عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-2011
  #38
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الرحمة والحكمة
في هذه الفقرة الأخيرة نريد أن نصطلح على مفتاح لغوي وفكري نسهل به التفاهم بيننا. ونرجع للقرآن والسنة للاستدلال والاستشهاد فما لنا مرجع سواهما. وقد رأينا أن لغة العصر رَمَت العربية الشريفة بدائها، فاختلطت المفاهيم. ورأينا أن غياب المعاني السماوية والقلبية والأخروية من كلام الناس غَيْرِنا أحدث بالعَدْوَى والتقليد والانطباعِ الغافلِ تفريغا لِلُغتنا من محتواها الإيماني الغيبـي.
المفتاح اللغوي الفكري الذي نقترحه هو أن نسمي رحمة كل معاني الغيب الربانية والقدرية والقلبية والملكوتية والأخروية. وأن نسمي حكمة ما تدركه الحواس ويعالجه العقل وتأمر به الشريعة. فالإيمان عندنا قول وعقيدة وعمل. كلمة عقيدة لا تؤدي المعنى الذي قصدناه بكلمة رحمة، وكلمتا عمل وقول لا تؤديان ما تدل عليه كلمة حكمة من تفكير، وتلق للشريعة، واستنباط لأحكامها، ثم تطبيق لأوامرها، والتماس أحسن السبل لذلك. فإن قلنا: الإيمان رحمة وحكمة، فعسى نستوعب في كلمة إيمان الجانب القلبي الغيبـي الغائب في لغة الجاهلية ومن والاها، والجانب الشرعي العقلي. في اصطلاح الماركسيين وفلسفتهم يتمثل البناء في أرض وسقف. فأرضهم الاقتصاد والصراع التاريخي، وما يمس الفكر والنفس البشرية من دين، وعلوم، وفنون، وفلسفة، ونظام، فهو بنية فوقية. أما البنية الإيمانية فأساسها الرحمة الإلهية التي خلقت الإنسان، وصورته، وأخرجته للدنيا، وخاطبته على لسان الرسل، وأماتته، وجازته، وزودته بدنيا فيها معاشه، وبدليل سماوي منزل من عند الله هو الشرع، وبعقل يطبق به الشرع على أعماله في اتخاذ الوسائل وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالرحمة الإلهية، ابتداء من وجود الله ووحدته وربوبيته وكونه مالك الملك واتصافه بالأسماء الحسنى، هي الأصل. والحكمة فرع، وهي أن يسمع العباد تنزيل ربهم فيستجيبوا بالسعي والجهاد ليفعلوا ما به أُمِرُوا على خير صورة يقدر عليها العقل والحيلة البشرية، وتسمح بها الشريعة، أو تندب إليها، أو تأمر بها.
ويلتئم البناء في سلوك المومن وسلوك جماعة المومنين. فالقلب أمير المملكة الإنسانية، هو وعاء لرحمة الله المتمثلة في التصديق، والحب، والسكينة، والرقة، والعزة بالله، والشوق إلى الله، وأخواتهن. والعقل آلة الحكمة إن ائتمر ونفذ. وما يسميه الماركسيون مثالية هو تعلق أحلام الفيلسوف بأهداف أخلاقية ينسى الحالم بها وجود الأرض، وصراعها، ومشقتها، وطبائع البشر في العُدوان والنهب، وعنادهم الشرير، وضرورة تكتل أصحاب المصالح ليحاربوا خصومهم. لا ينسى خطاب الله المومنين أن يذكرهم بأن الدنيا دار بلاء، ودفاع، ومناهضة للظلم والاستكبار. بل يجعل الجهاد هو الصورة العليا للإيمان المكتمل. بناؤهم مادي في أساسه، بشري نفسي هَوَسِيٌّ في سقفه. وبناء المومنين أركانه التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج. والجهاد ذروة السنام. بناؤنا تنزيل من حكيم حميد، مشدود إلى قلوب مِلْؤُها الرحمة، وعقول رائدُها الحكمةُ. بناؤُنا يربط الإنسان بالله عز وجل، وبناؤهم يؤول إلى علاقات اجتماعية يجب سحق الإنسان لتغييرها. رحمة الإسلام تُبقي، وتتحنَّنُ، وترفق. من موقف قوة. من موقف حكمة. من موقف المجاهد الصامد.


الدراسة للشيخ عبد السلام ياسين
مرشد جماعة العدل و الإحسان
و صاحب الإجتهاد في مسألة الفكر و الفقه و التفكير المنهاجي النبوي

و صورته هي التي تظهر في فهرس كل فصل
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	abd.jpg‏
المشاهدات:	201
الحجـــم:	7.6 كيلوبايت
الرقم:	2397  
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس