عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #36
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

إن الله اشترى...
رأينا كيف ولِمَ وعلى ماذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة. كانت مبايعة جامعة مانعة: الطاعة لله ورسوله التي تتفرع فتغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحربية والسياسية. كل لا يتجزأ، رمزُ كليته أن تقاتل فتموتَ وتذهبَ كلُّك فداء لدينك. إنها بيعة صفق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدي الأنصار، ويد الله فوق أيديهم. صفقة بمقتضاها اشترى الله تعالى وباع العبد وشهد النبي. صفقة بضاعتها الجنة ضمنها النبي، وثمنها الأنفس والأموال جميعا مُسْتغْرَقَةً بلا تحفظ. والمومنون مسؤولون عن دفع الثمن مسؤولية جماعية تسمى في الفقه الجهادي للقرآن أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر. قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [1].
بيضاء واضحة والله! يَقتُلون ويُقتَلون. ووعد الله على الجزاء والوفاء مؤكد. لكن القتال عمل مشترك بين الناس. ففي كل ثورة قتال وإن قادها وشارك فيها كفار. وتختلف غايات الناس في القتال ودوافعهم. عدوان أو دفاع، انتقام أو طلب للغنيمة. كل ذلك قتال. وما يقدس قتال المومنين عدوهم إلا ارتباط القتال بعقيدة وغاية وبيعة. فيكون بمجموع هذا جهادا لا سفكا للدماء، جهادا لتكون كلمة الله هي العليا لا ثورة محرومين على مترفين. وكلمة الله ما جاء في أم الكتاب: إخراج الإنسان من كل عبودية أرضية، وهدايته بالدعوة لا بالسيف للعبودية لله عز وجل. فالسيف والجهاد وسيلتان. والفوز العظيم ليس الاستيلاء على السلطان لكن الجزاء الموفى في الآخرة.
يصف الله تبارك وتعالى المجاهدين المقاتلين الفائزين بصفات متدرجة يكون الجهاد نتيجة لها. فما كل مقاتلٍ مجاهدٌ في سبيل الله. الطريق هكذا: توبة، ثم عبادة، ثم حمد لله على نعمة الإسلام إذ تشعر بالتوبة والعبادة أيَّ رجلٍ صِرْتَ، ثم سياحةٌ وهي الصيام، ثم ركوع وسجود أي إقامة عماد الدين، ثم بعد ذلك فقط تتأهل لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبعدها تستحق أن تُسْتَأْمَنَ على حدود الله لتحفظها. تحفظها بماذا إذا كان العدوان محيطا بك كما كان محيطا بأصحاب بيعة العقبة وإخوانهم المهاجرين وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان؟ واضحة بيضاء! إما أن تقف عند "التائبون" أو في مرحلة تالية حتى ولو كنت مقيما للصلاة، وإما أن تدخل في عداد الفائزين الفوز العظيم بجهادك بالنفس والمال بلا تحفظ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحفظ حدود الله، لكيلا تنتهك في ميادين الحكم، والعبادة، والاقتصاد، وقسمة الأرزاق، ووحدة المسلمين، وقتال عدوهم، وحمل الرسالة، وتبليغها لمن حولك، ولمن يساكنك في دار الإسلام، ولمن هو اليوم في دار الدعوة، وللجن والإنس كافة.
بيضاء واضحة والله! ما الإسلام دين ثورة، ولا دين ديمقراطية، ولا دين قسمة، ولا دين تقدمية، ولا دين اشتراكية. إنه دين الله. وما كان من خير ومروءة وإنصاف وحكمة تقصده هذه الأسماء فهو مقصود للشريعة باعتبار إنصاف الإنسان، وتحريره، وتهييء المعيشة الكريمة له، وإشراكه في شؤون الدولة، وسائلَ لغاية سامية هي أن يعرف ربه. تنتهي الثورة بسقوط نظام مكروه ليحل محله نظام غيرُه. قد يموت قوم ويصعد قوم أسوأ منهم للإنسان أو أرأفُ به. لكن هل دخل في حساب الثورة مصير الإنسان الكلي، مصيره هنا في القسمة، ومصيره بعد الموت؟ تنتهي الديمقراطية بتوزيع أحسنَ للسلطان. لكن هل تعطي الديمقراطية معنى وغاية لحياة الإنسان وموته؟ وهل تكشف لُغْزَ وجوده؟
اضطراب في العالم، وقتال، وثورات، ودفاع، وخصام. هذا قدر الله. والإسلام وسطَ هذا كله دينُ الله، يبدو أهلُه جُزءاً من هذا العالم الصاخب، يغلِبون تارة ويُغلَبون تارة. يكونون قوة قاهرة عهدا، ويصبحون غثاءً وقصعةً للآكلين طورا آخر. وشَرْعُ الله يناديهم أن يجاهدوا لينصروا دين الله. ليس الله مغلوبا فيحتاج نصيرا. أستغفر الله. ليس دينه هينا عليه فيترك اليهود ينجسون بُقعة مقدسة.
إن الله عز وجل غالب على أمره. وإنما فرض الجهاد ليُخْفِي قدره تحت ستار شرعه. وفرض علينا القتال في سبيله -وهو القوي العزيز لا حول لنا إلا به- ليختَبر ويَبْتَلِيَ من ينفذ شرط الفوز العظيم فيرتب جزاء الآخرة على عملنا في الدنيا. ومن حكمته تعالى أن جعل قانون المدافعة بين الناس أصْلاً قدريا وفريضةً شرعية. تاريخ بشريّ ظاهر، ويد الله الخفية من وراء ذلك. والبيعة الإيمانية ناجزة الثمن مؤجلة البضاعة، ليهتدي للواضحة المتقون المومنون بالغيب.
[1] التوبة: 111-112
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس