سترة المصلي
تعريف سترة المصلي:
هي ما يجعله المصلي أمامه لمنع المرور بين يديه.
2- حكم السترة:
هي سنة مشروعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، ولْيَدْن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر، فليقاتله، فإنه شيطان" رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي.
وليست واجبة باتفاق الفقهاء، لأن الأمر باتخاذها للندب، إذ لا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وليست شرطاً في الصلاة، ولعدم التزام السلف اتخاذها، ولو كان واجباً لالتزموه، ولأن الإثم على المار أمام المصلي، ولو كانت واجبة لأثم المصلي، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء" رواه البخاري.
3- حكمتها:
منع المرور أمام المصلي بين يديه، مما يقطع خشوعه، وتمكين المصلي من حصر تفكيره في الصلاة، وعدم استرساله في النظر إلى الأشياء، وكف بصره عما وراء سترته لئلا يفوت خشوعه.
4- آراء الفقهاء في السترة:
للفقهاء رأيان في اتخاذها مطلقاً أو في حالة خشية مرور أحد: فقال المالكية والحنفية : السترة في الفرض أو النفل مندوبة للإمام والمنفرد إن خشيا مرور أحد بين يديهما في محل سجودهما فقط، وأما المأموم فسترة الإمام سترة له، لأنه عليه السلام صلى ببطحاء مكة إلى عَنَزة(1)، ولم يكن للقوم سترة. ولا بأس بترك السترة إذا أمن المصلي المرور، ولم يواجه الطريق. فالمستحب لمن صلى بالصحراء أن ينصب بين يديه عوداً أو يضع شيئاً، ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط، لأن المقصود وهو الحيلولة بينه وبين المار لا يحصل به.
وقال الشافعية والحنابلة: يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة، سواء أكان في مسجد أم بيت، فيصلي إلى حائط أو سارية (عمود)، أم في فضاء، فيصلي إلى شيء شاخص بين يديه كعصا مغروزة أو حربة، أو عرض البعير أو رحله عند الحنابلة، فإن لم يجد خطَّ خطاً قبالته، أو بسط مصلَّى كسجادة كما ذكر الشافعية.
ودليلهم حديث أبي جحيفة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له العَنَزة، فتقدم وصلى الظهر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والكلب، لا يمنع" متفق عليه، وحديث طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مُؤَخَّرة الرحل، فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك" رواه مسلم.
وسترة الإمام سترة لمن خلفه بالاتفاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة، ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى، كما ذكر في رأي المالكية والحنفية.
وفي حديث عن ابن عباس قال: "أقبلت راكباً على حمار أتان، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض أهل الصف، فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر علي أحد" متفق عليه.
وذكر الحنابلة: أنه لا بأس أن يصلى بمكة إلى غير سترة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ذكر أحمد - "أنه صلى ثَمَّ، ليس بينه وبين الطواف سترة" أي كأن مكة مخصوصة.
5- صفة السترة وقدرها:
للفقهاء آراء متقاربة في ذلك فقال الحنفية: أدنى السترة طول ذراع (46.20سم) فصاعداً وغلظ أصبع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جعلت بين يديك مثل مؤخرة الرحل، فلا يضرك من مر بين يديك" رواه مسلم، وقدرت العنزة التي كان يصلي إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الصحراء بذراع طولاً. ويعتبر الغرز دون الإلقاء والخط كما بينا. ويجوز عندهم الاستتار بظهر آدمي جالس أو قائم، أو بدابة لا إلى مصحف أو سيف، وحيلة الراكب: أن ينزل فيجعل الدابة بينه وبين المصلي، فتصير سترة، فيمر. ومن احتاج إلى المرور بين يدي المصلي، ألقى شيئاً بين يدي المصلي، ثم يمر من ورائه.
وقال المالكية أيضاً: أقلها طول الذراع في غلظ الرمح، بشرط أن تكون بشيء ثابت، طاهر، وكره النجس، لا يشوش القلب، فلا يستر بصبي لا يثبت، ولا بامرأة، ولا إلى حلقة المتكلمين، ولا بسوط وحبل ومنديل ودابة غير مربوطة، ويجوز الاستتار بالإبل والبقر والغنم المربوطة، لأنها عندهم طاهرة الفضلة، ولا يجوز الاستتار بخط في الأرض ولا حفرة. بدليل ما روي عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد، يأمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي إليها الناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر" متفق عليه، وعن أبي جحيفة قال: "وبين يديه عَنَزة" وهي عصا قصيرة فيها زُجّ(2). متفق عليه.
ويكره عندهم الاستتار بظهر امرأة أجنبية أو كافر، ويجوز من غير كراهة الاستتار برجل غير كافر، أو بامرأة محرم على الراجح.
وقال الشافعية: يستحب أن يصلي إلى شاخص قدر ثلثي ذراع طولاً وإن لم يكن له عرض كسهم، لخبر: "استتروا في صلاتكم ولو بسهم" رواه الحاكم، ولا يستتر بدابة.
وقال الحنابلة كالحنفية والمالكية: قدر السترة في طولها ذراع أو نحوه، وأما قدرها في الغلظ والدقة فلا حد عندهم، فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم والحربة، وغليظة كالحائط، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر بالعنزة.
واستدل الشافعية والحنابلة على إجزاء الخط بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا صلى أحدكم، فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينْصِب عصاً، فإن لم يكن معه عصا، فليخط خطاً، ولا يضره ما مر بين يديه" رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
وصفة الخط عند الشافعية: أنه مستقيم طولاً. وعند الحنابلة: أنه مثل الهلال عرضاً كالقنطرة، وقال بعض الحنابلة: كيفما خطه أجزأه، إن شاء معترضاً وإن شاء طولاً.
وإن كان معه عصا، فلم يمكنه نصبها، ألقاها عند الجمهور عرضاً، لأن هذا في معنى الخط، فيقوم مقامه. وقال المالكية: لابد من وضعها منصوبة.
وأجاز الحنابلة أن يستتر ببعير أو حيوان أو إنسان، وفعله ابن عمر وأنس، بدليل ما روى ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى بعير" رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض راحلته، ويصلي إليها" قال: قلت: فإذا ذهب الركاب؟ قال: يعرض الرحل، ويصلي إلى آخرته، فإن استتر بإنسان، فلا بأس، فإنه يقوم مقام غيره من السترة.
وعن نافع قال: "كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية من سواري المسجد، قال: ولّني ظهرك". رواه البخاري.
وروي عن حميد بن هلال قال : "رأى عمر بن الخطاب رجلاً يصلي، والناس يمرون بين يديه، فولاه ظهره، وقال بثوبه هكذا، وبسط يديه هكذا، وقال: صل ولا تعجل.
والخلاصة: أنه يصح الاستتار بظهر آدمي أو امرأة عند الحنفية والمالكية، وقال الحنابلة: يصح الاستتار بالآدمي مطلقاً، ويصح عند الجمهور الاستتار بسترة مغصوبة ولا يصح بها وتكره الصلاة إليها عند الحنابلة، ويصح الاستتار عند الجمهور بالسترة النجسة، ولا يصح ذلك عند المالكية، ويصح بالاتفاق الاستتار بجدار.
6- استقبال وجه الإنسان أو الصلاة إلى نار أو صورة أو امرأة تصلي:
اتفق الفقهاء على أنه يكره أن يصلي مستقبلاً وجه إنسان، لأن عمر رضي الله عنه أدب على ذلك، وفي حديث عائشة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حذاء وسط السرير، وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة، فأكره أن أقوم، فاستقبله، فأنسل انسلالاً" متفق عليه، ولأنه شبه السجود لذلك الشخص. والكراهة فيه عند الحنفية تحريمية.
ويكره اتفاقاً أن يصلى إلى نار من تنور، وسراج وقنديل وشمع ومصباح ونحوها، لأن النار تعبد من دون الله، فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها.
وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة في وجهك، لأن الصورة تعبد من دون الله، وقد روي عن عائشة قالت: "كان لنا ثوب فيه تصاوير، فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فنهاني: أو قالت: كره ذلك" ولأن يكون في القبلة شيء معلق، مصحف أو غيره، ولا بأس أن يكون موضوعاً على الأرض. وقال الحنفية: لا بأس بأن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق، لأنهما لا يعبدان. ولا بأس أن يصلي على بساط فيه تصاوير، لاستهانته بها.
ويكره أن يصلي، وأمامه امرأة تصلي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أخروهن من حيث أخرهن الله". أما في غير الصلاة، فلا يكره لخبر عائشة المتقدم. وروى أبو حفص بإسناده عن أم سلمة قالت: "كان فراشي حيال مصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم".
7- المسافة بين السترة والمصلي:
يستحب عند الجمهور أن يقرب المصلي من سترته قدر ثلاثة أذرع فأقل من ابتداء قدميه، لحديث بلال: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة، فصلى بينه وبين الجدار نحوٌ من ثلاثة أذرع" رواه أحمد والنسائي، وروى الإسماعيلي عن سلمة: "كان المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين حائط القبلة إلا قدر ما تمر العنز" وممر العنز: ثلاثة أذرع.
وقال المالكية: يجعل بينه وبينها قدر ممر الهر أو الشاة، وقيل: ثلاثة أذرع. للحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد: "كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر شاة".
8- موقف المصلي من السترة:
السنة باتفاق المذاهب الأربعة: أن يميل المصلي عن السترة يميناً أو يساراً، بحيث لا يقابلها، ولا يصمُد لها صمداً (أي لا يجعلها تلقاء وجهه)، لما روى أبو داود عن المقداد بن الأسود، قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى عود أو إلى عمود، ولا شجرة، إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمُد له صَمْداً" أي لا يستقبله، فيجعله وسطاً.
9- المرور بين يدي المصلي:
قال الحنفية: يكره تحريماً المرور بين يدي المصلي، ويأثم المار في موضع سجود المصلي، إذا اتخذ سترة، دون أن يكون بينهما حائل كعمود أو جدار، وتحاذت بعض أعضاء المار أعضاء المصلي كمحاذاة رأس المار قدمي المصلي، وذلك إذا كان يصلي في الصحراء. ولو مر رجلان، فالإثم على من يلي المصلي.
فإن مر إنسان فيما بعد موضع سجود المصلي، أو لم يكن المصلي متخذاً سترة، أو وجد حائل ولو ستارة، أو لم تتحاذ كل أعضاء المار مع أعضاء المصلي بأن مشى جانبه، أو مر في المسجد وراء السترة، لم يحرم المرور ولم يأثم المار، لأن المؤثم المرور بين يدي المصلي، ولأن المسجد كبقعة واحدة، ويجوز المرور بين يدي المصلي لسدّ فرجة في الصف.
كذلك يكره للمصلي أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه، بأن يصلي بدون سترة في طريق مثلاً، فيأثم بمرور الناس بين يديه بالفعل، لا بترك السترة، فلو لم يمر أحد لا يأثم، لأن اتخاذ السترة في ذاته ليس واجباً.
ومن الذي يأثم؟ المصلي أم المار؟ هناك صور أربعة: الأولى: إثم المار وحده: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلين ولم يتعرض المصلي لذلك، فيختص المار بالإثم إن مر. الثانية: إثم المصلي وحده: وهي عكس الأولى: أن يكون المصلي تعرض للمرور وليس للمار مندوحة عن المرور، فيختص المصلي بالإثم دون المار. الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة، فيأثمان. الرابعة: ألا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة، فلا يأثم واحد منهما.
وقال المالكية: يأثم المار بين يدي المصلي فيما يستحقه من محل صلاته، سواء صلى لسترة أم لا، ما لم يكن محرماً بصلاة، فيجوز له المرور لسد فرجة بصف أو لغسل رعاف، وما لم يكن طائفاً بالبيت الحرام، فلا حرمة على الطائف والمصلي إذا مَرَّا بين يدي المصلي، ولو كان لهما مندوحة، أي سعة وطريق يمران فيهما. وحرمة المرور هذه إذا كان للمار مندوحة أي سعة وطريق آخر يمر فيه. فإن لم يكن له طريق إلا ما بين يدي المصلي، فلا إثم عليه إن احتاج للمرور، وإلا أثم.
ويأثم مصل تعرَّض بصلاته من غير سترة في محل يظن به المرور، ومرَّ بين يديه أحد.
وقد يأثمان معاً إن تعرض بغير سترة، وكان للمار مندوحة.
وقد يأثم أحدهما، فيأثم المصلي إن تعرض، ولا مندوحة للمار، ويأثم المار إن كان له مندوحة ولم يتعرض المصلي، أي إن قصر أحدهما دون الآخر أثم وحده.
وقد لا يأثم واحد منهما إن اضطر المار، ولم يتعرض المصلي.
وقال الشافعية: الصحيح تحريم المرور إن اتخذ المصلي سترة، وإن لم يجد المار سبيلاً آخر، لخبر أبي جهم الأنصاري: "لو يعلم المار بين يدي المصلي (أي إلى السترة) ماذا عليه من الإثم، لكان أن يقف أربعين خريفاً، خيراً له من أن يمر بين يديه" رواه البخاري ومسلم.
ويكره تعرض المصلي بصلاته في موضع يحتاج للمرور فيه.
وقال الحنابلة: يأثم المار بين يدي المصلي، ولو لم يكن له سترة، لحديث أبي جهم الأنصاري السابق. ويكره تعرض المصلي لمكان فيه مرور، كما قال الشافعية.
المرور أمام المصلي في أثناء الطواف: اتفق الفقهاء على أنه يجوز المرور بين يدي المصلي للطائف بالبيت أو داخل الكعبة أو خلف مقام إبراهيم عليه السلام، وإن وجدت سترة، وأضاف الحنابلة أنه لا يحرم المرور بين يدي المصلي في مكة كلها وحرمها.
10- موضع حرمة المرور:
قال الحنفية: إن كان يصلي في الصحراء أو في مسجد كبير، فيحرم المرور بين يديه، من موضع قدمه إلى موضع سجوده. وإن كان يصلي في بيت أو مسجد صغير (وهو ما كان أقل من أربعين ذراعاً)، فإنه يحرم المرور من موضع قدميه إلى حائط القبلة، لأنه كبقعة واحدة، إن لم يكن له سترة.
فلو كانت له سترة لا يضر المرور وراءها.
ولا يجعل المسجد الكبير أو الصحراء كمكان واحد، لأنه لو جعل كذلك، لزم الحرج على المارة، فاقتصر على موضع السجود.
وقال المالكية: إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبين سترته، ولا يحرم من ورائها، وإن صلى لغير سترة، حرم المرور في موضع قيامه وركوعه وسجوده فقط.
وقال الشافعية: يحرم المرور فيما بين المصلي وسترته بقدر ثلاثة أذرع فأقل.
وقال الحنابلة: إن اتخذ المصلي سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت، وإن لم يتخذ سترة حرم المرور في مسافة بقدر ثلاثة أذرع من قدمه.
11- دفع المار بين يدي المصلي:
يرى أكثر العلماء أن للمصلي منع المار بين يديه ودفعه، لما ثبت في السنة من الأحاديث الصحيحة، منها ما رواه ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمرّ بين يديه، فإن أبى فلْيقاتلْه، فإن معه القَرين" رواه مسلم وابن ماجه.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلَّى أحدكم إلى شيء يستُره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان" رواه البخاري ومسلم أي من فعل الشيطان.
ولكن اختلف الفقهاء في أفضلية دفع المار:
فقال الحنفية: هو رخصة، والأولى تركه، والعزيمة ترك التعرض له. أما الأمر بمقاتلة المار فكان في بدء الإسلام حين كان العمل في الصلاة مباحاً، فهو منسوخ.
وإذا أراد الرجل الدفع عملاً بالرخصة: دفع بالإشارة، أو التسبيح، أو الجهر بالقراءة، ولا يزاد عليها، ويكره الجمع بينهما. وتدفع المرأة بالإشارة أو بالتصفيق لا بباطن الكفين، وإنما ببطن اليمنى على ظهر اليسرى.
ودليل الدفع بالإشارة: ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم بولدي أم سلمة رضي الله عنها رواه ابن ماجه. ودليل الدفع بالتسبيح حديث: "من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء". وراه البخاري ومسلم.
وقال المالكية: يندب للمصلي أن يدفع المار بين يديه دفعاً خفيفاً فإن كثر أبطل صلاته، ولو دفعه فأتلف له شيئاً، كما لو خرق ثوبه أو سقط منه مال، ضمن على المعتمد، ولو دفعه دفعاً مأذوناً فيه.
وقال الشافعية والحنابلة: يسن للمصلي أن يدفع المار بينه وبين سترته، عملاً بالأحاديث الثابتة المتقدمة، ويضمن المصلي المار إن قتله أو آذاه. هذا ولا يرد المار بين يدي المصلي في مكة والحرم، بدليل ما روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي عن المُطّلِب بن وَدَاعة: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي مما يلي باب بني سهم والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سُترة".
12- هل المرور بين يدي المصلي يقطع الصلاة؟
اتفق ائمة المذاهب الأربعة على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطعها ولا يبطلها، وإنما ينقص الصلاة إذا لم يرده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع صلاة المرء شيء، وادرءوا ما استطعتم".
وقال الإمام أحمد: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم، قال معاذ ومجاهد: الكلب الأسود شيطان، وهو يقطع الصلاة.
واقتصر الحنابلة على بطلان الصلاة بمرور الكلب الأسود، لمعارضة هذين الحديثين بحديث الفضل بن عباس عند أبي داود المتضمن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أمام حمار، وحديث عائشة السابق المتضمن صلاة الرسول عليه وهي معترضة بينه وبين القبلة، وحديث ابن عباس السابق المتفق عليه الذي مر راكباً على حمار، ثم نزل وترك الأتان ترتع بين الصفوف، فبقي الكلب الأسود خالياً عن معارض فيجب القول به لثبوته، وخلوه عن معارض.
________________
(1) العنزة : أطول من العصا، وأقصر من الرُّمح.
(2) الزج : الحديدة التي في أسفل الرمح.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 04-30-2019 الساعة 10:01 AM