وقعة الحرة - تاريخ الاسلام للذهبي
تاريخ الاسلام للذهبي
قصة الحرة قال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا يقولون: وفد إلى يزيد عبد الله بن حنظلة بن الغسيل الأوسي المدني، وله صحبة، وفد في ثمانية بنين له، فأعطاه يزيد مائة ألف، وأعطى لكل ابن عشرة آلاف، سوى كسوتهم، فلما رجع إلى المدينة قالوا: ما وراءك? قال: أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم، قالوا: إنه قد أكرمك وأعطاك، قال: نعم وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوى به عليه، ثم حض الناس فبايعوه.
وقال خليفة بن خياط: قال أبو اليقظان: دعوا إلى الرضا والشورى وأمروا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة، وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأخرجوا من بالمدينة من بني أمية.
وقال غيره: خلعوا يزيد، فأرسل إليهم جيشاً عليه مسلم بن عقبة، وأرسل أهل المدينة إلى مياه الطريق، فصبوا في كل ماء زق قطران وغوروه، فأرسل الله السماء عليهم، فما استقوا بدلو.
وجاء من غير وجه أن يزيد لما بلغه وثوب أهل المدينة بعامله وأهل بيته، ونفيهم، جهز لحربهم مسلم بن عقبة المري، وهو شيخ، وكانت به النوطة، وجهز معه جيشاً كثيفاً، فكلم يزيد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في أهل المدينة، وكان عنده، وقال: إنما تقتل بهم نفسك، فقال: أجل أقتل بهم نفسي وأشقى، ولك عندي واحدة، آمر مسلماً أن يتخذ المدينة طريقاً، فإن هم لم ينصبوا له الحرب، وتركوه يمضي إلى ابن الزبير فيقاتله، وإن منعوه وحاربوه قاتلهم، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له وأنهبها ثلاثاً، ثم يمضي إلى ابن الزبير. فكتب عبد الله بن جعفر إلى أهل المدينة أن لا تعرضوا لجيشه، فورد مسلم بن عقبة، فمنعوه ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، وسار إلى الزبير، فمات بالمشلل، وعهد إلى حصين بن نمير في أول سنة أربع وستين.
وروى محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم قال: دخل عبد الله بن مطيع ليالي الحرة على ابن عمر، فقال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من نزع يداً من طاعة لم يكن له حجة يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية ".
وقال المدائني: توجه مسلم بن عقبة إلى المدينة في اثني عشر ألف رجل، ويقال في اثني عشر ألف فارس، وخمسة عشر راجل، ونادى منادي يزيد: سيروا على أخذ أعطياتكم، ومعونة أربعين ديناراً لكل رجل.
وقال النعمان بن بشير ليزيد: وجهني أكفك، قال: لا، ليس لهم إلا هذا، والله لا أقبلهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك، أتقبل ذلك منهم? قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، يا مسلم إذا دخلت المدينة ولم تصد عنها، وسمعوا وأطاعوا فلا تعرضن لأحد، وامض إلى الملحد ابن الزبير، وإن صدوك عن المدينة فادعهم ثلاثة أيام، فإن لم يجيبوا فاستعن بالله وقاتلهم، فستجدهم أول النهار مرضى، وآخره صبراً، سيوفهم أبطحية، فإذا ظهرت عليهم، فإن كان بنو أمية قد قتل منهم أحد فجرد السيف واقتل المقبل والمدبر، وأجهز على الجريح وانهبها ثلاثاً، واستوص بعلي بن الحسين، وشاور حصين بن نمير، وإن حدث بك حدث، فوله الجيش.
وقال جرير بن حازم، عن الحسن، أنه ذكر الحرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، ولقد قتل ابنا زينب بنت أم سلمة، فأتيت بهما فوضعتهما بين يديها، فقالت: والله إن المصيبة علي فيكما لعظيمة، وهي في هذا - وأشارت إلى أحدهما - أعظم منها في هذا - وأشارت إلى الآخر -، لأن هذا بسط يده، وأما هذا فقعد في بيته، فدخل عليه فقتل، فأنا أرجو به.
وقال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً، وافتض فيها ألف عذراء.
قال يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". رواه مسلم بن أبي مريم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء عن السائب، وخالفهم موسى بن عقبة، عن عطاء فقال: عن عبادة بن الصامت، والأول أصح.
وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا من أهل المدينة يتحدثون قالوا: خرج أهل المدينة يوم الحرة بجموع كبيرة، وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام كرهوا قتالهم، فأمر مسلم بن عقبة بسريره، فوضع بين الصفين، ثم أمر مناديه: قاتلوا عني، أو دعوا، فشد الناس في قتالهم، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة، فانهزم الناس، وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوماً، فنبهه ابنه، فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقدمهم واحداً بعد واحد، حتى أتى على آخرهم، ثم كسر جفر سيفه، فقاتل حتى قتل.
وقال وهيب بن خالد: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: قيل لعبد الله ابن زيد يوم الحرة: ها ذاك ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع عليه أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح.
وقال الواقدي: أنا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان، أنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه، وثنا سعيد بن محمد بن عمرو بن يحيى، عن عبادة بن تميم، كل قد حدثني، قالوا: لما وثب أهل الحرة، وأخرجوا بني أمية عن المدينة، واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة، وبايعهم على الموت قال: يا قوم اتقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخل ويدع الصلاة، قال: فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد على أن يشرب، يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر، وما رؤي رافعاً رأسه إلى السماء إخباتاً، فلما قرب القوم خطب عبد الله بن حنظلة أصحابه، وحرضهم على القتال، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال: اللهم إنا بك واثقون، فصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً حتى كثرهم أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، وابن حنظلة يمشي بها في عصابة من الناس أصحابه، فقال لمولى له: إحم لي ظهري حتى أصلي الظهر، فلما صلى قال له مولاه: ما بقي أحد، فعلام نقيم? ولواؤه قائم ما حوله إلا خمسة، فقال: ويحك، إنما خرجنا على أن نموت، قال: وأهل المدينة كالنعام الشرود، وأهل الشام يقتلون فيهم، فلما هزم الناس طرح الدرع، وقاتلهم حاسراً حتى قتلوه، فوقف عليه مروان وهو ماد إصبعه السبابة، فقال: أما والله لئن نصبتها ميتاً لطالما نصبتها حياً.
وقال مبارك بن فضالة، عن أبي هارون العبدي قال: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية، فقلت تعبث بلحيتك! فقال: لا، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي زمن الحرة فأخذوا ما في البيت، ثم دخلت علي طائفة، فلم يجدوا في البيت شيئاً، فأسفوا وقالوا: أضجعوا الشيخ، فأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخذ من لحيتي خصلة.
عن بعضهم قالوا: ودخلوا المدينة ونهبوا وأفسدوا، واستحلوا الحرمة.
قال خليفة: فجميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال، ثم سرد أسماءهم في ست أوراق، قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة.
الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر، أنه سأله عن يوم الحرة: هل خرج فيها أحد من بني عبد المطلب? قال: لا، لزموا بيوتهم، فلما قدم مسرف وقتل الناس، سأل عن أبي، أحاضر هو? قالوا: نعم، قال: ما لي لا أراه! فبلغ ذلك أبي فجاءه ومعه ابنا محمد ابن الحنفية، فرحب بهم، وأوسع لأبي على سريره وقال: كيف كنت? إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيراً، فقال: وصل الله تعالى أمير المؤمنين، ثم سأله عن عبد الله والحسين ابني محمد، فقال: هما ابنا عمي، فرحب بهما.
قلت: فمن أصيب يومئذ: أميرهم عبد الله بن حنظلة، وبنوه، وعبد الله ابن زيد بن عاصم الأنصاري الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعقل بن سنان الأشجعي، حامل لواء قومه يوم الفتح، وواسع بن حبان الأنصاري، مختلف في صحبته، وكثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أحد من نسخ المصاحف التي سيرها عثمان، رضي الله عنه، إلى الأمصار، وأبوه أفلح، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، ومحمد بن أبي حذيفة، قتلا مع معقل الأشجعي صبراً.
وممن قتل يومئذ: سعد، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، وسليط، وعبد الرحمن، وعبد الله بنو زيد بن ثابت لصلبه. قاله محمد بن سعد.
وممن قتل يوم الحرة: إبراهيم بن نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد القرشي العدوي.
قال ابن سعد: كان ابن النحام أحد الرؤوس يوم الحرة، وقتل يومئذ، وكان زوج رقية ابنة عمر بن الخطاب.
وقتل يوم الحرة أيضاً محمد بن أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن أبي قتادة، ويزيد، ووهب ابنا عبد الله بن زمعة، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وأبو حكيمة معاذ بن الحارث الأنصاري القاريء، الذي أقامه عمر يصلي بالناس التراويح، وقد روى عن أبي بكر وعمر، وروى عنه سعيد المقبري، ونافع مولى ابن عمر.
ومنهم عمران بن أبي أنيس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، والفضل ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس.
قال عوانة بن الحكم: أتى مسلم بن عقبة بين يدي عبد الله بن زمعة ابن الأسود الأسدي فقال: بايع على كتاب الله وسنة نبيه، فامتنع، فأمر به مسلم فقتل.
وقال: دخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة، على أنهم خول ليزيد، يحكم في أهلهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أتي بابن عبد الله بن زمعة، وكان صديقاً ليزيد وصفياً له، فقال: بل أبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي، فقال: إضربا عنقه، فوثب مروان بن الحكم فضمه إليه، فقال مسلم: والله لا أقتله أبداً، وقال: إن تنحى مروان، وإلا فاقتلوهما معاً، فتركه مروان، فضربت عنقه.
وقتل أيضاً صبراً أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله.
وجاء أن معقل بن سنان، ومحمد بن أبي الجهم كانا في قصر العرصة، فأنزلهما مسلم بالأمان، ثم قتلهما، وقال لمحمد: أنت الوافد على أمير المؤمنين، فوصلك وأحسن جائزتك، ثم تشهد عليه بالشرب.
وقيل: بل قال له: تبايع أمير المؤمنين على أنك عبد قن، إن شاء أعتقك، وإن شاء استرقك، قال: بل أبايع على أني ابن عم لئيم، فقال: إضربوا عنقه.
وروي عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبعمائة.
قلت: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين وإخوته وآله، وشرب يزيد الخمر، وارتكب أشياء منكرة، بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، فخرج عليه أبو بلال مرداس بن أدية الحنظلي.
قال ثابت البناني: فوجه عبيد الله بن زياد جيشاً لحربه، فيهم عبد الله ابن رباح الأنصاري، فقتله أبو بلال.
وقال غيره: وجه عبيد الله بن زياد أيضاً عباد بن أخضر في أربعة آلاف، فقاتلوا أبا بلال في سواد ميسان، ثم قتل عباد غيلة.
وقال يونس بن عبيد: خرج أبو بلال أحد بني ربيعة بن حنظلة في أربعين رجلاً، فلم يقاتل أحداً، لم يعرض للسبيل، ولا سأل، حتى نفذ زادهم ونفقاتهم، حتى صاروا يسألون، فبعث عبيد الله لقتالهم جيشاً، عليهم عبد الله بن حصن الثعلبي، فهزموا أصحابه، ثم بعث عليهم عباد بن أخضر، فقتلهم أجمعين.
وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد قال: خرج أبو بلال من البصرة في أربعين رجلاً، فلم يقاتلوا، فحدثني من كان في قافلة قال: جاءونا يقودون خيولهم، فتكلم أبو بلال فقال: قد رأيتم ما كان يؤتى إلينا، ولعلنا لو صبرنا لكان خيراً لنا، وقد أصابتنا خصاصة، فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين، قال: فجاءه التجار بالبدر، فوضعوها بين يديه، فقال: لا، إلا درهمين لكل رجل، فلعلنا لا نأكلها حتى نقتل، فأخذ ثمانين درهماً لهم، قال: فسار إليهم جند فقتلوهم.
وقال عوف الأعرابي: كان أبو بلال صديقاً لأبي العالية، فلما بلغ أبا العالية خروجه، أتاه فكلمه فما نفع.
وقال ابن عيينة: كان أبو بلال يلبس سلاحه في الليل، ويركب فرسه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول:
إني وزنت الذي يبقى لأعدلـه ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
خوف الأله وتقوى الله أخرجني ويبيع نفسي بما ليست له ثمنا
وخرج نافع بن الأزرق في آخر خلافة يزيد، فاعترض الناس، فانتدب له أهل البصرة مع مسلم بن عبيس العبشمي القرشي، فقتلا كلاهما.
قال معاوية بن قرة: خرجت مع أبي في جيش ابن عبيس، فلقيناهم بدولاب، فقتل منا خمسة أمراء.
وقال غيره: قتل في الوقعة قرة بن إياس المزني وأبو معاوية، وله صحبة ورواية.
وقال أبو اليقطان: قتل ربيعة السليطي مسلم بن عبيس فارس أهل البصرة، ولما قتل ابن الأزرق رأست الخوارج عليهم عبد الله بن ماحوز، فسار بهم إلى المدائن.
ولما قتل مسعود المعني غلبوا على الأهواز وجبوا المال، وأتتهم الأمداد من اليمامة والبحرين، وخرج طواف بن المعلى السدوسي في نفر من العرب، فخرج في يوم عيد، فحكم أبي قال: لا حكم إلا عند قصر أوس، فرماه الناس بالحجارة، وقاتله ابن زياد ثلاثة أيام، قتل وتمزق جمعه.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات