عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2008
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

تنبيهات: الأول: أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر، وقد تقدم الأمران في كلام القاضي أبي بكر بن العربي، لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض، وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره، وقد تقدم عن الشيخ عبد الله الدلاصي فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني أخذة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأشار بقوله أخذه إلى هذه الحالة.

الثاني: هل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلّم بجسمه وروحه أو لمثاله؟

الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فقال: ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه بل مثالاً له صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه قال: والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق، قال: ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره، ويكون ذلك المثال حقاً في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي: رأيت الله في المنام لا يعني أني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره انتهى.

وفصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال: رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال ـ وهذا الذي قاله في غاية الحسن ـ ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلّم ـ وسائر الأنبياء ـ أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي، وقد ألف البيهقي جزءاً في حياة الأنبياء، وقال في دلائل النبوة: الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء؛ وقال في كتاب الإعتقاد: الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء،

وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي: قال المتكلمون المحققون من أصحابنا: أن نبينا صلى الله عليه وسلّم حي بعد وفاته وأنه يبشر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم، وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته، وقال: إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئاً، وقد مات موسى في زمانه فأخبر نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه رآه في قبره مصلياً، وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة ورأى آدم وإبراهيم، وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا صلى الله عليه وسلّم قد صار حياً بعد وفاته وهو على نبوته انتهى،

وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلاً عن شيخه: الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى، وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلّم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائماً يصلي في قبره، وأخبر صلى الله عليه وسلّم أنه يرد السلام على كل من يسلم عليه إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياءً وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياءً ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامته انتهى." اهـ 7







"وأخرج أبو يعلى في مسند، والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور». وروى سفيان في الثوري الجامع قال: قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى يرفع.


قال البيهقي: فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى، وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب قال: ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوماً ـ وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز [الكوفي] شيخ صالح.


وأخرج ابن حبان في تاريخه، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً». وقال إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح: روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ـ زاد إمام الحرمين ـ وروي أكثر من يومين، وذكر أبو الحسن بن الزاغوني الحنبلي في بعض كتبه حديثاً أن الله لا يترك نبياً في قبره أكثر من نصف يوم." اهـ 8




"وقال الإمام بدر الدين بن الصاحب في تذكرته ـ فصل ـ في حياته صلى الله عليه وسلّم بعد موته في البرزخ وقد دل على ذلك تصريح الشارع وإيماؤه ومن القرآن قوله تعالى: {ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} فهذه الحالة وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة لآحاد الأمة من الشهداء وحالهم أعلى وأفضل ممن لم تكن له هذه الرتبة لا سيما في البرزخ، ولا تكون رتبة أحد من الأمة أعلى من رتبة النبي صلى الله عليه وسلّم بل إنما حصل لهم هذه الرتبة بتزكيته وتبعيته، وأيضاً فإنما استحقوا هذه الرتبة بالشهادة والشهادة حاصلة للنبي صلى الله عليه وسلّم على أتم الوجوه ـ وقال عليه السلام: «مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره» وهذا صريح في إثبات الحياة لموسى فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائماً، ومثل هذا لا يوصف به الروح وإنما وصف به الجسد، وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا، فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيصه بالقبر، فإن أحداً لم يقل أن أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد وأرواح الشهداء أو المؤمنين في الجنة.


وفي حديث ابن عباس: «سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال: أي واد هذا؟ فقالوا: وادي الأزرق، فقال: كأني أنظر إلى موسى واضعاً أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية ماراً بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية قال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف ماراً بهذا الوادي ملبياً». سئل هنا كيف ذكر حجهم وتلبيتهم وهم أموات وهم في الأخرى وليست دار عمل؟ وأجيب بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا بما استطاعوا، وأنهم وإن كانوا في الأخرى فإنهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها واعتقبتها الأخرى التي هي دار الجزاء انقطع العمل ـ هذا لفظ القاضي عياض ـ فإذا كان القاضي عياض يقول إنهم يحجون بأجسادهم ويفارقون قبورهم فكيف يستنكر مفارقة النبي صلى الله عليه وسلّم لقبره؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلّم إذا كان حاجاً وإذا كان مصلياً فجسده في السماء وليس مدفوناً في القبر انتهى.


فحصل من مجموع هذه النقول والأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم حي بجسده وروحه، وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء، وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم، فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال." اهـ






"الثالث: سئل بعضهم كيف يراه الراؤون المتعددون في أقطار متباعدة؟ فأنشدهم:


كالشمس في كبد السماء وضوؤها *** يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا




وفي مناقب الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عن بعض تلامذته قال: حججت فلما كنت في الطواف رأيت الشيخ تاج الدين في الطواف فنويت أن أسلم عليه إذا فرغ من طوافه، فلما فرغ من الطواف جئت فلم أره ثم رأيته في عرفة كذلك وفي سائر المشاهد كذلك، فلما رجعت إلى القاهرة سألت عن الشيخ فقيل لي طيب فقلت: هل سافر؟ قالوا: لا، فجئت إلى الشيخ وسلمت عليه فقال لي: من رأيت؟ فقلت يا سيدي رأيتك فقال: يا فلان الرجل الكبير يملأ الكون لو دعى القطب من حجر لأجاب فإذا كان القطب يملأ الكون فسيد المرسلين صلى الله عليه وسلّم من باب أولى، وقد تقدم عن الشيخ أبي العباس الطنجي أنه قال: وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

الرابع: قال قائل: يلزم على هذا أن تثبت الصحبة لمن رآه. والجواب: أن ذلك ليس بلازم، أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح لأن الصحبة إنما تثبت برؤية ذاته الشريفة جسداً وروحاً. وإن قلنا المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه وهو في عالم الملك وهذه رؤية وهو في عالم الملكوت، وهذه الرؤية لا تثبت صحبته، ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه ولم تثبت الصحبة للجميع لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تفيد صحبته." اهـ9

_________________
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس