اول من رفع علم العروبة
(( ملاحظة هامة : كافة المعلومات الواردة في التحقيق هي من قبل السيد تحسين الفراتي ابن الشاعر الكبير )).
حكاية تسميته بالفراتي :
هو محمد ابن عطالله ابن سعدون ابن عبود ، الذي ولد في دير الزورعام 1880 ، وحيد أهله ، وعندما أصبح طالباً في الصف الثاني الابتدائي ،استغل العطلة الصيفية ليدرس الصفين الثالث والرابع والخامس وذلك لشدة نبوغه، الذي كان يسبق عمره ،كان علي الزعيم ( والد حسني وصلاح الزعيم ) صديق لوالده في مدينة حلب ، حيث بعث ابنه الفراتي إلى حلب ليتلقى علمه على يد علي الزعيم ، وكانت آنذاك الحرب العالمية الأولى، وبقي في حلب لمدة سنتين ، إلا أنه وجد العلم الذي يتلقاه ضعيفاً ، لايوازي طموحه ، فآثر الذهاب إلى الأزهر ( حيث الحرب قائمة بين الطليان وليبيا ) وحينها كان الثوار الإيرانيون يمرون من حلب ، وعندما رآهم الفراتي انضم إليهم وسافر معهم باتجاه مصر ، عن طريق البر إلى طرابلس ، بدون علم علي الزعيم .
وفد إلى مصر من الإسكندرية إلى القاهرة مشياً على الأقدام ، وعندما وصل إلى الأزهر طالباً العلم فيه ، قابل مديره ، سأله الأخير من أين أنت ، فقال له أنا من بلاد الشام ، ( اسمها آنذاك ) ، فسأله ومن أين بالتحديد ، أجابه من أرض الفرات ، فسجله محمد الفراتي .
الفراتي أول من رفع علم العروبة
دخل الأزهر وهو في الصف العاشر ، كان الطلاب ينامون بعد صلاة العشاء ، فيذهب الفراتي مستنيراً بضوء فانوس الشارع ، ليكمل دراسته ، ويبقى حتى صلاة الصبح ، وبعدها ينام لساعتين ، ليستيقظ عند ساعة الإفطار ليتابع دراسته ، وكان يدرس بالإضافة إلى العلوم الدينية اللغات التركية ، والفارسية ، والانكليزية ، والفرنسية.
وعند إنهائه للدراسة أطلق الشريف حسين رصاصته الأولى ضد الأتراك ، والتحق الفراتي بالشريف حسين من مصر ، إلى الحجاز ، وكان رفيقه من طلاب الأزهر الشاميين ( رضى بيك الركابي ) من دمشق .
كلف الشريف حسين ابنه فيصل بفتح بلاد الشام ، وطلب من فيصل أن يكون معه رفيقين ، الفراتي والركابي ، كان الركابي على يمين فيصل ، والفراتي على يساره ، وكلفه بالإفتاء ، وحين وصلوا إلى العقبة ألقى أولى قصائده ( في فتح العقبة ) بعنوان ومنها :
أقسمت بالبيت العتيق وذمة العرب
الكرام وفالق الأصباح
إنا سنفتحها بهمة فيصل
شبل الحسين الأبلج الوضاح
فأتاهم (طرد) من الشريف حسين ففتحه فيصل ، فوجد علم العروبة فيه - علم البعث وفلسطين حالياً – فقال فيصل للفراتي ارفع علم العروبة ، وكان بذلك أول من رفع علم العروبة على الصارية .
الفراتي يرفض منصب رئيس الوزراء :
دخل فيصل وحشوده دمشق ، وألقى الفراتي قصيدته فتح دمشق ومنها :
صدقت ظنها بك الأيام
ياإمام الهدى ونعم الإمام
يابن بنت النبي لازلت للإسلام
غيثاً تحيا بك الإسلام
قُد لعمري بيمنك الدين والدينا
استقامت وزالت الآثام
فكلف فيصل الفراتي بتشكيل أول وزارة في سورية، فرفض الفراتي ، وطلب من الأمير فيصل أن يقوم رضى بيك الركابي بهذه المهمة بدلاً منه ، كونه ابن دمشق ، ويعرف شخصياتها , وكان للفراتي ماطلب ، فرجع الفراتي إلى دير الزور ، وكانت الثانوية آنذاك هي الصف التاسع ، فأصبح مديراً للثانوية ،التي دخلت في طور جديد على يديه ، بأن أنشأ فيها الصف العاشر ، واحتلت سورية آنذاك من قبل فرنسا ، وهرب فيصل إلى بغداد بعد حكمه لسورية مدة سنة ونصف ، سميت هذه الفترة بالحكم الفيصلي ، وأسند إلى الفراتي في هذه الفترة مهمة ( مفتشا لمدارس الابتدائية ) إضافة لمهمته كمديرٍ للثانوية، وبعد فترة أسندوا له مهمة محاسباً في البلدية ، وكان الفراتي يشغل المناصب الثلاثة وعمره لا يتجاوز ( 32 ) عاماً .
طلاب الفراتي تتجاوز أعمارهم الخمسين عاماً
عندما ترك الفراتي دير الزور وعاد إليها وجد شخصيات بالدولة وتجار كبار لايعرفون القراءة والكتابة فطلبوا منه أن يعلمهم كي ينقذهم من الأمية وكان يصل عدد طلابه الذين تجاوزوا الخمسين أكثر من \30 \ طالباً .
كان الفراتي معادياً لفرنسا وكانت ثورة الخامس والعشرين فمزق الفراتي علم فرنسا أمام المندوب الفرنسي فطوق الفرنسيون بيت الفراتي بالسنغال فرأت الجارة بأن الجنود يطوقون البيت فأسرعت لتخبر زوجة الفراتي التي بدورها حذرت الفراتي فهرب - عن طريق سطح الجيران الملاصق لبيته - إلى العراق إلى الملك فيصل سنة 1925م
كان استقبال فيصل للفراتي استقبالاً عظيماً وكان شعراء فيصل آنذاك جميل صدقي الزهاوي وأحمد الرصافي
نزل الفراتي في بيت رئيس وزراء العراق أحمد الشاوي وبعد ذلك منح قصراً لإقامته خلال فترة وجوده في العراق فأرسل وراء عائلته ليلحقوا به وكان يحمل في قلبه حنينه لدير الزور الذي رافقه طوال فترة وجوده في العراق فكان كلما كتب قصيدة عن دير الزور يلقيها أمام جمهوره في العراق بكل أسى وحب وحنين مثيراً بذلك أدمع المستمعين وكان ينتظر لحظة إعفاء الفرنسيين عنه ليعود إلى وطنه
الفراتي زعيم لثورة 1936م
صدر حكماً من الفرنسيين بالعفو عن الفراتي الذي أثلج قلبه ، وشد رحاله إلى دير الزور فطلب أحمد الشاوي رئيس الوزراء من الفراتي البقاء في العراق والتمتع بعطايا فيصل إلا أن الفراتي آثر حجرة من حجار دير الزور على قصور بغداد كلها
عاد الفراتي إلى دير الزور على أساس أن الفرنسيين قد عفوا عنه فبقي بلا وظيفة ولا أصدقاء فكانت المباحث تعتقل كل من كان يسلم عليه أو يكلمه من بعيد أو قريب
بدأت زوجة الفراتي ببيع هدايا الملك فيصل الثمينة لأكثر من خمس سنوات وذلك بسبب الفقر وكون الفراتي لم يرضخ للفرنسيين الذين رفضوا بدورهم تعيين الفراتي بأي وظيفة وكانت ثورة 1936 التي قادها الفراتي والذي اعتقل على إثرها هو وكبار شخصيات دير الزور , وعندما أراد الفرنسيون إطلاق سراحه رفض الخروج من المعتقل وحده وأقسم أنه لن يخرج من السجن طالما في السجن معتقل سياسي واحد
وبعد هذه الثورة عين الفرنسيون الفراتي مدّرساً للإبتدائي بشرط ألّا يدرس إلا الصف الأول والثاني والثالث فقط كي لايؤثر بوطنيته على الطلاب الكبار ويحرك فيهم مشاعر الحرية
حج محمد العايش معاتباً الفراتي
بعد جلاء الفرنسيين من سورية في نيسان عام 1946 زار فخامة رئيس الجمهورية السورية دولة الرئيس شكري القوتلي ومعه حج محمد العايش وزير الدولة آنذاك، فألقى قصيدة بمناسبة هذه الزيارة قال فيها : أشكري وأنت اليوم رجائها فلا خيب المأمول فيك مخيب لأن غاب عنها فيصل وهو رداؤها فأنت لها من بعد فيصلها أب فكانت قصيدة رائعة جداً إلا أن شكري القوتلي غضب من الفراتي عندما أكمل:
مدحتك لا أرجوك جاها ومنصبا ,br> ولي فوق هام النجم جاه ومنصب
لأن الفراتي وضع نفسه فوق هام النجم تاركاً بقية الناس على الأرض فأرسل شكري القوتلي حج محمد العايش للفراتي معاتباَ فقال العايش للفراتي أن القوتلي قد وهبه قصراً في المزة وسيارة لولا هذا البيت من الشعر فقال الفراتي للعايش بأن القوتلي لم يدرك معنى البيت الحقيقي فأنا مدحت القوتلي لأنه يستحق المدح وليس لأني أطمع في ثروة أو عطية من عطاياه , وعندما جاءت زيادة الرواتب للمعلمين من شكري القوتلي لم يشمل الفراتي بهذه الزيادة وبقي أستاذاً للإبتدائي
نقلا عن جريدة ازورا الفرات
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات