جامع الحاج موسى الأميري.. وقصة الشعرة النبوية فيه
نضال يوسف
الاثنين 19 تموز 2010
مدينة "حلب" هي من أغنى المدن العربية والإسلامية من حيث وجود الجوامع فيها والتي تعود إلى مختلف العهود الإسلامية، حيث تركت كل دولة بصمتها الخاصة والمميزة في تلك الجوامع والتي ما زالت شامخة إلى اليوم، ومن الدول التي حكمت "حلب" الدولة العثمانية التي خلفت العديد من الأبنية الدينية والعلمية، ومن هذه الأبنية "جامع الحاج موسى الأميري".
حول هذا أوصاف هذا الجامع وتاريخه يقول الدكتور "محمود حريتاني"- المدير السابق لآثار ومتاحف سورية الشمالية: «إن الكتابة المنقوشة على مدخله تؤرخ لبنائه وهو العام 1763-1764 ميلادية و1177 هجرية ويدعى هذا الجامع أيضاً "جامع الخير" ويغطي المحضر الذي يقوم عليه البناء 800 متر مربع تقريباً منها حوالي 200 متر مربع باحة و110 أمتار مربعة قاعة الصلاة فضلاً عن ملحقات هامة.
تبرز أهمية قاعة الصلاة في هذا الجامع لكونها تمثل عمارة متآلفة بين العمارة الحلبية وعناصر عثمانية، يتقدم قاعة الصلاة رواق على أعمدة بتقاليد محلية ومساهمة عثمانية وحسب التقاليد المحلية فإن قاعة الصلاة مربعة يعلوها قبة ذات رقبة من اثني عشر ضلعاً ممتدة إلى الشرق والغرب بفراغات على شكل إيوان وبسقف ذي قبة متقاطعة فيها ثلاثة نوافذ تطل على الشارع غرباً وأربعة نوافذ مفتوحة على الباحة في الشمال موزعة على طرفي باب القبلية».
وحول ميزات العمارة في الجامع يقول "حريتاني": «هناك ميزتان واضحتان في هذه العمارة الأولى ارتفاع واضح أكثر من المعتاد في الجوامع الحلبية بالمخطط نفسه وهذا يعطي انطباعا عن الفراغ المشابه الذي نراه في الجوامع التي بنيت في الفترة العثمانية ذات المخطط المربع، والثانية تطور بعض التفاصيل في زخرفة الروكوكو أو المتأثر بالعمارة الكلاسيكية الغربية التي جاءتنا من استانبول حيث إن هذا النموذج من الزخرفة كان شائعاً آنذاك خاصة بعد غياب أكثر عناصر الزخرفة المحلية التقليدية وتلك العلامة الأولى أو بين العلامات التي ظهرت في اتخاذ زخرفة معمارية ذات تقاليد مختلفة جاءت من الغرب ولم تنتشر إلا في نهاية القرن التاسع عشر».
ويختم "حريتاني
المحراب
بالقول: «المئذنة الأسطوانية والمضلعة في "جامع الحاج موسى الأميري" هي ذات طراز عثماني، كما أن هذا الجامع يعكس بعضاً من الطموح والغنى والقوة التي تبقى خاصة بشخص "حاج موسى الأميري"».
أما الباحث الأثري المهندس "عبد الله حجار" فيقول عن الجامع: «يقع "جامع الحاج موسى الأميري" في "سويقة علي" وقد بناه في العام 1176 هجرية 1763 ميلادية الحاج "موسى آغا ابن الحاج حسن جلبي بن أحمد أمير بن محمد البصري الشهير بالأميري" أو أمير زادة المتوفى في العام 1177 هجرية 1764 ميلادية، وسماه جامع الخير ويتميز بمئذنته الجميلة والعالية المستديرة على النمط العثماني.
ومن وقفيات هذا الجامع خانان قريبان منه هما الخان الكبير والخان الأعوج ويقعان إلى الشمال الغربي منه في السوق القريب ومن وقفياته كذلك "حمام الواساني" الشهير الذي كان يضم جرناً أسودا يقال إن "إبراهيم الخليل" اغتسل فيه وقد هدم الحمام لتعريض الشارع الواصل بين الجامع الأموي وقلعة حلب».
وفي المصادر التاريخية، يقول المؤرخ الحلبي الشهير "محمد راغب الطباخ" في الجزء السابع من كتابه /أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء/ ما يلي حول الجامع: «موقعه في المحلة المعروفة بسويقة علي بجوار مدرسة النارنجية التي كانت قديماً محكمة للشافعية، تم إنشاؤه سنة 1176 هجرية ونقش فوق بابه ثلاثة أبيات مصراعها الأخير: "أرخ جامعاً أوتيت سؤالك يا موسى 1176"، وكتب فوق منبره ثلاثة أبيات أيضاً الأخيرة منها: "وبالكلام القديم أرخ / قد جاء أن الصلاة تنهى 1176"، وهناك لوح من الخشب معلق في جدار القبلية كتب فيه ثلاثة أبيات الأخير منها: "لذلك موسى بالتقى شاد أرخوا /
كتابة الإنشاء على باب الجامع
أساس بناء وهو للخير جامع".
وقبليته حسنة البناء طولها 25 وعرضها 17 ذراعاً مع الجدران وأمامها رواق كان ضيقاً وسع سنة 1312 هجرية وله صحن واسع طوله 37 وعرضه 26 ذراعاً مع الجدران وكان في وسط هذا الصحن حوض كبير وراءه مصطبة تحت رواق ووراء المصطبة ثلاث حجر يقطنها بعض الخدم أحياناً، وفي سنة 1342 هجرية أزيل هذا الحوض واتخذت تلك الحجر قسطلاً كبيراً ورفعت المصطبة واتخذ موضعها مصلى وصار الناس يتوضؤون من الحنفيات.
فوق الرواق الشمالي والحجرة التي بجانبه حجرة هي مكتب يؤدب الأطفال، بعض المشايخ يتناول راتبه من هذا الوقف وقد بنى من قبل الواقف لهذه الغاية وشرقي الصحن خمس حجر للمدرس والطلاب والخدم، له منارة مرتفعة مستديرة الشكل».
ويختم "الطباخ": «في سنة 1328 هجرية كان الناظر على هذا الوقف "بهاء بك الأميري" في دار السلطنة العثمانية استانبول بمناسبة انتخابه عضوا في مجلس المبعوثين ولما انتهت مدة المجلس وعزم "بهاء بك" على العودة إلى وطنه صدرت الإدارة السنية أن يعين له وقت للمثول بين يدي حضرة السلطان "محمد رشاد" وفي الوقت المعين توجه إلى سراي بشكيك طاش وهناك استقبل من قبل رجال البلاط الملوكي استقبالا حسنا ثم أدخل على حضرة السلطان فلقي منه كامل الحفاوة وأحسن الاستقبال، ودار بينهما بعض الشؤون المتعلقة بعمران حلب ومن جملتها سكة حديد بغداد ومرورها بجانب حلب، ثم قال له عندي من الآثار النبوية شعرتان من شعر النبي /ص/ موضوعتان في حقين من ذهب واحدة استبقيتها لنفسي والأخرى أهديتها لك فشكره على إنعامه الجزيل.
ولما اتصل
من داخل الجامع
خبر هذا الإنعام بالأهلين هنا بادر وفد لاستقبال بهاء بك المومأ إليه إلى بيروت ووفد إلى "حمص" ووفد إلى "حماه" ويوم وصوله إلى "حلب"* خرج الألوف من الأهلين لاستقباله وكان يوماً مشهوداً، ووضعت الشعرة النبوية في خزانة نجرت تنجيراً حسناً في قبلية الجامع عن يمين المنبر قبل حضورها داخل صندوق من الحديد وهي الآن فيه تخرج للتقبيل أيام المواسم وأخذ رسم هذه الخزانة بالمصور الشمسي وحين عودة "بهاء بك" إلى الآستانة زار حضرة السلطان وقدم له الرسم فاظهر ارتياحه وامتنانه.
* كان ذلك في يوم الأربعاء الموافق السادس من رجب 1328هجرية.