عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2009
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الانشاد والسماع

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


• الأدلة من القرآن الكريم:
لقد استدل القائلون بإباحة الغناء بكثير من الأدلة من القرآن الكريم منها:
قال الله تعالى ﴿يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير﴾( [1]).
وقال ابن كثير نقلا عن الإمام الزهري وابن جريج في قوله تعالى ﴿يزيد في الخلق ما يشاء﴾ يعني حسن الصوت ورواه عن الزهري البخاري في الأدب المفرد( [2]).
وقال القرطبي في تفسير الآية: إنه حسن الصوت كما ذكر ابن كثير عن الزهري( [3]).
والى هذا المعنى ذهب أكثر المفسرين كالنسفي واليضاوي والخازن وغيرهم ( [4]).
• الأدلة من السنة الشريفة:
عن سيدنا أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفره وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير» قال أبو قلابة : يعني ضعفة النساء)( [5]).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أيضا قال: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حاد يقال له أنجشة وكان حسن الصوت فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم (يا أنجش رويدك لا تكسر القوارير)( [6]).
قال قتادة : يعني ضعفة النساء.
وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: قال ابن بطال : القوارير كناية عن النساء اللاتي على الإبل التي تساق حينئذ فأمر عليه الصلاة والسلام الحادي بالرفق بالحداء لأنه حيث الإبل حتى تسرع فإذا أسرعت لم يؤمن على النساء السقوط وإذا مشت رويدا أمن على النساء السقوط... إلى أن قال: نقل ابن عبدالبر الاتفاق على إباحة الحداء وفي كلام بعض الحنابلة خلاف فيه ومن منعه محجوج بالأحاديث الصحيحة.
ويلتحق بالحداء هنا الحداء للحجيج المشتمل على التشوق إلى الحج يذكر الكعبة وغيرها من المشاهد ونظيره ما يحرض أهل الجهاد على القتال.
وعن سيدنا أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له : يا أبا موسى لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود( [7]).
وعن عامر بن سعد قال: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن أهل بدر يُفعل هذا عندكم؟! ... فقالا اجلس إن شئت فاستمع معنا وإن شئت فاذهب فإنه قد رخص لنا في اللهو عن العرس( [8]).
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم «يا عائشة ما كان معكم لهو؟» فإن الأنصار يعجبهم اللهو».
وفي رواية شريك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : «فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال تقول:
أتيناكم ... أتيناكم فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم
ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم( [9])
وعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها قالت : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث( [10]) فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإما قال: (تشتهين تنظرين؟) قلت نعم ، فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: (دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال: (حسبك؟) قلت: نعم، قال: (فأذهبي).
وفي رواية قالت: (دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت : وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا»( [11])).
وعن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: أنشدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مئة قافية من قول أمية بن أبي الصلت كل ذلك يقول (هيه هيه) ثم قال «إن كاد في شعره ليسلم»( [12]).
وعن سيدنا بريدة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى قال لها : «إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا» فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ﴾ «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف»( [13]).
وعن سيدنا قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ما بعث الله نبيا إلا حسن الصوت)( [14]).
وعن سيدنا فضالة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لله أ شد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة لقينته»( [15]).
وقالت سيدتنا عائشة رضي الله عنها (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتناشدون عنده الشعر وهو يبتسم)( [16]).
وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار صغار يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن:
نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «الله يعلم إني لأحبكن»( [17]).
عن عبدالله نب الزبير قال: (ما أعلم رجلا من المهاجرين إلا قد سمعته يترنم)( [18]).
وعن سيدنا أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وابن رواحة يمشي بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله
فقال عمر رضي الله عنه يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي حرم الله تقول شعرا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم خل عنه يا عمر فلهي أسرع فيهم من نضح النبل( [19]).
وعن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «إن من الشعر حكمة»( [20]).
وعن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
فأجابهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
لا عيش إلا عيش الآخرة فانصر الأنصار والمهاجره( [21])
وعن سيدنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع : ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلا شاعرا فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اقتضينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أتينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من هذا السائق) قالوا: عامر بن الأكوع قال (يرحمه الله ) الحديث( [22]).
وعن سعيد بن المسيب قال: مر عمر في المسجد وحسان ينشد فلحظه عمر (أي نظر إليه نظرة إنكار) ثم التفت أي حسان إلى أبي هريرة فقال: (أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول«أجب عني اللهم أيده بروح القدس ») قال نعم( [23]).
وعن سيدتنا عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »( [24]) وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشعر فقال: «هو الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام»( [25]).
• أقوال العلماء
1- الإمام السفاريني رحمه الله تعالى:
يقول العلامة السفاريني شارح منظومة الآداب: (وفي رواية أبي بكر بن الأنباري أن كعب بن زهير لما جاء تائبا وقال قصيدته المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
إلى أن وصل إلى قوله:
إن الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول
رمى صلى الله عليه وآله وسلم إليه بردة كانت عليه وأن معاوية بذل فيها عشرة آلاف فقال: ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدا فلما مات كعب بعث معاوية إلى ورثته بعشرين ألفا فأخذها منهم إلى أن قال: تحصل من إنشاد قصيدة كعب بن زهير رضي الله عنه البردة عدة سنن: إباحة إنشاء الشعر واستماعه في المسجد والإعطاء عليه( [26]).
وقال العلامة السفاريني في منظومة الآداب : (قال في الإقناع وغيره ويباح الحداء الذي تساق به الإبل ونشيد الأعراب).
وقال أيضا: (المذهب الإباحة من غير كراهية لما تضافرت به الأخبار وتضافرت به الآثار من إنشاد الأشعار والحداء في الأسفار وقد ذكر بعض العلماء الإجماع على إباحة الحداء)( [27]).
وقال أيضا في غذاء الألباب : والسماع مهيج لما في القلوب محرك لما فيها فلما كانت قلوب القوم معمرة بذكر الله تعالى صافية من كدر الشهوات محترقة بحب الله ليس فيها سواه كان الشوق والوجد والهيجان والقلق كامن في قلوبهم كمون النار في الزناد فلا تظهر إلا بمصادفة ما يشاكلها فمراد القوم فيما يسمعون إنما هو مصادف ما في قلوبهم فيستثيره بصدمة طروقه وقوة سلطانه فتعجز القلوب عن الثبوت عن اصطدامه فتبعث الجوارح بالحركات والصرخات والصعقات لثوران ما في القلوب لأن السماع يحدث في القلوب شيئا.
2- الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى:
ذكر الإمام الشاطبي في كتابه (الاعتصام) أن أبا الحسن القرافي الصوفي يروي عن الحسن البصري رحمه الله أن أقواما أتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا يا أمير المؤمنين إن لنا إماما إذا فرغ من صلاته تغنى فقال عمر رضي الله عنه من هو؟ فذكر الرجل فقال قوموا بنا إليه فإنا إن وجهنا إليه يظن أنا تجسسنا عليه امره . قال: فقام عمر رضي الله عنه مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتوا الرجل وهو في المسجد فلما نظر إلى عمر قام فاستقبله فقال يا أمير المؤمنين ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ إن كانت الحاجة لنا كنا الأحق بذلك منك أن نأتيك وإن كانت الحاجة لله فأحق من عظمناه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر: ويحك بلغني عنك أمر ساءني قال: وما هو يا أمير المؤمنين قال: أتتمجن في عبادتك؟ قال: لا يا أمير المؤمنين لكنها عظة أعظ بها نفسي قال عمر قلها فإن كان كلاما حسنا قلته معك وغن كان قبيحا نهيتك عنه فقال:
وفؤادي كلما عاتبته في مدى الهجران يبغي تعبي
لا أراه الدهر إلا لاهيا في تماديه فقد برح بي
يا قرين السوء يا هذا الصبا فني العمر كذا في اللعب
ما أرجي بعده إلا الفنا ضيق الشيب علي مطلبي
ويح نفسي لا أراها أبدا في جميل لا ولا في أدب
نفس لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي
فقال عمر رضي الله عنه :
نفس لا كنت ولا كان الهوى راقبي المولى وخافي وارهبي
ثم قال عمر رضي الله عنه : (على هذا فليغن من غنى)( [28]).
قال الإمام الشاطبي أيضا: والتطريب مد الصوت وتحسينه ففيها ان الشعر المغنى به قد اشتمل على أمرين:
1- ما فيه من الحكمة والموعظة وهذا مختص بالقلوب ففيها تعمل وبها تنفعل ومن هذه الجهة ينسب السماع إلى الأرواح.
2- ما فيه من النفحات المرتبة على النسب التلحينية وهو المؤثر في الطباع فيهيجها إلى ما يناسبها وهي الحركات على اختلافها فكل تأثير في القلب من جهة السماع تحصل عنه آثار السكون والخضوع فهو رقة وهو التواجد ولا شك أنه محمود وكل تأثير يحصل عنه ضد السكون فهو طرب لا رقة فيه ولا تواجد ولا هو عند شيوخ الصوفية محمود( [29]).
2- الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:
* وقال الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في بحثه عن الغناء:
اعلم أن السماع هو أول الأمر ويثمر السماع حالة في القلب تسمى الوجد ويثمر الوجد تحريك الأطراف إما بحركة غير موزونة فتسمى الاضطراب وإما موزونة فتسمى التصفيق أو الرقص.
والقول بأن السماع حرام معناه أن الله يعاقب عليه وهذا الأمر لا يعرف بمجرد العقل بل بالسمع ومعرفة الشرعيات محصورة في النص أو القياس إلى المنصوص ولم يستقم في هذا المجال نص ولا قياس وبهذا يبطل القول بتحريمه ويبقى فعلا لا حرج فيه كسائر المباحات بل إن هناك نصوصا تدل على إباحته فالغناء سماع صوت طيب مفهوم المعنى محرك للقلب وسماع الصوت الطيب بالنسبة لحاسة السمع كرؤية الخضرة والماء الجاري بالنسبة للعين فلا يحرم فإن أدى المنظر إلى الاطلاع على شيء حرام حرم النظر كالنظرة إلى العروة وكالنظر بشهوة وكذلك يحرم السماع إذا كان سماعا لشيء غير حلال أو أدى بطريق انحرف عن الحلال( [30]).
• الأصل في أقوال الإمام الغزالي:
منهج الإمام الغزالي في تحليل الغناء: يذكر الإمام الغزالي منهجه في تحليل الغناء بعد أن استعرض أقوال الفقهاء في حكم الغناء والمقصود سماع ماليس مجونا ولا فسادا، فمن الفقهاء من ذهب إلى تحريمه ومنهم من ذهب إلى كراهته ولكن الإمام الغزالي ينظر إلى الموضوع على أساس آخر ولا يوجد في الدين نص يحرم السماع ولا قياس على نص فيبقى النظر في السماع من حيث هو وهنا يأتي منهج الإمام الغزالي في تحليل الغناء إلى عناصره لمعرفتها وكل منها على حدته ثم النظر فيها مجتمعة فعند تحليل الغناء نجد أن فيه سماع:
1- صوت طيب ، وهذا هو الوصف الأعم وسماع الصوت الطيب من حيث إنه طيب حلال بالنص وهنا يذكر الإمام الغزالي بعض الأحاديث كغناء الجاريتين وهو حلال بالقياس لأنه تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصص بها كغيرها من الحواس وهذه فطرة مجبولة في الإنسان.
2- صوت طيب موزون والوزن شيء زائد على حسن الصوت فقد يكون الصوت حسنا غير موزون أو موزنا غير حسن ومن الأصوات الموزونة أصوات بعض ذات السجع من الطيور فهي مع طيبها موزونة متناسبة المطالع والمقاطع فلذلك يستلذ سماعها ومنها أصوات بعض الآلات الموسيقية فلا حرمة في ذلك إلا ما نهي عنه من آلات أهل المجون أو الشراب وما يؤدي إليه وهو أمر عارض( [31]).
3- كلام موزون مفهوم وهو الشعر وليس فيه من زيادة إلا كونه مفهوما والكلام المفهوم غير حرام والحق في ذلك ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله وهو أن الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح( [32]) وإذا كانت العناصر كل منها على حدة مباحة أيضا فإن الجملة مباحة أيضا إلا إذا تضمن المجموع محظورا لا تتضمنه الآحاد وليس هنا شيء محظور.
4- كون السماع محركا للقلب مهيجا لما هو الغالب عليه وهنا يطرح الإمام الغزالي مسألة هامة لم يهتم بها أحد قبله يقول : لله تعالى سر في مناسبة النغمات الموزونة للأرواح حتى إنها لتؤثر فيها تأثيرا عجيبا فمن الأصوات ما يفرح ومنها ما يحزن ومنا يا ينوم ومنا ما يضحك ويطرب ومنها ما يستخرج من الأعضاء حركات على وزنها باليد والرجل والرأس.
ويؤكد الإمام الغزالي إلى قيمة هذا الانفعال الإنساني امام الجمال فيقول: من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج وليس له علاج.
ومن ثم يشير الإمام إلى تأثير الغناء في صرف الطفل عما يبكيه والجمال ثقل ما تحمله ثم يزيد رأيه تأكيدا بقوله : إن تأثير السماع في القلب محسوس ومن لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال بعيد عن الروحانية زائد في غلظ الطبع وكثافته على الجمال والطيور بل على جميع البهائم فإنها جميعا تتأثر بالنغمات الموزونة( [33]) .
وإذا كان الأمر متعلقا بتأثير السماع في القلب الإنساني فإن الحكم في أمره بالإباحة أو التحريم لا يصح أن يكون مطلقا بل يراعى فيه اختلاف الأحوال والأشخاص وطرق الأنغام نفسها والغاية منها.
ثم بعد هذا يذكر الإمام الغزالي أن الترنم بالكلمات المسجعة الموزونة معتاد في مواضع لأغراض مخصوصة ترتبط بها آثار في القلب وهي ستة مواضع:
أ‌- غناء الحجيج لما فيه من الشوق إلى حج بيت الله وإذا كانت عناصر الغناء والألحان كثيرة متنوعة كان التأثير أبلغ( [34]).
ب‌- والغناء والألحان من وسائل تحريض الغزاة والمجاهدين إذا كان مع الألحان شعر يدعو إلى الشجاعة والتضحية ومن ذلك رجزيات التشجيع في أنواع المباريات وذلك إذا كان بلفظ رشيق وصوت طيب كان أوقع في النفس وكل ما في الأمر أن يكون القتال مشروعا وأن تكون الألحان نفسها عاملا على تقوية النفس لا على حل عقدة الشجاعة وإضعاف صرامتها( [35]).
جـ- أصوات النبياحة ونغماتها وتأثيرها في تهيج الحزن والبكاء وملازمة الكآبة وشريطة ذلك ألا تكون على ما فات ونفذ فيه قضاء الله وإنما تكون على ما فات من تقصير الإنسان وما فرط منه وتحريك هذا الحزن وتقويته محمود لأنه يبعث على التشمير للتدارك والمبدأ العام عند الإمام الغزالي أن المفضي إلى المحمود محمود.
ء- ولم ينس الإمام الغزالي حاجات النفس الإنسانية وما يصاحب شعورها بالسرور في أوقاته مثل أيام الأعياد والأعراس وقدوم الغائب وولادة مولود ونحو ذلك وهذه مناسبات يباح فيها السرور لذلك يقول : ووجه جوازه أن من الألحان ما يثير الفرح والسرور والطرب فكل ما جاز السرور به جاز إثارة السرور فيه ويدل على هذا من النقل إنشاد النساء على السطوح بالدف والألحان عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : طلع البدر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع.
والإمام الغزالي يدرك تماما الطبيعة البشرية فيقرر السماح بالتعبير المتنوع من السرور بالغناء بالشعر بالرقص والحركات في حدود آداب الدين( [36]) ويؤكد الإمام الغزالي صحة ما ذهب إليه بأدلة نقلية كحديث عائشة حينما كانت تنظر إلى الحبشة ولعبهم في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشجيع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بقوله: «دونكم يا بني أرفدة» وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة «تشتهين أن تنظري»( [37]) ثم قال «فهذه الأحاديث في الصحيحين وهي نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام)( [38]).
هـ- سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس فإن كان في مشاهدة المعشوق فالغرض تأكيد اللذة وإن كان في المفارقة فالغرض تهييج الشوق كل هذا يكون في عشق مباح.
والإمام الغزالي يقدر نفسية العاشق ويتفهما ويعرف ما يريح قلبه فيقول: إن الشوق وإن كان ألما فيه نوع لذة إذا أضيف إليه الوصال، فإن الرجاء لذيذ واليأس مؤلم وقوة لذة الرجاء بحسب قوة الشوق والحب للشيء المرجو فهذا السماع تهييج العشق وتحريك الشوق وتحصيل لذة الرجاء المقدر في الوصال مع الإطناب فيوصف حسن المحبوب وهذا حلال إن كان المشتاق إليه ممن يباح وصاله كمن يعشق زوجته فيقضي إلى غنائها لتضاعف لذته في لقائها فيحظى بالمشاهدة البصر وبالسماع الأذن ويفهم لطائف معاني الوصال والفراق القلب فتترادف أسباب اللذة فهذه أنواع تمتع من جملة مباحات الدنيا وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب . وهذا منه.( [39])
و‌- سماع من أحب الله تعالى واشتاق إلى لقاءه فصار لا ينظر إلى شيء إلا رأى آلاء الله فيه ولا يقرع سمعه قارع إلا سمعه منه فالسماع في حقه مؤكد لحبه مهيج لشوقه ومور زناد قلبه ومستخرج منه أحوالا من المكاشفات والملاحظات لا يحيط الوصف بها يعرفها من ذاقها وينكرها من كل حسه عن تذوقها وتسمى تلك الأحوال بلسان الصوفية وجدا مأخوذا من الوجد والمصادفة أي صادف من نفسه أحوالا لم يكن يصادفها قبل السماع ثم تكون تلك الأحوال أسباب لروادف وتوابع لها تحرق القلوب بنيرانها وتنقيه من الكدورات كما تنقي النار الجواهر المعروضة عليها من الخبث ثم يتبع الصفاء الحاصل به مشاهدات ومكاشفات هي غاية مطالب المحبين لله تعالى ونهاية ثمرة القربات كلها فالمضي اليها من جملة القربات لا من جملة المعاصي( [40]).
ومن هذا المنطلق يؤكد الإمام الغزالي رضي الله عنه من جديد إمكان محبة الإنسان لله تعالى لأنه مصدر الموجودات لها فيقول (ولا خير ولا جمال ولا محبوب في العالم إلا هو حسنة من حسناته وأثر من آثار كرمه بل كل حسن وجمال في العالم أدرك بالعقول والأبصار والأسماع وسائر الحواس فهو ذرة من خزائن قدرته ولمعة من أنوار حضرته)( [41]).
• وقال الغزالي والعز بن عبدالسلام من أئمتنا: إنه سنة إن حرك لحال سني مذكرا للآخرة.
وبه يعلم أن كل شعر فيه الأمر بالطاعة أو كان حكمة أو كان في مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من خصال البر كحث على طاعة أو سنة أو اجتناب معصية يكون من إنشائه وإنشاده وسماعه سنة كما صرح به غير واحد من أئمتنا وهو ظاهر إذ وسيلة الطاعة طاعة.
وقال الإمام الغزالي أيضا: (النصوص التي وردت في السماع والدف تدل على إباحة الغناء والرقص والضرب بالدف واللعب بالدرق والحراب والنظر إلى رقص الحبشة والزنوج في اوقات السرور كان قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور)( [42]).
3- الإمام السهروردي رحمه الله تعالى:
قال الإمام السهروردي : المنكر إما جاهل بالسنن والآثار وإما جاهل الطبع لا ذوق له وأشار بالسنن إلى ما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان له شعراء يصغي اليهم في المسجد وغيره منهم حسان بن ثابت وابن رواحة رضي الله عنهما واستنشد أمية بن الصلت واستمع إليه كما في مسلم( [43]).
4- الإمام العز بن عبدالسلام رحمه الله تعالى:
قال العز بن عبدالسلام : أما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية المذكر للأمور الأخروية فلا بأس به بل يندب عند الفتور وسآمة القلب ولا يحظر إلا لمن في قلبه هوى خبيث فإنه يحرك ما في القلب( [44]) .
وثم قال العز في تفسيره : وأما الأشعار والتشبيهات فمأذون بها وقد أنشد كعب رضي الله عنه عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانت سعاد القصيدة المشهورة فاستمعها ولم ينكر عليها شيئا وفيها الاستعارات والتشبيهات حتى شبه الريقة بالخمرة وكانت حرمت.
ولكن تحريمها لم يمنع عندهم طيبها بل تركوها مع الرغبة فيها والاستحسان بها وكان ذلك أعظم لأجرهم.
وذكر الروياني في البحر أن سعاد كانت زوجته وبنت عمه وأنه إنما أنشد فيها هذه القصيدة لطول غيبته عنها بهروبه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وحكي عن العز بن عبدالسلام رحمه الله ورضي عنه أنه كان يرقص في السماع( [45]).
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 12-26-2011 الساعة 08:52 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس