الجـــزر الفــراتيــــة... كنــوز بيئيـــة تحافــظ على التنـــوع الحيوي
صبـاح الخير ســورية
محمد جاسم الحميدي
تسمى الجزرالفراتية في اللهجة الرقية: الحوائج ، واحدتها الحويجة ، وفي عامية ديرالزور الحويقة وهي الأرض التي تحيط بها الماء من كل جهة والكلمة فصيحة .
تعد تلك الجزر النهرية الغابات الطبيعية الوحيدة في محافظتي الرقة ودير الزور وتبلغ مساحتها في محافظة الرقة فقط نحو 2614،5 هكتاراً وتمتد هذه الجزر على مسافة 150 كم تقريباً ضمن النهر وعلى جانبيه ويبلغ عددها نحو خمسين جزيرة وشبه جزيرة بمساحات مختلفة وهي غابات من أشجار الغرب الحور الفراتي والصفصاف الأبيض والطرفاء والعوسج البري ونبات السوس وثلاثة أنواع من نباتات الزل منها البردي بالإ ضافة إلى النجيل والعاقول والباذنجان البري .
محميات بيئية
بعد إنشاء سد الفرات زادت مساحة الحوايج بسبب انحسار مياه النهر واتصال بعضها باليابسة وقد سهل ذلك الدخول إليها ، كما ساهم في تدهورها السريع ذلك أن الأهالي يحرقونها أو يقطعونها ويستغلون الأرض في الزراعة أو البناء وهذا حال الكثير من الجزر الطرفية فمنذ انحسار المياه كثرت الحوايج الطرفية التي وقعت عليها اعتداءات كثيرة قضت على العديد منها فيما ظلت الجزر الوسطية أكثر قدرة على المقاومة إلا أن الأمر الذي كان حاسماً في حماية الجزر وسطية وطرفية هو اعتبارها محميات بيئية إذ بهذه العملية تمت حماية النبات والحيوان وأنشئت مخافر حراجية لأغراض الحماية والجدير بالذكر أن أهم مزايا هذه الجزر أن تكاثرها غزير جداً حتى أن الجور الذي يلحق بها يمكن أن تستدركه بسرعة كبيرة بسبب الماء وكذلك الحال حين تتعرض للحريق إذ سرعان ماتعوض الأشجار المحروقة .
وتأتي أهمية الجزر من كونها تحافظ على المخزون الوراثي للأشجار والنباتات التي ذكرناها كما تؤمن المأوى الطبيعي لحيوانات المنطقة وطيورها أو ماتبقى منها .
لقد فقدت تلك الجزر الكثير من حيواناتها التي ذكرها الرحالة الأجانب الذين مروا في المنطقة أو الأهالي سابقاً ومن الحيوانات المنقرضة : الأسد الفراتي ،والخنزير البري والنمر الفراتي .... ولكنها ماتزال غنية بالطيور المهاجرة أوالمستوطنة وبالعديد من الحيوانات البرية والمائية ومنها الذئاب وبنات آوى والثعالب والأرنب والغرير والسلاحف والقط البري ويطلق هذا الاسم على: الشيب ،النمر الفراتي ،القط البري .
جولة في الجزر
الساحل البحري المحدود لوطننا والجزيرة الوحيدة فيه جعلت بحرنا الداخلي الممثل ببحيرة الأسد ضرورة حياتية وسياحية كما جعلت جزرنا الفراتية بديلاً عن تلك الجزر البحرية التي لا وجود لها وتعد بحيرة الأسد من كبرى البحيرات الاصطناعية في العالم ويبلغ طولها 80 كم وطول محيطها 200 كم ومتوسط عرضها 8 كم وطاقتها التخزينية نحو 14 مليار م3 وهي بحجمها وتنوعها وغناها واتساعها ثروة مائية غاية في الأهمية سواء في ري الأراضي أو في تنمية الثروة السمكية أوخلق البيئة السياحية الاصطيافية المتنوعة التي لاتنعش المنطقة وحدها وإنما الوطن كله .
يبلغ عدد الجزر نحو خمسين جزيرة كثيراً ماتظهر على شكل تجمعات متجاورة ، وقد بدأنا رحلتنا المائية الساعة السادسة مساء لنتمكن من التقاط الصور المناسبة وانطلق بنا زورق الحراج من شرق سد البعث لتواجهنا شرقاً أولاً حويجة السلحبية وهي جزيرة وسطية تقابلها حويجة البارودة وهي طرفية ثم تليها حويجة العلي ومنها 3 آلاف دونم مؤجرة وإلى جانبها حويجة الأسد والحرية أو المطيورة وحويجة هلالة وحويجة أبو قبيع وحويجة الخاتونية ثم يظهر تجمع آخر للحوايج يضم حويجة السحل والخاتونية الثانية ثم حويجة زهرة والمحوكية وهما جزيرتان وسطيتان ....
وتحكى عن حويجة زهرة أسطورة عشق وهي أن فتاة اسمها زهرة عشقت فتى من القرية ولكي يفرقوا بينهما قتلوا زهرة في الحويجة فسميت الحويجة باسمها وقيل بل كانت الحويجة مكان لقائهم فسميت باسمها .
لقد نزلنا في بعض الجزر وتمتعنا بالماء والخضرة والغروب الجميل ووصلنا الساعة التاسعة مساء إلى جسر الرقة الجديد الرشيد فترجلنا من الزورق واتفقنا على مواصلة الرحلة غداً .
تابعنا جولتنا في اليوم التالي الساعة العاشرة صباحا من العكيرشي التي تقع على بعد عشرين كم شرق الرقة وفي موقع العكيرشي ثلاث حوايج هي: حويجة العكيرشي الأولى والعكيرشي الثانية والهجانة ثم تأتي حويجة لكسون وهي جزيرة واحدة كبيرة متعددة الخلجان وجزيرة الرحبي وهي وسطية وقع فيها حريق سببه أن بذار النبات يتحول إلى ما يشبه القطن المندوف فيصبح سريع الاشتعال ومع أن الحريق شمل منطقة واسعة إلا أنهم قالوا إنها ستجدد نفسها في السنة التالية ثم تليها حويجة الكرامة وتكثر فيها طيور الورور والسنونو والعصافير الدورية إذ تجد أعشاش هذه الطيور في الأجراف الرملية العالية حول النهر وهي تنتشر على شكل مستعمرات بمئات الأعشاش وعلى ضفافها الجنوبية يتقدم نبات البردي على نبات الزل علما أن نبات البردي ينبت في الأطراف الساكنة مياهها.
تليها حويجة الرتبة وهي واسعة وأكثرها من أشجار الغرب تليها مباشرة حويجة السبخة يشقها خليج إلى قسمين وأكثر أشجارها من الحور الفراتي تليها مجموعة حوايج الشريدة الشرقية (طرفية) والشريدة الغربية (وسطية) وجزيرة جهنم وقد سميت بهذا الاسم للأهوال التي تواجهك فيها سابقا إذ كانت تضم حيوانات مفترسة كالأسود والذئاب والضباع وغيرها وقد بدا الزل فيها على شكل شلال ولم تلبث أن حلقت بيننا وبينها طيور البلشون البيضاء التي عاكست تيار النهر والهواء فكانت الطيور تبدو لنا وكأنها لا تتحرك في السماء إنما تحلق في مكانها..!
تشق هذه الجزر خلجان متعددة فتبدو الجزر كأنها جدران من الأشجار الخضراء المتقابلة وحين نسير في زورقنا بين الخلجان نظن أننا في غابات لا حدود لها تملأ الطيور المغردة السماء برفوف متعددة وبأصوات متباينة.
وتنتشر أعشاش الطيور في رؤوس الأشجار على شكل مغزلي إلا الورور والسنونو فإنها تقيم مستعمرات أعشاشها في الأجراف الطينية الرملية للنهر.
**
ملاذ للطيور المهاجرة والمستوطنة
البلشون الأبيض، والبلشون الرمادي، والبلشون الصغير، واليمام ، والدرغل، والمطوق، والحمام البري، والحدأ، اليوم يعيش على أطرافها، الغرة، البط، أنواع متعددة من البلابل، الغطاس الأسود، ويقال له في عامية الفرات( الشرشوحة)، والشرشوحة طائر فراتي يتعب بسرعة، لذلك يصطاده أطفال الفرات بكثرة، حين يطاردونه دون توقف حتى لا يرتاح... ! غراب الماء، سنونو، أبو الزعر: وهو طائر صغير من طيور الفرات، تكثر الأمثال الشعبية التي تتناوله حتى أصبح أسطورة، فهو يخيف شجر الغرب، فيقال: تهزهزي يا غربة جاك أبو الزعر، كذلك يقاس عليه، فيقال: فلان مؤخرته كمؤخرة أبو الزعر، ولكنه يبيض بيض النعام، أبو الحن، والنورس، والورور(الخضرة محلياً) دجاج الماء، العقعق أسود فضي، وحين يخلو وحيداً فوق نهر الفرات يحلق، وينسى أنه طائر مذموم، بل يرى نفسه سلطاناً للنهر، وهو يحلق فوقه وجناحاه ثابتان،،! ، القنبر ، الصعوة محلياً، النورس
حرصت الحراج في السنوات الأخيرة منذ أعلن أن الجزر ستتحول إلى محميات بيئية، على إقامة مراقب لحراستها، والاهتمام بها وترقيع بعض مواقعها التي فقدت نباتها أو أشجارها أو إعطائه فرصة للعودة بفضل منع الاحتطاب الجائر والرعي الجائر لها، كذلك تحاول الحراج المحافظة على هذا الإرث النباتي الطبيعي حيث لم تكن هناك أي دراسات لبيان مميزات هذه الغابات.
إن الجزر الفراتية ومحمية الثورة البيئية مع ضفاف البحيرة المشجرة هي مشاريع هدفها الاول حماية البيئة الفراتية، وإذا كان كل مشروع قد أقيم منفرداً، إلا أنها حسب الهدف، وحسب المنطقة هي مشاريع متكاملة ومتضافرة لتشكل مشروعاً واحداً يمكن أن نسميه مشروع الأمل لحماية البيئة الفراتية، وكلها خط حماية بيئي يقي هذا الخزان الاستراتيجي (بحيرة الأسد ونهر الفرات) من التلوث، ويكون بدوره خزاناً استرتيجياً للتنوع البيئي الحيوي في المنطقة.
**
الأسماك والسلاحف
تتنوع أسماك الفرات كثيرا ومنها الكرب والبوري والمشط البحري والمشط النهري والسللور والبني والكرسين والسردين والرومي والخشاني والعاروسي والمليس وأبو الشنب وأبو الزنير وتتعرض أسماك النهر للصيد الجائر المستمر وتكثر السلاحف في الفرات، ومنها الرفش: وهي السلحفاة الأكبرحجماً في الفرات، وتعيش في الأماكن الهادئة، ويزعمون أن من يأكل من لحمها يصاب بالجنون.
**
الغابــات الطبيعيـة الوحيدة في محافظة الرقة