عرض مشاركة واحدة
قديم 08-13-2008
  #21
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

وخطط دروسه لكي تكون كتبا ينتفع بها الناس، فدرس أصول الفقه والتصوف، بهذه المدرسة الجديدة التي أسماها السلطة باسمه.. المدرسة الصالحية.. وحزن الناس لأن الشيخ ترك القضاء وما عرفوا في زمانهم قاضيا أكثر حسما وأعمق نظرا ولا أنهض منه للأمر، ولا أشد تقى وورعا وروعة من هذا الشيخ العز عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام!

وعبر عن ذلك شاعرهم الجزار:

لم يسره سوى ابن عبد العزيز(1)
سار عبد العزيز في الحكم سيرا

شامل للورى بلفظ وجيز
عممنا حكمه بعدل وسيط


لقد أراح الشيخ واستراح. ولكن حكمه على «الأستادار» قد وصم الرجل في مصر وسائر بلاد الإسلام. فقد جاء في كتاب «حسن المحاضرة» بعد الحديث عن حكم الشيخ في أمر الملهى، كما جاء في تاريخ إبن إياس وظن فخر الدين وغيره أن هذا الحكم لا يتأثر به في الخارج، فاتفق أن جهز السلطان رسولا من عنده الى الخليفة المستعصم ببغداد، فلما وصل الرسول الى الديوان، ووقف بين يدي الخليفة، وأدى الرسالة له، خرج إليه، وسأله:

– هل سمعت هذه الرسالة من السلطان؟

– فقال الخليفة لا. ولكن حملنيها عن السلطان فخر الدين بن شيخ الشيوخ استاداره.

– فقال الخليفة: إن المذكور أسقطه ابن عبد السلام، فنحن لا نقبل روايته.

فرجع الرسول الى السلطان حتى شافهه بالرسالة، ثم عاد الى بغداد، وأداها.

استقر الشيخ في داره، يؤلف الكتب، مستفيدا من كل ما مر به: ألف نحو أربعين كتابا في الفقه والتفسير وأصول الفقه والتصوف.. حصاد تجاربه وقراءاته وتأملاته وفتاويه.

على أن الشيخ لم يكد يسيطر على وقته وينظمه، ويستقر في داره ليكتب، حتى هاجمه جماعة من الأشياء ذات ليلة مظلمة فتسوروا عليه الحديقة، وتقدموا الى باب الدار يحاولون كسره، والشيخ مستغرق في عمله لا يشعر بهم..!

وهب أهل الدار من نومهم فزعين، خاف كل من ي الدار إلا الشيخ!

وحاول أحد أبنائه أن يخرج من باب خلفي فيستدعي العسس، ولكن الشيخ رفض وتقدم نحو الباب الذي حاول اللصوص اقتحامه، فتأخروا الى الحديقة، وتقدم هو إليهم قائلا: «أهلا بضيوفنا».

وعلى ضوء النجوم تبين الشيخ أنهم جمعة من الفتاك ممن كان يستأجرهم بعض أمراء المماليك للفتك بأعدائهم!! وتعرف على رئيسهم، وتذكر أنه وثيق الصلة بأمير كان يصرخ ويبكي ويتوعد الشيخ عندما نادى على الأمراء في المزاد!.. وكانت تفلت من الأمير حركات أنثوية!

وكان هذا الفاتك يدلف الى الأمير ويهون عليه.. فأبديا من آيات المودة والتعاطف المريب ما أثار سخرية الذين شهدوا المزاد!!.

مثل أمامه هذا الفحل الفاتك فيما بعد متهما في نهب المتجر، وشهد الأمير له زورا، وأثنى عليه في رقة.. فحكم الشيخ عز الدين على الأمير بغرامة لشهادة الزور، وبمبلغ من المال تعويضا للتاجر المعتدى عليه، وحكم على الناهب بالسجن. غير أن الشرطة لم تسجنه وزعمت أنه فر الى جبل في صعيد مصر!

إن الشيخ يعرف أن هذا الأمير، وغيره يتخذون من بعض السوقة ضعاف العقول أشداء الأجسام، عصابات يؤدبون بها من يرفض لهم طلبا، فإذا سقط أحدهم فهو مصري اعتدى على مصري ولا شأن للأمراء المماليك بالأمر كله!

وطلب الشيخ عز الدين عشاء لضيوفه، فالضيف ينبغي أن يكرم في أي وقت جاء. وذهل رجال العصابة..! ثم أخذ يعظهم، حتى ألقوا تحت قدميه ما أخفوه وراء العباءات من أسلحة. وفاض الدم من أحدهم فاعترف من خلال الدمع أن الأمير المخنث الشرس حرضهم على قتل الشيخ ونهب بيته ووعدهم بأموال طائلة، وقد أقسم ألا يبقي الشيخ على وجه الأرض، بعد أن نادى الأمراء المماليك في المزاد العلني وهم ملوك الأرض كما ينادى على الجواري والعبيد!! " اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس