عقوبة العائن
عقوبة العائن
د . عارف الشيخ
تنطوي بعض النفوس البشرية على الحقد والبغضاء تجاه الآخرين، بسبب الجاه أو المال أو الصحة أو الجمال ،أو أي نعمة وهبها الله لبعض الناس، وحرم منها بعض الناس لحكمة يعرفها رب العالمين وحده .
تتحرك دوافع الحسد في نفس مثل هذا الحاقد، فيتمنى زوال تلك النعمة التي يتمتع بها الآخر، ومع تحرك كوامن النفس الخبيثة، تنتقل آثار غير مرئية من عين الحاقد الحاسد إلى نفس المحسود، فتصيبه في صحته أو جاهه أو ماله .
لذلك عرّف ابن حجر العسقلاني العين في فتح الباري (ص 169 ج10)، بأنها “نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر” .
وعرّفها المنوفي في “حاشية العدوي على شرح رسالة ابن أبي زيد” (ص 351 ج2)، بأنها “سم جّعله الله في عين العائن، إذا تعجب من شيء ونطق به، ولم يبارك في ما تعجب منه” .
وضرر العين ثابت بفي لكتاب والسنة، فالله تعالى قال “وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم” (الآية 51 من سورة القلم) .
وقال المفسرون إن معنى “ليزلقونك” أي يعتانونك بعيونهم الحاسدة الحاقدة .
وفي الحديث الصحيح “العين حق” (رواه البخاري) .
وقد يقول قائل إن العائن لا يقدر على إيقاع الضرر، لأن الله هو مقدر النفع والضر، فأقول له ما قال ابن العربي المالكي في شرحه على سنن الترمذي “يخلق الله عند نظر العائن إلى المعاين، وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة” .
وإذا كان وقوع ضرر العين ثابتاً شرعاً، فإن الوقاية منه ومعالجته ثابتتان أيضاً بالشرع، فالله تعالى أنزل سورة الفلق، وفيها الاستعاذة من العائن، قال تعالى “ومن شرّ حاسٍد إذا حسد” .
وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بقوله “أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة” (رواه البخاري)، وكان يعلّم أصحابه أن يدعوا بالبركة إذا نظروا إلى شيء وأعجبهم، كما حصل من عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف، حيث قال الرسول لعامر “علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا برّكت (أي دعوت له قائلاً بارك الله فيك)، عندما رأيت جمال جسمه وبياض لونه؟” .
ثم أمر عامراً أن يتوضأ ويصب ذلك الماء على جسم سهل، فلما فعل ذلك عاد سليماً كما كان .
إذن فإن علاج المصاب بالعين إذا عرفنا العائن، هو كما ورد في الطب النبوي، أن يغسل العائن وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره في قدح، ثم يصب ذلك الماء على المصاب، ويكفأ القدح وراءه على ظهر الأرض .
أما إذا لم نعرف العائن فنلجأ إلى الرقية الشرعية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، في الجارية التي في وجهها سفعة “استرقوا لها فإن بها النظرة” (رواه البخاري) .
ومما يجب الانتباه له أن العائن كما يقول المالكية في فتاواهم، يعاقب إذا أتلف شيئاً بعينه، وإذا قتل بعينه كان عليه القصاص أو الديّه، وقد قال ابن بطال كما ورد في “شرح الزرقاني على الموطأ”، إن على الحاكم أن يمنع العائن من مخالطة الناس، لأن ضرره أشد من ضرر المجذوم وآكل البصل الذي يمنع من دخول المساجد.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات