دور المنظمات غير الحكومية في الضفة وغزة بين ترهل التنظيمات التاريخية والتوجس من الولاء للخارج
دور المنظمات غير الحكومية في الضفة وغزة بين ترهل التنظيمات التاريخية والتوجس من الولاء للخارج
2012-01-23 01:27:01
في فلسطين، تكاد لا تمر من أحد أزقة المخيمات، والطرق في القرى والمدن إلا وتشاهد الملصقات واليافطات المعنونة من المنظمات غير الحكومية المسجلة في الأراضي الفلسطينية، وفي غالبها تتحدث عن الشباب الفلسطيني وتنميته والمرأة وحقوقها في المساواة، هذا بالإضافة للمؤتمرات والمخيمات والكتيبات التي تنظم وتنشر بشكل متواصل وفي معظمها تدعو للتغيير!، حتى أخذت تتسع "كبقعة الزيت" في المجتمع الفلسطيني، مما أثار حفيظة التنظيمات الفلسطينية وأصوات أخرى،غدت تطلق العبارات التوجسية، والتشكيكية بالدور الذي تلعبه هذه المنظمات، والأهداف الخفية التي تسعى لتحقيقها، حتى أن بعض التنظيمات دعت إلى مقاطعتها.
ما بين هذا الجانب وذاك يقف المواطن الفلسطيني وخصوصا فئة الشباب في حيارة ما بين تنظيمات تاريخية أخفقت في تحقيق حلمها بالتحرر والإستقلال، ومؤسسات تعمل تحت شعار التنمية والتطوير لكنها لم تحدث تغيرات جوهرية يمكن ذكرها، مما أدى إلى تصاعد وتيرة الجدل حولها.
قوى ناعمة تغير المجتمع
من جانبها تصف النائب في المجلس التشريعي الدكتورة نجاة أبو بكر التضخم الهائل في عدد منظمات المجتمع المدني خلال سنوات قليلة، إنما يعبر عن كارثة ملامحها تحويل الشارع الفلسطيني من النضال إلى الفئوية لصالح أصحاب المشاريع التي لا تعبر عن احتياجات، وهوية المجتمع الفلسطيني.
وتقول النائب أبو بكر أن الإنقسام الفلسطيني غيب دور المجلس التشريعي في إقرار القوانين أو الرقابة على هذه المنظمات كغيرها فالأموال التي حصلت عليها تفوق بسبع مرات ما وصل للسلطة الوطنية الفلسطينية، ولو تم توظيفها في صحراء لأصبحت سنغفورة جديدة، وتتابع بالقول إن هذه الأموال تذهب في أمور تافهة كالمطاعم والمواصلات وحفلات الترفيه وحجز الفنادق، وهذا يتطلب الإسراع في إنهاء حالة الإنقسام وإعادة الحياة لمؤسسات النظام السياسي .
وتؤكد الدكتورة نجاة أبو بكر على أن هذه المنظمات تسعى لأن تكون البديل عن التنظيمات الفلسطينية، وتقرر وتضع الاولويات حسب مصالحها ،وتخضع في ذلك للإرادة الخارجية، وخلق نظام سياسي جديد يتماهى مع المشروع الإستعماري من خلال قوى ناعمة وعناوين براقة، مشيرة لعدم وجود دور للتنظيمات لأن المنظمات غير الحكومية استطاعت غزو التنيظمات وسيطرت عليها حتى النخاع من خلال تمويلها عدد كبير من المشاريع في داخل هذه التنظيمات السياسية الفلسطينية.
يشار إلى أن عدد المنظمات غير الحكومية وصلت إلى 3800 مؤسسة خلال فترة وجيزة، بمعدل منظمة لكل 1000 مواطن فلسطيني حسب جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.
التنظيمات غيبت نفسها
يفرق بدر زماعرة، المدير التنفيذي لمنتدى "شارك" (وهو من أكبر المنظمات غير الحكومية الفاعلة في الأراضي الفلسطينية )، بين المؤسسات التي تمثل جنين مشوه وتخرج عن الإطار القانوني والمهام المناطة بالمنظمات غير الحكومية وأصبحت أشبه بشركات مقاولات، وبين تلك التي تلتزم بها وفاعلة في دورها الرقابي على تطبيق القانون، وإثارة قضايا حقوق الإنسان، ومتابعة التشريعات، ومناقشة السياسات الإقتصادية للحكومة.
ويقول زماعرة أنه بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى اليوم جرى تحول كبير بحيث تم تسهيل وتسريع تأسيس وترخيص لهذه المنظمات، مما ادى الى تولد فكرة جديدة غير صحيحة شوهت الدور، وتم خلق حراك مجتمعي جعلها تبدو وكأنها تقدم الخدمات التي على الحكومة تقديمها في قطاعات مثل الزراعة والصحة والبنية التحتية.
ويرى زماعرة أن التنظيمات غيبت نفسها من خلال غياب الدور التنموي في مختلف القطاعات، ولا تلبي تطلعات المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته، معتبرا عدم قدرة هذه التنظيمات على تحقيق المصالحة نموذجا لإخفاقها.
ويعتبر زماعرة أن التنظيمات تعيش في أزمات داخلية، وتحاول ترحيلها لأطراف أخرى، كإشكالية التمويل، وعدم قدرتها على دمج الشباب وتفعيل مشاركة الشباب في صنع القرار، مشيرا إلى أن المنظمات غير الحكومية هي أحد تلك الأطراف التي ترحل عليها الأزمات.
ويعتقد المدير التنفيذي لمنتدى شارك أن هناك مبالغة ومغالاة في التصريحات التي تتحدث عن خلق نظام جديد خاضع للإراداة الخارجية، مبينا أن الساحة الفلسطينية مفتوحة للجميع، وبحال كان مشروع المؤسسات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني ليس هو المطلوب، فلتقوم التنظيمات والجهات الأخرى بقيادة المرحلة والمجتمع وتلبية لتطلعاته.
ويستشد زماعرة بإستطلاع رأي أجراه المنتدى الذي يديره ويتحدث عن عدم ثقة 52% من الشباب الفلسطيني بأي فصيل فلسطيني موجود على الساحة، وكافة قيادات الفصائل تقر بهذا الأمر بصيغ مختلفة.
من الجدير ذكره أن عددا من إستطلاعات الرأي أشارت للنتيجة ذاتها التي تناولها الإستطلاع المذكور أعلاه فهناك 45% من الفلسطينيين لا يثقون بأي تنظيم سياسي او ديني على الساحة الفلسطينية حسب الشرق الأدنى للدراسات.
بديلا عن التنظيمات
هذه الإستطلاعات وغيرها يشكك بها سكرتير حركة الشبيبة الفتحاوية في الضفة الغربية حسن فرج مبينا أنها تعكس أجندات المانحين ولا تمت للواقع بصلة، مستدركا بالقول "نعم، هناك خيبة أمل لدى الشباب وخاصة بعد الإنقسام وتداعياته على الثقافة الوطنية، وترسيخ شعور عدم وجود برنامج ومشروع وطني تلتلف حوله الجماهير، لكن هذه الأرقام مضخمة".
ويبين فرج أن هناك مقاييس ومؤشرات عديدة كإنتخابات الجامعات فالكتل الطلابية التابعة للتنظيمات التاريخية مازالت في المقدمة.
ويعتقد حسن فرج أن مثل هذه المنظمات تسعى لطرح نفسها كبديل للفصائل الفلسطينية وتوجه الشارع الفلسطيني نحو مشاريع وبرامج ليست هي الأولوية رغم أهميتها، والحل يكمن بتعزيز روح الوطن والقضية في نفوس الشباب.
تحول في مركز الثقل
من جانبه يعتقد مدير مركز العالم العربي للبحوث والتنمية "أوراد" الدكتور نادر سعيد أنه بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، جرى إستبدال لمراكز الثقل في المجتمع الفلسطيني، تمثل بالتحول من التنظيمات، والحركات الشعبية، وأذرعها التطوعية والأهلية المعتمدة على " رأس المال الإجتماعي الفلسطيني "، وحل المشكلات التي تواجههم من خلال المصادر المتوافرة حولهم، والتضامن، والتشبيك، والقدرة العالية على التنظيم، إلى الإستثمار في بناء مؤسسة مهنية للسلطة الوطنية الفلسطينية حديثة النشأة وضرورة تشكيل مجتمع مدني.
ويؤكد سعيد أن نزوع التنظيمات الفلسطينية بعد تأسيس السلطة للإنخراط في مؤسساتها، وتسوية أمورها القانونية، إضافة للإحتياج التمويلي جعلها أقرب لتمثيل أجندة الحكم على حساب قدرتها على تمثيل فئات المجتمع المختلفة.
ويرى الدكتور نادر أن الطاقات الفلسطينية يتم توجيهها من خلال المنظمات غير الحكومية نحو الأقلمة بمعنى أقلمة الطاقات ووضعها بقوالب ليبرالية وسطية تبدو فعالة، لكن بواقع الأمر هي وسيلة لإحتواء قدرة الشباب على التغيير الجوهري لصالح التغيير الثانوي بما لا يؤثر في البنية، وتحول من التوجه الوطني المجتمعي لأكثر ذاتية ونفعية .
ويضيف سعيد: ترسخ في السابق مفهوم العمل التطوعي بين فئات المجتمع وخاصة الشباب التي قامت بحملات تطوعية تعبر عن روح الصمود والتجاوز، وتلبي احتياجات المجتمع اليومية ، بعيدا عن التمويل من الدول المانحة كما هو حاصل الأن بحيث تغيرت ثقافة التضامن والتكافل من جوهرها التطوعي إلى أعمال مدفوعة الأجر وممولة .
ويشير مدير مركز "أوراد" أن غالبية المؤسسات غير الحكومية لا تملك القدرة على تحريك، وحشد الجماهير كالتنظيمات حتى الآن لأسباب تتعلق بعدم إمتلاكها للشرعية النضالية والثورية التي إمتلكتها الفصائل.
ويبقى الجدل مستمرا حول الأهداف " المشبوهة" للمنظمات غير الحكومية حسب وصف البعض، والهادفة لتغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وثقافته النضالية لتصبح بيئة خصبة للمفاهيم والمصالح الإستعمارية من جهة، وتضاؤل ثقة الجماهير بالتنظيمات السياسية وغيابها عن الساحة، وعدم قدرتها على مواجهة تحديات جدية تواجه فئات المجتمع المختلفة من جهة أخرى، بإنتظار ضربة قاضية تحسم إنتصار فريق على آخر أو أن يسود العقل، ويتجهون نحو حوار جدي ينجد الفلسطينيين من أحد الأنفاق المظلمة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات