أبو الحسين النورى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو الحسين النورى
؟ - 295 للهجرة
أبو الحسين أحمد بن محمد النوري البغدادي. لم يكن في وقته أحسن طريقة منه، ولا ألطف كلاماً.
صحب السري وابن أبى الحواري. وكان من أقران الجنيد، كبير الشأن. مات قبل الجنيد، في سنة خمس وتسعين ومائتين.
والنورى نسبة إلى " نور " ، بليدة بين بخاري وسمرقند؛ ويقال: لنور كان بوجهه فنسب اليه، وقيل: قيل له النوري لحسن وجهه.
سئل عن أدب المعرفة. فقال: " لا تصل إلى أول مبدأ حواشي المعرفة حتى تخوض إلى الله سبعة بحار من نيران، بحراً بعد بحر؛ فعسى بذلك يقع لك أوائل بدو علم المعرفة " .
وقال: " إذا امتزجت نار التعظيم مع نور الهيبة في السر هاجت ريح المحبة من حجب العطف على النار والنور، فيظهر فيه الاشتياق، وتتلاشى البشرية، فيتولد من ذلك المثابرة " .
ومن كلامه: " التصوف ترك كل حظ للنفس " .
وأنشد لنفسه:
إلى الله أشكو طول شوقي وحيرتي ... ووجدي بما طالت على مطالبه
ومن قد برى جسمى، وكدر عيشي ... ويمنعني الماء الذي أنا شاربه
فيا ليت شعري! ما الذي فيه راحتى؟! ... وما آخر الأمر الذي أنا طالبه؟!
وقال، في قوله تعالى: )وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم(: " أوفوا بعهدي في دار محبتي، على بساط خدمتى، بحفظ حرمتي، أوف بعهدكم في دار نعمتي، على بساط قربتي، بسرور رؤيتي " .
ومكث عشرين سنة، يأخذ من بيته رغيفين. فيخرج إلى سوقه فيتصدق بهما، ويدخل إلى مسجده، فلا يزال يركع حتى يحيء وقت سوقه، فيذهب أليه. فيظن أهل سوقه أنه تغدى في منزله، وأهل بيته أنه اخذ معه غداءه، وهو صائم.
ودخل الماء ليغتسل، فجاء لص فأخذ ثيابه، فخرج فلم يجدها، فرجع إلى الماء. فلم يكن إلا قليلا حتى جاء بها، وقد جفت يده اليمنى، فلبسها وقال: " سيدي! قد رد ثيابي فرد عليه يده! " فردت ومضى.
ولما سعى بالصوفية إلى الخليفة، وأمر بضرب أعناقهم، تقدمهم النوري، وقد بسط النطع، فقال له السياف: " لا أدرى لماذا تبادر؟! وما الذي يعجلك؟ " قال: " أوتر أصحابي على بحياة ساعة! " فتحير السياف، وأنهى خبرهم إلى الخليفة، فرد أمرهم إلى القاضي. فألقى القاضي يومئذ على أبى الحسين مسائل فقهية. فأجاب عنها، ثم قال: " وبعد! فان لله عباداً اذا قاموا قاموا بالله، واذا نطقوا نطقوا بالله! " وسرد ألفاظاً حتى أبكى القاضى. فأرسل إلى الخليفة، وقال: " إن كان هؤلاء زنادقة، فما على وجه الأرض موحد! " فخلى سبيلهم.
وقال: " حيل بيني وبين قلبي أربعين سنة، ما اشتهيت شيئاً، ولا تمنيت شيئاً، ولا استحسنت شيئاً منذ عرفت ربى " .
وأنشد لنفسه:
ذكرت ولم أذكر حقيقة ذكره ... ولكن بوادي الحق تبدو فأنطق
اذا ما بدا ذكر لذكر ذكرته ... يغيبني عن ذكر ذكرى فأغرق
وأغرق بالذكر الذي قد ذكرته ... عن الذكر، بالذكر الذي هو أسبق
وروى أن زيتونة، خادمة أبي الحسين، واسمها فاطمة - وكانت تخدم الجنيد وأبا حمزة - قالت: " جئت يوماً إلى النوري، وكان يوماً شديد البرد والريح، فوجدته في المسجد وحده جالساً. فأمرني بإحضار خبز ولبن، فأحضرته. وكان بين يديه قصعة فيها فحم، فقلبه بيده وهو مشتعل، ثم أخذ الخبز واللبن، فجعل اللبن يسيل على يديه، وفيها سواد الفحم، فقلت: " يا رب! ما أقذر أولياءك! ما فيهم أحد نظيف! " . قالت: " ثم خرجت من عنده، فتعلقت بى امرأة وقالت: " سرقت رزمة ثياب! " . وجروني إلى الشرطي. فأخبر النوري بذلك، فخرج وقال: " لا تتعرض لها، فأنها ولية من أولياء الله " . فقال الشرطي: " كيف أصنع والمرأة تدعى ذلك؟! " . قالت: " فجاءت جارية ومعها الرزمة المطلوبة " . وانطلق النوري بزيتونة، وقال لها: " تقولين - بعد هذا - يا رب! ما اقذر أولياءك؟! " ، فقالت: " قد تبت " .
واعتل النوري، فبعث الجنيد بصرة فيها دراهم وعاده، فردها النوري. ثم اعتل الجنيد، فدخل عليه النوري عائداً، فقعد عند رأسه، ووضع يده على جبهته، فعوفي في ساعته. فقال النورى للجنيد: " إذا زرت إخوانك فأرفقهم بهذا البر " .
وروى أنه أصابته علة، وأصابت الجنيد علة، فالجنيد أخبر عن حاله، والنورى كتم، فقيل له: " لم لم تخبر كما اخبر صاحبك؟ " فقال: ما كنا لنبتلى ببلوى فنوقع عليها اسم الشكوى؛ ثم أنشد:
أن كنت للسقم أهلا ... قد كنت للشكر أهلا
عذب فلم يبق قلب ... يقول للسقم: مهلا
فأعيد ذلك على الجنيد، فقال: " ما كنا شاكين، ولكنا أردنا أن نكشف عن عين القدر فينا " . ثم أنشد يقول:
أجل ما عنك يبدو ... لأنه عنك جلا
وأنت، يا أنس قلبي ... أجل من أن يجلا
أفنيتني عن جميعي ... فكيف أرعى المحلا
فبلغ ذلك الشبلى، فأنشأ يقول:
محنتي فيك أنني ... لا أبالي بمحنتي
يا شفائي من السقام، وان كنت على ... تبت دهراً، فمذ عرفتك ضيعت توبي
قربكم مثل بعدكم ... فمتى وقت راحتي؟!
وروى انه اجتمع الجنيد والنورى ورويم وابن وهب وغيرهم في سماع، فمضى بعض الليل وأكثره، فلم يتحرك أحد منهم، ولا أثر فيه القول. فقال النورى للجنيد: " يا أبا القاسم! هذا السماع يمر مراً ن ولا أرى وجداً يظهر! " فقال الجنيد: " يا أبا الحسين! )وتر الجبال الجبال يحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب( فأنت يا أبا الحسين، ما أثر عليك؟! " . فقال النورى: " ما بلغت مقامي في السماع " . فقال له الجنيد: " وما مقامك فيه؟ " فقال: " الرمز بالإشارة دون الإفصاح، والكناية دون الإيضاح " . ثم وثب وصفق بيديه، فقام جميع من حضر بقيامه ساعة.
وكان سبب وفاته أنه سمع هذا البيت:
لا زلت أنزل من ودادك منزلا ... تتحير الألباب دون نزوله
فتواجد وهام في الصحراء، فوقع في أجمة قصب قد قطع، وبقيت أصوله مثل السيوف؛ وكان يمشى عليها ويعيد البيت إلى الغداة، والدم يسيل من رجليه، ثم وقع مثل السكران، فورمت قدماه ومات.
وقال الحسين بن الفضيل: " حضرت النوري، وهو في الموت؛ فقلت: " ألك حاجة؟ أو في نفسك شهوة؟ " . فرفع رأسه، وقد انكسر لسانه، وقال: " أي والله! أشتهى شهوة كبيرة! " . قلت: " وما هي؟ " قال: " أشتهي أن أرى الله! " . ثم تنفس ثلاثاً عالياً، كالواجد بحاله، وفارق الدنيا " .
وأنشد النورى:
كم حسرة لي قد غصت مرارتها ... جعلت قلبي لها وقفاً لبلواكا
وحق ما منك يبليني ويتلفني ... لأبكيك أو أحظى بلقياكا
قلت: وأستاذه بنان بن محمد الحمال - بالحاء المهملة - أبو الحسن. أصله من واسط، ونشأ ببغداد، وسمع الحديث: ثم استوطن مصر، ومات بها في رمضان سنة ست عشرة وثلثمائة. وكان كبير الشأن صاحب كرامات.
ومن كلامه: " الحر عبد ما طمع، والحر حر ما قنع " .
وقال: " من أساء استوحش " .
وقال: " من كان يسره ما يضره متى يفلح؟ " .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات