكاتب : د. طارق أحمد عثمان/جامعة افريقيا العالمية بالسودان/ مركز البحوث والدراسات الافريقية

--------------------------------------------------------------------------------

* مقدمة :



تفترض هذه الدراسة المحدودة أن هناك جهدا تبشيريا منظما تسعي إليه الكنيسة العالمية بمختلف مسمياتها ومذاهبها وتصوراتها في أقليم دارفور ، ويصل بصورة ما إلي النازحين من ابناء دارفور الموجودين حاليا كلاجئين في دولة تشاد ، وغير خفي الاعلان الدولي بشأن دارفور وتصاعد الحملة الإعلامية والسياسية تجاه هذه المنطقة من قبل المجتمع الدولي ، وتتجه بعض وجهات النظر أن هناك مؤامرة كبري تحاك في هذا الشأن اريد منها النيل من الحكومة السودانية أولا ومن المجموعات التـي يعتقد أنما تميل إلي لون من الأصولية الإسلامية في معاشها وحياتها .

وقضية دارفور معقدة وشائكة ، ولايمكن أن يبريء أحد منها أو من التداعيات والافرازات التي لحقت بها ، فالحكومة السودانية اشتركت بصورة ما في أسباب الأزمة وكذلك المعارضة المسلحة وغير المسلحة ، ودول الجوار ، والقوي العالمية ، والكنيسة الدولية .. الخ ، الا أن الإنسان المسالم في دارفور والذي غادر أرضه وبيته وفقد أهله ، هو المتضرر الأول ، وهو صاحب الحق الأول ، وتتم الآن باسمه وجرت من قبل عمليات التدويل والحشد ، وكثر المتبضعون باسمه بحثا عن مكسب قريب أو حتي بعيد ، ودخل بعض أبناء الاقليم في تحالفات مشبوهة ، أما سعيا وراء حق ضائع ، أو جريا وراء مطمع شخصي ، كل ذلك يحدث والعالم يشهد الحرمان والبؤس والحاجة في وجوه طائفة من نساء وأطفال وعجائز هذا الأقليم وهم يمدون أيديهم طلبا للغوث والعون والمدد.

وعلي الرغم من أننا لانملك تقارير فعلية تثبت تورط هؤلاء القادمين للعون في عمل تنصيري واضح ، الا أن ذلك يتم في الخفاء ، وتملك أجهزة وزارة الداخلية ما يحملها علي التأكيد بوجود عـمل ما للتنصير ، ونملك دوافع قوية تجعلنا ننحو هذا المنحي ، أهمها أن معظم الوكالات العاملة في حقل الاغاثة ذات صبغة تنصيرية يعملون في بيئة مواتية لأن يبدل المرء دينه ، أو يجعل دينه بدرجة من الهشاشة تجعله يرفض بناء مسجد له .

ويقع طائفة من المنكوبين من أبناء دارفور ، تحت رحمة الدولة التشادية تحت ظل مؤثرات قوية تحركهم نحو الإنسلاخ من عقيدتهم وثقافتهم وهويتهم .

وتتجه هذه الدراسة إلي رصد الأحداث المتعلقة بهذه المسألة ومحاولات تفسير بعض المظاهر التي اكتنفت مجريات الامور في هذه القضية .

دارفور : الأرض والسكان :

دارفور ، اقليم واسع ، ويقسم إلـي ثلاث ولايات : ( شمال دارفور ، وجنوب دارفور ، وغرب دارفور) ، ويحده من الغرب دولة تشاد ، ومن الشمال الغربي ليبيا ، ومن الجنوب الغربي إفريقيا الوسطي ، ويحـــر الغزال في جنوبه ، وفي شرقه إقليم كردفان ( (1)

ويقع إقليم دارفور في أقصي غرب السودان بين حوالي خطي طول 27ْ و22ْ شرقاودائرتي عرض 30 و22ْ شمالا، ويمكن اعتبار دارفور جزءا ًمن اقليم الساحل الإفريقي الذي يمتد من السنغال حتي شرق السودان ، وفي الماضي كانت دارفور تعتبر أقصي غرب السودان الشرقي ، وذلك في مقابلة السودان الأوسط – وهو حوض تشاد والسودان الغربي غرب تشاد حتي السنغال ، ويشارك إقليم دارفور الكبير بولاياته الثلاث معظم أجزاء السودان في عدد من المظاهر الطبيعية وهذه المظاهر هي التكوين الجيولوجي والمناخ والتربة والنباتات ، وتشترك دارفور في هذه المظاهر أيضا مع عدد من دول الساحل الإفريقي( (2)

وتبلغ جملة مساحة دارفور الكبري حوالي 000ر140 ميلا مربعا أو000ر448كلم(3)

ووفقا لتعداد سنة 1993 فإن سكان الإقليم يصلون الي 456ر2746ر4 بينما تقدر جهات أخري أن سكان المنطقة قد يصلهم عددهم إلي ستة ملايين نسمة ((4)

أما سكان الإقليم فهم من إثنيات متعددة وقبائل شتي ربما تفوق 95 قبيلة ، وهي موزعة علي مناطق الإقليم وفقا للعوامل البيئية والاجتماعية والاقتصادية فمثلا نجد أن قبيلة الفور والتي سمي الاقليم باسمها تتوزع علي كل أنحاء الاقليم ويتمركزون بشكل خاص في جبل مرة وما حولها ، وقد جاء انتشارهم في المنطقة تبعا للظروف التاريخية والطبيعية في الاقليم حيث مكنتهم سلطنة دارفور من الانتشار كما أن اشتغالهم بالزراعة بشكل رئيسي ، جعلهم يتوزعون في مناطق جبل مرة ، والفاشر ، وزالنجي ، وجبل سي ، وقارسيلا ( وادي صالح) وكتم ، ونيالا وغيرها (5)

ونجد قبائل بني منصور في منطقة ( الملم ) وتتمركز قبيلة الأسرة في منطقة أم كدادة ، وتوجد قبيلة أولاد مانا في غرب الفاشر وحول جبال ، وانا ، والسريف ، وحمارو والكلاقو وقبيلة أولا أقوي في شرق الفاشر ، وابوجلول في شمال كتم في منطقة أمو ، والبديات في مناطق شقاق وكارو شمال كتم وهي قبيلة رعوية ولها امتداد في تشاد ، وبني جرار في أم كدادة وبروش والصيت .. وغير هذا (6)

وقد وردت عدة إشارات مبكرة لبعض قبائل دارفور ، وبعض من هذه الإشارات ترجع إلي حوالي ألف وخمسمائة سنة أو ربما أكثر من ذلك (7)

وقد وصف محمد بن عمر التونسي الذي وصل إلي دارفور في سنة 1803 جانبا من القبائل الموجودة بالمنطقة من بينها : الفور ، الزغاوة ، الداجو ، البرجد , التنجر ، المساليت ، الميدوب ، التامة ، القمر ، البرتي ، الميمة ، المراريت ، الفرتيت ، أما القبائل ذات الأصول العربية فمنها : المسيرية ، الرزيقات ، بنو هلبة ، الهبانية ، المحاميد ، المجانين ، بنو عمران ، الزيادية ، بنو جرار ، الزيادية ، التعايشة (8)

وتنقسم القبائل في دارفور إلي مجموعات القبائل المستقرة في المناطق الريفية مثل : الفور والمساليت والزغاوة والداجو والتنجر والتامة ، إضافة إلي مجموعات القبائل الرحل المتنقلة مثل : المحاميد والمهرية وبني حسين والرزيقات والمعالية ، والإسلام هو الدين الغالب في المنطقة ولقد عاشت تلك المجموعات القبلية من رحل ومزارعين في وفاق كبير منذ أمد بعيد ، وهناك علاقات مصاهرة بينهما (9)

ولقد شكلت دارفور ارضا للهجرات المتدفقة تجاهها من الشعوب القادمة من غرب حدود تشاد السودان ولم تصادف هذه الهجرات أية عوائق بل كانت مستمرة ، وربما وصل عددهم في الربع الأخير مــن القرن الماضي وفقا لما ذكره أوفاهي إلي حوالي 30 % من سكان المنطقة ، فقد تدفق علي الأقل في المائتين سنة أو الثلاثمائة عاما الأخيرة إلي دارفور واستقر بها مجموعات صغيرة من الحجاج والفقرا المتعلمين والعلماء والتجار والفولاني الرحل الذين يربون الماشية وغيرهم (10)

الصراع في دارفور والأجندة الدولية :

تطور النزاع فـي دارفور إلي الحد الذي أصبح أزمة دولية خرجت عن الحدود السودانية ، وأصبحت واحدة من التحديات الأمنية لحكومة السودان ، ووصفت أفرازات هذه المشكلة خاصة الجانب الإنساني منها بأنها أكبر كارثة تواجه المجتمعات الدولية المعاصرة واتخذ الصراع المسلح شكله العلني منذ مارس 2003 ، حيث بدأت الجماعات المتمردة المسلحة نشاطها ، كما تحركت الدولة ممثلة في اجهزتها العسكرية والأمنية ، والاستخباراتية عملها في مقاومة هذا النشاط المسلح إضافة إلي نشاط المجموعات المسلحة الأخري بالإقليم ، والتي شملت جماعات السلب والنهب المسلح ، والمجموعات المسلحة المقاومة للمتمردين ، ومليشيات الجنجويد ، وقد أوجد ذلك واقعا انسانيا متدهورا حيث هاجر مئات الألاف من الأشخاص من قراهم ومدنهم بسبب العمليات العسكرية ، وقد شملت آثار هذه الأزمة حسب تقديرات الحكومة السودانية حوالي مليون شخص ، حيث ذكر (مهدي إبراهيم( أحد مسئولي الدولة أن العدد الكلي الذي يعيش في المعسكرات التي أقامتها الحكومة السودانية بعيد تفجر الصراع بلغ 960 ألفا موزعون علي معسكرات النزوح المختلفة في ولاية دارفور الكبري، وتقدر بعض المصادر المحلية أن المتأثرين بهذه الحرب يبلغ حوالي مليوني شخص ، وتبعا لذلك نلاحظ مدي تأثر الاقليم بهذه الازمة خاصة ,ان القري الصغيرة والكبيرة في الغالب الأعم ونتيجة لظروف الحرب قد هجرها سكانها ولجأوا إلي المدن الكبري وحواضر الإقليم ، وقد برزت معسكرات النزوح في باديء الأمر في المدارس والمنازل والساحات ، حدث ذلك في مدن (كتم) و( الفاشر) و) كبكابية ( و (طويلة) و ) سرف عمرة ( (11)

وقد اهتمت الدوائر الغربية بالصراع في دارفور اهتماما بالغا علي مستوي الدول والحكومات والشعوب ، كذلك ومنظمات المجتمع المدني وقد برز الاهتمام الرسمي للحكومات الغربية من خلال تصريحات وزراء الخارجية بتلك الدول ، ومن ذلك تصريح وزير الخارجية ) كولن باول ( أمام لجـنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ ، حيث قال :

إن التحقيقات توصلت إلي أن ابادة جماعية ارتكبت في دارفور في سياق تنفيذ سياسة الارض المحروقة ضد المتمردين والمدنيين وأن تلك الجرائم قد تكون مستمرة ، وقد جاء اعلان )باول( عن نتائج تحقيقات امريكية في القضية قبيل بدء مجلس الأمن في مناقشة مسودة قرار دولي يفرض عقوبات علي السودان ، واتهم التقرير الذي تلاه )باول( امام لجنة مجلس الشيوخ ، الحكومة السودانية ، والجنجويد بالمسئولية عن مقتل نحو 50 ألف شخص ، وتشريد نحو مليون في النزاع المستمر (12)

وقد تعرضت الإدارة الامريكية إلي انتقادات من قبل مواطنيها داخل المجتمع الأمريكي بسبب اقتراحها اعطاء الخرطوم مهلة 30 يوما لتنفيذ المطالب الدولية تجاه هذه المسألة ، وافاد تقرير وزارة الخارجية أن مسؤولين امريكيين اجروا علي مدي خمسة اسابيع مقابلات مع 1136 لاجيء من دارفور أكدوا ارتكاب فظائع منظمة واسعة النطاق ضد القرويين ، وإضاف أن ) قوات حكومية أو مليشيات غير نظامية سودانية ، أو خليط من الاثنين ، اقدموا علي تدمير قري بأكملها ، كمـا تم توثيق جرائم قتل جماعي وجرائم اغتصاب ونهب للممتلكات ( (13)

وأعلن وزير الخارجية الامريكي ) كولن باول ( في 1/7/2004م في مقام آخر أن الأسرة الدولية غير راضية عن الأوضاع في دارفور والتي وصفتها بأنها ( خطيرة جدا جدا ) وندد مرة أخري بعمليات الاغتصاب التي تجري في الإقليم ، وذكر أن الناس لايشعرون بالأمن ويغادرون مخيمات اللاجئين بحثا عن الطعام ، وقال باول إنه ابلغ نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وزير الخارجية( مصطفي عثمان اسماعيل) باستياء الولايات المتحدة من الوضع الأمني في دارفـــور الذي تصفه ( الأمم المتحدة)) بأنه اسوأ أزمة إنسانية في العالم ( (14)

وخلال لقاءيين عقدهما( باول ) في العام 2004 مع الرئيس السوداني عمر البشير ووزير خارجيته مصطفي عثمان اسماعيل وضع ( باول ) ثلاثة شروط لحكومة الخرطوم:

أن تسيطر علي المليشيات العربية الموالية للحكومة المتهمة بقتل السكان ذوي الأصول الإفريقية في دارفور .

- السماح للمنظمات الانسانية بالعمل في الاقليم بحرية

- بدء المفاوضات مع حركتي التمرد(15)

وفي رصد للتقرير الذي أعدته منظمة العفو الدولية ( أمنستي ) عن الأوضاع في دارفور ، ذكرت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في دارفور ، وجاء وصف لاعدامات تمت خارج نطاق القضاء وانماط أخري من القتل غير المشروع ، ,اعمال عنف وتعذيب بما في ذلك الاغتصاب ضد المدنيين ، وتدمير لقري ومحاصيل وسرقة مواشي وممتلكات ، وحمل التقرير الحكومة المسئولية عن جانب من هذه الانتهاكات وأوردت معلومات تثبت العلاقة بين الجنجويد والقوات السودانية المسلحة ، كما تحدث التقرير عن الأوضاع الإنسانية الحرجة وسط اللاجئين السودانيين في تشاد ، وقد وصف التقرير جهود المنظمات العاملة في المجال الإنساني بأنها كبيرة موضحا أن عدد النازحين من ولايات دارفور إلي داخل السودان بلغ مليونا و1464 ألف شخص منهم 700 الف من جنوب دارفور و414 ألفا من شمال دارفور و350 ألفا من غرب دارفور ، فيما بلغ عدد اللاجئين إلي تشاد حوالي 65 ألف لاجيء (16)

وقد ظلت الحكومة السودانية تقلل الانفعالات البالغة التي تبديها الحكومة الغربية ازاء الوضع في دارفور ، فقد قال وزير الخارجية السوداني والذي اعترف بوجود مشكلة في دارفور : أن الحكومة ماتزال تري أن قلق الأسرة الدولية مبالغ فيه ، وأنه ليست هناك مجاعة ولا أوبئة ( (17)

) أما عن اتجاهات التدويل للقضية فيعتقد حسن مكي محمد أحمد أن حركة العدل والمساواة التي يري أنها واجهة للمؤتمر الشعبي حزب د. حسن الترابي أحد أبرز المعارضين للحكومة الحالية ، قد استفادت من علاقاتها الدولية خاصة بالمانيا التي تملك جذورا تاريخية بمنطقة دارفور ، لأن الرحالة الألمان زاروا المنطقة وكتبوا عنها وأغلب الكتابات الموجودة عن دارفور تعود إلي هؤلاء ، ولأن علي دينار الحاكم الأخير في سلطنة دارفور والتي انهارت في 1916 علي يد الانجليز كانت له صلات بالمانيا وربما كان يعاضدها ويناصرها علي خصومه البريطانيين ، كما أن هناك عدد كبير من أبناء قبيلة الزغاوة الرافد القبلي المهم لهذه الحركة ، موجودين في المانيا ، والكنيسة هناك لها اتصالات بهؤلاء وقد نظمت لهم عدة مؤتمرات منها مؤتمر المهمشين الذي انتخب د. علي الحاج نائب الدكتور حسن الترابي رئيسا له ، فقد عقد هذا المؤتمر بتمويل الماني ، كما تمكنت حركة العدل والمساواة من الالتقاء بالنخب السياسية الألمانية نحو مجموعات الخضر ، وقابلت وزير الخارجية الألماني( فيشر) والذي زار السودان في اعقاب الأزمة ، واصبحت لهذه الحركة علاقات قوية مع مكونات الحياة السياسية في المانيا وقد أوجد هؤلاء علاقات مع الاتحاد الأوربي ، أما حركة تحرير السودان فقد استفادت من النافذة التي فتحت لها عبر الحركة الشعبية لتحرير السودان ، فاقامت علاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية واوربا ، ويري حسن مكي محمد أحمد كذلك أن التعتيم الذي مارسته الحكومة علي الصراع في المنطقة والضرب العنيف من قبل قوات الجو السودانية للمدن والقري ، والتسليح العشوائي ، والآثار المترتبة علي ذلك تجاه المدنيين ، والذي خلف واقع أن كل واحد من بين خمسة أفراد من ابناء دارفور هائم علي وجهه، والتقاط المنظمات لهذا الامر والاعلام الكثيف كل ذلك قاد إلي تدويل الأزمة ، وقاد الشعوب إلي مناداة حكامهم بالضغط علي الحكومة السودانية (18)

وكما ساعدت المنظمات المدنية في المجتمعات الغربية وتحركات المتمردين في دارفور – كما أشرنا – إلي تحريك الضغط علي الحكومة السودانية من قبل المجتمع الدولي واتخاذ اجراءات صارمة في حقها ، وتدويل القضية ، اسهمت مراكز الفكر في أمريكا في القيام بدور مؤثر في صياغة القرار الامريكي تجاه السودان وتوجيهه نحو خدمة أغراض المؤسسات الغربية ، وهذه المراكز لاتخاطب الرأي العام بشكل كامل وإنما تسعي إلي التأثير علي النخبة من صانعي السياسة والاكاديميين ووسائط الأعلام وجماعات المصالح ، ومن أهم مراكز الفكر هذه ، مؤسسة بروكينجز Brooking Instution ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS ومؤسسات يمنية أخري ظهرت خلال الثلاثة عقود الماضية مثل مؤسسة التراث Heritage foundation ومعهد كاتو Cato وغيرها وكل هذه الهيئات وقفت لدفع الأدارة الامريكية لتغيير سياستها تجاه السودان لتكـون أكثـر تشددا منذ 2001 وحتي الأزمة الراهنة في دارفور (19)

إن اتجاهات التدويل في مسألة دارفور علي الرغم من التفسيرات المذكورة تظل قضية في حاجة إلي نقاش أكبر وأكثر عمقا ، فالتدويل حدث في فترة موجزة وضمن وقت قصير ، وقد أتت فيه الخطي متسارعة ، وتداخلت فيه عوامل متعددة ومتشابكة ، والتي من بينها رغبة الإدارة الأمريكية في تصفية حساباتها مع الخرطوم ضمن متغيرات حديثة وأخري قديمة ، نحو علاقات الخرطوم مع الارهاب ومسألة البترول والتعاطف الموجود تجاه قضية جنوب السودان من قبل الولايات المتحدة وحرصها في الوصول إلي درجة من المكاسب لصالح الحركة المقاتلة في جنوب السودان وقد تحقق ذلك فعلا في حدوث اتفاقية سلام من شأنها أن تخفف الاتجاهات الإسلامية المتشددة للحكومة في الخرطوم. ولايمكن القول بأن المأساة في دارفور محدودة أو قليلة الشأن ، كما أنه من غير المنطقي وصفها بأنها كارثة انسانية عظمي ، أو أنها اعظم مصيبة بشرية حلت علي الكون في مطلع هذا القرن بالنظر إلي مايحدث في العراق أو انتهاكات حقوق الإنسان التي تتم في فلسطين ، أو حتي ما جري في القرن الماضي في إفريقيا في موجات الإبادة العنصرية التي وقعت في ارض البحيرات وما إلي ذلك من أحداث ملتهبة تشمل انحاء متفرقة من العالم خاصة العالم الإسلامي الذي تركزت في حقه المشكلات بما يشبه عملا مرتبا ضده أو هكذا يتوهم ، ويعتقد كثيرون بصحة هذه النظرية والتي تظن أن جهدا منظما يتم في الغرب المسيحي ضد العالم الإسلامي أوضح مايمكن أن يظهر فيه هو افتعال المشكلات واشعال الحروب وبذر أصول الخلاف داخل المجتمعات الإسلامية وتعميقها ، ورفد التيارات العنصرية المناهضة للتعريب والأسلمة ، وزرع القلاقل في الدول التي تتعمق بها الثقافة الإسلامية والعربية وتمتلك إلي جانب ذلك ثروات حقيقية ، ونحن هنا وأن كنا لانؤسس فرضيتنا علي هذا القول بشكل أساسي إلا أننا نستصحب مؤثرا هاما وفاعلا يتضمن هذه الفكرة ، وهو وكما ذكرنا في مقدمة هذه الدراسة وجود أجندة ثانية للمؤسسات الدولية العاملة في تحريك الجهد للتضامن مع أهل دارفور ، وتلك النشطة في تقديم مساعدات فعلية إلي دارفور . ويجوز لنا هنا آن نتسآل:



هل كان الدور الرسمي الأمريكي في الضغط علي الحكومة يأتي ضمن أهدافه تحقيق مكاسب للكنيسة ، وللتبشير المسيحي ؟

وهل كانت الدوافع الدينية محركا هاما وحقيقيا لكسب ارض جديدة للتكريز ونشر البشارة للحكومات الغربية فضلا عن منظمات المجتمع المدني ووكالات الغوث ، والتي يعمل بعضها دون مواربة تحت مسميات مسيحية ، وأن كانت تعلن أن تضمن الاعانة للمحتاجين بغض النظر عن دينهم وهي لاتمتلك أجندة دينية ازاء ذلك .

وعلي ضوء هذا كيف يمكن تفسير تصريح وزير الخارجية الفرنسي ، والذي ذكر فيه أنه يعتقد أن هناك اتجاها قويا لدي الحكومة السودانية في دعم العرب ضد الإفريقيين في دارفور ضمن مخطط ؟

وهناك أمور واضحة في هذا السياق لاتحتاج إلي جهد كبير لتكوين رؤي حولها فيما يتعلق بدور الكنيسة في ازمة دارفور ، وإن كان الأمر الذي تعلنه عبر هذا الدور قد لايدفع إلي القلق ، لكن قد يحتمل الأمر أن تكون هناك أجندة خفية – وهذا ما سنسعي إلي بيانه من خلال هذه الدراسة – وعلي مستوي الكنيسة الدوليةبمختلف مذاهبها ، خاصة الكنيسة الأم ، الكنيسة الكاثوليكية نجد أن هناك تدخلا معلنا في هذه القضية ، فلقد وجه البابا نداء ، ودفع مبعوثا منه للتدخل في دارفور (21)

ويعتقد بعض الباحثين أن اليمين المسيحي الأمريكي ظل يصور أن ما حدث كان ابادة جماعية منظمة ، واغتصاب متعمد بدوافع منهجية للنساء كما أن الاهتمام بدارفور من قبل المنظمة المسيحية من شأنه – وفي بعض نواحيه – أن يعكس للمواطن الامريكي عدم التعصب المسيحي من خلال التصدي لاضطهاد المسلمين في السودان مثل ما تم من قبل التصدي لاضطهاد المسيحيين في الجنوب ، وهذا من شأنه أن يبرز الوجه الانساني الذي تتعامل به القيم المسيحية مع مختلف الطوائف والفئات الدينية ويترك ذلك اثره علي ابناء امريكا ويعطي صورة حسنة عن الكنيسة (22)
__________________
بنت الاسلام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس