"الراس" صورة الماضي العريق والحاضر المتطور
تحدت البحر فقسمها إلى شطرين
"الراس" صورة الماضي العريق والحاضر المتطور
زيارة: أيهم اليوسف
شاطئها الرملي البديع مكان لجلسات السمر في الليالي المقمرة .
وعلى صفحات مياهها الزمردية تنعكس تلك الصورة المختلطة بين الماضي العريق والحاضر المتطور . أنماطها المعمارية نادرة وتقليدية ومتميزة، وعلى سبيل المثال “بيت بن دلموك” و”بيت الحاي” أما عن أسواقها الحاضرة فحدث ولا حرج من “سكة الخيل” مروراً بالمناظر وحتى التمر والعطارين . هي تلك المنطقة التي يعود تاريخها إلى عام 1841 وهي صاحبة الإطلالة المباشرة على البحر التي جعلتها من أشهر المناطق السياحية في دبي .
هي “منطقة الراس” الراقدة على ضفاف خور دبي .
تضم “منطقة الراس” المدرسة الأحمدية ومسجد بن لوتاه اللذين يمثلان مركز المنطقة وواسطة عقدها، ومن حيث النمط المعماري، فهي تشمل مجموعة من المباني التقليدية لكبار التجار مثل بيت “بن دلموك” و”بيت الحاي”، و”بيت العقلي” و”بيت التراث” وغيرها، مشكلة بذلك أنماطاً تقليدية متميزة ونادرة في نسيج عمراني حيوي، الأمر الذي استوجب الحفاظ عليها ورعايتها، لتصبح المنطقة اليوم معلماً سياحياً مرموقاً، ومحط أنظار المهتمين بالتراث . وقد أضفى خور دبي صفة الاستقرار للمكان وأدى بدوره إلى نزوح التجار من مختلف المناطق المجاورة والإقامة في المدينة سعياً وراء هذا الاستقرار .
ويوضح “رشاد بوخش”، مدير إدارة التراث العمراني في دبي، أنه في تحدٍ هادئ للأمواج نشأت المدينة على حساب البحر، واخترقها لسان مائي بحري خلاب وقسمها إلى شطرين، الشطر الشمالي ويسمى ديرة والشطر الجنوبي ويسمى بر دبي . وهذا اللسان منح مدينة دبي جمالها وميزها عن المدن الأخرى، فعلى صفحات مياهه الزمردية تنعكس صورة الماضي العريق بعمارته القديمة والحاضر الزاهر حيث الأسواق والمباني التجارية، وهو يعد من أكثر مرافئ الخليج العربي نشاطاً في عمليات التصدير .
وبعد أن انتقلت حركة الملاحة التجارية إليها، بدأت دبي تهيئ نفسها بإنشاء الجمارك والأسواق المتفرقة حيث ارتبطت تلك المؤسسات الاقتصادية بالبحر ما شكل بصورة أو بأخرى إمكان امتدادها العمراني الخطى على طرفي الخور فظهرت فيها الأسواق المختلفة والتي تطورت مع التطور العمراني المتسارع عليها وغلب على معظمها الطابع التخصصي كسوق سكة الخيل وسوق المناظر وسوق التمر وسوق العطارين وغيرها، وكانت عمارة الأسواق القديمة تعتمد في بنائها على الجص المحروق الذي يقاوم الرطوبة وعلى الخيام والعريش واحتوت على جميع عناصر العمارة التقليدية ما أضفى عليها طابعاً مميزاً .
أسواق
من الأسواق الشهيرة المستمرة حتى يومنا سوق مرشد وسوق نايف إلى جانب سوق الذهب والسوق الكبير في منطقة ديرة، الذي شيد في عام 1850 ويمثل جزءاً من المركز التاريخي للمدينة ويطل بواجهة عريضة على الضفة الشمالية لخور دبي الشهير مما كان له التأثير الكبير في التكوين المعماري والصورة العمرانية للمكان، ولاتزال مجموعة من الدكاكين لبيع السجاد والمنسوجات والأدوات المنزلية إلى جانب البهارات والأعشاب الطبيعية .
ووفقاً للمقابلات التاريخية فقد تم رصد كل الأبواب الموجودة في المنطقة وقد بلغت ستة أبواب، ويعد السوق الكبير في الطرف الآخر في الخور - منطقة بر دبي - من أقدم وأهم الأسواق التي عرفتها المدينة والتي أنشئت بغرض تكامل البنية والخدمات الاقتصادية لمسايرة احتياجات المجتمع ومنطقة الخليج في فترات حضارية مختلفة، حيث كانت تتم من خلال هذا السوق المعاملات التجارية ذات الطابع الموسع، وتتمازج عبرهما صورة النموذج السكني والتجاري في إطار تخطيطي وعمراني شامل تتفاعل فيه مختلف المباني مع مجموعة العناصر المعمارية التي عرفت وميزت طابع العمارة التقليدية لإمارة دبي في فترات ذروتها التاريخية بين براجيل الهواء والزخارف الجصية المختلفة والتشكيلات المتناغمة للفراغات المعمارية، هذا إلى جانب تفاعل المنطقة بين الخور والأبراج القديمة للمدينة لكي تتكامل بنية المجتمع اقتصادياً مع مقومات الدفاع عنها .
ويقول محمد عامر رجب، مهندس تصميم أعمال الترميم في إدارة التراث العمراني في دبي: عملنا على ترميم السوق على مراحل عدة، وشملت الأساسات والجدران والأسقف وقد استخدمت المواد والأساليب التقليدية في أعمال الترميم وإزالة الإضافات المعمارية المستحدثة إلى جانب تنظيم اللافتات التي تشوه التركيب التشكيلي للمنطقة، وسعى المشروع أيضاً لأن تكون الواجهات وفق الطابع التقليدي الذي قامت عليه المباني بمختلف أنماطها وطرازها في تناسق معماري مناسب .
وقمنا بمشروع إحياء منطقة الراس للحفاظ على المباني التقليدية المحيطة بالمدرسة الأحمدية مع المحافظة على الملامح التخطيطية العامة للمنطقة التقليدية، مع مراعاة التكوين التصميمي للأزقة “السكيك” التقليدي، والحفاظ على النسب الفراغية والمصمتة من حوله .
تجارة
ويقول “أحمد عبدالله العوضي”، صاحب شركة تجارية لبيع الأدوات المنزلية في السوق الكبير بمنطقة الراس منذ 40 سنة: في بداية القرن الماضي كانت حركة التجارة في دبي تنصب في منطقة الراس، نظراً لقربها من مكان تفريغ البضائع المقبلة من الدول الصناعية عبر البحر .
واشتهرت المنطقة بتجارة التمور والفواكه والرز والقماش والأدوات المنزلية والإكسسوارات ومواد البناء، منها ما كانت تستهلك محلياً ومنها ما يتم شحنها إلى دول مجاورة عبر البحر أيضاً . وكان العمانيون يقصدون دبي عبوراً إلى السعودية والكويت للعمل، وفي طريق عودتهم كانوا يتسوقون هنا .
وقد بدأت التجارة الحقيقة في الستينات، إذ قدمت بواخر عظيمة من كل أنحاء العالم، ولكن لم يكن يوجد ميناء لوقوف تلك البواخر فيها، لذا كانت البواخر الصغيرة “تك” تبحر باتجاه البواخر الكبيرة وتسحب معها حمالة كبيرة “دوبا” لتفريغ الحمولة فيها وسحبها إلى ميناء خور دبي، إلى أن افتتح ميناءا راشد وجبل علي في السبعينات، وتطور وضع التجارة كثيراً .
وفي الفترة الممتدة بين بداية القرن الماضي وخمسيناته عمل الكثير من أهالي المنطق في اللؤلؤ، إذ إنهم كانوا يذهبون في رحلة صيد بحرية تستغرق أربعة أشهر من أجل الحصول عليه .
وإلى بداية الخمسينات لم يكن يوجد الكهرباء، أما الماء فقد كان هناك من يعملون بأنفسهم إضافة لشركات حفر الآبار في “مصلى نايف” ويستخرجون منها مياه الشرب لمدة يومين فقط، لأنها كانت تصاب بالملوحة، إذ يتم تفريغ الماء في “براميل” من الحديد يساوي الواحد منها أربع “غالونات” يحمل الدابة أربعة منها لإيصالها لأهالي المنطقة مقابل “روبية” للبرميل الواحد .
وفي بداية الستينات ظهرت شركة محلية لتوفير خدمة الكهرباء، إلا أنها ضعيفة ولا تفي حاجة جميع السكان، ومن حصل عليها كان بإمكانه استخدام مصباح أو مصباحين فقط للإنارة . ويؤكد أن منطقة الراس تعد حالياً منطقة أثرية ومازالت محافظة على مكانتها في التجارة العالمية، ونتج عن ذلك ضغط سكاني كبير عليها، ما دفع بسكانها المواطنين إلى اللجوء لمناطق أخرى للسكن، هرباً من الضغط وبحثاً عن الراحة والهدوء .
ويقول “عبدالرحمن محمد أمين، تجارة خردوات في السوق الكبير بمنطقة الراس منذ عام 1970: اشتهر السوق سابقاً بمسمى سوق الفحم، وأغلبية سكان المنطقة من المواطنين والجنسيات الأخرى كانوا يعملون في التجارة، إذ كان الاعتماد على الدواب في نقل البضائع بدلاً من السيارة، ورغم محافظته على ملامحه القديمة، إلا أننا مازلنا نبيع القليل من الأشياء التراثية التي اشتهر بها السوق .
وكان عدد المحال التجارية قليل جداً، لذا فقد كانت العلاقات بين أصحابها قوية وللبساطة حضور أقوى في طبيعة علاقاتنا مع بعض، إذ كان السوق يفتتخ في الساعة السادسة صباحاً إلى الثانية عشرة ظهراً، لتبدأ فترة استراحة الغذاء والصلاة لنعاود إلى السادسة مساء، حيث كنا نؤدي صلاة المغرب ونتوجه إلى بيوتنا، لتتوقف دورة الحياة في السابعة أو الثامنة .
وفي أيام العطل والمناسبات كنا نتوجه إلى الشاطئ للسباحة، ونستأجر من إحدى المحال التجارية دراجات هوائية لمدة ساعة مقابل درهم واحد، نتجول بها في الطرق الخاوية من السيارات، إذ كان لقيادتها في “ميدان بني ياس” بمسماها القديم “ميدان ناصر” مذاق خاص .
ويشير إلى أنه في الجهة الخلفية للسوق كان يوجد سوق صغير باسم “سوق المناظر”، حيث كان يضع الباعة طاولات صغيرة تحمل بضائع منزلية بسيطة وألعاب الأطفال، ويجلسون على كراسي تحت مظلات في الهواء الطلق، للاحتماء من أشعة الشمس .