عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

ويحدثنا السبكي في طبقات الشافعية عن تلك الليلة فيقول: «كان الشيخ عز الدين في أول أمره فقيرا جدا، ولم يشتغل إلا على كبر، وسبب ذلك أنه كان يبيت في كلاسة «زاوية» من جامع دمشق، فبات فيها ليلة ذات برد شديد فاحتلم، فقام مسرعا ونزل في بركة الكلاسة فحصل له ألم شديد من البرد، وعاد فنام، فاحتلم ثانيا، فعاد الى البركة لأن أبواب الجامع مغلقة وهو لا يمكنه الخروج، فطلع غمي عليه من شدة البرد.. ثم سمع النداء: يا ابن عبد السلام أتريد العلم أم العمل؟ فقال: بل العمل لأنه يهدي الى العلم».

وأصبح الفتى عز الدين، روى لشيخه ابن عساكر ما كان من أمر تلك الليلة. وقال الشيخ له: «لقد بلغت مبلغ الرجال. وهذا النداء هاتف من السماء يأمرك ان تهب نفسك للعلم».

وأعطاه الشيخ كتاب «التنبيه» في الفقه الشافعي، وأعطاه أسبوعين مهلة ليحسن قراءته واستيعابه. وعاد العز الى شيخ بعد ثلاثة أيام وقد استوعب الكتاب وحظه عن ظهر قلب!

وضمه الشيخ الى حلقته، ونظم له حضور حلقات أخرى في اللغة وآدابها، وفي الحديث وأصول الفقه. ونصحه أن يتقن علوم اللغة من نحو وصرف وأن يحفظ الشعر ويدرسه ليحسن فهم نصوص القرآن.

ولزم عز الدين شيخه ابن عساكر، وتعلم منه الفقه الشافعي، وكان الشيخ زاهدا ورعا واسع المعرفة كثير الصدقات، خطيبا، لاذعا، وهو في الوقت نفسه شديد الحياء، وكان مرحا متألق الظرف، فتأثر تلميذه عز الدين ونقل عنه كثيرا من خصاله وسجاياه.

من الحق أن عز الدين لزم شيخه ابن عساكر وتأثر به، ولكنه لم يلتزم نصحه فيما يطلب من علوم. فتاق الى التزود بمعارف عصره جميعا. وكانت أفكار اليونان والمصريين القدماء والهنود والفارسيين قد نقلت الى اللغة العربية.. وكان المسلمون قد تفوقوا في علوم الطبيعة والطب والكيمياء والرياضيات والفلك، وتعاطوا الفلسفة فاراد عز الدين أن ينهل من هذا كله..

وكانت فلسفة الإشراق التي جاء بها السهروردي الى دمشق وحلب تعيش، وتصك أعداء تلك الفلسفة الذين نجحوا من قبل في الايقاع بالسهروردي، فأغروا به صلاح الدين. وكان ابنه الظاهر يحمي السهروردي في قصره بحلب... فأمر صلاح الدين ابنه الظاهر أن يسجن السهروردي حتى يهلك في سجنه صبرا وجوعا وعطشا، ولكن الظاهر بن صلاح الدين امتنع، فارسل إليه أبوه يخيره بين إحدى اثنتين: إما قتل السهروردي أو العزل!

وأذعن صاحب حلب لأمر أبيه صلاح الدين وجاء بالسهروردي وخصومه، وأمرهم ان يناظروه قبل أن يقضي في أمره.

كان السهروردي شيعيا، وصلاح الدين يحارب الشيعة ويضربهم في كل مكان... وكان السهروردي ينادي بأن العلم لم يخل من الحكمة ومن شخص قائم بها عنده الحجج والبينات، وهذا الشخص هو الإمام وهو خليفة الله في أرضه، وهو واجب الإتباع، فهو معصوم يوحى إليه لكن على نحو آخر غير الأنبياء والرسل!

وكان السهروردي يذهب الى أن النور أساس كل الموجودات، ويعتمد على الآية الكريمة: (الله نور السموات والأرض). وقد استفاد بحكمة اخناتون الذي نادى بالتوحيد في مصر القديمة، واعتبر النور والشمس بالذات سبب وجود كل الكائنات الحية. كما استفاد الرجل بأفكار أفلاطون في المثل واراء زاردشت الفارسي. ولكنه رد كل أفكاره الى القرآن الكريم.. واحسن الاستشهاد بآياته.." اهـ


يتبع .......
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس